هناك اختلافات كبيرة بين فترة ولاية دونالد ترامب الأولى كرئيس في عام 2017 وعودته إلى البيت الأبيض في عام 2025، إذ يبدو ساكن البيت الأبيض هذه المرة أكثر سيطرة وأكثر استعدادا. وعلى الرغم من التدابير الصارمة التي اتخذها في الأسابيع الأولى من توليه منصبه، فإن المعارضة التي يواجهها تبدو أكثر هدوء وأقل تركيزا.
وعلى الرغم من فوزه بالرئاسة في عام 2016، إلا أن ترامب لم يكن بعد زعيما للحزب الجمهوري. فقد وجده «الحرس القديم» في الحزب غير محافظ بالقدر الكافي، الأمر الذي كان يشكل إحراجاً شخصياً، وغير منتظم إلى الحد الذي جعله غير قادر على قيادة الحزب القديم الكبير.
وعلى الرغم من أن حركته «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» كبيرة، فإنها لم تثبت بعد قدرتها على تعبئة صفوفها للتأثير على أعضاء الكونجرس ودفعهم إلى احتضان ترامب وأجندته بشكل كامل.
لقد تغير ذلك بوضوح في فترته الرئاسية الثانية. لقد اكتملت سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري وأجهزته وكذلك الجمهوريين في الكونجرس. وقد تم إسكات معارضيه أو أنهم اختفوا في الخلفية.
وفي عام 2017، ولتعزيز الثقة في إدارته، قام ترامب بتعيين عدد من كبار السن والمحترمين لشغل مناصب حساسة في البيت الأبيض ومجلس الوزراء. كان بعضهم، في بعض الأحيان، بمثابة أداة للتحقق من ميله إلى السلوك غير المتوقع.
إن طاقم الشخصيات في البيت الأبيض ومجلس الوزراء في عهد ترامب عام 2025 هم أنفسهم أكثر صعوبة في التنبؤ بتصرفاتهم وأقل تأهيلاً للعمل في المناصب المخصصة لهم من المعينين في عام 2017. فالمؤهل الأول هو أن تكون من محبي ومؤيدي ترامب منذ فترة طويلة ــ أو أن تقوم بتعديلات كافية لأي معارضة سابقة.
والفرق الأكثر أهمية بين دونالد ترامب 2017 ودونالد ترامب 2025 هو أنه أصبح لديه الآن أجندة أكثر وضوحا وأكثر استعدادا لفرضها على مختلف الأطراف التي يريدها.
عندما فاز رونالد ريجان برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1980، وصل إلى واشنطن ومعه خطة محافظة متطورة صممتها مؤسسة هريتدج فاونديشن لتحويل الحكومة الفيدرالية وفقا للمبادئ المحافظة. وفي عام 2017، دخل ترامب المكتب البيضاوي ومعه مجموعة من الأفكار والشكاوى والإجراءات التي يتعين اتخاذها، ولكن من دون أن تكون لديه خطة لتنفيذها.
وفي عام 2025، ستظل العديد من الأفكار والشكاوى والإجراءات هي نفسها كما كانت في عام 2017، لكنها الآن أكبر وأكثر جرأة وأكثر تفكيرًا ومدعومة بخطط واسعة النطاق للتنفيذ. وقد تم تطويرها أيضًا من قبل هريتدج فاونديشن نفسها التي ساعدت في توجيه سياسات فترة ريغان في البيت الأبيض.
وكما ساعدت مؤسسة هريتدج فاونديشن في ملء إدارة ريجان بمئات الموظفين في الوكالات للمساعدة في تنفيذ الأجندة المحافظة، تفتخر مؤسسة هريتدج فاونديشن هذا العام بوجود عشرات الآلاف من الأشخاص الذين تم تدقيقهم في انتظار الخدمة في إدارة ترامب الجديدة.
إن ترامب وإيلون ماسك يهاجمان ويستهدفان مؤسسات الحكومة الفيدرالية والقوى العاملة فيها. فقد تم إغلاق وكالات بأكملها، وتم فصل عشرات الآلاف من العمال أو منحهم إجازة لأجل غير مسمى، مما مهد الطريق لاستيلاء ترامب على السلطة في عام 2025 وهو ما لم يتمكن من تحقيقه في عام 2017.
هناك فرق أخير يجب ملاحظته بين فترة ولاية دونالد ترامب الأولى كرئيس في عام 2017 وعودته إلى البيت الأبيض في عام 2025. عندما تم انتخاب ترامب في عام 2016 اندلعت احتجاجات حاشدة. لقد جاءوا في موجات مع المدافعين عن حقوق المرأة والمهاجرين، وأولئك الذين يطالبون بقوانين أكثر تقييدًا للأسلحة ووضع حد لوحشية الشرطة، وقد ترك كل منهم بصماته.
ورغم أن الاحتجاجات اندلعت منذ انتخابات نوفمبر الماضي، إلا أنها افتقرت إلى العدد والقوة والزخم الذي كانت قد اتسمت به تلك الاحتجاجات في فترة ولاية ترامب الأولى.
لقد كُتب الكثير عن التهديد الذي يفرضه ترامب 2025 على الديمقراطية الأمريكية وتأثير البرامج والموظفين الذين تم إنهاء عملهم بسبب نهج ترامب/ ماسك في الإصلاح. ولم يتم إيلاء اهتمام كبير لرد فعل الجمهور على هذه التطورات.
لا شك أن استطلاعات الرأي هي إحدى الطرق لقياس ذلك - يشير استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست مؤخرا إلى أن الناخبين الأمريكيين منقسمون كما كانوا دائما: 45 في المائة يوافقون على أداء ترامب الوظيفي مقابل 53 في المائة يعارضون ذلك.
وفي هذا الاستطلاع، هناك عدد أكبر بكثير من المشاركين الذين يقولون إنهم «يرفضون بشدة» أكثر من أولئك الذين يقولون إنهم «يوافقون بشدة» على سياسات وأداء ترامب في منصبه.
في ضوء ذلك، لماذا هذا الافتقار إلى الحدة في رد فعل الجمهور على تصرفات وسياسات البيت الأبيض؟ ربما يكون أحد الأسباب هو أن هجمات «الصدمة والرعب» التي شنها ترامب/ ماسك على العديد من الأهداف في غضون أيام قليلة فقط، تركت المعارضة مشوشة ومحبطة. أضف إلى ذلك غياب القيادة الديمقراطية الفاعلة.
وفي مناقشة جرت مؤخرا، حدد زعيم ديمقراطي منتخب نهج حزبه بأنه ببساطة الاستمرار في اقتراح تعديلات على مشاريع قوانين ميزانية ترامب لإظهار كيف يريد الحزب الجمهوري تخفيضات ضريبية للأغنياء في حين يضع أعباء أكبر على الطبقة العاملة.
كما قال إن هذا من شأنه أن يخفض معدلات شعبية ترامب الإيجابية، مما يمكن الديمقراطيين من استعادة الكونجرس في عام 2026. هذه ليست قيادة. إنها انتهازية فظة وسبب آخر لعدم وجود معارضة متماسكة أو فعالة لسعي ترامب للاستيلاء على السلطة المفرطة في ولايته الرئاسية الثانية.
في النهاية، من المرجح أن تكون غطرسة ترامب والتناقضات بين وعوده وسياساته هي التي ستؤدي إلى تراجعه. مثال واحد فقط: تظهر استطلاعات الرأي أنه في حين أن أنصاره يحبون أفعاله وخطواته الجريئة، فإن أكثر ما يريدون رؤيته هو انخفاض الأسعار والتضخم الذي وعد به ترامب خلال الحملة الانتخابية.
لكن استخدامه للتعريفات الجمركية والترحيل الجماعي للمهاجرين (الذين يؤدون مهام أساسية في قطاعي الزراعة والخدمات) سيؤدي حتما إلى ارتفاع الأسعار، من دون تحقيق النتائج التي وعد بها ناخبوه. وإذا لم يحدث التحسن في الحياة اليومية لمؤيديه، فقد ينتهي الأمر بولاية ترامب الثانية إلى أن تكون أسوأ من ولايته الأولى.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك