حروب الجمارك مصطلح يستخدم لوصف النزاعات التجارية بين الدول عندما تفرض كل دولة رسوما جمركية عالية على واردات دول أخرى كرد فعل على سياسات تجارية معينة، هذه الحروب غالباً ما تكون بسبب محاولات لحماية الصناعات المحلية أو للرد على سياسات غير عادلة، وحروب الجمارك لها تاريخ طويل يرجع لآلاف السنين، وكانت دائماً أداة قوية للتحكم في التجارة والاقتصاد وحتى السياسة، حيث ظهرت أول أنظمة الجمارك في الحضارات القديمة مثل مصر، بابل، والصين، وكانت تستخدم لجمع الرسوم على البضائع القادمة من الخارج، والرومان والإغريق فرضوا رسوماً جمركية على البضائع المستوردة لتعزيز اقتصادهم المحلي، في العالم الإسلامي، استخدم الخلفاء والمسلمون الأوائل أنظمة جمركية متطورة، وكان هناك ما يُعرف بـ العشور (ضريبة 10% على البضائع المستوردة)، ومع تطور الصناعة في القرن 18 و19، بدأت الدول تستخدم الجمارك لحماية صناعاتها المحلية، ثم بدأت بعض الدول في توقيع اتفاقيات تجارية لتقليل الحواجز الجمركية، فبريطانيا مثلاً، خفّضت الجمارك في بعض الفترات لتسهيل التجارة العالمية.
تبدأ الحرب الجمركية من خلال فرض رسوم على واردات معينة لحماية الصناعات المحلية أو لأجل إلحاق ضرر في اقتصاد دولة مصدرة، أو بسبب خلافات سياسية بين دولتين، ثم تقوم الدول المتضررة بفرض رسوم جمركية كردة فعل على سلع من الدولة الأولى، أو كما يُقال في عالم السياسة «المعاملة بالمثل»، ونتيجة لذلك تتصاعد الأمور وتبدأ الدول في فرض المزيد من القيود، مما يؤثر في الأسعار وسلاسل التوريد ، مع مرور الوقت تطورت الجمارك من مجرد ضرائب بسيطة إلى أداة سياسية واقتصادية قوية جداً، مثل ما حصل بين أمريكا والصين في 2018م، والتقنيات الحديثة مثل التجارة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي بدأت تغيّر طريقة عمل الجمارك، وأصبح هناك تدقيق إلكتروني متطور، وبعض الدول تستخدم اتفاقيات التجارة الحرة لتقليل الحواجز الجمركية، مثل اتفاقية نافتا بين أمريكا وكندا والمكسيك.
أشهر الحروب الجمركية في القرن الحالي بدأت بين أمريكا والصين في 2018 لما فرضت أمريكا رسوما جمركية على سلع صينية، بحجة سرقة الملكية الفكرية وممارسات تجارية غير عادلة، فردت الصين بالقوة نفسها، مما رفع أسعار المنتجات لكلا الجانبين، الشركات الأمريكية التي تعتمد على المواد الخام من الصين تأثرت بشكل كبير، وزادت التكاليف على المستهلك، أما حرب الجمارك بين أمريكا والدول الأوروبية في فترة ترامب السابقة، فرضت أمريكا رسوماً على الفولاذ والألمنيوم الأوروبي، فما كان من أوروبا بأن ردت بفرض رسوم على المنتجات الأمريكية مثل الدراجات النارية والمشروبات الكحولية، لاحقاً أدرك الطرفان مدى الخسارة الناجمة عن ذلك فتم تهدئة الأمور بتوقيع اتفاقيات لتخفيف القيود التجارية.
بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية 2024م، أصبحت السياسات الجمركية والتجارية واحدة من أهم القضايا الرئاسية، حيث يؤمن ترامب بمبدأ (أمريكا أولاً» (America First)، ويرى أن أمريكا تتعرض للاستغلال في التجارة العالمية، فقرر اتخاذ إجراءات قوية ضد بعض الدول، منها فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات من المكسيك وكندا، وفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك السيارات والعديد من السلع الأخرى، وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي تأسس «للتلاعب» بالولايات المتحدة، مؤكداً أن هذه الخطوة تهدف إلى حماية المصالح الاقتصادية الأمريكية، كما وقع أمراً بتعديل الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية الصغيرة بهدف خفض العجز التجاري، مع وعد بإعلان رسوم جديدة على دول أخرى قريباً.
أهم التأثيرات المحتملة لهذه القرارات؛ ارتفاع أسعار المنتجات على المستهلكين في هذه الدول، تضرر الشركات التي تعتمد على الاستيراد، وفقدان وظائف بسبب تراجع التجارة، وأحياناً يمكن أن تستفيد بعض القطاعات المحلية من تقليل المنافسة الأجنبية، وتباطؤ في عجلة النمو الاقتصادي مع تراجع الإنفاق الاستهلاكي وتباطؤ نشاط التصنيع، كما قد تؤدي هذه السياسات إلى توترات تجارية مع دول أخرى، مما يؤثر في التجارة العالمية ويزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق، و يختلف تأثيرها من دولة إلى أخرى حسب موقعها في الاقتصاد العالمي واعتمادها على الاستيراد والتصدير وقدرتها على إنتاج البدائل محلياً، الدول التي تعتمد على التصدير تعاني إذا فقدت أسواقها الكبيرة، كما أن ارتفاع الأسعار عالمياً يضر الدول اللي تستورد أكثر مما تصدّر كدول العالم الثالث والدول الصغيرة.
والسؤال: هل ستشهد الأسواق العربية تضخما جديدا في أسعار السلع وسلاسل التوريد؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك