العدد : ١٧١٥٧ - الجمعة ١٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٧ - الجمعة ١٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عندما تكون الإدارة الأمريكية أكثر تطرفا من حكومة نتنياهو

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

الخميس ١٣ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

هناك‭ ‬من‭ ‬يدعي‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ليست‭ ‬نظاماً‭ ‬سياسياً‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬شركة،‭ ‬شركة‭ ‬عظيمة‭ ‬يديرها‭ ‬تجار‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬الربح‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬القوانين‭ ‬والأخلاق،‭ ‬ويضيف‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬وحتى‭ ‬تضمن‭ ‬الاستمرار‭ ‬والنجاح‭ ‬والإقناع،‭ ‬فهي‭ ‬تمارس‭ ‬لعبة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المحسوبة‭ ‬والنخبوية‭ ‬والمضمونة‭ ‬أيضاً،‭ ‬وتسمح‭ ‬بحرية‭ ‬التعبير‭ ‬المؤطرة‭ ‬بخدمة‭ ‬نظام‭ ‬الشركة‭ ‬وصورتها،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬تغرق‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬خيارات‭ ‬قليلة،‭ ‬وتحركهم‭ ‬في‭ ‬هوامش‭ ‬ضيقة،‭ ‬وتعمي‭ ‬عيونهم‭ ‬بالمظاهر‭ ‬والتنافس‭ ‬الكذاب،‭ ‬ويضيف‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬تدير‭ ‬البلاد‭ ‬كما‭ ‬تدير‭ ‬البنك،‭ ‬وتتعامل‭ ‬مع‭ ‬الجمهور‭ ‬والعالم‭ ‬كما‭ ‬يتعامل‭ ‬البنك‭ ‬مع‭ ‬زبائنه‭. ‬

ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بهذا‭ ‬الوصف‭ ‬وبهذه‭ ‬الكيفية‭ ‬يكثر‭ ‬فيها‭ ‬جماعات‭ ‬الضغط‭ ‬وتكتلات‭ ‬المصالح،‭ ‬ولهذا‭ ‬فهي‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتغيير‭ ‬مواقفها‭ ‬من‭ ‬النقيض‭ ‬إلى‭ ‬النقيض‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬ذريعة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬اعتذار‭. ‬ولأن‭ ‬هدف‭ ‬الربح‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬الربح،‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬امتلاك‭ ‬كل‭ ‬مصادر‭ ‬القوة‭ ‬وكل‭ ‬منابع‭ ‬الثروة،‭ ‬وتريد‭ ‬أن‭ ‬تخيف‭ ‬المنافسين‭ ‬أو‭ ‬تقضي‭ ‬عليهم‭ ‬أو‭ ‬تحتويهم‭ ‬أو‭ ‬تستفيد‭ ‬منهم‭.‬

وأضيف‭ ‬أنا‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بمكان‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬أمريكية‭ ‬خالصة،‭ ‬فالهوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المدعاة‭ ‬هي‭ ‬تجمع‭ ‬لعرقيات‭ ‬وإثنيات‭ ‬كثيرة‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬قانون‭ ‬صارم‭. ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬وحتى‭ ‬تستمر‭ ‬وتقنع‭ ‬فقد‭ ‬خلقت‭ ‬مؤسسات‭ ‬فاعلة‭ ‬لتصهر‭ ‬العرقيات‭ ‬إن‭ ‬استطاعت،‭ ‬ولتضمن‭ ‬الهدوء‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭. ‬يعني‭ ‬باختصار،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬شركة‭ ‬قوية‭ ‬لها‭ ‬مؤسسات‭ ‬قوية‭ ‬وقانون‭ ‬صارم‭ ‬لتضبط‭ ‬النزعات‭ ‬والهويات‭ ‬والسلوك‭ ‬بالانفصال‭ ‬أو‭ ‬الثورة‭ ‬أو‭ ‬كليهما،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬أسرار‭ ‬نجاح‭ ‬ترامب‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬أنه‭ ‬يحاول‭ ‬إيقاظ‭ ‬صورة‭ ‬باهتة‭ ‬لهوية‭ ‬أمريكية‭ ‬مسيحية‭ ‬أنجليكانية‭ ‬متطرفة‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬غير‭ ‬الانعزال‭ ‬والعنف‭ ‬والتطرف‭ ‬وسائل‭ ‬لها‭ ‬لتحديد‭ ‬هذه‭ ‬الهوية‭.‬

أقول‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬القرارات‭ ‬والتصريحات‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬ترامب‭ ‬وإدارته‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬مضت‭ ‬على‭ ‬دخوله‭ ‬للبيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لاستعادة‭ ‬قوة‭ ‬الشركة‭ ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليها،‭ ‬يحاول‭ ‬فرض‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬حلفائه،‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يبيع‭ ‬خدماته‭ ‬الأمنية،‭ ‬ويريد‭ ‬استرجاع‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إنفاقه‭ ‬في‭ ‬مغامرات‭ ‬وقرارات‭ ‬أمريكية‭ ‬سابقة،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬احتلال‭ ‬أراضٍ‭ ‬جديدة‭ ‬غنية‭ ‬بالثروات‭ ‬والمعادن،‭ ‬ويريد‭ ‬مصادرة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬للآخرين‭ ‬أيضاً،‭ ‬ويريد‭ ‬أن‭ ‬يوقف‭ ‬حروبا‭ ‬لا‭ ‬تهمه‭ ‬ولكنه‭ ‬يريد‭ ‬إشعال‭ ‬حروب‭ ‬أخرى‭ ‬تعنيه‭ ‬تماما،‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعزل‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقليص‭ ‬الإنفاق‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬غباءً،‭ ‬فعدم‭ ‬الإنفاق‭ ‬يعني‭ ‬انسحاب‭ ‬أمريكا‭ ‬وتخليها‭ ‬عن‭ ‬قوتها‭ ‬الناعمة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬الثقافي‭ ‬بعيد‭ ‬المدى‭. ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كفة،‭ ‬وما‭ ‬يعنينا‭ ‬كفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬كفة‭ ‬أخرى،‭ ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬دخل‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية،‭ ‬فقد‭ ‬عمد‭ ‬ترامب‭ ‬وخلال‭ ‬فترة‭ ‬قليلة‭ ‬جدا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

‭-‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬حفل‭ ‬التنصيب‭ ‬الرئاسي‭ ‬كبار‭ ‬وعتاة‭ ‬المستوطنين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬المحتلة‭.‬

‭-‬كان‭ ‬أول‭ ‬قراراته‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬إلغاء‭ ‬القانون‭ ‬الخاص‭ ‬بمعاقبة‭ ‬المستوطنين‭ ‬الذين‭ ‬يمارسون‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬الضفة‭.‬

‭- ‬سارع‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬كل‭ ‬الطلبات‭ ‬الخاصة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬والذخائر،‭ ‬والتي‭ ‬تفرض‭ ‬شروطا‭ ‬خاصة‭ ‬قانونية‭ ‬للسماح‭ ‬بها‭.‬

‭- ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬إعطاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬القنابل‭ ‬الخاصة‭ ‬بتفجير‭ ‬التحصينات‭ ‬الأرضية‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬تهديد‭ ‬واضحة‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭.‬

‭- ‬إطلاق‭ ‬يد‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬سلماً‭ ‬أو‭ ‬حرباً،‭ ‬وهي‭ ‬للحرب‭ ‬أقرب‭.‬

‭- ‬عدم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬أو‭ ‬إدانته‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

‭- ‬إطلاق‭ ‬اسم‭ (‬يهودا‭ ‬والسامرة‭) ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬سياسية‭ ‬وعسكرية‭ ‬غاشمة‭.‬

‭- ‬إطلاق‭ ‬يد‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬المعلنة‭ ‬ضد‭ ‬سوريا‭ ‬بالاحتلال‭ ‬أو‭ ‬التدخل‭.‬

‭- ‬دعوة‭ ‬الوزير‭ ‬‮«‬سموترتش‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬زيارة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬أمريكية‭ ‬لدعم‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭.‬

‭- ‬أخيراً،‭ ‬وليس‭ ‬آخراً،‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬فاقت‭ ‬كل‭ ‬التصورات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بطرد‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬استئجار‭ ‬القطاع‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬سياحية‭ ‬فاخرة‭. ‬

وهي‭ ‬تصريحات‭ ‬تلقفتها‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وسارعت‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬وحدة‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لتسهيل‭ ‬الهجرة‭ ‬الطوعية‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬وهو‭ ‬تعبير‭ ‬مخفف‭ ‬للطرد‭ ‬الفعلي‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجديدة‭ ‬تأتي‭ ‬هي‭ ‬مسكونة‭ ‬بدعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تملك‭ ‬وإعطائها‭ ‬وخاصة‭ ‬اليمين‭ ‬الديني‭ ‬المتطرف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إعطاؤه‭. ‬

مواقف‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأخيرة‭ ‬بشأن‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬أو‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مواقف‭ ‬تنسف‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وتريد‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬بالقوة‭ ‬السلام‭ ‬والهدوء‭ ‬والاستقرار‭ ‬والربح‭ ‬والاستثمار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬مهما‭ ‬كلف‭ ‬الأمر،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬أمريكا‭ ‬ليست‭ ‬قادرة،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬لا‭ ‬يتقنون‭ ‬التعامل‭ ‬بمنطق‭ ‬الشركات‭ ‬أيضا،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تخضع‭ ‬لجماعات‭ ‬ضغط‭ ‬مالية‭ ‬وعقائدية‭ ‬وتنفذ‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬تريد،‭ ‬فإن‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬‭ ‬طال‭ ‬الزمن‭ ‬أو‭ ‬قصر‭ ‬‭ ‬لديهم‭ ‬إجابات‭ ‬بالتأكيد‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات

‭ ‬المستقبلية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا