في 14 فبراير 2001، لم يكن البحرينيون يشاركون في تصويت عادي، بل كانوا أمام لحظة مفصلية ستحدد شكل المستقبل لعقود. جاء ميثاق العمل الوطني بمبادرة من جلالة الملك، ليضع البحرين على طريق جديد نحو التحديث والانفتاح والمشاركة. ما كان التصويت إجراء روتينيا، بل تعبيرا واضحا عن تطلع البحرينيين إلى مرحلة مختلفة، وجاءت النتيجة ساحقة: 98.4% قالوا نعم.
منذ ذلك اليوم، شهدت البحرين تحولات تدريجية مست مختلف المجالات. كثير من الفرص المتاحة اليوم لم تكن بنفس الاتساع سابقا، والتطور الذي تحقق جاء نتيجة جهود متراكمة وعمل مستمر. المسار لم يكن سهلا، لكنه أثمر تغييرات واضحة في قطاعات عدة.
إذا مررت بمعالم المنامة، فسترى كيف تغيرت ملامح الاقتصاد. مرفأ البحرين المالي أصبح مركزا مصرفيا رئيسيا في المنطقة، المشاريع الصغيرة والمتوسطة انتقلت من فكرة إلى واقع، بفضل برامج مثل تمكين الذي ساعد آلاف البحرينيين على تأسيس أعمالهم أو إثراء مهاراتهم. لم يعد الاقتصاد قائما على النفط وحده، بل امتد ليشمل قطاعات جديدة مثل التجارة والخدمات المالية والسياحة.
ورغم ذلك، يظل التحدي قائما. سوق العمل يتغير بسرعة، ومتطلبات الوظائف لم تعد كما كانت قبل سنوات. البعض يواجه صعوبة في التكيف مع التقنيات الحديثة، ما يجعل التعلم المستمر والتطوير الذاتي أمرا لا غنى عنه.
ففي التعليم، شهدت البحرين توسعا كبيرا، مع افتتاح جامعات تقدم تخصصات متنوعة تواكب احتياجات السوق. ليصبح، أمام الطلاب خيارات متعددة، سواء عبر الجامعات المحلية التي تطورت بشكل ملحوظ أو عبر برامج الابتعاث التي تتيح فرصا للدراسة في الخارج للطلبة المتميزين.
التحولات العالمية تفرض واقعا مختلفا، فلم يعد التعليم وحده كافيا من دون ربطه بمهارات عملية تؤهل الشباب لسوق العمل الحديث. ولذلك، جاءت العديد من المبادرات لتكمل هذا المسار وتوفر بيئة داعمة تسهم في تنمية الكفاءات الوطنية. من بين هذه المبادرات الطيبة، برنامج سمو ولي العهد للمنح الدراسية العالمية، الذي يمنح الطلبة المجتهدين فرصا دراسية في جامعات عالمية مرموقة، مما يؤهلهم لاكتساب معارف وتجارب جديدة تعزز من مساهمتهم في التنمية الوطنية.
إلى جانب ذلك، هناك مبادرات تركز على تنمية المهارات القيادية والتطبيقية، مثل برنامج «لامع» الذي يشرف عليه سمو الشيخ ناصر بن حمد، ويهدف إلى إعداد الشباب البحريني للقيادة عبر برامج مكثفة تجمع بين التدريب النظري والتجربة العملية، وهذا بطبيعة الحال يعزز من قدراتهم على مواجهة تحديات المستقبل بثقة وكفاءة.
كما تأتي مبادرة «مهارات البحرين»، التي يقودها سمو الشيخ عيسى بن سلمان، في نفس الفلك لتسهم في تطوير برامج تعليمية تواكب التخصصات الأكثر طلبا، مما يساعد على تقليص الفجوة بين المخرجات التعليمية واحتياجات سوق العمل.
الإسهامات السالفة ليست سوى نماذج لمشاريع مستمرة ترمي إلى تمكين الشباب وتعزيز جاهزيتهم لمتغيرات العصر، وهي جزء من رؤية أوسع تطمح إلى بناء مستقبل أكثر استدامة وتقدما لبلدنا.
امتد النهوض ليشمل جوانب أخرى إلى جانب الاقتصاد والتعليم، بل شمل المجتمع بأسره. المرأة البحرينية حاليا تشارك في مواقع صنع القرار، وتتولى أدوارا محورية في الحكومة والاقتصاد، وهو أمر لم يكن متاحا بنفس القوة قبل عقدين. المبادرات الشبابية أعطت مساحة أوسع للإبداع، ما جعل البحرين بيئة أكثر ديناميكية وانفتاحا.
الحفاظ على هذه المكتسبات ليس مسؤولية جهة واحدة. ذلك ان التطور لا يحدث بقرارات حكومية فقط، بل هو تفاعل بين الدولة والمجتمع، وبين المؤسسات والأفراد. الجميع معني بالاستفادة من الفرص، وتحسين المهارات، والمساهمة في بناء مستقبل يليق بالبحرين.
منذ عام 2001، انطلقت مرحلة جديدة لم تتوقف عند حدود الإنجاز، بل استمرت بروح التجديد والبناء. ورغم ما تحقق من نجاحات، تظل هناك تحديات تستدعي اليقظة والعمل المستمر. فالتحول الرقمي السريع يفرض متطلبات جديدة في التعليم والتدريب، كما أن التغيرات المناخية وضرورات الاستدامة تحتم إعادة النظر في أنماط الإنتاج والاستهلاك. التنافسية العالمية المتزايدة تجعل الابتكار والإبداع ضرورة لا خياراً. وفي خضم هذه التحديات، تستمر المسيرة بثبات نحو آفاق أوسع، مدفوعة برؤية واضحة وإرادة لا تعرف التراجع. يتشكل المستقبل بما يبذل من جهد في الوقت الراهن، والإصرار على تحويل الطموحات إلى إنجازات ملموسة، لتظل البحرين في موقعها الريادي، تواكب العصر وتصنع مستقبلها بثقة واقتدار.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك