أول خليجية تتخصص في تحليل جينات الأجنة قبل الغرس وتحصل على الدكتوراه في الجينات السرطانية.. أسست مختبرات مركز البحرين للأورام وعيادة الجينات والوراثة في مستشفى الملك حمد الجامعي.. د. مريم فدا آل عبدالله لـ«أخبار الخليج»:
يقول الفيلسوف اليوناني أفلاطون: «أتقن عملك.. تحقق أملك»!
هذا هو مبدأها في الحياة، اتقان العمل لتحقيق غاية إفادة الآخرين، أما وسيلتها لبلوغ ذلك فهو التعلم المستمر، والسعي الدائم نحو تطوير الذات، واكتساب أفضل المهارات، وتنوع الخبرات، انطلاقا من قناعتها بأن هناك دائما شيئا جديدا لاكتشافه وأنه حين يختار المرء مهنة ما يحبها حينئذ يمكنه أن يحقق فيها أفضل الإنجازات بكثير من المتعة.
د. مريم فدا آل عبدالله، عشقت علم الجينات والوراثة، فقررت أن تكشف أسرار بحره العميق، فكانت أول خليجية والوحيدة في البحرين التي تتخصص في تحليل جينات الاجنة قبل الغرس، وأول مواطنة تحصل على دكتوراه في الجينات السرطانية وتؤسس أول مركز لتحليل جينات الاجنة قبل الغرس في المملكة بمركز الأميرة الجوهرة للطب الجزيئي ومختبرات مركز البحرين للأورام وعيادة الجينات والوراثة في مستشفى الملك حمد الجامعي.
لقد عني الإسلام بمراعاة العامل الوراثي بل وقرر وجوده وأكده في أكثر من حادثة مع النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما جاء عن أبي هريرة حين قال: «كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره انه تزوج من الأنصار فقال له صلى الله عليه وسلم انظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر اليها فان في أعين الأنصار شيئا!
لذلك يظل لهذا العلم المتجدد أهمية بارزة وخاصة منذ قديم الأزل وحتى اليوم، حيث يمثل الشغل الشاغل للكثير من العلماء والخبراء في هذا الشأن من بينهم هذه الطبيبة التي تؤكد تجربتها على أن التعلم المستمر هو أساس النجاح في حياة الانسان، ومن هنا استحقت التوقف عند أهم محطاتها وذلك في الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
لقد ولدت من أم بحرينية وأب عماني في مملكة البحرين والتي تجمعها بسلطنة عمان علاقات طيبة ومتينة وراسخة في كافة المجالات عبر الأزمان، وكان الوالدان شديدا الاهتمام بالعلم والتعلم، لذلك كنت دوما متفوقة في دراستي وعبر كافة المراحل التعليمية، هذا فضلا عن تشجيعهما المستمر على ممارسة العديد من الأنشطة منذ الصغر منها تعلم اللغة الفرنسية والعزف على آلة البيانو ورياضة الباليه وغيرها، و كانت والدتي من ابرز المتفوقات المبتعثات إلى المملكة المتحدة أواخر السبعينيات للتخصص في العلاج الطبيعي، وكان لذلك أثر كبير على اهتماماتي العلمية، حيث ولد ذلك بداخلي رغبة في التعمق في عالم الطب بشكل عام، الأمر الذي جعلني أقدم على دراسة تخصص الطب بجامعة الخليج العربي.
أول محطة عملية؟
بعد التخرج في جامعة الخليج العربي عملت لدى مستشفى قوة الدفاع بقسم الجراحة، وبعدها حصلت على بعثة لدراسة رسالة الدكتوراه في علم الجينات والوراثة، وكان من التخصصات النادرة والدقيقة والصعبة في ذلك الوقت وأذكر أن قضية الاستنساخ كانت مسيطرة على اهتمامات العالم أجمع حينئذ، وبالفعل توجهت لبريطانيا لتحقيق هدفي العلمي الذي بلغته بعد قضاء ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف هناك اكتسبت خلالها الكثير من الخبرات الحياتية والعلمية التي أفادتني لاحقا في مسيرتي بشكل كبير.
وبعد العودة إلى الوطن؟
بعد حصولي على رسالة الدكتوراه من بريطانيا عدت إلى وطني، وعملت لدى كلية الطب بجامعة الخليج العربي كأستاذ مساعد، ثم توالت الإنجازات المهمة في مشواري وأهمها تأسيسي قسم تحليل جينات الاجنة قبل الغرس في مركز الأميرة الجوهرة الذي تم افتتاحه تحت رعاية معالي الدكتور الشيخ محمد بن عبد الله آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للصحة، وكذلك استحدثت قسم الجينات الوراثية ومختبرات مركز البحرين للأورام في مستشفى الملك حمد الجامعي، كما شرفت بأن أكون الرئيس المشارك لمؤتمر مشروع الجينوم في 2015.
أهم نقلة في مشوارك؟
اهم نقلة في مشواري كانت حين قررت التحول من تخصص الجراحة ودخولي عالم الجينات والوراثة المتجدد دوما حيث نجد في كل يوم شيئا جديدا فيه، بل يمكن القول بأنه يمثل بحرا عميقا من المعلومات، الأمر الذي جذبني إليه بشدة، وخاصة الآن في ظل توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء باستخدام تقنية الهندسة الجينية «كريسبر» لعلاج مرضى انيميا الدم المنجلية (السيكلر) وذلك منذ حوالي عام ونصف، ولا شك انني اشعر بفخر شديد كون البحرين أول دولة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم هذه التقنية، وهو انجاز طبي تاريخي في مجال استكمال مراحل علاج مريض فقر الدم المنجلي من خلال زراعة النخاع باستخدام التعديل الجيني «كريسبر» ليصبح أول مريض على مستوى العالم من خارج أمريكا يتم إعلان تلقيه العلاج بنجاح.
كيف يمكن تجنب الإصابة بالأمراض الوراثية؟
الفحص المبكر للطفرات الجينية يجنب الكثيرين الإصابة بالأمراض التي ترتبط بوجود العامل الوراثي بنسبة ما منها مثلا مرض السرطان، والعقم، ومتلازمة داون وغيرها، وهذا يستوجب التركيز على التوعية بإجراء الفحوصات الجينية الخاصة للأشخاص الذين تزداد نسبة اصابتهم بسبب وجود حالات مرضية في عائلاتهم، وهذا ما أفعله على أرض الواقع عبر المحاضرات التوعوية والمقالات وكذلك على حسابي على الانستجرام في محاولة للمساهمة في نشر هذه الثقافة لتجنب الإصابة ببعض الأمراض أو اكتشافها في الوقت المناسب للتدخل بالعلاج الفعال والمبكر.
إلى أي مدى يتوافر هذا الوعي حاليا؟
لا شك أن الوعي بأهمية اجراء الفحوصات الطبية لبعض الأمراض الوراثية آخذا في الازدياد يوما بعد يوم، وهنا أود تأكيد أمرا مهما وهو أن العوامل الجينية والبيئية تؤثران بشكل متوازي على الإصابة بالكثير من الأمراض ومنها الأمراض السرطانية، هذا فضلا عن أسلوب الحياة العصرية المعاش اليوم وخاصة ما يتعلق بنوعية الغذاء وممارسة الرياضة وعادة التدخين وتناول الكحوليات وغيرها من العوامل التي تسهم في رفع أو خفض نسبة انتشار هذه الأمراض الوراثية.
ماذا لو أثبت الفحص قبل الزواج وجود طفرات جينية؟
اذا اتضح من خلال الفحص قبل الزواج أن أحد الزوجين حاملا طفرات جينية قد تؤدي إلى إنجاب طفل مصاب بمرض ما، عندئذ نقوم بشرح ذلك لهما مع تقديم الحلول العملية والعلمية الآمنة لتجنب ولادة طفل مصاب بأي مرض وراثي، ولعل احد هذه الحلول هو استخدام تقنية طفل الانابيب تليها عملية تحليل جينات الاجنة قبل الغرس والتي يمكن من خلالها اختيار الأجنة السليمة وغرسها في رحم الأم، ومن ثم لم يعد الزواج مستحيلا في حال اكتشاف الطفرات الجينية عبر الفحص بل هناك مخارج طبية متعددة، ويبقي الشيء المهم هنا هو اجراء الفحوصات اللازمة وبالتالي التدخل العلاجي أو الوقائي في الوقت المناسب.
مبدأ تسيرين عليه في الحياة؟
المبدأ الذي أضعه دوما أمام عيناي عبر مسيرتي هو التوكل على رب العالمين في كل شيء والحرص على التعلم المستمر ومن ثم تحقيق التطوير الذاتي الذي يواكب المستجدات من حولنا المستمر، وهذا هو سلاحي في الحياة الذي يمدني بالقوة والنجاح، وبصفة عامة يمكن القول بأنني شخصية لا تؤمن بالفشل، فكل طريق يوصلنا إلى الأفضل مهما واجهنا من عثرات أو مطبات، ولله الحمد أشعر بأنني حققت أكثر من توقعاتي بالنسبة إلى طموحاتي وأهدافي عبر مشواري.
بماذا تتميز المرأة الطبيبة عن الرجل الطبيب؟
المرأة الطبيبة تتميز بلمستها الإنسانية عند تعاملها مع المريض، وهذا هو المعروف في الأوساط الطبية فالمريض بشكل عام سواء كان رجلا أو امرأة يشعر بقدر كبير من الارتياح عند الحديث للطبيبات أو الفضفضة معهن، وكم أتمنى انخراط العنصر النسائي في مجال علم الجينات والوراثة والتخلص من حالة العزوف الحالية بسبب تخوفهن منه نظرا إلى صعوبته وتشعبه.
كيف ترين المنظومة الصحية بالمملكة؟
نحن لطالما فخورون بالمنظومة الصحية في مملكة البحرين، حيث كانت هي الرائدة والسباقة في المجالات الصحية وذلك فضل رؤية جلالة الملك المعظم الثاقبة لتطوير المسيرة الصحية لتكون المملكة في مصاف الدول العالمية المتقدمة، كما لا يفوتنا هنا أن نشيد بجهود سمو ولي العهد رئيس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة على وضع مملكة البحرين على خارطة العالم الطبية، ولا بد أن نشيد كذلك بجهود المجلس الأعلى للصحة لوضع الاستراتيجيات ومراقبة التقنيات لاستمرار ديمومة العمل الطبي والصحي ليصل إلى أعلى درجات الجودة مما ينعكس على الصالح العام، فضلا عن دور وزارة الصحة وعلى راسها سعادة الوزيرة د. جليلة بنت السيد جواد حسن في تقديم الدعم المستمر للبحث العلمي وتحقيق الريادة الطبية، وكل ما نتطلع اليه اليوم هو إعادة هندسة التشريعات واستحداث بعضها المتعلقة بمنظومة الهندسة الجينية وعلم الجينات والجينوم.
علام ينصب تركيزك اليوم؟
خلال الفترة الحالية أعكف على اكتشاف ورصد كل ما هو جديد في مجال السرطان وكذلك اضطراب التطور الجنسي، والذي يرتبط بعلم الجينات والوراثة بشكل أساسي واتمنى أن أسهم عبر خبراتي وأبحاثي في الإضافة إلى هذا العالم المتجدد والشائك بشكل أو بآخر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك