أعلن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في 10 فبراير 2025، فرض تعريفة جمركية جديدة بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألمنيوم، في خطوة تعكس توجهاته التجارية تحت شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، وذلك بهدف تقليص القدرة التنافسية للواردات الأجنبية وتعزيز الإنتاج المحلي.
وفضلًا عن تعهده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على كل الواردات إلى الولايات المتحدة من كندا، والمكسيك المجاورتين، بالإضافة إلى ضريبة بنسبة 10% على السلع القادمة من الصين؛ أعاد «ترامب»، بهذا الإعلان -كما ذكرت «آنا سوانسون» في صحيفة «نيويورك تايمز» - «سياسة ولايته الأولى، والتي أسعدت صناع المعادن المحليين، لكنها أضرت بالصناعات الأمريكية الأخرى، وأشعلت حروبًا تجارية على جبهات عدة».
وليس مفاجئًا أن تكون الدول الأكثر تصديرًا للصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة -وعلى رأسها كندا والمكسيك والبرازيل - من بين الأكثر تضررًا من هذه الرسوم الجمركية المرتفعة. ومع إصراره على عدم منح أي إعفاءات، حتى لأقرب حلفاء واشنطن السياسيين والاقتصاديين، قُوبل قراره برفض واسع من الحكومات الغربية، من أوروبا إلى أستراليا.
وعلى الرغم من أن أعضاء مجلس التعاون الخليجي -وبالتحديد الإمارات والبحرين - من بين أكبر مصدري الصلب والألمنيوم إلى واشنطن؛ فقد أوضح «كريس ستيوارت»، من موقع «أرابيان جلف بيزنس إنسايت»، أن دول الخليج «ستكون محمية من أسوأ الأضرار»؛ نظرًا لأن السوق الآسيوية محط اهتمامها الأول بصادراتها المعدنية.
وخلال فترة ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021، فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 10% على الألومنيوم المستورد إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن ضريبة بنسبة 25% على الصلب. واستشهدت «كاتي هوكينسون»، في صحيفة «إندبندنت»، بكيفية «انخفاض واردات الصلب والألمنيوم»، إلى الولايات المتحدة «على الفور تقريبًا»، لكنها «أثارت ردود فعل واسعة النطاق في السوق الدولية»، حيث فرض «الاتحاد الأوروبي»، تعريفاته الجمركية على واردات أمريكية، بقيمة 2.8 مليار دولار إلى القارة، بينما منح ترامب لاحقًا إعفاءات من التعريفات الجمركية لكندا والمكسيك.
وعقب أربع سنوات مما وصفته «هوكينسون»، بـ«الهدنة»، بشأن التعريفات الجمركية المتبادلة من قبل «إدارة جو بايدن»؛ فإن التعريفات الجديدة على المعادن التي فرضها ترامب، والمقرر دخولها حيز التنفيذ في مارس وأبريل 2025، لن تفرض ضريبة بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة فحسب -مع إصرار الرئيس الأمريكي على أنه يجب تطبيقها على «الجميع» - بل ستنهي أيضًا الإعفاءات الحالية التي تمّ تطبيقها على بعض الدول، حتى لو كانت تمتلك اتفاقية تجارة حرة مع واشنطن.
وفي حين زعم «بيتر نافارو»، كبير مستشاري ترامب التجاريين، أن «التعريفات الجمركية على الصلب والألمنيوم بقيمة 2.0»، سوف «تضع حدًا للإغراق الأجنبي، وتعزز الإنتاج المحلي، وتؤمّن صناعاتنا من الصلب والألمنيوم، باعتبارها العمود الفقري والصناعات الأساسية للأمن الاقتصادي والوطني»؛ فقد سجلت «ألكسندرا شارب»، في مجلة «فورين بوليسي»، أن دوافع «البيت الأبيض»، أكثر «غموضًا»، حيث يعتقد المراقبون الغربيون أنها تشكل «جزءًا من استراتيجية الإكراه الاقتصادي»، ضد الدول التي يعاديها ترامب شخصيًا، وتشمل هذه الفئة كندا، التي ادّعى مرارًا أحقية ضمها إلى الولايات المتحدة كولاية رقم 51.
وفيما يتعلق بتأثير تعريفاته على واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة على سوق المعادن العالمية؛ وثّق «كالوم جونز» في صحيفة «الجارديان»، كيف أن «واشنطن تستورد حوالي ربع ما تستخدمه من الصلب من الخارج»، حيث تتصدر كندا، والمكسيك، والبرازيل قائمة الموردين الرئيسيين، إلى جانب ألمانيا واليابان، وكوريا الجنوبية، التي تُعد «أسواقًا رئيسية» للواردات، كما أن حوالي 80% من هذا الحجم معفى حاليًا من الرسوم الجمركية بموجب الاتفاقيات التي أبرمتها إدارات البيت الأبيض السابقة، بما في ذلك إدارة ترامب الأولى. وأوضحت «شارب»، أن الرسوم الجمركية بنسبة 25% «ستقع على كندا بشكل خاص»، نظرًا لكونها شكّلت وحدها 79% من إجمالي واردات الألمنيوم الأمريكية بين يناير ونوفمبر 2024.
وبعيدًا عن الموردين المباشرين للولايات المتحدة من الصلب والألمنيوم، أشار «كيث برادشر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن هذه التدابير «ستؤثر» في «عدو ترامب القديم.. الصين»؛ حيث إن صادرات بكين المتزايدة من هذه المعادن إلى البلدان التي تزود الولايات المتحدة بمنتجاتها المحلية، مثل كندا والمكسيك، ستتباطأ. وأشار «برادشر»، إلى «إغراق» الصين للصناعة العالمية، مما أدى إلى انخفاض الأسعار وبالتالي «أضر بصناعة الصلب الأمريكية».
وبالنسبة للتأثير في التكاليف الخاصة بالصلب والألمنيوم عالميًا، من المتوقع أن ترتفع تكلفة خام الألمنيوم في منطقة وسط غرب الولايات المتحدة من 30 سنتًا للرطل، إلى ما بين 40 إلى 45 سنتًا، بينما سترتفع تكلفة الصلب المستورد بمقدار 150 دولارًا للطن، من 755 دولارًا إلى 900 دولار للطن.
أما بالنسبة إلى تأثير التعريفات الجمركية التي فرضها «ترامب»، على منتجي الصلب والألمنيوم في الشرق الأوسط، ففي عام 2024 تم تصدير حوالي 900 ألف طن من الصلب من المنطقة إلى الولايات المتحدة، منها حوالي 400 ألف طن من تركيا. ولكن مقارنةً بكندا، المصدر الرئيسي للصلب، فإن 1% فقط من واردات الصلب الأمريكية تأتي من دول الخليج. وتمثل دول «مجلس التعاون»، 16.3% من إجمالي واردات الألمنيوم إلى واشنطن. وكانت الإمارات ثاني أكبر مصدر للألمنيوم لها عام 2024 بواقع 347,033 طنًا، وفقًا للجنة التجارة الدولية الأمريكية. وفي عام 2023، صدرت البحرين، التي تعد سادس أكبر منتج للألمنيوم في العالم، للولايات المتحدة بقيمة تزيد على 650 مليون دولار.
وفيما أكد «هاميل ستيوارت»، أن التعريفات الجمركية الأمريكية على الصلب «ستضع المنتجين الأتراك في موقف أكثر صعوبة» في المنطقة، بالنظر إلى حجم الصادرات إلى السوق الأمريكية؛ فقد أشار «رالف ويجارت»، من مؤسسة «إس آند بي غلوبال ماركت إنتليجنس»، إلى أنه «من وجهة نظر دول الخليج؛ فإن هذه التعريفات، تعد مصدر إزعاج، لكنها بالتأكيد ليست عائقًا أمام صناعتها المحلية»، مشيرًا إلى أن شركاتها «تتمتع بميزة تنافسية قوية بفضل انخفاض تكاليف الطاقة في المنطقة».
من جهته، ذكر «روس ستراشان»، من مجموعة «سي أر يو»، أن حجم واردات المعادن من دول مجلس التعاون، إلى الولايات المتحدة «أقل بكثير من كندا، وبالتالي إذا تم فرض التعريفات الجمركية على جميع البلدان بنفس المعدل؛ فمن غير المرجح أن تتأثر الكميات القادمة من الخليج بشكل كبير بهذا التطور، مشيرًا إلى أن الفارق «الأعلى بشكل ملحوظ» في أسعار الألمنيوم في الولايات المتحدة، «سيعوض تكلفة التعريفة».
أما بالنسبة إلى الصلب، فقد أشار «ماثيو واتكينز»، من مجموعة «سي آر يو»، إلى أن «التراجع المحتمل في القدرة على الوصول إلى السوق لن يكون سهلاً»، بالنسبة إلى دول الخليج، لكنه أكد أنه «من المحتمل أن تجد هذه الدول أسواقًا بديلة إذا لزم الأمر». وأضاف «كاي أيوب»، من شركة «ميبس انتر ناشيونال»، أن هذه التعريفات تعني أن «كمية كبيرة من الصلب ستحتاج إلى إيجاد عملاء بديلين»، ما يعني أن المنتجين في الشرق الأوسط «سيواجهون منافسة مع المنتجين في آسيا، خاصة الصين، الذين سيعيدون توجيه صادراتهم من الولايات المتحدة إلى أسواق أخرى».
ورغم أنه من المتوقع أن تتجنب دول الخليج التأثيرات السلبية الأشد من التعريفات الجمركية، التي فرضها ترامب على صادرات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة، مقارنةً بالمصدرين الأكبر حجمًا، مثل كندا، والمكسيك، والبرازيل؛ فإن «ستراشان»، و«واتكينز»، و«أيوب»، أوضحوا أن هذه الدول قد تشهد منافسة أشد مع المنتجين الإقليميين والدوليين الآخرين في السوق العالمية، خاصة في آسيا.
علاوة على ذلك، من المتوقع أن تفرض واشنطن المزيد من التدابير الاقتصادية العقابية ضد منافسيها الاقتصاديين العالميين، وهو ما سيؤثر سلبًا في الاقتصاد العالمي. وهدد «ترامب»، بفرض المزيد من التعريفات الجمركية على واردات أشباه الموصلات، والأدوية، والمركبات. وفيما يخص «الصين»، و«الاتحاد الأوروبي»، صرح قائلاً: «ببساطة شديدة، إذا فرضوا علينا رسوما، فسوف نفرض عليهم رسوما»، مع دخول مثل هذه الإجراءات حيز التنفيذ على الفور».
ومع إصراره على أن رسومه الجمركية، قد تدر «تريليونات» الدولارات لصالح الاقتصاد الأمريكي، وأنها تشكل أداة «بالغة القوة»، تمكنه من «تحقيق كل ما يريده» من دول أخرى؛ فإن «سوانسون»، استنتجت أن ترامب قد تعهد «بإحياء معركة قديمة»، حول التجارة الدولية.
على العموم، بينما يشكك المراقبون الغربيون في تأثير هذه الرسوم في دول الشرق الأوسط، بما في ذلك دول الخليج - بقدر تأثيرها في دول مثل كندا، نظرًا للطريقة التي صاغت بها إدارة ترامب هذه الرسوم في سياق الأمن القومي الأمريكي؛ فقد يكون من المحتمل أن تتخذ «واشنطن»، إجراءات عقابية ضد صناعات أخرى، مثل النفط الخام، والغاز الطبيعي المسال، وهو إجراء سيكون له تأثير أكبر في منطقة الخليج مستقبلا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك