أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تصميمه على ترحيل سكان غزة أو الجزء الأكبر منهم إلى خارج القطاع في اتجاه كل من جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وهو ما أسماه حرفيا «تطهير غزة» تمهيدا لإعادة إعمارها. أثارت هذه التصريحات الغريبة وما تضمنته من إصرار وتمسك بفرض الإرادة على 3 شعوب عربية هم السعوديون والمصريون والأردنيون غضب ليس هذه الشعوب وقياداتها فقط وإنما غضب كافة الشعوب العربية وشعوب العالم المحبة للسلام والداعمة للشعب الفلسطيني، بل أثارت استغراب ورفض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيروش الذي اعتبر أن فكرة مشروع التهجير هو أقرب إلى جريمة حرب عندما يجبر الشعب على الخروج من أرضه.
ومع أن هذا المشروع ليس جديدا فقد سبق لليمين الإسرائيلي المتطرف طرحه منذ فترة طويلة ويتكرر اليوم بشكل علني وصريح، فإن طرحه من جديد من قبل رئيس دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والإصرار على فرضه يعد تعديا لحدود المعقول والسياسة والقانون الدولي والمنطق الدبلوماسي، إلا أنه في الوقت ذاته يشكل خطورة كبيرة لا يجب الاستهانة بها، وهذا ما استشعره الفلسطينيون والعرب وحتى الأوروبيون بشكل واضح وعبروا صراحة عن رفضه رفضا قاطعا سواء على الصعيد السياسي الدبلوماسي أو على الصعيد الإعلامي أو الشعبي.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي دفع الرئيس ترامب إلى طرح هذا الموضوع بهذا الأسلوب الفج والغريب؟!
في الحقيقة أن التطهير العرقي والترحيل والتهجير كان عنوانا رئيسيا للعدوان الإسرائيلي على غزة طيلة 15 شهرا ولم ينقطع يوما من الأيام، ولكن القوة العسكرية الإٍسرائيلية الجبارة والاستخباراتية والإعلامية لم تنجح في تهجير سكان غزة إلى خارج القطاع رغم حجم التدمير وحجم القتل والتهجير الداخلي ورغم تدمير البنية التحتية الأساسية من مستشفيات ومدارس ومصادر الحياة والمساكن والمرافق العامة بل حتى منع دخول المياه والغذاء والدواء لحوالي 2 مليون ونصف من سكان غزة، فقد استمات الغزيون في سبيل البقاء في أرضهم حتى وإن كانت مدمرة ودفعوا ثمنا باهظا من أجل ذلك، إذ بلغ عدد الشهداء أكثر من 60 ألفا كما بلغ عدد الجرحى والمعوقين أكثر من 120 ألفا، والدليل على ذلك هذه العودة إلى الشمال التي شاهدها العالم خلال الأيام الماضية التي أبهرت القريب قبل البعيد وبينت هذه العودة الإصرار على التشبث بالأرض الفلسطينية.
هذا الفشل الإسرائيلي أمام الإصرار الفلسطيني والصمود المنقطع النظير جعل الرئيس الأمريكي ترامب يطرح هذا الموضوع أمريكيا بعد أن فشل إسرائيليا فبدا أن ترامب أراد نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة وتخفيف غضب الجميع من هذا الفشل وبإصرار غريب وغير مسبوق في العلاقات الدولية، فبعدما أعلنت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية رفض هذا المشروع القديم الجديد رد الرئيس ترامب على ما سيفعله من خلال منطق فج لم يكن مفاجأ، بل كان ضمن سلسلة من الإجراءات لتعزيز القوة الأمنية الإسرائيلية التي أعلنها منذ اليوم الأول لتسلمه السلطة منها:
1 – رفع الحظر عن الأسلحة الفتاكة مثل القنابل الضخمة من وزن 2000 طن والذي سبق للرئيس بايدن حظرها، مما يعني الإصرار على مساندة القوة الإسرائيلية وتوفير أدوات التدمير الوحشية لها.
2 – إزالة العقوبات التي أصدرتها الإدارة الأمريكية السابقة على عدد من المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية لاستيلائهم بالقوة على الأراضي الفلسطينية وإقامة مستوطنات عليها وهذا معناه أن الرئيس لا يمانع في النهاية من أي طرح لاحتلال الضفة وضمها إلى إسرائيل وبالتالي القضاء على أي فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967.
3 – الدعوة الصريحة إلى تطهير قطاع غزة من سكانها أو أغلب سكانها على الأقل، وذلك خدمة للمشروع الصهيوني في التوسع والتطهير العرقي الذي تدينه أغلب الدول والغالبية العظمى من شعوب العالم كما يدينه القانون الدولي صراحة ويعتبره نوعا من أنواع جرائم الحرب تساوي في خطورتها حروب الإبادة، حيث يطرح السكان الأصليون من أرضهم التي يعيشون عليها وعاش عليها آباؤهم منذ آلاف السنين قبل أن تنشأ الدولة الإسرائيلية فهذه جريمة وليست مجرد اعتداء بل هو أخطر من الاستعمار والاستيطان وهو شبيه إلى حد كبير بما حدث للهنود الحمر في أمريكا.
إن تحميل الرئيس الأمريكي لمصر والأردن مسؤولية حل المشكلة التي تسببت فيها إسرائيل عن قصد لتدمير غزة تدميرا شاملا هو ليس بالحل ولا يمكن أن تتحمله هاتان الدولتان العربيتان ولا يمكن لشعوب هذه الدول القبول بمثل هذه الحرب التي هدفها تصفية القضية الفلسطينية وطمس وجودها وإلغاء جميع القرارات الدولية الصادرة بخصوصها. في حين أن الحل الحقيقي والواقعي هو إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وضمان حقوق المواطنين الفلسطينيين في العودة والاستقلال والعيش على أرضهم بكرامة وأمن وسلام واستقرار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك