بعد فترة ليست بالطويلة من المناوشات المتعددة إعلاميا وسياسيا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي حول استمرار أوكرانيا في الحرب من عدمه، وحول احتمالات إيقاف إطلاق النار والدخول في مفاوضات سلمية تنتهي بوقف هذه الحرب بشكل نهائي بعد توقيع اتفاق نهائي، بعد كل ذلك انفجرت الخلافات بين الطرفين بشكل علني ومباشر وعلى الهواء مباشرة وذلك خلال اللقاء الذي جمع بين الرئيسين في البيت الأبيض حيث كان المشهد غريبا وغير مسبوق في العلاقات بين الدول وقد شهد العالم في كل مكان هذه المشادة بين الطرفين انتهت بشكل دراماتيكي غير متوقع، ويمكننا في هذا السياق أن نتوقف عن 3 نقاط أساسية حول هذا الخلاف المتفجر بين الطرفين:
الأولى: تتعلق بوجهة نظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى قبل أن يصل إلى كرسي الرئاسة وخلال حملته الانتخابية حول هذه الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كان يردد دائما ما كان لهذه الحرب أن تحدث لو كان هو في السلطة وإن هذه الحرب ليست ضرورية بل كانت خطأ ناجم عن إصرار زيلينسكي والمنظومة السياسية والعسكرية الأوكرانية على مواصلتها بدعم كامل ومباشر من الإدارة الأمريكية الديمقراطية السابقة برئاسة الرئيس السابق جو بايدن وأغلب الدول الأوروبية التي بنت منظورها على نقطتين أساسيتين وهما كراهية روسيا بشكل مطلق وعلى كراهية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واعتباره شرا مطلقا و«مجرم حرب»، والنقطة الثانية ان روسيا الاتحادية بالرغم من كل التطور فإنها دولة ضعيفة ومتخلفة وبالإمكان إلحاق هزيمة استراتيجية بها.
إن هذا المنظور الأوروبي الأوكراني الأمريكي السابق هو ما تسبب في استمرار هذه الحرب ليس من فبراير 2022 بل منذ عام 2014 أيضا وقد أدرك الرئيس ترامب بتحليله الواقعي بأن هذه الحرب لا يمكن أن تنتهي بانتصار أوكرانيا التي حصلت على دعم أمريكي وأوروبي وإنه بالإمكان في النهاية تحقيق سلام بين الطرفين الروسي والأوكراني وإيقاف شلالات الدم اليومية الذي يرى أنه لم يعد محتملا، ولا شك أن هذا المنظور يختلف جذريا مع الموقف الأوروبي في مجمله وهذا أحد أسباب الخلاف بين الرئيس ترامب والرئيس زيلينسكي.
الثانية: التصريحات المتكررة التي أصدرها الرئيس الأمريكي ترامب حول زيلينسكي معتبرا إياه عقبة أمام السلام وقد كرر في أكثر من مرة وأكثر من مناسبة حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض بأن زيلينسكي تاجر شاطر وإنه في كل مرة يأتي الى الولايات المتحدة الأمريكية يحصل على صفقة رابحة من المال، كما أنه أطلق عليه عددا من الأوصاف السلبية «إنه ممثل شاطر، وإن زيلينسكي غير شرعي وإنه يجب أن تجرى انتخابات» ومن الطبيعي إزاء هذا أن يأتي زيلينسكي إلى البيت البيضاوي وهو يشعر باستياء كبير من هذا الوصف المنشور على أوسع نطاق في العالم، ولذلك كان هذا اللقاء مشحونا وانتهى بهذا الانفجار الذي شاهده العالم على الهواء مباشرة.
الثالثة: إن الرئيس زيلينسكي وخلال الأسابيع الماضية وفي ضوء التحول في الموقف الأمريكي وغضب الأوروبيين، وخاصة الزعامات السياسية في كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا من هذا التحول ورفضهم رفضا قاطعا أي مفاوضات مع روسيا الاتحادية ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحديدا ورفضهم للأفكار التي طرحها الرئيس ترامب وخاصة فيما يتعلق باحتمالات تخلي أوكرانيا عن المناطق التي انضمت إلى روسيا مما عزز موقف الرئيس زيلينسكي في مواجهة الموقف الأمريكي الجديد باعتبار انه قادم إلى واشنطن وبحوزته دعم أوروبي كامل سياسي ودبلوماسي ومالي وعسكري، وخاصة ما يتعلق بالإعداد لجيش من الدول الأوروبية لتحقيق الضمانات الأمنية لأوكرانيا لمواجهة أي تطور مستقبلي على الصعيد العسكري مع روسيا، وهذه الورقة التي حملها زيلينسكي معه إلى البيت الأبيض كانت أيضا أحد أسباب التوتر خلال هذا اللقاء العاصف بحيث بدا زيلينسكي كأنه يتحدى ترامب وكأنه يساومه على موقفه من السلام مع روسيا، هذا إضافة إلى رفضه التوقيع على اتفاقية المعادن النادرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من الموافقة السابقة على ذلك وربطه هذا التوقيع بتوفير الولايات المتحدة الأمريكية للضمانات الأمنية لأوكرانيا ورفض الرئيس ترامب لذلك.
تلك أهم النقاط المتعلقة بهذا الانفجار في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية أوكرانيا، ولا ندري إلى أين تتجه هذه العلاقات مستقبلا إذا لم يتم تدارك ومعالجة ما حصل في ذلك اللقاء لتجاوز تداعياته.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك