قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران / 85. وقال جل جلاله: (إن الدين عند الله الإسلام..) آل عمران / 19.
وقال سبحانه: (..اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا..) المائدة / 3.
وقال الله تعالى في موضع آخر من القرآن: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) الحج / 78.
هذه الآيات المعجزات تبين في وضوح تام شيئًا من البيان القرآني حول إعداد العرب الذين نزل فيهم القرآن لتولي القيادة وحمل مشعل الحضارة النابعة أصولها وفروعها من القرآن الكريم الذي جعله الله تعالى خاتمة المعجزات التي أنزلها الله تعالى على رسله الكرام، وتردد لفظ الإسلام في هذه الآيات المباركات يلفتنا إلى أمر يجب علينا أن نتدبر معانيه، وندرك مقاصده، فالعرب بعد بعثة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم صاروا جزءًا مهما وفاعلًا من الأمة الإسلامية التي اختار الله تعالى لها الإسلام دينًا كاملًا كما ذكر في سورة المائدة، الآية (3 )، وقبل أن تحمل الأمة شرف الزعامة والقيادة للأمم قام الله تعالى بتأهيلها كما فعل مع سيدنا آدم (عليه السلام) بأن علمه الأسماء كلها، واستحق بذلك المكانة التي جعلت الملائكة يسجدون له كلهم أجمعون، وكان ذلك سببًا في استحقاقه للخلافة في الأرض، ولقد جمع آدم (عليه السلام) في إهابه مرتبتين، الأولى: الإنسان العادي الذي يجوز عليه الخطأ والثانية: الإنسان المختار من الله تعالى، فهو أبو البشر، وهو أيضًا أبو الأنبياء والرسل الكرام، ولما ثبت هذا الاختيار، وتحولت القبائل العربية من مجرد قبائل منتشرة في الصحراء إلى أمة ذات دين ورسالة جمعهم الله تعالى في أمة واحدة، وجعل اسمًا خاصًا بهم هو «المسلمون» يقول تعالى: (..هو سماكم المسلمين من قبل..) الحج / 78.
ولقد أُعدت هذه الأمة من بين الأمم لتتولى القيادة والزعامة، وقال الله تعالى لإثبات هذه الزعامة لهم: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا..) البقرة / 143.
ومن لوازم الزعامة وأسسها المتينة وحدة الأمة الثابتة والراسخة النابعة من العقيدة الصادقة، يقول تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء / 92.
أمَّا ما يوحد الأمم الأخرى، فهي المصالح أو الألسنة والقوميات، وهي عناصر ليست راسخة، ومن الممكن أن تتغير أما وحدة المسلمين المستمدة من عقيدتهم، فهي باقية راسخة لا تؤثر فيها اختلاف الألسنة والألوان، ويلاحظ هذا في المؤسسات التي يقيمها الإسلام، ويريد لها الدوام والاستقرار مثل الزواج والسياسة، ولهذا وضع الإسلام شروطًا تضمن للزواج الديمومة ولهذا وجه أنظار الشباب من الجنسين إلى الحرص على اختيار الزوجة والزوج الصالحين لتكون المشورة طريقًا لحل المشكلات التي قد تحدث بين الزوجين، وفي السياسة يجب أن تؤسس العلاقة بين الحاكم والرعية على العدل والشورى، ولقد أجملها الخليفة الأول أبو بكر الصديق(رضي الله عنه) في خطبته المشهورة عند توليه الخلافة، قال: (أيها الناس إني قد وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.. الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه) بهذه الكلمات القليلة المبنى الكثيرة المعنى دستور فاق كل الدساتير ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقد سبق بها الصديق (رضوان الله تعالى عليه) المفكر الفرنسي جان جاك روسو في كتابه «العقد الاجتماعي».
إن الأمة الإسلامية، أمة مرحومة، بل هي أمة مختارة اختارها الله تعالى، وأهلها لتكون الأمة الشهيدة على الأمم، فجعلها أمة وسطا، منزهة عن أن تميل بها الأهواء، أو تنحرف بها الرغبات، وصارت مثلًا يسعى الناس إلى تقليده والاستفادة منه في شتى فنون الحياة حتى أن أحد المفكرين الغربيين قال: «إن هزيمة القائد عبد الرحمن الغافقي في معركة بلاط الشهداء على مشارف فرنسا أخرت وصول الحضارة الإسلامية إلى الغرب خمسة قرون» وكأن الفتوحات الإسلامية لم تكن غزوًا كما يزعم غلاة المستشرقين بقدر ما كانت فتوحًا حضارية ارتقت بالأمم في شتى مناحي الحياة.
لقد أقام الإسلام بنيان هذه الأمة على أسس ثابتة، وأعمدة راسخة من العدل والشورى، يقول سبحانه: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى / 38.
وأما العدل والإحسان فهما من ركائز هذه الأمة، والحصن الحصين الذي يحميها من أي عدوان، يقول تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) النحل / 9.
إذًا، فهذا هو الإسلام الذي يُعِدْ الإنسان، بل يُعِدْ الأمة إعدادًا يعينها على القيام بالمهمة التي كلفها الله تعالى بها، والتي خلقت من أجلها، وهي أمة خليق بها أن تتولى الزعامة والقيادة لباقي الأمم، ولهذا اختار الله تعالى لنا الدين، واختار لنا أبا الأنبياء الاسم، فسمانا المسلمين (الآية 78 الحج).
ولقد تكاملت لنا أسباب المجد والشهرة، والمقام الرفيع، فاختار لنا الدين الخاتم، والرسول الخاتم، والشريعة الخاتمة، والمعجزة الخاتمة، وحتى الأمة الخاتمة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك