يبدو يوم المرأة العالمي لحظة إجماع عالمي على الاعتراف بمكانة النساء في المجتمعات كافة، حيث تمتلئ الأجواء برسائل الدعم والإشادة بإنجازاتهن. لكن إلى جانب الاحتفاء، يظل هذا اليوم فرصة للتأمل في واقع تمكين المرأة، والنظر في السبل التي تثري دورها وتدعم مشاركتها الفاعلة. فالتقدير الحقيقي لا يقتصر على الكلمات، بل يتحقق عبر سياسات ومبادرات مستدامة تهيئ للمرأة فرصا متكافئة تمكنها من الإسهام بفاعلية في فضاءات متنوعة.
غالبا ما يختزل الحديث عن النساء في قصص نجاح استثنائية، حيث يسلط الضوء على من وصلت إليه من مراكز قيادية أو صنعت تغييرا لافتا. لكن الإنجاز لا يقاس فقط بالألقاب والمناصب، بل يتجلى في تفاصيل الحياة اليومية. في كل مجتمع هناك نساء يصنعن فرقا: معلمات يشكلن أجيال المستقبل، طبيبات يحمين الصحة العامة، فنانات يثرن الإلهام، عاملات يدعمن الاقتصاد، أمهات يغرسن القيم، ورائدات أعمال يخلقن فرصا جديدة. نجاح المرأة لا ينحصر في قالب معين، بل يكمن في تأثيرها، سواء كان في محيط صغير أو على نطاق واسع.
رغم التقدم الذي أحرزته المرأة في العقود الأخيرة، إلا أن العقبات التي تواجهها لا تزال موجودة. في كثير من المجتمعات حول العالم، لا تزال التوقعات الاجتماعية تشكل تحديا أمام النساء، حيث ينتظر منهن التوفيق بين كل الأدوار بإتقان، دون أن يمنحن حق الاعتراف بالإرهاق أو الحاجة إلى الدعم. لكن الاعتراف الحقيقي بالمرأة لا يجب أن يكون مرتبطا بقدرتها على تحمل الضغوط، بل بوجود بيئة عادلة تمنحها الفرصة للنمو والتطور وفق اختياراتها، دون أن تكون مطالبة بإثبات جدارتها في كل خطوة.
إلى جانب الضغوط الاجتماعية، تستمر الصور النمطية في تقييد مسيرة المرأة نحو المساواة، فتنحصر أدوارها في قوالب جاهزة تحدد مسبقا ما يتوقع منها، سواء كعاملة ناجحة أو كربة منزل مثالية، دون الاعتراف بتنوع مساراتها وإمكانياتها. التحرر من هذه القوالب لا يتحقق فقط عبر القوانين، بل يتطلب تغييرا جوهريا في الثقافة المجتمعية، من الأسرة إلى التعليم والإعلام، بحيث تحترم اختيارات المرأة وتدعم ثقتها بنفسها دون أن تكون مقيدة بمعايير معدة سلفا للنجاح.
لكن القيود الاجتماعية ليست التحدي الوحيد، إذ تواجه النساء في أجزاء مختلفة من العالم انتهاكات جسيمة تمس حقوقهن الأساسية. إذ تتعرض العديد من النساء والفتيات للعنف الجسدي،. كما أن في بعض المناطق، لم يتوقف إجبار الفتيات على الزواج في سن مبكرة، مما يحرمهن من فرص التعليم والعمل، ويدخلهن في دائرة من التبعية الاقتصادية والاجتماعية.
مثل هذه الممارسات تجعل الحاجة إلى آليات حماية أقوى ضرورة ملحة، لضمان أن تعيش النساء في بيئة آمنة تحترم كرامتهن وحقوقهن الأساسية.
في بعض الدول، مثل فرنسا والسويد وتونس، شكلت الإصلاحات القانونية والمبادرات الاجتماعية محطة بارزة في توطيد حقوق المرأة وحمايتها. فقد أقرت فرنسا قوانين صارمة تجرم العنف الأسري والتحرش بوضوح، مما وفر حماية قانونية أكثر صرامة للضحايا. أما السويد، فقد عززت سياسات الإجازة للوالدين، مما منح الأمهات والآباء فرصا متكافئة لرعاية الأطفال، وساهم في تحقيق توازن حقيقي بين الجنسين في الحياة الأسرية والمهنية. وفي تونس، صدر عام 2017 قانون رائد يعد من أكثر التشريعات شمولا في المنطقة العربية، حيث يجرم جميع أشكال العنف ضد المرأة، ويوفر منظومة حماية قانونية واجتماعية متكاملة للناجيات.
علاوة على ذلك، هناك توجه عالمي متنام نحو تطوير القوانين التي تضمن سلامة النساء، مثل تشديد العقوبات على العنف والتحرش، وتقديم الدعم القانوني والنفسي للناجيات، وإنشاء مراكز إيواء تمنحهن الحماية والأمان. كما أصبح إدماج قضايا التمكين والمساواة في المناهج الدراسية جزءًا من استراتيجيات الدول الساعية إلى بناء وعي جديد يدعم تكافؤ الفرص منذ المراحل المبكرة.
هذه الجهود، التي تتبناها مجتمعات عدة، تعكس إحاطة أشمل بأهمية دعم المرأة كركيزة أساسية في استقرار المجتمعات وتقدمها. فالمساواة ليست امتيازًا، بل هي دعامة جوهرية تحفز التنمية الشاملة، وتفتح المجال أمام الجميع للإسهام بفاعلية في بناء المستقبل.
وفي ظل التوجه العالمي نحو الارتقاء بمكانة المرأة. فبكل فخر، تواصل البحرين تحقيق خطوات بارزة في تعزيز مشاركة المرأة في مختلف القطاعات. فقد قاد المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد جلالة الملك جهودًا نوعية مؤسسية تستند إلى سياسات مدروسة، وبذلك أسهم في إغناء حضور المرأة في الأصعدة كافة. كما يلعب الاتحاد النسائي البحريني والجمعيات النسائية دورًا مهما في بناء بيئة داعمة تتيح للمرأة البحرينية الوصول إلى إمكانياتها الكاملة. ولم يكن هذا التقدم وليد اللحظة، بل هو ثمرة عمل متواصل يرتكز على دعم المرأة في مجالات التعليم، والصحة، وريادة الأعمال، وحتى في ميادين المشاركة السياسية وصنع القرار.
وبفضل الله، اليوم، تواصل المرأة البحرينية تفعيل مكانتها في مختلف القطاعات، مؤكدةً قدرتها على المساهمة بفاعلية في الاقتصاد والمجتمع. وعلى صعيد الحقوق المهنية، تتمتع بتكافؤ الفرص في سوق العمل، ولا تواجه تمييزا قانونيا في الأجور أو فرص التوظيف، وهو ما يعكس التقدم الذي تحقق في دعم دورها كفاعل اقتصادي ومجتمعي.
وفي إطار التطوير المستمر، تحظى بعض القضايا باهتمام الأوساط المجتمعية، ومنها مراجعة قانون الأسرة، بالإضافة إلى الجوانب القانونية المتعلقة بأوضاع أبناء البحرينيات المتزوجات من غير بحرينيين، وذلك ضمن التوجه نحو ترسيخ التماسك الاجتماعي والاستقرار الأسري. ويعد الاهتمام بهذه الملفات خطوة ضرورية لتطوير الأطر الداعمة للأسرة، باعتبارها الركيزة الأساسية لنجاح المجتمع واستقراره. كما يرتبط ذلك بالسعي إلى تمكين المرأة البحرينية وتنمية مشاركتها الفاعلة في الميادين المختلفة، بما يعزز مبادئ العدالة والإنصاف ويواكب متطلبات التنمية المستدامة.
في الأفق، تتشكل بوضوح ملامح مستقبل تشارك فيه المرأة بفاعلية إلى جانب الرجل، مساهمة في تقدم المجتمع وإثراء مسيرته. لم يعد الأمر مرتبطا بفتح الأبواب، بل بكيفية الاستفادة من الفرص المتاحة واستثمارها لتنمية الأفراد والمجتمع ككل. ومع توسيع دور المرأة في مناحٍ متعددة، يصبح التكافؤ واقعا يعكس رؤية قائمة على التنوع والإسهام المشترك. ومع كل خطوة تبنى على ما تحقق، يترسخ التوازن، وينطلق الجميع نحو آفاق أرحب من التطور.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك