العدد : ١٧١٥٦ - الخميس ١٣ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٦ - الخميس ١٣ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دبلوماسية ترامب والتغييرات الصادمة!

بقلم: د. عصام عبدالفتاح

الأربعاء ١٢ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

أثار‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬دار‭ ‬بين‭ ‬ترامب‭ ‬وزيلينسكى‭ ‬بين‭ ‬أوساط‭ ‬المفكرين‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬عديدة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬دهشة‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬منحاه‭ ‬الدرامي‭ ‬العجيب،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنه‭ ‬يشذ‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬وعن‭ ‬المعتاد‭ ‬في‭ ‬المناقشات‭ ‬التي‭ ‬تجرى‭ ‬بين‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬خلال‭ ‬لقاءاتهم‭.‬

وبخلاف‭ ‬ما‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬حقق‭ ‬ملايين‭ ‬المشاهدات‭ ‬فهو‭ ‬قد‭ ‬كشف‭ ‬بوضوح‭ ‬أننا‭ ‬على‭ ‬عتبة‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬مختلف‭ ‬تمامًا‭ ‬عما‭ ‬تصوره‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬خبراء‭ ‬السياسة‭ ‬والاجتماع‭. ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬مثلًا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يومًا‭ ‬سيأتي‭ ‬تتصدع‭ ‬فيه‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭ ‬وهما‭ ‬اللذان‭ ‬ارتبطا‭ ‬بعلاقة‭ ‬تاريخية‭ ‬قوية‭ ‬الجذور‭ ‬تدشنت‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬وغيره؟‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬بمقدوره‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬يصير‭ ‬رئيسًا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شخص‭ ‬يدهس‭ ‬كل‭ ‬الأصول‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المستقرة‭ ‬ويضرب‭ ‬بأبسط‭ ‬مبادئها‭ ‬عرض‭ ‬الحائط؟

نحن‭ ‬بلا‭ ‬ريب‭ ‬أمام‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬ويرى‭ ‬البعض‭ ‬ان‭ ‬شخصيته‭ ‬وطريقته‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬تشبه‭ ‬بدرجة‭ ‬ما‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬شايلوك‮»‬‭ ‬في‭ ‬رائعة‭ ‬شكسبير‭ ‬المعروفة‭ ‬‮«‬تاجر‭ ‬البندقية‮»‬‭.‬

كان‭ ‬شايلوك‭ ‬تاجرًا‭ ‬نهمًا‭ ‬جشعًا‭ ‬لا‭ ‬هم‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬إلا‭ ‬جمع‭ ‬ثروة‭ ‬طائلة‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬لاأخلاقياتها‭. ‬ولم‭ ‬يجاوز‭ ‬مستشاره‭ ‬السابق‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬الجنرال‭ ‬هربرت‭ ‬ريموند‭ ‬ماكماستر‭ ‬الحقيقة‭ ‬عندما‭ ‬صرح‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬يناير‭ ‬الماضي‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬بأن‭ ‬السيد‭ ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬شريكًا‭ ‬له‭ ‬وإنما‭ ‬يراه‭ ‬منافسًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬مستغلًا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ينبغي‭ ‬إزاحته،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬أساليبه‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬ورؤيته‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬أي‭ ‬تعارض‭ ‬مع‭ ‬الأعراف‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التقليدية‭.‬

وقد‭ ‬بدت‭ ‬واضحة‭ ‬رؤيته‭ ‬الخاصة‭ ‬كتاجر‭ ‬سوق‭ ‬للأمريكيين‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬الغريبة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬نجله‭ ‬إلى‭ ‬جرينلاند‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬استقباله‭ ‬أشخاص‭ ‬يرتدون‭ ‬قبعات‭ ‬مطبوع‭ ‬عليها‭ ‬عبارة‭ ‬عريضة‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬لنجعل‭ ‬أمريكا‭ ‬عظيمة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‮»‬،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬سوى‭ ‬بضعة‭ ‬مأجورين‭ ‬جندتهم‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬للقيام‭ ‬بهذا‭ ‬الاستقبال‭ ‬الحافل‭ ‬مقابل‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬لهم‭ ‬وجبة‭ ‬طعام‭ ‬ساخنة‭ ‬وبعض‭ ‬العطايا‭. ‬

وعندما‭ ‬تم‭ ‬تنصيب‭ ‬ترامب‭ ‬رئيسًا‭ ‬أرسل‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬مباشرة‭ ‬السيد‭ ‬ستيفن‭ ‬ويتكوف‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬وأقدم‭ ‬شركائه‭ ‬في‭ ‬تجارة‭ ‬العقارات،‭ ‬ولا‭ ‬يتمتع‭ ‬بأي‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والسياسية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬لكي‭ ‬يتولى‭ ‬بنفسه‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بين‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وحركة‭ ‬حماس‭!‬

وثمة‭ ‬واقعة‭ ‬لفتت‭ ‬انتباه‭ ‬المعلقين‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬جرينلاند‭ ‬وبنما‭. ‬إذ‭ ‬برر‭ ‬رئيس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تهديداته‭ ‬بإقامة‭ ‬الحواجز‭ ‬الجمركية‭ ‬بحجة‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‮»‬‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يستحضر‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الحجة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬يرتبط‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬بالتجارة‭ ‬الخارجية‭ ‬وما‭ ‬تدره‭ ‬من‭ ‬أرباح‭ ‬هائلة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الدفاع‭ ‬والأمن‭ ‬القومي‭. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لترامب‭ ‬أن‭ ‬استخدم‭ ‬هذا‭ ‬التبرير‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬وحذا‭ ‬حذوه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬لإضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬التحول‭ ‬الحمائي‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬بند‭ ‬لم‭ ‬يستغل‭ ‬إلا‭ ‬نادرًا‭ ‬في‭ ‬الاتفاقية‭ ‬العامة‭ ‬القديمة‭ ‬بشأن‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬والتجارة‭ (‬الجات‭) ‬التي‭ ‬تبيح‭ ‬لأي‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬اتخاذ‭ ‬‮«‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬تراه‭ ‬ضروريًا‭ ‬لحماية‭ ‬المصالح‭ ‬الأساسية‭ ‬لأمنها‮»‬‭. ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التحايل‭ ‬الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬اشترك‭ ‬فيه‭ ‬ترامب‭ ‬مع‭ ‬بايدن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬منع‭ ‬هيئة‭ ‬تسوية‭ ‬المنازعات‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬مراجعتهما‭ ‬في‭ ‬قرارهما‭.‬

بيد‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يشغل‭ ‬خبراء‭ ‬السياسة‭ ‬الساخطين‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬إدارته‭ ‬للملفات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬مواجهة‭ ‬التجمع‭ ‬الغريب‭ ‬من‭ ‬وزراء‭ ‬غير‭ ‬متجانسين‭ ‬يبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬14‭ ‬مليارديرًا‭ ‬من‭ ‬عديمي‭ ‬الخبرة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية‭.‬

يرى‭ ‬أستاذ‭ ‬الاجتماع‭ ‬مارتان‭ ‬بارني‭ ‬أن‭ ‬‮«‬النهج‭ ‬غير‭ ‬المعتاد‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬عليه‭ ‬ترامب‭ ‬يتشابه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬منهج‭ ‬سلفه‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيكسون‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متخصصًا‭ ‬في‭ ‬الحيل‭ ‬المثيرة‭ ‬للجدل،‭ ‬فكل‭ ‬منهما‭ ‬بنى‭ ‬رئاسته‭ ‬حول‭ ‬استخدام‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المجال‭ ‬السياسي،‭ ‬فترامب‭ ‬مثلا‭ ‬عين‭ ‬إيلون‭ ‬ماسك‭ ‬في‭ ‬حكومته‭ ‬وزيرا‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬مول‭ ‬حملته‭ ‬الرئاسية‭ ‬بـ288‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نيكسون‭ ‬اتبع‭ ‬سياسة‭ ‬أحادية‭ ‬تخلى‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالقارة‭ ‬القديمة‭ (‬اوروبا‭) ‬لصالح‭ ‬موسكو‭ ‬وكان‭ ‬مصيره‭ ‬مأساويًا‭ ‬عندما‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬فضيحة‭ ‬ووترجيت‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬فلسفة‭ ‬اللغة‭ ‬والأدب‭ ‬الفرنسي

‭ ‬بكلية‭ ‬الآاب‭ - ‬جامعة‭ ‬حلوان

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا