في دورة متخصصة بعنوان (السعادة الوظيفية) في دولة شقيقة، كان التركيز منصبا على المسؤول الإداري القائد، وكيف يمكنه أن يزيد من إنتاجيته اليومية والشهرية بحيث يجعل من المؤسسة أو القطاع الذي يرأسه متميزًا من بين القطاعات ضمن المؤسسة التي يعمل فيها أو أكثر من ذلك. ولكن الحديث انحرف بعد ذلك إلى الموظف نفسه، فالمسؤول الإداري لا يمكنه مهما بلغت قدراته القيادية أن يتحرك من مكانه إن لم يجد التعاون الكامل من الموظفين الذي يعملون معه. لذلك طُرح السؤال المهم: كيف يمكن زيادة إنتاج الموظف حتى يبلغ السعادة الوظيفية التي ينشدها؟
وصلنا إلى أنه بعد أن يتم توفير البيئة المحفزة للعمل وكل الظروف المناسبة لتطوير الإدارة من قبل الإدارة، فإنه ينبغي على الموظف أن يقوم بالتالي بقدر الإمكان؛
أولاً: إدارة ضغط العمل؛ لا توجد أعمال من غير ضغوط، وتعرف ضغوط العمل بأنها الحالة التي يشعر فيها الموظف بتوتر أو قلق ناتج عن التزامات العمل أو البيئة المحيطة بالعمل، ولقد أشارت الدراسات أنها تنشأ من مجموعة متنوعة من العوامل مثل عبء العمل الزائد، المواعيد النهائية الضيقة، الصراعات في مكان العمل، عدم التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وغيرها. وكذلك وجدت تلك الدراسات النفسية أن ضغوط العمل تؤثر في الأداء الشخصي والصحة النفسية والجسدية، ومن أهم الأعراض الشائعة لضغوط العمل الصداع، الإرهاق، صعوبة التركيز، القلق، وتقلبات المزاج. لذلك فإن كل المؤشرات والعوامل تؤكد أنه ينبغي التحكم في تلك الضغوط بقدر الإمكان، وهذا موضوع آخر.
ثانيًا: إدارة الوقت؛ من أكثر الأمور المهدرة والتي تتسبب في إحداث ضغوط العمل إضاعة الوقت في كثير من الأمور الجانبية وترك العمل والتسويف حتى يأتي الموعد النهائي لتسليم العمل، حينئذ يشعر الموظف أنه مضغوط وأنه يجب أن ينجز العمل، ولقد أشارت الدراسات أنه لزيادة الإنتاجية في العمل يمكن أن يعتمد الموظف على طريقة (بومودورو)، وهي استراتيجية قد نجدها مفيدة لإدارة الوقت بشكل أكثر كفاءة. فعلى غرار جدولة فترات الراحة، تطبق (طريقة بومودورو) استخدام المؤقت، حيث يكرس الموظف نفسه لأداء المهمة مدة 20 دقيقة على الأقل إذ يمكنك زيادة ذلك إلى 30 دقيقة، ويعمل عليها حتى ينفد المؤقت، ويمكنه بعد ذلك أن يأخذ استراحة مدة لا تزيد على خمس دقائق فقط، ومن ثم يعود إلى العمل مرة أخرى، وجد أن هذه الإستراتيجية فعالة لأنها توفر مزيدًا من الوقت للعمل المركز دون انقطاع، ثم توفر طريقة للتراجع عن المهمة لبضع دقائق قبل العودة إلى إكمالها.
ثالثًا: التركيز على مهمة واحدة في كل مرة؛ على الرغم من أن بعض الموظفين يمكنهم القيام بالعديد من المهام في آن واحد، إلا أن التركيز على مهمة واحدة تلو الأخرى قد يساعد حتى تكون تلك المهمة أكثر إنتاجية وأكثر جودة. فتشير الدراسات أنه عندما يركز الإنسان على أكثر من نشاط واحد في نفس الوقت، فإنه يميل إلى استخدام المزيد من الوقت فقط للانتقال بين المهام. وعلى عكس ذلك فإن التركيز على مهمة واحدة في كل مرة حتى اكتمالها يمكن أن يساعد في زيادة الإنتاجية لأنه عندما يركز على مشروع واحد في كل مرة، فإنه يحدد هدفًا واحدًا في وقت واحد بدلاً من عدة أهداف. وإذا كنت ملتزمًا بالقيام بمهام متعددة، ولكنك ترى أنك تبدأ مهام أكثر مما يمكنك إنهاؤها، ففكر في ترتيب أولويات مهامك حسب الأهمية حتى تتمكن من البدء في المهام الأكثر تطلبًا وإنهاء يومك بمهام أخف وأقل استهلاكًا للوقت.
رابعًا: التركيز على المهام الأكبر والأصعب؛ إن التركيز على المهام الصعبة والأكبر والأكثر استهلاكًا للوقت قبل أي مهام أخرى يمكن أن يساعدك على البقاء أكثر تركيزًا من العمل على المهام الأصغر والأقصر أولاً. لذلك نجد أنه من المهم وضع قائمة المهام الخاصة بنا وفقًا لهذه المهام، حيث يمكنك تخصيص الوقت في الصباح عند وصولنا إلى العمل لأول مرة للمهام الصعبة والأكثر تعقيدًا، إذ يكون المرء أكثر يقظة ونشاطًا، ومن ثم التدرج في المهام الأخرى.
خامسًا: الالتزام بالتعلم المستمر؛ لا يتطور الموظف من خلال الدورات الداخلية التي تقيمها المؤسسة فحسب، وإنما يمكنه ذلك من خلال الكثير من الأمور، مثل: البحث عن دورات خارجية تساعده في صقل قدراته المهنية أو حتى الحياتية، فتطوير حياته الشخصية اليومية يمكن أن تكون ذات مردود مهم على حياته المهنية، ويمكنه كذلك قراءة الكتب الخارجية، ومتابعة المحاضرات والندوات، بالإضافة إلى الاطلاع على عديد من المواقع الإلكترونية التي تبحث في التخصصات المختلفة ذات العلاقة بطبيعة العمل، كل ذلك يساعد بصورة كبيرة في التطوير حتى وإن لم ينعكس ذلك على الترقيات أو الحصول على الدرجات، فالعلم والتعلم ليس له علاقة بالترقي في الدرجات.
سادسًا: تعزيز العلاقة مع زملاء العمل ودعم التواصل البناء؛ يُؤدي التواصل الفعّال مع الفريق وزملاء العمل إلى زيادة إنتاجية العمل بطريقةٍ ملحوظة، ولا يُقصد بمفهوم التواصل هنا نوعية الرسائل التي سيشاركها الموظف مع زملاء العمل عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل يشير أيضًا إلى طريقة التواصل الاجتماعي المتكامل عبر المشاركة في الأفراح والأحزان والتواصل البناء والعلاقات الاجتماعية حتى خارج نطاق العمل. كل هذا يسهم في إزالة الحواجز وتبادل الأفكار والمعلومات، ويمكن أن يتم ذلك من خلال الأنشطة التشجيعية مثل الألعاب التنافسية التي تعزز الروح الجماعية، أو إقامة اجتماعات غير رسمية تتيح الفرصة للتفاعل الإيجابي، ويمكن أيضًا أن تُنظِّم حفلات مكتبية تضفي جوًا من الألفة والمرح، بالإضافة إلى تخطيط رحلات جماعية بين الحين والآخر لتعزيز التعاون والتعارف والنمو الاجتماعي.
سابعًا: الابتعاد عن المُشَتتات؛ نحن نعيش في عالم مليء بفرص التشتيت بدءًا من التلفزيون إلى المدونات مرورًا بالرسائل النصية اللحظية ناهيك عن الأصدقاء والعائلة وحتى الحيوانات الأليفة، فقضاء دقيقة هنا ودقيقة هناك قد يجعل اليوم ينقضي دون أن تفعل شيئًا ذا قيمة فلا تدع ذلك يحدث وخاصة في العمل. ومن أسهل طرق الابتعاد عن المشتتات غلق مواقع التواصل الاجتماعي وامنع أي تنبيهات قد تعوقك عن عملك، ويمكن كذلك أن تخبر عائلتك ألا يقوموا بمقاطعتك أثناء تأدية مهامك، إلا للضرورة فإن ذلك يساعد كثيرًا في التركيز، أخبر زملاء العمل أن وقت العمل للعمل ووقت الترفيه يمكن أن يستخدم للترفيه.
ثامنًا: المحافظة على نظافة وترتيب المكتب؛ من الأمور الجديرة بالاهتمام ترتيب المكتب ونظافته، فعندما نقوم بترتيب المكتب والملفات وترتيب الأوراق والمعاملات، وكذلك نظافة الطاولة وحتى تحت الطاولة فإن هذه أجواء إيجابية تساعد الموظف بصورة كبيرة ليكون إيجابيًا، ويساعد على تصفية الذهن والحد من الشعور بالتوتر والقلق، وهذا ما يسهم في تعزيز الإنتاجية والتركيز في العمل.
تاسعًا: أخذ فترات راحة منتظمة؛ فقد يكون من المغري تجنب أخذ وقت للراحة، ولكن عندما نهمل منح الموظف مهلة لبضع دقائق، فقد يؤدي ذلك إلى الإضرار بالإنتاجية الإجمالية من خلال التسبب في التعب أو الإرهاق. إذا حدث هذا، فقد لا يكون لدى الموظف الطاقة أو الدافع لمواصلة إحراز التقدم، لذلك فإن على جهة العمل أن تضع في مخططها أن يأخذ الموظف استراحة قصيرة خلال يوم العمل، ولقد وجدنا أن معظم أماكن العمل لديها جدولًا إلزاميًا يتضمن أوقات استراحة مخصصة، بحيث يمكن للموظفين أخذ استراحة مدة تتراوح من خمس إلى 10 دقائق على الأقل بعد كل بضع ساعات من العمل النشط، ويمكن أن تسمح لك هذه الاستراحات القصيرة بإعادة شحن طاقتك وتصفية ذهنك والاستعداد للمهمة التالية.
عاشرًا: نظام الدقائق السبع؛ وهذه الفكرة تم طرحها سابقًا في مقال خاص، ولكن بصورة عامة، فإن الأعمال عندما تأتي إلى الموظف – حتى وإن كانت صعبة – فإنه يمنح نفسه 7 دقائق لإنجازها، فإن وجدها ممتعة فإنه يمكن أن يستمر في إنجازها حتى تنتهي، وإن وجد أنها ثقيلة وصعبة يمكنه بعد 7 دقائق أن يضعها جانبًا عدة دقائق حتى ينجز عملاً آخر، وعندما ينتهي من العمل الآخر، فإنه يمكن أن يعود إلى المهمة الأخرى حتى ينجزها، وهكذا.
بطريقة أو بأخرى، يجب أن تفكر المؤسسة ألا توصل الموظف إلى مستوى الاحتراق الوظيفي، الذي يسبب له الضغط المستمر والعمل ساعات طويلة دون الحصول على راحة كافية، مما يؤدي إلى إصابة الموظفين بالإرهاق الجسدي والنفسي وفقدان حماسهم للعمل، ويمكن ملاحظة آثار ذلك من خلال انخفاض جودة العمل وارتفاع معدلات التغيب عن العمل ومعدلات التسرب الوظيفي. وحتى نتغلب على هذه المشكلة، لا بد أن تضع المؤسسات استراتيجية شاملة لدعم الصحة النفسية للموظفين، تشجعهم على التوفيق بين العمل والحياة الشخصية من خلال تطبيق ساعات عمل مرنة ومنحهم إجازات كافية، كما يجب أيضًا أن يمتلك المسؤولون الإداريون القدرة على كشف علامات الاحتراق مبكرًا، وأن يتدخلوا في الوقت المناسب لمساعدة موظفيهم.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك