من الجزئيات المهمة التي تم طرحها في دورة منظومة (الذكاء الإداري) وخاصة في المؤسسات العامة توفير (البيئة المحفزة) للموظف بهدف زيادة إنتاجيته وكذلك توفير السعادة الوظيفية في المكان الذي يعمل فيه.
تُعرف بيئة العمل على أنها هي كل العناصر المحيطة بالموظف، والتي تؤثر في أدائه الوظيفي وإنتاجيته في العمل يوميًا، وتشمل هذه العناصر ثقافة المؤسسة من التواصل بين الموظفين، وأهداف المؤسسة ورسالتها. وتجد الدراسات أنه لا بد وأن تعمل المؤسسة على تحسين جوانب بيئة العمل، إلى جانب ما تُجهّز به من أجهزة وأثاث، بالإضافة إلى الأجواء التي تُحيط بالموظف سواء سلبية أو إيجابية والتي تؤثر في الحالة النفسية في بيئة العمل والأداء الوظيفي.
وكذلك تجد الدراسات أن بيئة العمل القائمة على مبادئ صحيحة تمنح الفرص للموظفين للنمو والتطور وظيفيًا، فهي تتيح لهم معرفة نقاط ضعفهم من مهارات أو معرفة ومن ثم تطويرها عبر الفرص التدريبية التي توفرها لهم المؤسسة، كما أن تواصلهم الفعّال مع زملائهم من فريق العمل أو غيره يمنحهم الفرصة للاستفادة من خبراتهم ومهاراتهم.
وربما هذا يعني بكل بساطة أنه ينبغي على المؤسسة أن توفر بيئة العمل الإيجابية للموظف، وهي تلك البيئة التي تعني مكان العمل الذي يشعر فيه الموظف بالسلامة والأمان والرضا الوظيفي، وهي التي تدعمه وتحفزه دائمًا على تحقيق أهدافه وبلوغ مستوى أعلى في التطور الوظيفي، كل ذلك بهدف تحقيق النمو والأرباح والذي لا يتحقق إلا إذا توافرت للموظف كل العوامل الممكنة التي تحفزه على السعي لذلك، وبالتالي يمكن تسمية هذه البيئة أيضًا ببيئة العمل الخلاقة للإنتاج والإبداع.
حسنُ، كيف تستطيع المؤسسات أن تحقق تلك البيئة المحفزة التي تسهم بصورة فعالة في تحقيق وتعزيز الإبداع والإنتاجية؟
وجدنا أن هناك العديد من الأمور، ولكننا سنحاول أن نحصر نقاطنا في 10 أمور بقدر الإمكان، وهي كالتالي:
أولاً: خطة استراتيجية للعمل واضحة؛ أشرنا عدة مرات أنه ينبغي أن تكون للمؤسسة –أيًا كانت– خطة عمل واضحة، ذات أهداف ورؤية محددة يمكن للموظفين السعي لتحقيقها، وعليه فإن الخطة يجب أن تكون معروفة لجميع الموظفين، وحتى يتم ذلك فإنه يجب أن تنتشر ثقافة عامة سواء عن طريق المحاضرات أو الاجتماعات أو حتى بعض الدورات التدريبية الداخلية من أجل مناقشة الخطة وكيفية تحقيقها، وكل ذلك حتى يشعر الموظف أنه جزء من هذه المؤسسة وكذلك فإن وجود خطة واضحة ومحددة يسهم في الشعور بالسعادة والأمان الوظيفي للجميع.
ثانيًا: القيادة الإدارية المؤسسية؛ من الضروريات القصوى أن تكون للمؤسسة قيادة تتمتع بالذكاء الإداري، على أن يفهم هذا الإنسان الإداري أنه موظف بالدرجة الأولى ومسؤول بحكم القوانين، ولكن يجب ألا يُذكر الموظفين بين كل فترة وأخرى أنه هو المسؤول وأن عليهم السمع والطاعة، ولكن يتحتم على هذا الإنسان الإداري أن يفهم ويدرك المعنى الحقيقي من وراء مصطلح (القيادة المسؤولة)، فهذا يعني أن يكون لديه ميزان حساس يقيس به الواجبات والمسؤوليات والاهتمام وبشرية الناس وكل صغيرة وكبيرة، فالناس الذين يعملون في المؤسسة ليسوا أقل منه ذكاء وقدرة، وإنما هو منصب وأنت مكلف بالمحافظة عليه.
ثالثًا: إنشاء فريق وفرق عمل؛ نحن من الذين يؤمنون أن العمل المؤسسي لا يستقيم إلا من خلال العمل بمنهجية فرق العمل، بمعنى العمل الجماعي، فالفردية غير مطلوبة في العمل المؤسسي ولا يمكن أن يؤدي إلى نتائج، فلا يوجد إنسان سوبر مان الذي يستطيع أن ينجز كل الأعمال وحده، فالعمل الجماعي يتمتع بالكثير من الإيجابيات وإن كان يعاني من بعض السلبيات، إلا أن كفة الإيجابيات ترجح كفة السلبيات.
رابعًا: إعادة قراءة مفهوم الاتصال والتواصل؛ جميعنا يعتقد أن عملية الاتصال والتواصل تتكون من العناصر التالية: مرسل ومستقبل ورسالة وقناة، ولكن في الحقيقة أن المفهوم أكبر من ذلك بكثير، فقد تناولنا هذا المفهوم أكثر من مرة في هذه الزاوية، لذلك لا نرغب في التكرار، ولكن يجب أن يكون مفهومًا أن عملية الاتصال والتواصل إن سارت بطريقة صحيحة فإن جميع من في المؤسسة سيكون سعيدًا، والعكس كذلك صحيح. ومن الأمور المهمة المتعلقة بالاتصال والتواصل موضوع التغذية الراجعة، فمن الضروري جدًا أن تصغى القيادة الإدارية للموظفين، ففي كثير من الأحيان فإنهم يمكن أن يضعوا النقاط على الحروف لأنهم هم الذين في الميدان ويعرفون مجريات الأمور.
خامسًا: منح الفرص للتدريب والتطوير؛ لا يوجد إنسان لا يرغب في تطوير نفسه والارتقاء في السلم الوظيفي، ولكن بعض الموظفين يتسارعون إلى ذلك ويفرضون أنفسهم للوصول إلى أهدافهم، وبعض الموظفين الذين نطلق عليهم موظفين الظل، لا يحبذون الخروج من منطقة الراحة، لذلك يحتاجون من قيادة المؤسسة أن تمنحهم الفرص الكثيرة وتدفعهم دفعًا للخروج من منطقة الراحة إلى المناطق الأخرى، لذلك فإن على المؤسسة أن تضع خطة لتدريب الموظفين جمعهم، وتمنحهم الفرص تلو الفرص الارتقاء والتدريب حتى تصقل قدراتهم ومهاراتهم وتزيل الصدأ على عقولهم.
سادسًا: منح المزايا والمكافآت؛ استكمالاً للنقطة السابقة، فإنه يمكن منح كل موظف يتجاوز ساعات معينة من التدريب والتعلم الذاتي، بعض المزايا والمكافآت، وهذا ربما يشجع الموظفين الذي يخلدون في منطقة الراحة، فالمكافآت المادية أو بعض المزايا اللوجستية ذات تأثير كبير على الموظف، ولا نعني بالمزايا أن يمنح رئاسة قسم أو وحدة مثلاً، وإنما هي مزايا ربما في عمل بعض الأمور الإدارية أو الإشرافية أو بعض فترات الراحة، ويمكن للقيادة التفكير في بعض الأمور الأخرى.
سابعًا: تشجيع الإبداع والابتكار؛ فالمؤسسة التي لا تتغير وفق منهجية واضحة وثابتة فإنها ستبلغ ذات يوم منطقة الانهيار، فكم من مؤسسة كانت عملاقة ذات يوم، ولكنها لأنها أقفلت باب التفكير والإبداع والابتكار انهارت وغادرت السوق والحياة. لذلك فإنه ينبغي على المؤسسة وقيادة المؤسسة أن تمنح الفرصة لجميع الموظفين أن يقوموا بعمليات التفكير والإبداع والابتكار، وتسجيل كل تلك الأفكار والاستفادة منها بقدر الإمكان في تطوير الأعمال والعمليات، فربما ما يشاهده موظف بسيط لا يمكن لقائد المؤسسة أن يشاهده.
ثامنًا: توفير البيئة المادية المناسبة؛ فالأثاث والمساحات وألوان الجدار والإضاءة ونظافة المكان وتوفير المياه النقية وما إلى ذلك كل هذه الماديات ذات ضرورة للموظف، فإن كل هذه المواد تسهم بصورة إيجابية في تعديل نفسية الموظف ومزاجه، وبالتالي فإن هذا ينعكس إيجابيًا على زيادة إنتاجيته.
تاسعًا: تنمية المهارات الاجتماعية؛ يجب ألا تكون المؤسسة مؤسسة خالية من المشاعر الإنسانية، فالحياة في المؤسسة يجب أن تعد امتدادًا طبيعيًا للحياة الاجتماعية للإنسان، فالبقاء في العمل ما لا يقل عن 7 ساعات يوميًا ينشأ علاقات إنسانية بين الموظفين ربما تكون جميلة وهذا يؤثر إيجابيًا في الموظف، وربما تكون على عكس ذلك، لذلك ينبغي على القيادة أن تراعي ظروف الموظف حتى ظروفه الاجتماعية أو المادية أو حتى النفسية، فإن كان يعاني بسبب أو بآخر يجب أن تدرس حالته ونفسيته، فربما كان يحتاج إلى راحة أو فترة نقاهة، أو خلاف ذلك، فيجب على القيادة والمؤسسة ألا تستهين بذلك.
عاشرًا: الاهتمام بالثقافة المؤسسية؛ بعد أن تقوم المؤسسة بتوفير كل ما ذكر سابقًا وكل الأمور التي لم نذكرها، ينبغي عليها أن تنشر هذه الثقافة في أروقة المؤسسة، إذ يجب أن تكون هذه ثقافة المؤسسة بصورة كلية، فلا يمكن أن يتمتع بها بعض الأفراد ولا يتمتع بها أفراد آخرون، فالجميع يجب أن يكون جزءا من هذه المؤسسة، يشارك في وضع خططها وبالتالي يكون جزءا من الحل وتنفيذ تلك المخططات، فإن وجد أي خلل وفي أي مكان يقوم هو بتصحيحه على الفور وإن لم يتمكن فيمكنه الإبلاغ عن الخلل في الحال، هذه هي الثقافة المطلوبة.
تشير دراسة بعنوان (أهمية بيئة العمل في تحقيق الإبداع الوظيفي) للباحثة منى خالد إلى أن المؤسسات والمنظمات الناجحة تجد أن أهم ما يؤهلها للصدارة وما يبقيها قوية هو أنها لا تعتمد الاعتماد الكلي على الخبرة والكفاءة للموظف أو الإداري، وإنهاء المسؤوليات على أكمل وأتم وجه وبالشكل الصحيح والأمثل، بل إنها تبحث طرقًا أخرى لتبقى في المقدمة وليزيد الحماس داخل بيئة العمل، لأنها تطمح إلى التقدم والتطور بالشكل الأعظم، لتتقدم بأفكارها وآرائها وأهدافها أمام نظائرها من المؤسسات، لتكون مبدعة في شتى المجالات.
وقبل الختام يبقى السؤال الذهبي والأهم؛ كيف يمكن أن نصنع بيئة عمل محفزة تسهم في تعزيز إنتاجية الموظف؟ يمكن أن نجيب ببساطة ونقول إنها تتكون من ثلاثة أمور مهمة وهي: خصائص بيئة العمل نفسها، الإدارة والقيادة، وكذلك يجب ألا ننسى الموظف. فللوصول إلى بيئة عمل مثالية وإيجابية لا بد من التكامل بين هذه العناصر الثلاثة عبر وصولها إلى مستوى متقدم ونموذجي في التطبيق، فخلاصة القول هنا إنه من المهم ضمان وجود بيئة عمل إيجابية مشجعة بكل عواملها التي ذكرناها سابقًا.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك