العدد : ١٧١٣٨ - الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٨ - الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

القيادة الإنسانيةً شعارها الود والاحترام

بقلم: نجاة بنت علي شويطر

الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

‭(‬القيادة‭ ‬لا‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬تمكينهم‭) ‬

‮«‬جونً‭ ‬سي‭ ‬ماكسويل‮»‬

الحب‭ ‬هو‭ ‬أسمى‭ ‬معاني‭ ‬الوجود،‭ ‬هو‭ ‬شعور‭ ‬عميق‭ ‬من‭ ‬الإحساس‭ ‬بالأمان‭ ‬والراحة،‭ ‬ينعش‭ ‬النفوس‭ ‬ويغذيها‭ ‬بالسلام‭ ‬الداخلي‭. ‬والحب‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مشاعر‭ ‬عابرة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬قوة‭ ‬خارقة‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجتمعات‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬الضوء‭ ‬الذي‭ ‬ينير‭ ‬الظلام،‭ ‬يمنح‭ ‬الحياة‭ ‬معاني‭ ‬جديدة‭ ‬ويجعل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تحد‭ ‬فرصة‭ ‬للنمو‭ ‬والتطور‭.‬

وفي‭ ‬عالم‭ ‬الأعمال‭ ‬المعاصر،‭ ‬أصبح‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الإدارة‭ ‬بالحب‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬الأساليب‭ ‬الأكثر‭ ‬نجاحًا‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬المؤسسات‭. ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬القائد‭ ‬مجرد‭ ‬شخص‭ ‬يعطي‭ ‬أوامر‭ ‬ويحدد‭ ‬مهام،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬هو‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يلهم‭ ‬ويحفز‭ ‬فريقه،‭ ‬ويخلق‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬تزدهر‭ ‬فيها‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الولاء‭ ‬المؤسسي‭.‬

الإدارة‭ ‬بالحب هي‭ ‬أسلوب‭ ‬قيادة‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬القائد‭ ‬وموظفيه‭. ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬القائد‭ ‬يتجنب‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الصارمة‭ ‬أو‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤوليات،‭ ‬ولكنها‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬القائد‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاستماع،‭ ‬ويفهم‭ ‬احتياجات‭ ‬موظفيه‭ ‬العاطفية‭ ‬والنفسية‭ ‬والمهنية،‭ ‬فعندما‭ ‬يشعر‭ ‬الموظف‭ ‬بالتقدير‭ ‬والاحترام‭ ‬من‭ ‬قائده،‭ ‬فإنه‭ ‬يصبح‭ ‬أكثر‭ ‬التزامًا‭ ‬وعطاءً،‭ ‬ويشعر‭ ‬بالحافز‭ ‬الداخلي‭ ‬لتحقيق‭ ‬أفضل‭ ‬أداء‭.‬

إن‭ ‬مفهوم‭ ‬الإدارة‭ ‬بالحب‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬موارد‭ ‬ضخمة‭ ‬أو‭ ‬استثمارات‭ ‬مالية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬التقدير‭ ‬البشري‭. ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬بحب‭ ‬يمكنه‭ ‬تحفيز‭ ‬فريقه‭ ‬بأسلوب‭ ‬شخصي‭ ‬وإنساني،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬ويشجع‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار‭. ‬وبفضل‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬للمؤسسة‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬أهدافها‭ ‬بطريقة‭ ‬أسرع‭ ‬وأقل‭ ‬تكلفة‭.‬

وتبنى‭ ‬الإدارة‭ ‬بالحب‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأسس‭:‬

1‭ - ‬التعاطف‭ ‬والفهم‭: ‬يجب‭ ‬على‭ ‬القائد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لديه‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬مشاعر‭ ‬موظفيه‭. ‬يتعين‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مدركًا‭ ‬للظروف‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬داخل‭ ‬أو‭ ‬خارج‭ ‬العمل،‭ ‬وأن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬بحساسية‭.‬

2‭ - ‬التواصل‭ ‬الفعّال‭: ‬يشكل‭ ‬التواصل‭ ‬الواضح‭ ‬والمفتوح‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬بالحب‭. ‬فحين‭ ‬يشعر‭ ‬الموظفون‭ ‬أنهم‭ ‬يستطيعون‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬آرائهم‭ ‬بحرية‭ ‬ودون‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬العواقب،‭ ‬يصبح‭ ‬لديهم‭ ‬دافع‭ ‬قوي‭ ‬للإسهام‭ ‬بأفكار‭ ‬ومقترحات‭ ‬جديدة‭.‬

3‭ - ‬التقدير‭ ‬والاعتراف‭: ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬تقدر‭ ‬جهودهم‭ ‬ويعترف‭ ‬بهم‭ ‬قائدهم‭ ‬يشعرون‭ ‬بالراحة‭ ‬النفسية‭ ‬ويزيد‭ ‬ولاؤهم‭ ‬للمؤسسة‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬ذلك‭ ‬شكل‭ ‬كلمة‭ ‬شكر‭ ‬أو‭ ‬مكافآت‭ ‬معنوية‭ ‬أو‭ ‬فرص‭ ‬لتطوير‭ ‬مهاراتهم‭.‬

4‭ - ‬الثقة‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭: ‬عندما‭ ‬يشعر‭ ‬الموظفون‭ ‬بالثقة‭ ‬في‭ ‬قائدهم،‭ ‬فإنهم‭ ‬يصبحون‭ ‬مستعدين‭ ‬لتقبل‭ ‬التحديات‭ ‬والمخاطرة‭ ‬بالابتكار،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القائد‭ ‬صادقًا‭ ‬وأمينًا،‭ ‬وأن‭ ‬يفي‭ ‬بوعوده‭.‬

5‭ - ‬دعم‭ ‬النمو‭ ‬والتطور‭: ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬يحب‭ ‬فريقه‭ ‬يسعى‭ ‬دائمًا‭ ‬إلى‭ ‬تطويره‭. ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬ويشجعهم‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬حدود‭ ‬إمكانياتهم‭.‬

ومن‭ ‬إيجابيات‭ ‬الإدارة‭ ‬بالحب‭:‬

{‭ ‬خفض‭ ‬التوتر‭ ‬والضغط‭ ‬النفسي‭: ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬المحبة‭ ‬والمساندة‭ ‬تعزز‭ ‬الراحة‭ ‬النفسية‭ ‬للموظفين،‭ ‬مما‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والإجهاد‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭.‬

{‭ ‬تعزيز‭ ‬الولاء‭ ‬والانتماء‭: ‬يشعر‭ ‬الموظفون‭ ‬بالانتماء‭ ‬للمؤسسة‭ ‬عندما‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬محبة‭ ‬وداعمة،‭ ‬مما‭ ‬يرفع‭ ‬مستويات‭ ‬التزامهم‭ ‬وولائهم‭.‬

{‭ ‬تقليل‭ ‬الصراعات‭ ‬السلبية‭: ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬العلاقات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الحب‭ ‬والتفاهم،‭ ‬تقل‭ ‬الصراعات‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬داخل‭ ‬المنظمة‭.‬

{‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاجية‭: ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬مدعومة‭ ‬بالحب‭ ‬والاحترام‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬الأداء‭ ‬والإنتاجية‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬وأفضل‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬مثالاً‭ ‬يحتذى‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬بالحب‭. ‬فقد‭ ‬عرف‭ ‬بتواضعه‭ ‬وعطفه‭ ‬واهتمامه‭ ‬بكل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬سواء،‭ ‬كان‭ ‬دائم‭ ‬الابتسام،‭ ‬رحيمًا‭ ‬ودودًا،‭ ‬وقد‭ ‬أثمر‭ ‬ذلك‭ ‬حبًا‭ ‬عميقًا‭ ‬وولاءً‭ ‬من‭ ‬الجميع‭. ‬القيادة‭ ‬بالحب‭ ‬عنده‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬كلمات،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أفعاله‭.‬

وجاء‭ ‬حديث‭ ‬الرسول‭ ‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭:‬‮ «‬يُسِّرُوا‭ ‬وَلا‭ ‬تُعَسِّرُوا‭ ‬وَبَشِّرُوا‭ ‬وَلا‭ ‬تُنَفِّرُوا‭ ‬إِنَّمَا‭ ‬بُعِثْتُمْ‭ ‬مُيَسِّرِينَ‭ ‬وَلَمْ‭ ‬تُبْعَثُوا‭ ‬مُعَسِّرِينَ‮»‬‭. ‬كأفضل‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬القيادة‭ ‬بالحب‭ ‬فهو‭ ‬نهج‭ ‬يتسم‭ ‬باللطف‭ ‬والتسامح،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬القسوة‭ ‬أو‭ ‬التعقيد‭.‬

ختامًا،‭ ‬القيادة‭ ‬بالحب‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬أسلوب‭ ‬إداري،‭ ‬إنها‭ ‬فلسفة‭ ‬حقيقية‭ ‬تُحفز‭ ‬النجاح‭ ‬المستدام‭ ‬وتبني‭ ‬علاقات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬والتفاهم‭. ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬بحب‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬بيئة‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬والولاء،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬المؤسسة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭. ‬ورحم‭ ‬الله‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬كرم‭ ‬الله‭ ‬وجهه‭ ‬ورضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬القائل‭: ‬‮«‬من‭ ‬لا‭ ‬يُحسن‭ ‬حب‭ ‬الناس،‭ ‬لا‭ ‬يُحسن‭ ‬قيادة‭ ‬الناس‮»‬‭.‬

 

nshowaiter98@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا