على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي هي دول نامية، تحتاج إلى كل مواردها لصناعة تقدمها، وتقليص الفجوة مع الدول المتقدمة، إلا أنها تميزت مقارنة بغيرها من المجموعات الدولية بعطائها الإنساني، وهو العطاء الممتد من مساعدات التنمية إلى المساعدات الإنسانية، وقد أسست كل منها هيئة معنية لهذا الغرض، إضافة إلى جهد المجتمع المدني في هذا الشأن.
ومع هذا النهج الإنساني، اتسمت المساعدات الخليجية بعدم مشروطيتها، خلافًا للدول التي تستخدم المساعدات كأداة ضغط لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. ومنذ ستينيات القرن الماضي مع إطلاق «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية»، دعوته للدول الغنية لتخصيص 1% من ناتجها المحلي الإجمالي للمساعدات، التزمت دول الخليج بهذا النهج، لتكون من بين القلائل الذين استجابوا لهذا النداء بفاعلية.
ومع تنامي الحاجة إلى المساعدات الإنسانية في مناطق عدة حول العالم، لا سيما في العالم العربي، بما في ذلك فلسطين، والسودان، ولبنان، وسوريا، واليمن؛ استضافت الرياض في فبراير الماضي «منتدى الرياض الدولي الإنساني»، بمشاركة وزراء، وخبراء، ومسؤولين أمميين، لبحث أوضاع الفئات الأكثر تضررًا من الأزمات والكوارث التي عمقت التحديات الإنسانية، وشكل هذا الاجتماع النسخة الرابعة للمنتدى، الذي أصبح علامة بارزة في مسيرة العمل الإنساني. ومع وجود عراقيل سياسية تعطل انسياب هذه المساعدات، اتخذت هذه النسخة عنوانًا لها هو «استكشاف مستقبل الاستجابة الإنسانية»، وجاء انعقادها تزامنًا مع مرور عِقد على تأسيس «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، «وبعد احتفال المملكة بيوم التأسيس».
ونظرًا لأن السعودية تأتي في مقدمة دول العالم في العطاء الإنساني، بإسهامها بأكثر من 3000 مشروع إنساني في أكثر من 100 دولة حول العالم؛ فقد أرسل المركز مساعداته لـ 106 دول، خلال العِقد الماضي، بتكلفة تجاوزت 7.3 مليارات دولار، نفذ من خلالها 3355 مشروعًا إنمائيًا، وعقد شراكات في مجال عمله مع 211 منظمة أممية ودولية ومحلية. وخلال العقود الخمسة الماضية، تجاوز حجم العطاء السعودي 133.8 مليار دولار، وغدا المركز من أكبر المراكز الدولية التي تنفذ المشاريع التطوعية الخارجية، حيث نفذ 876 مشروعًا في 52 دولة، إضافة إلى المشاركة الفاعلة مع الأمم المتحدة في دعم التوجهات الإنسانية العالمية، بما فيها أهداف التنمية المستدامة، والمساهمة في استحداث آليات وصول خلاقة، وتحقيق أثر قوي ومستدام.
وفي هذا السياق، شهد افتتاح المنتدى، توقيع المركز اتفاقيات مع «منظمة الصحة العالمية»، للمبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال بقيمة 500 مليون دولار، ومع «اليونيسيف»، بقيمة 200 مليون دولار، ومع «مجموعة البنك الإسلامي للتنمية» لدعم صندوق العيش والمعيشة (المرحلة الثانية) لأكبر مبادرة تنموية من نوعها في الشرق الأوسط بقيمة 100 مليون دولار لتمويل مشاريع في الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية. وفيما تتعاون المملكة مع برنامج الغذاء العالمي منذ عقود، فقد قدمت له من خلال برنامج التمور أكثر من 100 ألف طن جرى توزيعها في أكثر من 30 دولة.
وفي مجال العطاء الإنساني أيضًا، تعد السعودية من أكثر دول العالم استقبالًا للاجئين، حيث توفر لهم فرص التعليم والعلاج مجانًا، وتحرص على إدماجهم في المجتمع، وإتاحة فرص العمل لهم. ومنذ العدوان الإسرائيلي على غزة، أخذ «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» في تسيير خطوط إغاثة جوية وبحرية، وتعاون مع الأردن في كسر إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر من خلال عمليات إسقاط جوي للمساعدات. وحتى أغسطس من العام الماضي، بلغت قيمة هذه المساعدات أكثر من 185 مليون دولار، كما قدم دعمًا ماليًا لعلاج مرضى السرطان من أهالي غزة في الأردن.
وانطلاقًا من التزام المملكة المستمر بتقديم المساعدات الدولية، تبنى المركز في اليمن «البرنامج السعودي لنزع الألغام»، و«مراكز الأطراف الصناعية»، و«مشروع إعادة تأهيل وإدماج الأطفال المرتبطين سابقًا بالنزاع المسلح». كما كان له دور بارز في أحداث زلزال تركيا، وسوريا، حيث دشن برنامج «سمع السعودية» التطوعي في تركيا، للتأهيل السمعي وزراعة القوقعة للمتضررين، ليصبح أكبر حدث إنساني تطوعي لزراعة القوقعة والتأهيل السمعي في العالم. وفي العام الماضي، أقرت «الأمم المتحدة»، مبادرة السعودية باعتبار يوم 24 نوفمبر من كل عام يومًا عالميًا للتوائم الملتصقة، وبمناسبته تستعد الرياض في 2025 لعقد مؤتمر دولي احتفاءً بمرور 30 عامًا على بدء البرنامج السعودي للتوائم الملتصقة.
ومنذ نشأتها في 1971، برزت «الإمارات»، كنموذج للعطاء الإنساني، وأسست في نفس هذا العام «صندوق أبوظبي للتنمية»؛ ليكون عونًا للأشقاء والأصدقاء بالإسهام في مشروعاتهم التنموية، وفي 1992 كان إنشاء «مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية»، لتكون ذراعًا ممتدة في ساحات العطاء الإنساني. ومنذ قيام الدولة حتى وفاة الشيخ «زايد بن سلطان» – رحمه الله – بلغت قيمة المساعدات التنموية والإنسانية التي قدمتها ما يقارب 90.5 مليار درهم، توجهت لـ 117 دولة حول العالم، فيما تعهد سمو الشيخ «محمد بن زايد»، رئيس الدولة بالحفاظ على هذا النهج، مؤكدًا أن المساعدات الإنسانية الخارجية لبلاده هي جزء لا يتجزأ من مسيراتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظًا، ولا ترتبط بدين، أو عرق، أو لون، أو الاختلاف السياسي.
وحتى عام 2021، بلغت قيمة المساعدات الإماراتية الخارجية نحو 320 مليار درهم، استفادت منها 201 دولة، ومنذ بداية 2021 وحتى أغسطس 2022 – حيث الاحتفال باليوم العالمي للعطاء الإنساني – بلغت قيمتها نحو 13 مليار درهم، ومنذ 1971 حتى نهاية العالم الماضي تخطت قيمة مساعداتها الخارجية الـ360 مليار درهم. وفي السنوات الأخيرة، أطلقت العديد من المبادرات الإنسانية، لمد يد العون للأشقاء والأصدقاء، مثل «عونك يا يمن في 2015، لأجلك يا صومال في 2017، وأطفال ونساء الروهنجا في 2019، ودعم اللاجئين والنازحين في الشرق الأوسط وإفريقيا في 2022، وجسور الخير في 2023 لدعم المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، «تراحم من أجل غزة»، منذ العدوان الإسرائيلي عليها في أكتوبر 2023».
ودلالة على تميزها في العمل الإنساني تم اختيار «الكويت» في سبتمبر 2014، «مركزًا للعمل الإنساني»، وتسمية أمير البلاد الراحل الشيخ «صباح الأحمد»، قائدًا للعمل الإنساني، فيما التزمت نهجها المعهود في دعم العمل الإنساني العالمي، بموجب قيم إنسانية خالصة، مترفعة عن سياسات الاستقطاب والمحاور، وهو النهج الذي أسسته منذ استقلالها وانضمامها للأمم المتحدة، وامتدت مساعداتها لجميع المناطق التي شهدت صراعات، أو كوارث طبيعية حول العالم، وتلك التي تحتاج إلى دعم التنمية فيها، لاسيما من خلال «الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية»، ومنظمات المجتمع المدني، وتوجهت هذه المساعدات للجميع من دون تمييز أو تفرقة بسبب الدين، أو الجنس، أو العرق.
علاوة على ذلك، تعد الكويت أكبر الداعمين لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على المستوى الإقليمي، وتبلغ نسبة المساعدات الإنسانية والتنموية التي تقدمها أكثر من 1.3% من ناتجها المحلي الإجمالي (يبلغ أكثر من 160 مليار دولار سنويًا)، متجاوزًا النسبة المقررة دوليًا البالغة 0.7%، فيما تخصص 10% من هذه المساعدات لدعم منظمات الأمم المتحدة، ويعد هذا التمويل من أكبر التمويلات التي يقدمها بلد واحد.
وفي مجال العطاء الإنساني تتميز «قطر»، بالفاعلية في مجال الاستجابة للأزمات والكوارث الإنسانية، ودعم وتعزيز الشراكة مع الجهات الإقليمية والدولية ومؤسسات الأمم المتحدة لتنسيق العمل الإنساني. ويقف «صندوق قطر للتنمية»، و«جمعية قطر الخيرية»، على رأس المؤسسات القطرية المقدمة للمساعدات التنموية والإنسانية. وفي عام 2023 وحده قدم «الصندوق»، منحًا بقيمة 500 مليون دولار، وحظي قطاع التعليم في أكثر من 65 دولة خلال العِقد الماضي بدعم قطري بلغ نحو مليار دولار. وفي الدورة 77 في الجمعية العامة للأمم المتحدة أطلق الصندوق بمبادرة قطرية، «دعم النساء في مناطق النزاع»؛ بهدف توفير الموارد اللازمة لهذا الدعم، فيما نشط أيضا في تقديم المساعدات للمتضررين في غزة، والسودان، وسوريا، وبلغ حجم المساعدات التي قدمتها «جمعية قطر الخيرية»، في السنوات الخمس الأخيرة نحو 2.4 مليار ريال قطري، استفاد منها قرابة 51 مليون شخص.
وتقود «الهيئة العامة للأعمال الخيرية»، التي أنشئت في عام 1996، جهود «سلطنة عُمان»، في المساعدات الإنسانية والتنموية، وفي خلال فترة وجيزة غدا دورها بارزًا، ليس فقط على المستوى المحلي، لكن إقليميًا ودوليًا، وتنفذ «الهيئة»، برنامج الإغاثة الخارجية في عدد من الدول بتمويل حكومي، حيث تقدم المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية والإيوائية للمتضررين في مناطق الكوارث والنزاعات، ونشطت بوجه خاص في فلسطين، واليمن.
وتمتلك «البحرين»، رغم ضيق مواردها رصيدا وافرا من العطاء الإنساني، وحتى تاريخ الاحتفال باليوم العالمي للعمل الخيري في 5 سبتمبر 2021، كانت «المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية»، قد قامت بأكثر من 40 مبادرة لإغاثة المتضررين من الكوارث الطبيعية والأزمات، شملت منح تبرعات وهبات ومساعدات إغاثة غذائية ودوائية، وإقامة مشاريع تنموية، فضلاً عن إسهامها في دعم جهود الإغاثة، وعمليات الإجلاء من أفغانستان، ومبادرات جلالة الملك للعمل الإنساني الدولي، وإطلاق جائزة عيسى للخدمة الإنسانية.
ونتيجة لذلك، حصلت المملكة في عام 2021 على المركز الأول عربيًا و12 عالميًا في مؤشر العطاء الدولي، في تقرير مؤسسة (كاف) العالمية بلندن، وحصد جلالة الملك جائزة الريادة العالمية في مجال رعاية الأيتام من منظمة التعاون الإسلامي في 2017، وبمبادرة من سمو الأمير «ناصر بن حمد آل خليفة»، منسق الملك للأعمال الإنسانية، تم تدشين لجنة العمل الخيري المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي، ككيان تنسيقي يعظم جهودها في مجال العطاء الإنساني.
على العموم، مثّل العطاء الإنساني لدول مجلس التعاون الخليجي، أحد أبعاد القيم النبيلة التي تتبناها هذه المجموعة، وفي مقدمتها نشر الإخاء الإنساني، والمحبة والسلام، وتقديم العون لمن هو في حاجة إليه، بغض النظر عن جنسه، أو عقيدته، أو مذهبه في كل مكان في العالم، ويبرز هذا التميز مظهرًا لقوتها الناعمة، برغم أنها ليست الأغنى بين المجموعات العالمية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك