لم تكتف الجماعات المؤيدة لإسرائيل ولجان العمل السياسي، بمن في ذلك الأصوليون المسيحيون اليمينيون، وصقور المحافظين الجدد، والليبراليين الضعفاء، بدعم حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فحسب، بل إنها فعلت أكثر من ذلك بكثير.
لقد عملت هذه الجماعات المؤيدة لإسرائيل على إسكات النقاش في الكونغرس حول عقود من السياسات الإسرائيلية غير القانونية تجاه الفلسطينيين. في الأثناء، تسارع هذه الجماعات الموالية لإسرائيل ولجان العمل السياسي إلى إعلاء صوتها كلما ذكر دورها في هذا الصدد.
لقد أنفقت هذه الجماعات عشرات الملايين من أجل معاقبة المنتقدين وخلق مناخ من الخوف وراحت تتبجح بما حققته من نجاحات – وهي أمور موثقة بشكل جيد للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها.
وكانت النتيجة أن العديد من أعضاء الكونجرس إما أُجبروا على الصمت أو تم الضغط عليهم لتمرير تشريعات شديدة الغرابة تخص إسرائيل بمعاملة خاصة فيما يتصل بشؤون الميزانية أو للحصول على خدمات سياسية.
لقد ضغط هذا التحالف نفسه من المجموعات من يمين ويسار تيارات السياسة الأمريكية أيضًا على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ليس فقط لغض الطرف عن الإجراءات الإسرائيلية التي تنتهك القوانين الأمريكية، ولكن أيضا لاتخاذ موقف عدواني تجاه الدول الأخرى التي تنتقد إسرائيل.
وقد اسهمت هذه الأفعال في تفكيك بنية الدبلوماسية الدولية والقوانين والمواثيق التي تطورت في أعقاب الحربين العالميتين وألحقت ضرراً جسيماً بمكانة الولايات المتحدة الأمريكية في المجتمع الدولي.
وقد تعرض الرؤساء الأمريكيون، من جيرالد فورد إلى باراك أوباما، لضغوط من خلال رسائل في الكونجرس ألهمتها مجموعات مؤيدة لإسرائيل، تطالبهم بالتراجع عن المواقف المنتقدة للسياسات الإسرائيلية.
وهكذا تم إرغام الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الصمت في مواجهة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وغيره من الانتهاكات الإسرائيلية الموثقة للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
والأسوأ من ذلك أن هذه الجهود الرامية إلى حماية إسرائيل من الانتقادات في السنوات الأخيرة دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى السعي إلى معاقبة لجان منظمة الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية، الأمر الذي أدى إلى عزلة الولايات المتحدة الأمريكية على نحو متزايد.
نفس هذه المجموعة من الجماعات والضغوط التي مارستها لتشويه السياسات الأمريكية قد ألحقت أضرارًا لا حصر لها بالفلسطينيين والإسرائيليين وآفاق السلام في منطقة الشرق الأوسط.
ويتم تجاهل تقرير وزارة الخارجية حول حقوق الإنسان بشأن إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى عندما يكون دقيق المضمون. ونتيجة لذلك، يتم انتهاك الحقوق الفلسطينية بشكل منهجي بما يتعارض مع القوانين الأمريكية.
كما أسهم إذعان الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة السلوك الإسرائيلي في تراجع حركة السلام الإسرائيلية. فقد كانت هذه الحركة نشطة إلى حد ما، حيث إنها كانت تسلط الضوء على التوسع الاستيطاني والمسائل المتعلقة بانتهاكات الحقوق وتعتبر أن من شأنها أن تضر بعلاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد عقود من الأدلة على أن مثل هذه التداعيات لن تحدث أبداً، تلاشت هذه الحركة وأصبحت غير ذات أهمية، وقد أدى غيابها وتلاشي دورها إلى جعل اليمين المتشدد القوة المهيمنة في إسرائيل.
لقد أصبحت الانقسامات الخطيرة الوحيدة في السياسة الإسرائيلية تتلخص فيما إذا كانت الحكومة الائتلافية المقبلة تضم اليهود المتشددين أو يتولى نتنياهو القيادة. أما الفلسطينيون أو قضايا السلام والعدالة فهي ليست على جدول الأعمال.
منذ يوم 7 أكتوبر 2023، قام تحالف القوى المؤيدة لإسرائيل، بقيادة الأيديولوجيين المسيحيين اليمينيين والجماعات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، بتسريع جهوده على الجبهة الداخلية باستخدام ضغوط الكونجرس والأوامر التنفيذية الرئاسية لتقييد حرية التعبير المحمية دستوريًا والحرية الأكاديمية في حرم الجامعات.
يتم الآن تطبيق التعريف الموسع لمعاداة السامية، والذي يتضمن الانتقاد المشروع لإسرائيل، لتهديد الأموال الفيدرالية للجامعات التي لا تعاقب الطلبة وأعضاء هيئة التدريس على ما يعتبر الآن أنشطة معادية للسامية.
شكلت وزارة العدل فريق عمل لتحديد المجموعات والأفراد الذين شاركوا في الأعمال المناهضة لإسرائيل. وتعهدت الجماعات اليمينية بتحديد الطلبة الأجانب وأعضاء هيئة التدريس الذين شاركوا في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين أو الذين أصدر الطلبة اليهود شكاوى ضدهم بسبب تصريحاتهم المناهضة لإسرائيل.
إنهم يقومون بإبلاغ السلطات عن هؤلاء الطلبة من أجل ترحيلهم، وفقًا لأوامر الرئيس ترامب التنفيذية الأخرى.
والأمر المثير للسخط هو أن مساواة «مناهضة إسرائيل» و«تأييد الفلسطينيين» بـ«معاداة السامية» قد خلق مناخاً من الخوف في الجامعات، ما أعاق حرية التعبير والحريات الأكاديمية في الجامعات والخطاب العام.
وهكذا، فبينما يدفع الفلسطينيون حياتهم ثمنا لأن الضغوط التي تمارسها الجماعات المؤيدة لإسرائيل أدت إلى إسكات الانتقادات الموجهة للسياسات الإسرائيلية، فإن الضرر الناجم عن هذه الضغوط يتزايد.
لقد شوهت هذه الضغوط مصداقية هياكل النظام الدولي، وأذلت وعزلت الولايات المتحدة في أعين العالم، وهي تعمل الآن على تآكل العديد من حرياتنا التي نعتز بها بشدة.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك