العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ترامب وتهجير الفلسطينيين

بقلم: د. نبيل العسومي

الاثنين ١٧ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

أثارت‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬حول‭ ‬تصميمه‭ ‬على‭ ‬ترحيل‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬جمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية‭ ‬والمملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬الهاشمية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬حرفيا‭ ‬‮«‬تطهير‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬تمهيدا‭ ‬لإعادة‭ ‬إعمارها‭. ‬أثارت‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬الغريبة‭ ‬وما‭ ‬تضمنته‭ ‬من‭ ‬إصرار‭ ‬وتمسك‭ ‬بفرض‭ ‬الإرادة‭ ‬على‭ ‬3‭ ‬شعوب‭ ‬عربية‭ ‬هم‭ ‬السعوديون‭ ‬والمصريون‭ ‬والأردنيون‭ ‬غضب‭ ‬ليس‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬وقياداتها‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬غضب‭ ‬كافة‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬وشعوب‭ ‬العالم‭ ‬المحبة‭ ‬للسلام‭ ‬والداعمة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بل‭ ‬أثارت‭ ‬استغراب‭ ‬ورفض‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيروش‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬مشروع‭ ‬التهجير‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬عندما‭ ‬يجبر‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬أرضه‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬ليس‭ ‬جديدا‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬لليمين‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتطرف‭ ‬طرحه‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬ويتكرر‭ ‬اليوم‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬وصريح،‭ ‬فإن‭ ‬طرحه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬فرضه‭ ‬يعد‭ ‬تعديا‭ ‬لحدود‭ ‬المعقول‭ ‬والسياسة‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬والمنطق‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬يشكل‭ ‬خطورة‭ ‬كبيرة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬الاستهانة‭ ‬بها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬استشعره‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬والعرب‭ ‬وحتى‭ ‬الأوروبيون‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬وعبروا‭ ‬صراحة‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬رفضا‭ ‬قاطعا‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الإعلامي‭ ‬أو‭ ‬الشعبي‭.‬

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬بهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬الفج‭ ‬والغريب؟‭!‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والترحيل‭ ‬والتهجير‭ ‬كان‭ ‬عنوانا‭ ‬رئيسيا‭ ‬للعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬طيلة‭ ‬15‭ ‬شهرا‭ ‬ولم‭ ‬ينقطع‭ ‬يوما‭ ‬من‭ ‬الأيام،‭ ‬ولكن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإٍسرائيلية‭ ‬الجبارة‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬والإعلامية‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬القطاع‭ ‬رغم‭ ‬حجم‭ ‬التدمير‭ ‬وحجم‭ ‬القتل‭ ‬والتهجير‭ ‬الداخلي‭ ‬ورغم‭ ‬تدمير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الأساسية‭ ‬من‭ ‬مستشفيات‭ ‬ومدارس‭ ‬ومصادر‭ ‬الحياة‭ ‬والمساكن‭ ‬والمرافق‭ ‬العامة‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬منع‭ ‬دخول‭ ‬المياه‭ ‬والغذاء‭ ‬والدواء‭ ‬لحوالي‭ ‬2‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬غزة،‭ ‬فقد‭ ‬استمات‭ ‬الغزيون‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬أرضهم‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مدمرة‭ ‬ودفعوا‭ ‬ثمنا‭ ‬باهظا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألفا‭ ‬كما‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الجرحى‭ ‬والمعوقين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬ألفا،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هذه‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭ ‬التي‭ ‬شاهدها‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬التي‭ ‬أبهرت‭ ‬القريب‭ ‬قبل‭ ‬البعيد‭ ‬وبينت‭ ‬هذه‭ ‬العودة‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬التشبث‭ ‬بالأرض‭ ‬الفلسطينية‭.‬

هذا‭ ‬الفشل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أمام‭ ‬الإصرار‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والصمود‭ ‬المنقطع‭ ‬النظير‭ ‬جعل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬يطرح‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬أمريكيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬إسرائيليا‭ ‬فبدا‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬أراد‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحكومته‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬وتخفيف‭ ‬غضب‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬وبإصرار‭ ‬غريب‭ ‬وغير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬فبعدما‭ ‬أعلنت‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬والسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬رفض‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬القديم‭ ‬الجديد‭ ‬رد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سيفعله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منطق‭ ‬فج‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجأ،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬لتعزيز‭ ‬القوة‭ ‬الأمنية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لتسلمه‭ ‬السلطة‭ ‬منها‭:‬

1‭ ‬‭ ‬رفع‭ ‬الحظر‭ ‬عن‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفتاكة‭ ‬مثل‭ ‬القنابل‭ ‬الضخمة‭ ‬من‭ ‬وزن‭ ‬2000‭ ‬طن‭ ‬والذي‭ ‬سبق‭ ‬للرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬حظرها،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬مساندة‭ ‬القوة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وتوفير‭ ‬أدوات‭ ‬التدمير‭ ‬الوحشية‭ ‬لها‭.‬

2‭ ‬‭ ‬إزالة‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المستوطنين‭ ‬المتطرفين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لاستيلائهم‭ ‬بالقوة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وإقامة‭ ‬مستوطنات‭ ‬عليها‭ ‬وهذا‭ ‬معناه‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬لا‭ ‬يمانع‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬طرح‭ ‬لاحتلال‭ ‬الضفة‭ ‬وضمها‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬وبالتالي‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬لإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1967‭.‬

3‭ ‬‭ ‬الدعوة‭ ‬الصريحة‭ ‬إلى‭ ‬تطهير‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬أو‭ ‬أغلب‭ ‬سكانها‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وذلك‭ ‬خدمة‭ ‬للمشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬التوسع‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬الذي‭ ‬تدينه‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬والغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬يدينه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬صراحة‭ ‬ويعتبره‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬تساوي‭ ‬في‭ ‬خطورتها‭ ‬حروب‭ ‬الإبادة،‭ ‬حيث‭ ‬يطرح‭ ‬السكان‭ ‬الأصليون‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬التي‭ ‬يعيشون‭ ‬عليها‭ ‬وعاش‭ ‬عليها‭ ‬آباؤهم‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنشأ‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فهذه‭ ‬جريمة‭ ‬وليست‭ ‬مجرد‭ ‬اعتداء‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاستيطان‭ ‬وهو‭ ‬شبيه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬للهنود‭ ‬الحمر‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭.‬

إن‭ ‬تحميل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬لمصر‭ ‬والأردن‭ ‬مسؤولية‭ ‬حل‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬لتدمير‭ ‬غزة‭ ‬تدميرا‭ ‬شاملا‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬بالحل‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحمله‭ ‬هاتان‭ ‬الدولتان‭ ‬العربيتان‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لشعوب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬القبول‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬هدفها‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وطمس‭ ‬وجودها‭ ‬وإلغاء‭ ‬جميع‭ ‬القرارات‭ ‬الدولية‭ ‬الصادرة‭ ‬بخصوصها‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬الحقيقي‭ ‬والواقعي‭ ‬هو‭ ‬إنشاء‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬والاستقلال‭ ‬والعيش‭ ‬على‭ ‬أرضهم‭ ‬بكرامة‭ ‬وأمن‭ ‬وسلام‭ ‬واستقرار‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا