مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت في غزة، التي استمرت 42 يومًا، فرض ائتلاف بنيامين نتنياهو، المتطرف مطالب جديدة، تقضي بالإبقاء على شروط المرحلة الأولى، مما حال دون الانتقال إلى المرحلة الثانية وفقًا لما تم الاتفاق عليه مسبقًا. وفي الوقت ذاته، أعاد الجيش الإسرائيلي فرض الحظر على تدفق المساعدات الإنسانية لأكثر من مليوني فلسطيني يعانون أوضاعًا إنسانية حرجة.
وفي حين أشارت إيزابيل كيرشنر، في صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن تصرفات إسرائيل تهدف إلى إرغام حماس على قبول تمديدات مؤقتة لوقف إطلاق النار؛ فقد رأى عثمان مقبل، من مؤسسة العمل من أجل الإنسانية، أن هذه الإجراءات ليست فقط انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي -اتفاقية جنيف الرابعة على وجه الخصوص- لكنها أيضًا عمل آخر من أعمال اللاإنسانية، ضد المدنيين الذين عانوا أكثر من غيرهم تحت وطأة هذه الحرب.
وحذرت وكالات الإغاثة الدولية من التداعيات الكارثية على المدنيين الفلسطينيين، وأكد المجلس النرويجي للاجئين، أن الإجراءات الإسرائيلية ستؤدي إلى عواقب مدمرة، لأكثر من مليوني فلسطيني يعانون بالفعل من المجاعة والحرمان الشديد. ووصف جيم كلاركين، من منظمة أوكسفام الخيرية، هذا التصعيد بأنه انتهاك جسيم للقانون الدولي، معتبرًا أنه يرتقي إلى عقاب جماعي بحق سكان يعانون بالفعل أوضاعًا مأساوية.
وعلى الرغم من تأكيد وكالات الإغاثة الإنسانية، والدول العربية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، مرة أخرى رفضها تصرفات إسرائيل؛ فمن الواضح انتهاج الدول الغربية الصمت، أو رفضها إدانة هذا الانتهاك للقانون الدولي؛ مما يؤكد عدم استعدادها للتدخل لدعم القانون الدولي، وحقوق الإنسان للمدنيين ضد تواطؤهم في جرائم الحرب الإسرائيلية. وتتوقع الوكالات الغربية أن يكون تأثير إعادة فرض إسرائيل حظرا على تدفقات المساعدات الإنسانية إلى غزة، كارثيا. وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن أكثر من 876 ألف مدني فلسطيني -معظمهم من النساء والأطفال- ما زالوا يواجهون حالة طوارئ تتعلق بالأمن الغذائي، مع مواجهة 345.000 شخص آخرين انعدام الأمن الغذائي الكارثي. وقدرت منظمة الصحة العالمية، أن ما يصل إلى 14 ألف فلسطيني -بما في ذلك 4500 طفل- يحتاجون إلى الإجلاء الطبي.
من جانبها، حذرت أنجيليتا كاريدا، من المجلس النرويجي للاجئين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من أن أي قيود تفرضها إسرائيل على المساعدات ستدفع المدنيين إلى حافة الانهيار، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها بالفعل، حيث نفدت الإمدادات الغذائية، ولم تعد المستشفيات قادرة على العمل، ولا بمقدورهم الوصول إلى مياه الشرب النظيفة. وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من أن أي تراجع عن ما تم إنجازه على مدى الأسابيع الستة الماضية يهدد بدفع الناس إلى اليأس ثانية.
ووفقا للعديد من الخبراء، فإن إعادة فرض الحصار الإسرائيلي، يمثّل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، وجريمة حرب ضد المدنيين في غزة. ووثق مقبل، كيف أن إسرائيل، من خلال وقف المساعدات الإنسانية، تتعمد تجويع السكان الذين دفعتهم بالفعل إلى حافة المجاعة، مضيفا أن هذه الإجراءات تتجاوز القسوة؛ لأنها مدروسة ومنهجية وتنتهك القانون الدولي. وبشكل خاص، استشهد بالمادة (23) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على المرور الحر لجميع شحنات الإمدادات الطبية والمستشفيات، والمواد الغذائية الأساسية، والملابس بأسرع ما يمكن. كما تنص المادة (11) من الاتفاقية الدولية لعام 1966بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على أن الموقعين يعترفون بحق كل فرد في مستوى معيشي لائق؛ بما في ذلك الغذاء الكافي والملابس والسكن، والتحسين المستمر لظروف المعيشة.
علاوة على ذلك، أكد المجلس النرويجي للاجئين، أن إسرائيل ملزمة قانونًا بالالتزام بالمادة (59) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على أن القوة المحتلة لمنطقة ما، يجب أن توافق على خطط الإغاثة للسكان المدنيين الذين يرزحون تحت الاحتلال، فضلاً عن السماح بالمرور الحر لهذه الشحنات، وضمان تأمينها. وأشار كينيث روث، من منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى أن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تتحمل مسؤولية مطلقة في ضمان تسليم المساعدات الإنسانية؛ لكنه أكد في الوقت ذاته، أنها مستمرة في تنفيذ استراتيجية التجويع، ضد المدنيين الفلسطينيين، ما يعني أن حكومتها وجيشها يرتكبان جريمة حرب.
من جانبها، اعتبرت منظمة أطباء بلا حدود، أن إعادة فرض إسرائيل الحصار على غزة، كوسيلة للضغط على حماس لقبول مطالب جديدة لوقف إطلاق النار -لا تتماشى مع ما تم التفاوض عليه سابقًا بين الجانبين- يُعد أمرًا غير مقبول، وفاضحًا. وعلى الرغم من التحديات التي واجهت الهدنة، إلا أن المرحلة الأولى التي استمرت ستة أسابيع صمدت. لكن، بدلاً من المضي قدمًا في المرحلة التالية من المفاوضات والتي تتضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، والالتزام بوقف إطلاق نار دائم؛ طالب نتنياهو، بتمديد وقف إطلاق النار المؤقت مدة سبعة أسابيع، مع مطالبة إسرائيل لحماس بإطلاق سراح نصف الرهائن الأحياء المتبقين.
وفي هذا السياق، تساءل آرون ميلر، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، عن إمكانية قبول حماس لهذه المطالب دون تقديم التزامات متبادلة، مشيرًا إلى أن قادتها لن يوافقوا على إعادة جميع الرهائن دون ضمانات واضحة بشأن انسحاب القوات الإسرائيلية والإعلان الرسمي عن نهاية الحرب. ومع ذلك، وبما أن لا أحد سيمنحها هذه الضمانات، فإن فرص صمود وقف إطلاق النار تضاءلت بشكل كبير في الأيام الأخيرة.
بدوره، كتب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، أن القانون الدولي واضح، بشأن واجب إسرائيل السماح لوكالات الإغاثة بتسليم الإمدادات الضرورية إلى غزة. وأشار مقبل، إلى أنه في الوقت الذي يعرقل فيه الجيش الإسرائيلي الأعمال الإنسانية، وتقوم حكومته بتجريمها في الكنيست، فإن إدارة البيت الأبيض، تجمد التمويل الحاسم لها، فضلا عن أن حكومة كير ستارمر، البريطانية تخفض ميزانية مساعداتها، لدعم العمل الإنساني في الخارج، حتى تتمكن من زيادة إنفاقها الوطني على الشؤون الدفاعية.
وإلى جانب التزام الدول الغربية المحدود بالمساعدات الإنسانية، تجاهلت هذه الحكومات أيضًا نداءات المراقبين للمجتمع الدولي بـالتحرك الفوري، لوضع حد لما وصفوه بـالتعذيب الجماعي، الذي تمارسه إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة. وفيما يتعلق بـ واشنطن، ذكرت كارا آنا، من وكالة أسوشيتد برس، أن إدارة ترامب، لم تصدر بيانًا، بشأن مطالب إسرائيل الجديدة بوقف إطلاق النار، أو قطع المساعدات عن غزة. وأضاف جوليان بورجر، في صحيفة الجارديان، أن البيت الأبيض رفض تأكيد وجود مطالب جديدة لوقف إطلاق النار اقترحها ويتكوف. وتتجلى هذه النيات في لجوء وزير الخارجية ماركو روبيو، إلى سلطات الطوارئ، لتجاوز موافقة الكونجرس على صفقة أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار لإسرائيل، مصحوبة ببيان يؤكد أن الجمهوريين، سيواصلون استخدام كل الأدوات المتاحة للوفاء بالتزام أمريكا الطويل الأمد بأمن إسرائيل.
من ناحية أخرى، فشل القادة الأوروبيون أيضًا في اتخاذ موقف حاسم لدعم القانون الإنساني الدولي. وأعرب وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، عن قلقه، إزاء تصرفات إسرائيل، لكنه تجنب إدانتها. وفي المقابل، أدان أعضاء الاتحاد الأوروبي، حماس لرفضها قبول المطالب الإسرائيلية الجديدة، مكتفين بالزعم، أن قطع المساعدات الإنسانية، لا يؤدي إلا إلى تفاقم المعاناة الإنسانية للفلسطينيين.
وفي هذا السياق، حذرت كاثلين تشابمان، من مؤسسة بلان إنترناشيونال، من أن الآلاف قد يموتون من الجوع والأمراض المرتبطة به وحدها، في حال عدم استئناف تدفق المساعدات الإنسانية المتفق عليها في اتفاقية وقف إطلاق النار. وحثت كاريدا، الجهات الفاعلة الدولية على بذل كل ما في وسعها لضمان استئناف وصولها إلى غزة.
على العموم، يشير المراقبون إلى أن ردود أفعال الحكومات الغربية على الانتهاكات الإسرائيلية الفاضحة والمتواصلة للقانون الدولي، والتي ترقى إلى جرائم حرب ضد المدنيين في غزة؛ تظهر مرة أخرى أن هذه الدول لا تهتم بدعم القانون الإنساني الدولي، عندما تكون إسرائيل هي من ترتكب مثل هذه الانتهاكات.
ونتيجة لذلك، رأى ميلر، أن وقف إطلاق النار الهش في غزة، بات في خطر جسيم، مع اقتراب إسرائيل من استئناف حربها وعنفها الجماعي ضد المنطقة، وهو العنف الذي ستكون الدول الغربية متواطئة فيه بشكل مباشر، تمامًا كما هي متواطئة في المعاناة الجماعية لملايين الفلسطينيين في الوقت الراهن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك