العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ما خسرته إيران ربحه العرب

بقلم: فاروق يوسف {

الخميس ٢٠ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

إذا‭ ‬كانت‭ ‬لديك‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬فعليك‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬رأي‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا‭.. ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬صار‭ ‬من‭ ‬الماضي‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬فك‭ ‬الأنشوطة‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬لُفّت‭ ‬حول‭ ‬رقبة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬أما‭ ‬العراق‭ ‬فإنه‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يبدو‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬حكاية‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬مستقبله‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الأفول‭. ‬

إيران‭ ‬اليوم‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬مستقبلها‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬العراق‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬العراق‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬أوراقها‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬جهتها‭ ‬مالكة‭ ‬لقرار‭ ‬التمسك‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عنه‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬دخلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬استهدافها‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬عملا‭ ‬تحريضيا‭ ‬إيرانيا‭. ‬وهكذا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬بنسخته‭ ‬الأمريكية‭ ‬ملزما‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬صارت‭ ‬ضرورات‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ترسم‭ ‬الخرائط‭ ‬السياسية‭ ‬لمنطقة‭ ‬آن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تستريح‭ ‬من‭ ‬الصداع‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬متاهة،‭ ‬كل‭ ‬دروبها‭ ‬مغلقة‭.‬

بين‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬والسابع‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬امتد‭ ‬خط‭ ‬الزلزال‭ ‬الذي‭ ‬اعتقدت‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬نتائجه‭ ‬ستكون‭ ‬لصالحها‭. ‬فعلت‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تراه‭ ‬مناسبا‭ ‬لمستقبلها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وكانت‭ ‬تعرف‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تخسر‭ ‬شيئا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬وجودها‭ ‬السياسي‭ ‬داخل‭ ‬أراضيها‭. ‬

غامرت‭ ‬إيران‭ ‬بالآخرين‭ ‬الذين‭ ‬أبدوا‭ ‬استعدادا‭ ‬للانتحار‭ ‬من‭ ‬أجلها‭. ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬نفت‭ ‬إيران‭ ‬صلتها‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أكد‭ ‬مرارا‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬تأمره‭ ‬بشن‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬إيران‭ ‬قد‭ ‬أخبرت‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬بأن‭ ‬موعد‭ ‬رحيله‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬بات‭ ‬قريبا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬استبعادها‭ ‬من‭ ‬الصفقة‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬تركيا‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬بتنفيذ‭ ‬بنودها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬السورية‭.‬

نكون‭ ‬سذجا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اعتقدنا‭ ‬أن‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬كان‭ ‬مهتما‭ ‬بمصير‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬استهلاك‭ ‬الفصل‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬الحكاية‭ ‬سريعا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬الإيرانيون‭ ‬وبشكل‭ ‬نهائي‭ ‬درة‭ ‬تاجهم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬نسيا‭ ‬منسيا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

هل‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬المسافة‭ ‬صفر‭ ‬من‭ ‬مشروعها‭ ‬التوسعي‭ ‬الذي‭ ‬ظن‭ ‬البعض‭ ‬أنه‭ ‬صار‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؟‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬ومنفّذيه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬إمكانية‭ ‬لإعادة‭ ‬رسم‭ ‬الخرائط‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬تُجرى‭ ‬لصالح‭ ‬تكريس‭ ‬النفوذ‭ ‬والهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬ليس‭ ‬بالقريب‭. ‬

كان‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إمبراطورية‭ ‬فارس‭ ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭ ‬وهي‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬مياه‭ ‬بحرين‭ ‬وتتحكم‭ ‬بخط‭ ‬سير‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬هو‭ ‬واقع‭ ‬حال‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬جدلا‭ ‬بحيث‭ ‬صار‭ ‬أنصار‭ ‬إيران‭ ‬ينتظرون‭ ‬الساعة‭ ‬التي‭ ‬يعترف‭ ‬فيها‭ ‬العالم‭ ‬بها‭ ‬قوة‭ ‬إقليمية‭ ‬عظمى‭ ‬تستأذنها‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

ربما‭ ‬كان‭ ‬السلوك‭ ‬الروسي‭ ‬بما‭ ‬انطوى‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مناورات‭ ‬سياسية‭ ‬قد‭ ‬وهبها‭ ‬مكانة‭ ‬لا‭ ‬تستحقها‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬مباحثات‭ ‬كانت‭ ‬تُجرى‭ ‬لتصريف‭ ‬الشأن‭ ‬السوري‭. ‬وربما‭ ‬لعبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬ذلك‭ ‬الوهم‭ ‬حين‭ ‬ظلت‭ ‬تغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الأبواب‭ ‬العراقية‭ ‬المفتوحة‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬لإنقاذ‭ ‬اقتصادها‭.‬

لقد‭ ‬ظن‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬سيكون‭ ‬موزعا‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬قوى،‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وتركيا‭. ‬تلك‭ ‬قراءة‭ ‬تلغي‭ ‬بشكل‭ ‬تام‭ ‬تأثير‭ ‬العامل‭ ‬العربي،‭ ‬وعلى‭ ‬أساسها‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬العرب‭ ‬سوى‭ ‬كتلة‭ ‬بشرية‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬ليست‭ ‬طارئة‭ ‬فكرة‭ ‬التبشير‭ ‬بولادته‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬عقود‭ ‬ماضية‭.‬

‭ ‬تلك‭ ‬قراءة‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تتمتع‭ ‬بالعمق‭ ‬والدراية‭ ‬والتمعن‭ ‬في‭ ‬المستجدات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬بطريقة‭ ‬صادمة‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬حين‭ ‬سمح‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بأن‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬مناسبا‭ ‬لأمنها‭ ‬وبالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تناسبها‭ ‬بل‭ ‬والأنكى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬جزءا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬فتح‭ ‬لإسرائيل‭ ‬مخازن‭ ‬أسلحته‭ ‬ليعينها‭ ‬في‭ ‬مشروعها‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬موقف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭ ‬محسوما‭ ‬لصالح‭ ‬إسرائيل‭ ‬فماذا‭ ‬عن‭ ‬موقفي‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا؟‭ ‬ما‭ ‬صار‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قرارا‭ ‬دوليا‭ ‬يقضي‭ ‬بإعادة‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬حدودها‭ ‬وإنهاء‭ ‬أسطورتها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سوى‭ ‬ورقة‭ ‬خاسرة‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬منها‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬أما‭ ‬إسرائيل‭ ‬وهي‭ ‬دولة‭ ‬صغيرة،‭ ‬قليلة‭ ‬السكان‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يهمها‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬مكان‭ ‬آمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الشرق‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تقوى‭ ‬على‭ ‬حكمه‭. ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره‭ ‬أن‭ ‬الجهد‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬إفشال‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬سيعيدهم‭ ‬إلى‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬بطريقة‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬رغبتهم‭ ‬المؤكدة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬مستقبل‭ ‬حيوي‭ ‬للمنطقة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الشعارات‭ ‬الجوفاء‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا