العدد : ١٧١٥٢ - الأحد ٠٩ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٢ - الأحد ٠٩ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تأثير الجماعات المؤيدة لإسرائيل في السياسة الأمريكية

بقلم: د. جيمس زغبي {

الخميس ٠٦ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

لم‭ ‬تكتف‭ ‬الجماعات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ولجان‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأصوليون‭ ‬المسيحيون‭ ‬اليمينيون،‭ ‬وصقور‭ ‬المحافظين‭ ‬الجدد،‭ ‬والليبراليين‭ ‬الضعفاء،‭ ‬بدعم‭ ‬حملة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬فعلت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭.‬

لقد‭ ‬عملت‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬على‭ ‬إسكات‭ ‬النقاش‭ ‬في‭ ‬الكونغرس‭ ‬حول‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬في‭ ‬الأثناء،‭ ‬تسارع‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬الموالية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ولجان‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬إلى‭ ‬إعلاء‭ ‬صوتها‭ ‬كلما‭ ‬ذكر‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭.‬

لقد‭ ‬أنفقت‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬معاقبة‭ ‬المنتقدين‭ ‬وخلق‭ ‬مناخ‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬وراحت‭ ‬تتبجح‭ ‬بما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬نجاحات‭ ‬‭ ‬وهي‭ ‬أمور‭ ‬موثقة‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬للغاية‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها‭.‬

وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬إما‭ ‬أُجبروا‭ ‬على‭ ‬الصمت‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬الضغط‭ ‬عليهم‭ ‬لتمرير‭ ‬تشريعات‭ ‬شديدة‭ ‬الغرابة‭ ‬تخص‭ ‬إسرائيل‭ ‬بمعاملة‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بشؤون‭ ‬الميزانية‭ ‬أو‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬خدمات‭ ‬سياسية‭.‬

لقد‭ ‬ضغط‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭ ‬من‭ ‬يمين‭ ‬ويسار‭ ‬تيارات‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬الإجراءات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تنتهك‭ ‬القوانين‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬لاتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬عدواني‭ ‬تجاه‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تنتقد‭ ‬إسرائيل‭.‬

وقد‭ ‬اسهمت‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬بنية‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الدولية‭ ‬والقوانين‭ ‬والمواثيق‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬وألحقت‭ ‬ضرراً‭ ‬جسيماً‭ ‬بمكانة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭.‬

وقد‭ ‬تعرض‭ ‬الرؤساء‭ ‬الأمريكيون،‭ ‬من‭ ‬جيرالد‭ ‬فورد‭ ‬إلى‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬لضغوط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رسائل‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬ألهمتها‭ ‬مجموعات‭ ‬مؤيدة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬تطالبهم‭ ‬بالتراجع‭ ‬عن‭ ‬المواقف‭ ‬المنتقدة‭ ‬للسياسات‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وهكذا‭ ‬تم‭ ‬إرغام‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬على‭ ‬الصمت‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التوسع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الموثقة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬دفعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬معاقبة‭ ‬لجان‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬الدولية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬عزلة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متزايد‭.‬

نفس‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬والضغوط‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬لتشويه‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬ألحقت‭ ‬أضرارًا‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬وآفاق‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

ويتم‭ ‬تجاهل‭ ‬تقرير‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬حول‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بشأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬والأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬دقيق‭ ‬المضمون‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬يتم‭ ‬انتهاك‭ ‬الحقوق‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بشكل‭ ‬منهجي‭ ‬بما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬القوانين‭ ‬الأمريكية‭.‬

كما‭ ‬أسهم‭ ‬إذعان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬السلوك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬حركة‭ ‬السلام‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬نشطة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬تسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬التوسع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬والمسائل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بانتهاكات‭ ‬الحقوق‭ ‬وتعتبر‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تضر‭ ‬بعلاقة‭ ‬إسرائيل‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

وبعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬لن‭ ‬تحدث‭ ‬أبداً،‭ ‬تلاشت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬وأصبحت‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬أهمية،‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬غيابها‭ ‬وتلاشي‭ ‬دورها‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬اليمين‭ ‬المتشدد‭ ‬القوة‭ ‬المهيمنة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الانقسامات‭ ‬الخطيرة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تتلخص‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬الائتلافية‭ ‬المقبلة‭ ‬تضم‭ ‬اليهود‭ ‬المتشددين‭ ‬أو‭ ‬يتولى‭ ‬نتنياهو‭ ‬القيادة‭. ‬أما‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬أو‭ ‬قضايا‭ ‬السلام‭ ‬والعدالة‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭.‬

منذ‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬قام‭ ‬تحالف‭ ‬القوى‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬بقيادة‭ ‬الأيديولوجيين‭ ‬المسيحيين‭ ‬اليمينيين‭ ‬والجماعات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بتسريع‭ ‬جهوده‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخلية‭ ‬باستخدام‭ ‬ضغوط‭ ‬الكونجرس‭ ‬والأوامر‭ ‬التنفيذية‭ ‬الرئاسية‭ ‬لتقييد‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬المحمية‭ ‬دستوريًا‭ ‬والحرية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬في‭ ‬حرم‭ ‬الجامعات‭.‬

يتم‭ ‬الآن‭ ‬تطبيق‭ ‬التعريف‭ ‬الموسع‭ ‬لمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬والذي‭ ‬يتضمن‭ ‬الانتقاد‭ ‬المشروع‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬لتهديد‭ ‬الأموال‭ ‬الفيدرالية‭ ‬للجامعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعاقب‭ ‬الطلبة‭ ‬وأعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يعتبر‭ ‬الآن‭ ‬أنشطة‭ ‬معادية‭ ‬للسامية‭.‬

شكلت‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬لتحديد‭ ‬المجموعات‭ ‬والأفراد‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬المناهضة‭ ‬لإسرائيل‭. ‬وتعهدت‭ ‬الجماعات‭ ‬اليمينية‭ ‬بتحديد‭ ‬الطلبة‭ ‬الأجانب‭ ‬وأعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المؤيدة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬أصدر‭ ‬الطلبة‭ ‬اليهود‭ ‬شكاوى‭ ‬ضدهم‭ ‬بسبب‭ ‬تصريحاتهم‭ ‬المناهضة‭ ‬لإسرائيل‭.‬

إنهم‭ ‬يقومون‭ ‬بإبلاغ‭ ‬السلطات‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترحيلهم،‭ ‬وفقًا‭ ‬لأوامر‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬التنفيذية‭ ‬الأخرى‭.‬

والأمر‭ ‬المثير‭ ‬للسخط‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مساواة‭ ‬‮«‬مناهضة‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬و«تأييد‭ ‬الفلسطينيين‮»‬‭ ‬بـ«معاداة‭ ‬السامية‮»‬‭ ‬قد‭ ‬خلق‭ ‬مناخاً‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬ما‭ ‬أعاق‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬والحريات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والخطاب‭ ‬العام‭.‬

وهكذا،‭ ‬فبينما‭ ‬يدفع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬حياتهم‭ ‬ثمنا‭ ‬لأن‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬الجماعات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إسكات‭ ‬الانتقادات‭ ‬الموجهة‭ ‬للسياسات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فإن‭ ‬الضرر‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط‭ ‬يتزايد‭.‬

لقد‭ ‬شوهت‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط‭ ‬مصداقية‭ ‬هياكل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬وأذلت‭ ‬وعزلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬تعمل‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬تآكل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬حرياتنا‭ ‬التي‭ ‬نعتز‭ ‬بها‭ ‬بشدة‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا