يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
حدث في قمة البحيرات المرة
استعادة لوقائع اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز وروزفلت
السعودية وقضية فلسطين .. ثوابت الملك عبدالعزيز
الملك لروزفلت: العرب يفضلون الموت على أن يتخلوا عن أراضيهم لليهود
كيف تطلبون من العرب دفع ثمن ظلم أوروبا لليهود؟
أرجو عزيزي القارئ أن تقرأ هذا المقال وتتأمله جيدا.
هذا مقال كتبته ونشرته «أخبار الخليج» في مارس عام 2008 عما جرى في القمة التاريخية التي جمعت الملك عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي روزفلت في مارس عام 1945، وهي القمة التي ستحل ذكراها الثمانون بعد أيام.
في القمة حدد الزعيم العربي التاريخي الملك عبدالعزيز ثوابت الموقف السعودي العربي من قضية فلسطين ومن المشروع الصهيوني في فلسطين والدول العربية. وحصل الملك على تعهد تاريخي واضح مكتوب من روزفلت يخص قضية فلسطين والموقف الأمريكي. وهو التعهد الذي تنكر له وخانه كل رؤساء أمريكا بعد ذلك حتى اليوم.
وجدت من المهم أن أعيد نشر هذا المقال اليوم في الوقت الذي تتعرض فيه القضية الفلسطينية لهجمة أمريكية صهيونية شرسة تستهدف تصفية القضية نهائيا وطرد الشعب الفلسطيني من وطنه، وتتعرض السعودية لحملة شرسة أيضا تستهدف أمن واستقرار المملكة باقتراح الإرهابي نتنياهو إقامة دولة فلسطينية في السعودية، وتتعرض لمحاولات لتشويه المواقف السعودية. يفعلون هذا في محاولة انتقام من موقف السعودية العروبي القاطع من قضية فلسطين الذي أعلنته بوضوح في الفترة الماضية.
أعيد نشر المقال كي يدرك الكل في الوطن العربي والعالم أمرين:
الأول: أن قادة السعودية اليوم، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس الوزراء، موقفهم من القضية الفلسطينية عروبي ثابت يستند إلى نفس الثوابت العروبية التي حددها الزعيم العربي الملك عبدالعزيز.
والثاني: أن أي محاولات ترهيب للسعودية أو ضغط عليها ستفشل حتما، فقادة السعودية من أبناء وأحفاد الزعيم المؤسس الملك عبدالعزيز حافظون لعهد ومتمسكون بثوابته.
هذه صفحة من تاريخنا العربي، لطالما أحببت أن أفتحها وأتحدث عنها. ربما يكون البعض لا يعرف عنها الكثير وخصوصا من الأجيال العربية الشابة. في الشهر الماضي، وتحديدا في الرابع عشر منه، مرت الذكرى الثالثة والستون للقمة التاريخية التي عقدت بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في 14 فبراير عام 1945 على متن المدمرة الأمريكية كوينسي في البحيرات المرة بقناة السويس.
وقائع ما جرى في هذه القمة التاريخية على نحو ما سجله الشهود، وتحدث عنه مؤرخون بعد ذلك، تكشف أولا عن مواقف مشهودة وقدرات وسجايا زعيم عربي كبير هو الملك عبدالعزيز. وهذه الوقائع تتعلق بقضيتنا الأم حتى يومنا هذا.. قضية فلسطين.
واستعادة هذه الوقائع تكشف عن التحولات الرهيبة التي طرأت على مواقف وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط إزاء قضية فلسطين، وإنما إزاء كل القضايا العربية. ثم أن استعادة هذه الوقائع هي بالنسبة إلى أي مؤرخ أو محلل سياسي مناسبة لتأمل بعض من الأحوال والتحولات الغريبة جدا للتاريخ والسياسة وكيف تجري بهما المقادير.
قبل أن نستعيد بعضا من وقائع هذه القمة التاريخية، نشير إلى أن شهودها الذين سجلوا وقائعها ليسوا كثيرين. فلم يحضر هذه القمة، بالإضافة إلى الملك وروزفلت، إلا شخصان.. الشيخ يوسف ياسين، الذي كان مستشارا للملك، والكولونيل ويليام ادي، الذي تولى الترجمة. وقد تولى الاثنان فور انتهاء القمة كتابة محضرها ووقائع ما جرى فيها في تقرير مشترك صاغاه معا. وبناء على هذا المحضر، نشر ادي بعد انعقاد القمة بنحو عشر سنوات، وتحديدا في عام 1954 كتيبا بعنوان «عندما التقى روزفلت بابن سعود» وهو حتى اليوم المرجع الاساسي لهذا اللقاء. وفي مقدمته يصف ادي الملك عبدالعزيز بأنه «واحد من أعظم رجال القرن العشرين«.
∗∗∗
الطريق إلى القمة
كي نعرف الظروف والملابسات التي قادت إلى القمة، لا بد من القاء نظرة سريعة على المناخ العالمي السائد في ذلك الوقت. في ذلك الوقت، أي في بداية عام 1945، كانت الحرب العالمية الثانية في طريقها إلى النهاية، وكان انتصار الحلفاء على المانيا ودول المحور الأخرى يلوح في الأفق. كان روزفلت قد انتهى لتوه من المشاركة في قمة «يالطا» مع كل من رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والزعيم السوفيتي جوزيف ستالين. وهي القمة التي رسمت كما نعلم معالم النظام العالمي الجديد بعد أن تنتهي الحرب، وتقرر فيها انشاء منظمة الامم المتحدة.
كان روزفلت قد طلب أن يتم الترتيب كي يلتقي في طريق عودته من يالطا إلى الولايات المتحدة بثلاثة من الزعماء، هم الملك فاروق والملك عبدالعزيز والامبراطور الاثيوبي هيلاسلاسي. في ذلك الوقت، كان الاهتمام الأمريكي بالمنطقة العربية مازال محدودا. فقد كانت المنطقة ساحة نفوذ تقليدي لبريطانيا. غير أن الولايات المتحدة كانت قد بدأت تعيد النظر في أولوياتها الاستراتيجية وتعطي اهتماما أكبر لوجودها ونفوذها مستقبلا في العالم العربي. وكانت الولايات المتحدة قد بدأت بصفة خاصة تدرك الاهمية المتزايدة للنفط العربي. وفي الوقت نفسه، كانت قضية فلسطين هي أكبر قضية مشتعلة في المنطقة العربية مع تدفق الهجرة اليهودية إلى فلسطين وقرب انتهاء الانتداب البريطاني، والجدل الواسع حول مستقبل فلسطين. في ظل هذا المناخ العالمي والإقليمي، كانت الولايات المتحدة قد بدأت تتطلع إلى السعودية باعتبارها حليفا مستقبليا. قبل هذا بنحو عامين، وتحديدا في يوليو عام 1943، كان روزفلت قد أرسل مبعوثا إلى الملك عبدالعزيز ليسأله إذا كان من الممكن أن يلتقي مع الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان ليناقش معه قضية فلسطين والهجرة اليهودية، الا ان رفض الملك كان قاطعا حاسما. وقال للمبعوث بغضب: هل تريدني ان اقبل رشوة صهيوني مثل وايزمان؟
في سبتمبر من العام نفسه، كان نجلا الملك الأميران فيصل وخالد، الملكان بعد ذلك، قد قاما بزيارة للولايات المتحدة استقبلا فيها استقبالا طيبا. وعندما عادا أخبرا الملك عن أن إحدى هوايات روزفلت جمع الطوابع البريدية، فقام بإرسال مجموعة من الطوابع السعودية النادرة إليه. ومنذ ذلك الوقت بدأت من بعيد علاقة شخصية بين الملك والرئيس.
وحين طرحت فكرة لقاء روزفلت بالملك بعد قمة يالطا، جرت ترتيبات سرية للقاء. تم الترتيب إلى أن يغادر روزفلت يالطا على متن المدمرة كوينسي إلى قناة السويس لترسو في البحيرات المرة. وفي الوقت نفسه تم الترتيب سرا لأن يغادر الملك جدة على متن السفينة الحربية الأمريكية ميرفي إلى قناة السويس.
وفي 14 فبراير عام 1945، وصلت ميرفي إلى البحيرات المرة، وصعد الملك إلى متن المدمرة كوينسي، وبدأت القمة.
∗∗∗
قال الملك
حين عقدت القمة، لم تحظ في ذلك الوقت باهتمام لا في أمريكا ولا في العالم العربي. سبب ذلك أن العالم كله كان منشغلا بتطورات الحرب العالمية. وغير هذا، فقد كان ما جرى في القمة سريا وبقي كذلك لسنين بعد ذلك. لدرجة أن وزارة الخارجية الأمريكية حين أشارت إلى اللقاء في نشرتها في 25 فبراير من ذلك العام لم تكتب عن القمة سوى جملة واحدة هي «أن المناقشات كانت متوافقة مع رغبة الرئيس في ان القادة في العالم يجب أن يجتمعوا معا كلما أمكن ذلك كي يتحاوروا كأصدقاء ويتبادلوا الآراء حول المشاكل المشتركة التي تهمهم».
غير أنه حين نشرت تفاصيل ما جرى في القمة بعد ذلك بسنين، اتضح أنها كانت قمة تاريخية بحق. فماذا جرى في القمة إذن بالضبط؟
كل الذين وثقوا لما جرى في القمة، وخصوصا كتاب ادي، يقدمون تسجيلا واحدا تقريبا لما جرى وبنفس النصوص تقريبا.
المحادثات الاساسية بين الملك عبدالعزيز وروزفلت استمرت خمس ساعات متصلة، وجرت على النحو التالي:
الملك لم يشأ في البداية أن يبادر بطرح أي موضوع أو الحديث في أي قضية. أنتظر كي يرى ما الذي يريد روزفلت طرحه ومناقشته بالضبط. الذين كتبوا عن اللقاء لاحظوا أن الملك لم يتطرق اطلاقا في المحادثات إلى طلب أي مساعدة اقتصادية من أمريكا على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي كانت تواجهها السعودية في ذلك الوقت.
على أية حال، روزفلت أثار الموضوع الذي يريد مناقشته مباشرة. أشار إلى أن الانتداب البريطاني في فلسطين سوف ينتهي بعد عام وأن مستقبل فلسطين برمته موضع نقاش الآن، وتحدث عن معاناة اليهود.
ثم سأل الملك: ما هي نصيحة جلالتكم فيما يتعلق بمشكلة اللاجئين اليهود الذين طردوا من بيوتهم في اوروبا؟
أجاب الملك: في رأيي أن اليهود يجب ان يعودوا كي يعيشوا في البلاد التي طردوا منها. اليهود الذين تدمرت منازلهم ولم يعد بمقدورهم أن يعودوا إلى البلاد التي كانوا يقيمون فيها يجب تمكينهم من العيش في دول المحور التي ألحقت بهم هذا الظلم.
علق روزفلت قائلا: لكن اليهود لا يريدون العودة إلى المانيا، ويعتقدون انهم لن يكونوا آمنين هناك. وبالإضافة إلى هذا، فان لديهم «رغبة عاطفية» للذهاب إلى فلسطين.
رد الملك بحسم: بالتأكيد سوف ينتصر الحلفاء في الحرب وسوف ينزلون هزيمة ساحقة بالنازيين، وإلى الدرجة التي لن يشكلوا بعدها أي تهديد. وان لم يحدث هذا، فما معنى كل هذه الحرب أصلا إذن؟
وقال الملك: دعوا العدو الظالم هو الذي يدفع الثمن. المجرمون هم الذين يجب أن يدفعوا الثمن وليس الضحايا الابرياء. وأضاف: ما هو دخل العرب في الظلم الذي تعرض له اليهود في أوروبا؟ وما هو ذنب العرب كي يدفعوا هم ثمن ما فعله الاوروبيون باليهود؟ الألمان المسيحيون هم الذين سرقوا بيوتهم. دعوهم يدفعوا الثمن.
وقال الملك: العرب واليهود لا يمكن أن يتعاونوا لا في فلسطين ولا في أي بلد آخر.
وتحدث الملك مطولا عن التهديد الذي تمثله الهجرة اليهودية على الوجود العربي، وعن الازمة الطاحنة التي تترتب على هذه الهجرة، وعلى شراء اليهود لأراضي العرب.
ثم قال الملك لروزفلت مقولته الشهيرة: إن العرب يفضلون الموت على أن يتخلوا عن أراضيهم لليهود.
الذين وثقوا لما جرى في القمة يقولون ان روزفلت لم يستوعب في البداية كل هذا التشدد، أو ما اعتبره تشددا، من جانب الملك ورفضه القاطع الحاسم الذي لا يقبل النقاش في رفض الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وظل روزفلت أكثر من مرة يعيد طرح القضية المرة تلو المرة على أمل أن يحصل من الملك على موقف مغاير. إلا أنه في كل مرة كان الملك يرد عليه بنفس المنطق وبنفس الرفض الحاسم.
حينئذ أثار روزفلت فكرة اخرى وطلب رأي الملك فيها. قال إنه سمع هذه الفكرة من تشرشل، وتقضي بأن يتم توطين اليهود في ليبيا على اعتبار أنها دولة أكبر من فلسطين وفي الوقت نفسه فإن عدد سكانها قليلون.
ومرة أخرى كان رفض الملك فوريا وقاطعا. قال إن طرح هذه الفكرة هو ظلم فادح للمسلمين في ليبيا وفي شمال إفريقيا.
بعد ذلك، قال الملك لروزفلت ما يلي: إن آمال العرب مبنية على كلمة شرف من الحلفاء، ومبنية خصوصا على ما هو معروف عن أمريكا من حب للعدل، وعلى توقعاتنا بأن الولايات المتحدة سوف تدعمنا وتدعم قضيتنا.
ردا على ذلك، قدم روزفلت للملك عبدالعزيز التعهد التاريخي الشهير. تعهد للملك بأنه لن يفعل أي شيء ولن يقدم على أي خطوة لمساعدة اليهود ضد العرب، ولن يقدم على أي خطوة عدائية ضد العرب. وتعهد بأن حكومته لن تدخل أي تغيير على سياستها في قضية فلسطين من دون التشاور المسبق مع العرب.
هذا التعهد وثقه روزفلت بعد ذلك كتابة في الخطاب الشهير الذي بعث به إلى الملك عبدالعزيز في 15 إبريل من العام نفسه.
بعد ذلك، اقترح روزفلت على الملك فكرة إرسال وفد عربي إلى بريطانيا والولايات المتحدة كي يشرح الموقف العربي في مواجهة الطموحات الصهيونية لأن الشعبين البريطاني والأمريكي لديهما في رأيه معلومات مضللة عن القضية. إلا أن الملك أكد له أن الأهم من هذا الوفد هو هذا التعهد الذي قطعه روزفلت لتوه للشعب العربي.
∗∗∗
ما لم يفهمه روزفلت
بعد ذلك، انتقل الحديث بين الزعيمين إلى قضايا أخرى. الملك بادر بطرح قضية سوريا ولبنان، ودار حوار طويل بهذا الخصوص. ملخصه أن الملك طلب من روزفلت تعهدا أمريكيا بضمان استقلال سوريا ولبنان بعد الحرب في حال إذا رفضت فرنسا أو ماطلت. وتعهد روزفلت للملك فعلا بأن الولايات المتحدة سوف تبذل كل جهودها لمساعدة سوريا ولبنان على نيل الاستقلال.
ثم دار حوار غريب جدا. الأمريكيون اعتبروا ما قاله الملك غريبا جدا. لم يفهم روزفلت أبدا ماذا كان يقصد الملك بالضبط. وحتى يومنا هذا، فإن المؤرخين الأمريكيين الذين تحدثوا عن اللقاء عاجزون عن فهمه.
الذي حدث أن روزفلت تحدث مع الملك في موضوع كان هو شخصيا مهتما به جدا. تحدث عن الأهمية القصوى في رأيه للاهتمام بمشاريع الزراعة والري في السعودية. قال إن تطوير موارد المياه وتنفيذ مثل هذه المشاريع الزراعية على نطاق واسع باستخدام التقنيات الحديثة سوف يعود بنفع عظيم على الشعب السعودي.
وقال روزفلت انه مهتم جدا بهذا الموضوع شخصيا لأنه هو نفسه كان فلاحا. والحقيقة أن روزفلت حين أثار هذا الموضوع كانت لديه تقارير من أمريكيين عملوا في السعودية في هذا المجال تؤكد الجدوى العملية لمثل هذه المشروعات.
الملك أنصت مليا لروزفلت وهو يتحدث في هذا الموضوع. وشكره على اهتمامه الشخصي بهذه القضية. لكنه قال: للأسف أنا كبرت في السن، ولم يعد بمقدوري أن أكون فلاحا. وكم كنت أتمنى لو كنت أصغر سنا حتى أجرب ما طرحته.
ثم قال الملك هذا الذي اعتبره الأمريكيون كلاما غريبا. قال لروزفلت: إنني شخصيا لا يمكن أن أتحمس لأي مشاريع تطوير للزراعة في بلادي، ولا لأي مشاريع تنمية في مجال آخر إذا كان هذا الازدهار والنهضة من الممكن أن يرثه اليهود بعد ذلك.
حين قال الملك هذا، وجم روزفلت تماما. لم يفهم ماذا يقصد الملك بهذا الكلام بالضبط. ولهذا لم يعلق اطلاقا ولو بكلمة.
كما قلت، المؤرخون الأمريكيون حتى اليوم عاجزون عن فهم لماذا قال الملك هذا الكلام في هذا السياق. بعضهم قال إن هذا كلام غريب خصوصا أنه لا يوجد يهود في السعودية اصلا. لكن الذي لم يفهمه روزفلت ولم يفهمه الامريكيون، كان واضحا.. كان ما يقصده الملك واضحا. فات عليهم ان موضوع القمة اصلا كان قضية فلسطين والهجرة اليهودية والاستيلاء على الأراضي العربية والاطماع الصهيونية. والملك أراد ببساطة، بالإضافة إلى التأكيد على موقفه الذي شرحه لروزفلت من أنه لا مساومة على الأراضي والحقوق العربية، أراد أن يلفت نظره إلى أن أطماع هؤلاء الصهاينة لا تقف عند حد فلسطين فقط، وانه كما ان اطماعهم مرفوضة في فلسطين، فإنها مرفوضة نهائيا في أي بلد عربي بأي شكل ومهما كان الثمن.
∗∗∗
ما بعد القمة
هذه إذن كانت، وباختصار بالطبع، أهم وقائع قمة البحيرات المرة بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي روزفلت. ماذا جرى بعد القمة؟
الذي جرى بداية أن علاقة صداقة شخصية توطدت بين الملك والرئيس. وقد كان روزفلت متأثرا جدا بقدرات الملك وخصاله، ولدرجة أنه بعد عودته إلى أمريكا، تحدث في الكونجرس الأمريكي، وقال: بالنسبة إلى المشكلة العربية، لقد تعلمت من ابن سعود في خمس دقائق أكثر مما تعلمته من عشرات الخطابات والرسائل والخطب.
وبعد هذا، ذكّر الملك الرئيس روزفلت بالتعهد الذي قطعه في القمة، وبناء على ذلك كما ذكرنا قام روزفلت بتوثيق هذا التعهد كتابيا في الرسالة التي بعث بها إلى الملك. وشاءت الأقدار أن يتوفى روزفلت بعد ذلك بأسبوع. وتولى الحكم في أمريكا بعده هاري ترومان الذي نسف هذا التعهد، وانقلبت السياسة الأمريكية تجاه قضية فلسطين مائة وثمانين درجة.
في الأسبوع الأول من أكتوبر 1945، عقد ترومان اجتماعا حضره المبعوثون الأمريكيون في مصر ولبنان وسوريا والسعودية. في الاجتماع ذكروه بتعهد روزفلت للملك عبدالعزيز.
وبعد نقاش قصير، قال ترومان: «آسف أيها السادة. لكن عليّ أن أتجاوب مع مئات الآلاف الذين يتوقون إلى نجاح الصهيونية. ليس لديّ مئات الآلاف من العرب من الناخبين».
ثم جرى ما نعرفه جميعا بعد ذلك، حين أيدت أمريكا تقسيم فلسطين، ثم اعترفت بدولة إسرائيل، حتى انتهى بها المطاف إلى مواقفها المعروفة اليوم.
∗∗∗
حين يتأمل المرء هذه الصفحة من التاريخ، لا يملك بداية إلا أن يزداد إعجابه بالملك عبدالعزيز.. هذا الزعيم العربي التاريخي ومواقفه وقدراته. كان زعيما بالفطرة، ومفاوضا شرسا بالسليقة مدافعا عن القضايا العربية. ولا يملك المرء إلا أن يتعجب من المقادير التي جرى بها التاريخ والسياسة. تأمل مثلا هذا الفارق الشاسع بين المواقف التي عبر عنها روزفلت وما انتهت اليه امريكا اليوم. وتأمل حتى الفارق بين مواقف الملك عبدالعزيز وبين المواقف الرسمية العربية اليوم.
أقدار التاريخ والسياسة لديها أحوال غريبة. بعض المؤرخين حين يتأملون هذا الذي جرى في قمة البحيرات المرة وموقف الرئيس روزفلت، يقولون إنه لو لم يشأ القدر أن يرحل روزفلت في ذلك الوقت، لربما ما كانت ستقوم أبدا دولة اسمها إسرائيل. من يدري؟.. لكن هكذا جرت الاقدار.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك