العدد : ١٧١٤٧ - الثلاثاء ٠٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٤٧ - الثلاثاء ٠٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أزمة العلاقات الأوروبية الأمريكية

بقلم: د. عصام عبدالفتاح {

الاثنين ٠٣ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

لايزال‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيون‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬يتساءلون‭: ‬‮«‬كيف‭ ‬انتهي‭ ‬بنا‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المصيبة؟‭ ‬كيف‭ ‬تتخلى‭ ‬عنا‭ ‬فجأة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬حليفنا‭ ‬التاريخي‭ ‬منذ‭ ‬80‭ ‬عامًا؟‭ ‬ماذا‭ ‬نحن‭ ‬فاعلون‭ ‬بدونها؟‮»‬،‭ ‬تفجرت‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬عقب‭ ‬المكالمة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬ترامب‭ ‬مع‭ ‬بوتين‭ ‬ووضعت‭ ‬حدًا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الوطيدة‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وأوروبا‭.‬

حدث‭ ‬ذلك‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬نزعة‭ ‬ترامب‭ ‬نحو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭ ‬لاحت‭ ‬بوادرها‭ ‬إبان‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته‭ ‬الأولى،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬كان‭ ‬متوقعًا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أوروبا‭ ‬مستعدة‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

‭ ‬ولئن‭ ‬كان‭ ‬رؤساء‭ ‬فرنسا‭ ‬السابقون‭ ‬قد‭ ‬حذروا‭ ‬شعبهم‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬بأن‭ ‬مصالح‭ ‬فرنسا‭ ‬ليست‭ ‬متقاربة‭ ‬بشكل‭ ‬منهجي‭ ‬مع‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وأن‭ ‬الاختلاف‭ ‬بينهما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬خطيرة،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لم‭ ‬يحل‭ ‬دون‭ ‬دهشتهم‭ ‬إزاء‭ ‬الطلاق‭ ‬البائن‭ ‬الذي‭ ‬أعلنه‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬وجوههم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مواربة‭. ‬ومما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬إيلامهم‭ ‬قيامه‭ ‬بالتفاوض‭ ‬مع‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دعوة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والمسؤولين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬وكأن‭ ‬وجودهم‭ ‬لن‭ ‬يغني‭ ‬ولن‭ ‬يسمن‭ ‬من‭ ‬جوع،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬الأمن‭ ‬الأوروبي‭ ‬فيه‭ ‬مضطربًا‭.‬

هكذا‭ ‬أدرك‭ ‬الأوروبيون‭ ‬بوضوح‭ ‬ما‭ ‬يحيق‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬خطر‭. ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬بين‭ ‬ترامب‭ ‬وبوتين‭ ‬هو‭ ‬اتفاق‭ ‬ثنائي‭ ‬لمصلحتيهما‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التفات‭ ‬للأمن‭ ‬الأوروبي‭. ‬وهذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يُضعف‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ويجعلها‭ ‬فريسة‭ ‬سهلة‭ ‬المنال‭ ‬لموسكو‭ ‬كما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬وحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخلى‭ ‬عنه‭ ‬ترامب‭. ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬ماكرون‭ ‬نفسه‭ ‬قد‭ ‬صرح‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬بمناسبة‭ ‬النزاع‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬التحرك‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بأن‭ ‬حلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬موت‭ ‬سريري‭.‬

إزاء‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الشائك‭ ‬أيقنت‭ ‬أوروبا‭ ‬أن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬وحدها‭ ‬مسؤولية‭ ‬أمنها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي‭ ‬بيت‭ ‬هيجسيث‭ ‬للأوروبيين‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬لحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬الذي‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬بروكسل‭ ‬يومي‭ ‬12‭ ‬و13‭ ‬فبراير‭ ‬2025‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المأزوم‭ ‬سيضع‭ ‬أوروبيين‭ ‬أمام‭ ‬معضلة‭ ‬رهيبة‭. ‬فهم‭ ‬إما‭ ‬سيُحجمون‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬ضمان‭ ‬لتوفير‭ ‬الأمن‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬الأعباء‭ ‬المالية‭ ‬اللازمة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬القارة‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يتهددهم‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تتشوه‭ ‬مصداقيتهم‭ ‬أمام‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬يقدموا‭ ‬ضمانات‭ ‬أمنية‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬ويتجشموا‭ ‬أعباء‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيثقل‭ ‬ميزانيتهم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬ويضعف‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬قارتهم‭ ‬التنافسية‭ ‬في‭ ‬الأمد‭ ‬البعيد‭. ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬دعا‭ ‬بعض‭ ‬قادتهم‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬ركيزة‭ ‬أوروبية‭ ‬لحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬بعدما‭ ‬شاهدوا‭ ‬ترامب‭ ‬يتفاوض‭ ‬مع‭ ‬بوتين‭ ‬حول‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬بدونهم‭ ‬بل‭ ‬ضدهم‭.‬

أمام‭ ‬هذا‭ ‬التغير‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وأوروبا‭ ‬يثور‭ ‬تساؤل‭ ‬مهم‭:‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬حدًا‭ ‬للحماية‭ ‬العسكرية‭ ‬لأوروبا‭ ‬بل‭ ‬وشن‭ ‬معركة‭ ‬تجارية‭ ‬تضر‭ ‬بها،‭ ‬فهل‭ ‬يشي‭ ‬موقفه‭ ‬هذا‭ ‬بحدوث‭ ‬تمزق‭ ‬إيديولوجي‭ ‬ونزاع‭ ‬عميق‭ ‬حول‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تربط‭ ‬أوروبا‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة؟‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬بإمكانه‭ ‬الإدلاء‭ ‬بإجابة‭ ‬قاطعة‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭.‬

‭ ‬فرغم‭ ‬قرارات‭ ‬ترامب‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬تضر‭ ‬كثيرًا‭ ‬بالمصالح‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للأوروبيين،‭ ‬فإن‭ ‬الأمل‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يحدو‭ ‬ببعضهم‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬ترامب‭ ‬موقفه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اعتادوا‭ ‬أن‭ ‬يروا‭ ‬فيه‭ ‬عبر‭ ‬مراوغاته‭ ‬ورجوعه‭ ‬عن‭ ‬قراراته‭ ‬لاعبًا‭ ‬محترفًا‭ ‬للبوكر‭ ‬في‭ ‬السياسة‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬تصرفات‭ ‬ترامب‭ ‬لو‭ ‬قارناها‭ ‬بتصرفات‭ ‬سلفه‭ ‬بايدن‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬فارق‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير‭.‬

فبينما‭ ‬كان‭ ‬بايدن‭ ‬ورفاقه‭ ‬يتصورون‭ ‬العالم‭ ‬وكأنه‭ ‬رقعة‭ ‬شطرنج‭ ‬كبيرة‭ ‬تسعى‭ ‬فيها‭ ‬الكتل‭ ‬الصديقة‭ ‬والمعادية‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬جيوسياسية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها،‭ ‬يرى‭ ‬ترامب‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬وربما‭ ‬الفضاء‭ ‬بأكمله‭ ‬ساحة‭ ‬كبرى‭ ‬للعبة‭ ‬احتكار‭ ‬شرسة‭ ‬تتنافس‭ ‬فيها‭ ‬أطراف‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الأصول‭ ‬القيمة‭ ‬الثمينة‭ ‬عقارات‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬أسواقًا‭ ‬أو‭ ‬موارد‭.‬

الأولوية‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬بايدن‭ ‬كانت‭ ‬لإيديولوجيا‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬يرددها‭ ‬مع‭ ‬الكورال‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬واحد،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬الديمقراطية‮»‬‭ ‬و«احترام‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‮»‬،‭ ‬والالتزام‭ ‬بـ«مبادئ‭ ‬الناتو‭ ‬وأنظمة‭ ‬التحالف‭ ‬الأخرى‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬ترامب‭ ‬فإن‭ ‬السياسة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الناجحة‭ ‬محكومة‭ ‬بالسعي‭ ‬الجامح‭ ‬لتحقيق‭ ‬المزايا‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاستراتيجية‭.‬

{ أستاذ‭ ‬فلسفة‭ ‬اللغة‭ ‬والأدب‭ ‬الفرنسي

‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ - ‬جامعة‭ ‬حلوان

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا