العدد : ١٧١٥٤ - الثلاثاء ١١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٤ - الثلاثاء ١١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عشرون سنة من الزمن العراقي تضيع هباء

بقلم: فاروق يوسف

الأحد ٠٩ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

هل‭ ‬سيدفع‭ ‬العراق‭ ‬ثمن‭ ‬انحسار‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬المنطقة؟‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬السؤال‭ ‬سابقا‭ ‬لأوانه،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استقبل‭ ‬العراق‭ ‬لبنانيين‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭ ‬مرحبا‭ ‬بإقامتهم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وبعدها‭ ‬جاء‭ ‬إعلان‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬العراقي‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬أعداد‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬السوريين‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬فروا‭ ‬إلى‭ ‬أراضيه‭ ‬أثناء‭ ‬زحف‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية‭ ‬وبعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬وقد‭ ‬خيَّرهم‭ ‬العراق‭ ‬بين‭ ‬البقاء‭ ‬أو‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬وطنهم‭.‬

إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬تنأى‭ ‬بنفسها‭ ‬عما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬المليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬انسجاما‭ ‬مع‭ ‬شعار‭ ‬وحدة‭ ‬الساحات‭ ‬الذي‭ ‬رفعته‭ ‬الأخيرة‭ ‬وجعلت‭ ‬منه‭ ‬خيطا‭ ‬يصل‭ ‬بين‭ ‬المليشيات‭ ‬العاملة‭ ‬تحت‭ ‬إمرتها‭ ‬تجسيدا‭ ‬لنوع‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬كان‭ ‬يُدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭. ‬وما‭ ‬كان‭ ‬للبنان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هدفا‭ ‬للحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬لولا‭ ‬وقوعه‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬حرب‭ ‬إيران‭ ‬بالوكالة‭.‬

لقد‭ ‬حاولت‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬أن‭ ‬تبدو‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬خاضعة‭ ‬للإملاءات‭ ‬الإيرانية‭ ‬مثلما‭ ‬هي‭ ‬المليشيات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بتنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬قصف‭ ‬استهدف‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الحرب‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الحوثيون‭ ‬في‭ ‬اليمن‭. ‬لم‭ ‬تعترف‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬وهي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تبرئة‭ ‬ساحتها‭ ‬بأنها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬نشاط‭ ‬المليشيات‭ ‬وأن‭ ‬تلك‭ ‬المليشيات‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لنفوذها‭.‬

حين‭ ‬تقدمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشكوى‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تنظر‭ ‬بطريقة‭ ‬جادة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات،‭ ‬بل‭ ‬اعتبرتها‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التضليل‭ ‬والخداع‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تفهّمه‭ ‬المجلس‭ ‬حين‭ ‬دعّم‭ ‬حق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الرد‭. ‬يومها‭ ‬صمتت‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬ولم‭ ‬يصدر‭ ‬عنها‭ ‬أيّ‭ ‬رد‭ ‬فعل‭. ‬فمن‭ ‬الصعب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تعترف‭ ‬أن‭ ‬أراضيها‭ ‬مخترقة‭ ‬وأن‭ ‬المليشيات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأراضي‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬قواعد‭ ‬إيرانية‭ ‬أمامية‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عمّا‭ ‬تقوله‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬إشكالية‭ ‬العلاقة‭ ‬بإيران‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره‭ ‬أن‭ ‬التحالف‭ ‬الحاكم‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬الإطار‭ ‬التنسيقي‮»‬‭ ‬إنما‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬والتي‭ ‬تتطابق‭ ‬مواقفها‭ ‬مع‭ ‬الموقف‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الحرب‭ ‬الدائمة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬التجسيد‭ ‬العملي‭ ‬لمبدأ‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬الخميني‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬وهدفا‭ ‬لجمهوريته‭ ‬الإسلامية‭. ‬كل‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمليشيات‭ ‬المتحالفة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإطار‭ ‬التنسيقي‮»‬‭ ‬تؤمن‭ ‬بخط‭ ‬الإمام‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬يُحكم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فئة‭ ‬تؤمن‭ ‬بحق‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬التمدد‭ ‬وهو‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تفسيره‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التمسك‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬المذهب‭ ‬ووحدته‭.‬

لقد‭ ‬منحت‭ ‬الحكومات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬العراق‭ ‬استثناء‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬بحيث‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬للعملة‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬أنقذت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭. ‬كان‭ ‬استيراد‭ ‬الغاز‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استعماله‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تزويد‭ ‬إيران‭ ‬بالمليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عقوبات‭ ‬أمريكية‭ ‬مشددة‭.‬

كان‭ ‬هناك‭ ‬تواطؤ‭ ‬أمريكي‭ ‬‭ ‬إيراني‭ ‬ضحيته‭ ‬العراق‭. ‬ولكنها‭ ‬الضحية‭ ‬التي‭ ‬تُقاد‭ ‬إلى‭ ‬الذبح‭ ‬بمشيئتها‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬وليد‭ ‬التسوية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬المختلفين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعراق،‭ ‬فهما‭ ‬متفقان‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬كانا‭ ‬كذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬إسرائيل‭ ‬معادلات‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بعدما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2023‭.‬

لو‭ ‬بقي‭ ‬الأمر‭ ‬رهين‭ ‬المشيئة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لما‭ ‬تحرر‭ ‬لبنان‭ ‬واستعاد‭ ‬دولته‭ ‬الحرة‭ ‬المستقلة‭ ‬ولما‭ ‬سقط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬إسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعرضت‭ ‬لتهديد‭ ‬وجودي‭ ‬استفز‭ ‬مواطنيها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أملت‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خيار‭ ‬تغيير‭ ‬سياستها‭ ‬المتواطئة‭ ‬مع‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬التوسعي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬الأمريكية‭ ‬سيناريو‭ ‬مناسبا‭ ‬لها‭ ‬لشرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭ ‬لن‭ ‬تحكمه‭ ‬إيران‭.‬

فقدت‭ ‬إيران‭ ‬تاج‭ ‬مشروعها‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬إمكانها‭ ‬أن‭ ‬تجسد‭ ‬آمالها‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أُغلقت‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭. ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬نضالا‭ ‬استغرق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬وهُدرت‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬المليارات‭ ‬وراح‭ ‬ضحيته‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬جنرالات‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني،‭ ‬صار‭ ‬بمثابة‭ ‬ذكرى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استعادتها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استدرار‭ ‬الدموع‭. ‬ولأن‭ ‬اليمن‭ ‬بعيد‭ ‬وله‭ ‬معادلاته‭ ‬الخاصة‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬لإيران‭ ‬إلا‭ ‬العراق‭.‬

ولكن‭ ‬العراق‭ ‬هدية‭ ‬أمريكية‭.‬

لم‭ ‬تتمكن‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬إلا‭ ‬بموافقة‭ ‬أمريكية‭. ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬إمكان‭ ‬المليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬أن‭ ‬تبسط‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬العراقية‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬سمحت‭ ‬لها‭ ‬بذلك‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬تدمير‭ ‬العراق‭.‬

اليوم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهى‭ ‬العراق‭ ‬إيرانيا‭ ‬صار‭ ‬في‭ ‬إمكان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تسحب‭ ‬هديتها‭ ‬مضطرة‭. ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬السخرية‭ ‬هو‭ ‬‮«‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يتبقى‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬أقامتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إنهاء‭ ‬نفوذ‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران؟‮»‬‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬طبعا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬ضاعت‭ ‬هباء‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬العراقي‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا