تناول «أندرو ميلر»، من مركز «التقدم»، اتفاق وقف إطلاق النار الهش بين حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، وحماس لإنهاء القتال في غزة، مشيرًا إلى أنه «رغم كونه محفوفًا بالمخاطر»، فإنه يمثل «استراحة مرحب بها من أهوال الصراع». ولفت إلى أن هذا التوقف يتيح أخيرًا إيصال المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة لملايين الفلسطينيين، إلى جانب الإفراج عن الرهائن المتبقين لدى حماس.
وعلى الرغم من صمود وقف إطلاق النار حتى الآن، والإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وعودة مئات الآلاف من النازحين إلى شمال غزة، فإن التأخير المتكرر في عمليات الإفراج من الجانبين، إلى جانب التصريحات المستمرة للمسؤولين الإسرائيليين، بشأن إمكانية استئناف القصف والاحتلال في أي لحظة، يؤكد أن هذا السلام الهش لا يمكن اعتباره أمرًا مسلمًا به.
من جانبه، يرى «ميلر»، أن استمرار وقف إطلاق النار إلى مرحلته الثانية التي تمتد ستة أسابيع «ممكن»، لكنه «غير مضمون بأي حال»، في ظل «عناد» الحكومة الإسرائيلية في التوصل إلى تسوية سياسية لغزة والقضية الفلسطينية بشكل أوسع، مشيرا إلى أن نجاح المرحلة الثانية يعتمد إلى حد كبير على مدى استعداد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، «للتدخل بقوة للحفاظ على السلام».
ومع ذلك، فإنه نظرًا للدعم القوي الذي أبدته «إدارة ترامب»، في أسابيعها الأولى لحرب إسرائيل وطموحاتها الإقليمية، مقارنة بالإدارات الأمريكية السابقة؛ خلص المعلقون الغربيون إلى أن وقف إطلاق النار لن يصمد، في ظل غياب دور أمريكي فعال لوقف استمرار القصف والاحتلال العسكري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، بل إن «واشنطن»، تبدو وكأنها تدعم هذه العمليات بشكل نشط.
وعلق «إتش. إيه. هيلير»، في مجلة «فورين بوليسي»، بأن إسرائيل وإدارة ترامب ليستا «جادتين» في الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة، مشيرًا إلى أن «كل المؤشرات تدل على أن نتنياهو يخطط لاستئناف الحرب»، وأن «البيت الأبيض على الأرجح لن يعيق ذلك». وفي السياق ذاته، أكد «آرون ميلر»، و«لورين مورجنبيسير»، من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، أن «الضغط الأمريكي المستمر فقط»، على إسرائيل يمكن أن ينهي الحرب، لكنهما أعربا عن عدم ثقتهما في التزام واشنطن بهذا النهج.
من جانبه، أشار «ميلر»، إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار، المكون من ثلاث مراحل بين حماس وإسرائيل، «يترك أسئلة رئيسية دون معالجة أو حل»، من بينها.. كيف سيتم حكم غزة بعد الحرب، وما إذا كان الجنود الإسرائيليون سيكونون غير مقيدين بمهاجمة أي شخص بإرادتهم، وما إذا كانت دولة فلسطينية مستقلة، ستقام.
ويرى «ميلر»، و«مورجنبيسير»، أن «الاتفاقيات المرحلية بطبيعتها محفوفة بالمخاطر»، لا سيما بين طرفين «يعتبران صراعهما وجوديًا تقريبًا»، مشيرين إلى أن تنفيذ وقف إطلاق النار، سيتم تقييمه «أسبوعًا بعد أسبوع». وبينما توقعا أن «النتيجة الأكثر ترجيحًا هي نجاح المرحلة الأولى»، عبر تبادل الرهائن الفلسطينيين والمحتجزين في السجون الإسرائيلية؛ فإن المرحلة الثانية -التي تتطلب انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من غزة مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، تبقى موضع تساؤل. ويرى «ميلر»، أن هناك اعتقادًا واسعًا بأن الطرفين قد يمددان المفاوضات إلى ما بعد الإطار الزمني الأولي البالغ ستة أسابيع.
وأقر المعلقون الغربيون أن «نتنياهو»، وحلفاءه السياسيين المتطرفين لا يريدون انتهاء الحرب في غزة؛ للحفاظ على قبضة رئيس الوزراء على السلطة، ولتعزيز الطموح المستمر منذ عقود لضم الأراضي الفلسطينية بالكامل، وارتكاب التطهير العرقي في الأراضي المحتلة. وفي حين أشار «هيلير»، إلى أن «نتنياهو»، يدرك أهمية «إرضاء إدارة ترامب بإظهار التوصل إلى اتفاق»، فقد أكد في الوقت ذاته، أن لديه «حساباته الخاصة»، خاصة فيما يتعلق بالعناصر المتطرفة داخل ائتلافه الحاكم، والتي قد تتسبب في انهيار حكومته إذا شعروا بأنه قدّم تنازلات لا تتماشى مع مواقفهم المتشددة.
وأشار «ميلر»، و«مورجنبيسير»، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، اعتمد طوال فترة الحرب على «مساومة وتهدئة» شركائه في الائتلاف للحفاظ على منصبه، متجنبًا بذلك أي مساءلة عن قضايا الفساد، وإخفاقات الاستخبارات التي سبقت هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وأضافا أن «أولويته المطلقة هي البقاء في السلطة»، ولذلك، فإنه يفضل استمرار الحرب في غزة، وغير متسرع في الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
وبالفعل، قبل أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير، حذر «نتنياهو»، من أنه «مؤقت فقط»، وأن إسرائيل ستستأنف «القتال»، بـ «طرق جديدة»، و«بقوة أكبر»، إذا لم تلبِّ مفاوضات المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار مطالبها. ويمكن ربط هذه التصريحات مباشرة بتأكيدات «بتسلئيل سموتريش»، وزير المالية الإسرائيلي، أنه تم «ضمان استئناف الحرب من قبل نتنياهو بعد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، يليها سيكون «الاستيلاء التدريجي على كامل قطاع غزة»، حيث سيبقى «مدمرًا ومتفككًا وغير قابل للسكن». ومع إشارة «هيلير»، إلى أن «سموتريش»، يعتقد أن المرحلة الثانية من الاتفاق -ناهيك عن المرحلة الثالثة - لن تحدث أبدًا، لا يتوقع المراقبون الغربيون التزام إسرائيل، باتفاقية سلام طويلة الأمد في غزة.«
علاوة على ذلك، أشار «ميلر»، إلى أنه سيكون «من السذاجة المفرطة القول بأن ترامب يملك مفتاح تمديد وقف إطلاق النار» بعد مرحلته الأولى، لكن من الصحيح أيضًا القول إن السياسات التي التزمت بها إدارته تعمل بنشاط للتصدي للآفاق الضيقة للاتفاق وإتمام جميع المراحل الثلاث.
وعلق «هيلير»، بأن تصريحات وأفعال «ترامب»، لم توفر «أسبابًا كثيرة للتفاؤل»، مؤكدًا أنه لم يكتفِ بالتشكيك في صمود الهدنة؛ بل عبّر كبار المسؤولين في واشنطن أيضًا عن دعمهم للأهداف الإسرائيلية التي قد تؤدي عمليًا إلى إلغاء وقف إطلاق النار بالكامل. وأيد وزير الدفاع الجديد، «بيتر هيجسيث»، الجيش الإسرائيلي في «قتل جميع أعضاء حماس»، بينما تعهد مستشار الأمن القومي، «مايك والتز»، بأن الحركة «يجب أن تُدمَر بالكامل حتى لا تتمكن من إعادة تشكيل نفسها». وعليه، أكد الباحث أن مثل هذه التصريحات «لا توحي بأن إسرائيل ستواجه أي ضغط أمريكي لضمان تنفيذ الاتفاق بالكامل».
كما أشار «ميلر»، و«مورجنبيسير»، إلى التقارير التي تفيد بوجود رسالة من ترامب إلى نتنياهو، تؤكد استمرار الدعم السياسي والعسكري الأمريكي لاستئناف الحرب والقصف الإسرائيلي في غزة. وفي تقييمهما، فإنه بالنظر إلى «تصور ترامب لنفسه كأكثر رئيس داعم لإسرائيل في التاريخ»، من المشكوك فيه أنه «سيستعين بالأدوات التي اعتمدها بايدن» –مثل تقليص المساعدة العسكرية أو الاعتراف بدولة فلسطينية– للضغط على الإسرائيليين لإنهاء تدمير غزة. وبدلاً من السعي لتناول مستقبل الدولة الفلسطينية المستقلة، ركز اقتراحه بطرد المدنيين الفلسطينيين إلى مصر والأردن، فيما يمكن أن يكون تطهيرًا عرقيًا، ويفتح الباب للاحتلال الكامل للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في غزة.
وفيما يتعلق بتداعيات فشل وقف إطلاق النار في غزة إذا أثبتت الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية أنهما غير ملتزمتين بالسلام؛ أشار «ميلر»، و«مورجنبيسير»، إلى أن موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار، «تعكس عدم صحة» ادعاءات نتنياهو، بأنه حقق «انتصارًا كاملاً»، حيث لا يمكن إنكار أن «حماس لا تزال على قيد الحياة»، وما زالت «مستقرة بعمق» في حكومة غزة. واعترف وزير الخارجية الأمريكي السابق «أنتوني بلينكن»، في أيامه الأخيرة في المنصب، أن الحركة جندت عددًا من المقاتلين يعادل تقريبًا عدد من فقدتهم في الهجمات الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023، مضيفا أنه في «كل مرة» تكمل فيها إسرائيل «عملياتها العسكرية وتنسحب، تعاود حماس التجمع، وتظهر من جديد لأنه لا يوجد بديل آخر يعوض فراغ السلطة».
وبناءً على ذلك، قال «ميلر»، و«مورجنبيسير»، إن انهيار وقف إطلاق النار في غزة، يعني أن حماس «ستظل قادرة على إلحاق خسائر بالقوات الإسرائيلية العائدة لاحتلال غزة»، وبسبب «رفض إسرائيل الانخراط في تخطيط ما بعد حرب غزة»، الذي قد يخلق هيكلًا سياسيًا بديلًا لحكم القطاع، وتوقعا أن تستمر الحركة في «الحكم بحكم الأمر الواقع».
ومع الاعتراف بأن الحرب في غزة هي جزء من قضية أوسع، تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية؛ أشار «هيلير»، إلى أن «الآفاق لا تزال قاتمة»، بالنسبة إلى وضع الضفة الغربية، والقدس الشرقية، مع زيادة الاضطرابات والعنف على يد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، والمدعومة «بشكل شبه كامل» من المسؤولين في واشنطن.
وأشار «هيلير»، إلى أن المزاعم بشأن عدم جدية إسرائيل في الالتزام بوقف إطلاق النار قد تتغير، مؤكدًا أن «الاتفاق قد يصبح واقعًا فقط، إذا مارست واشنطن ضغوطًا على إسرائيل؛ لإجبارها على الالتزام بشروطه». ومع ذلك، يرى «ميلر»، و«مورجنبيسير»، أن «أكبر عقبة»، أمام تحقيق هذا الاتفاق تكمن في «هوس نتنياهو بالبقاء في السلطة»، و«حاجته إلى إرضاء وزرائه المتطرفين». في المقابل، تُظهر تصريحات وأفعال إدارة ترامب، أنها غير ملتزمة فعليًا بتحقيق خطة وقف إطلاق النار.
وأشار «هيلير» إلى أن إدارة ترامب تسعى في الشرق الأوسط إلى ترسيخ مكانتها كوسيط رئيسي من خلال إبرام صفقات كبرى، لا سيما عبر التوسط في اتفاقات تطبيع جديدة. وبما أن تحقيق ذلك يتطلب معالجة القضية الفلسطينية، فإن التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة يُعد «خطوة أولى أساسية» في هذا الاتجاه. ومع ذلك، لفت «ميلر»، و«مورجنبيسير»، إلى أن السؤال الأكثر إلحاحًا هو ما إذا كان ترامب يكترث فعليًا باتفاق وقف إطلاق النار، وما مدى استعداده لاتخاذ خطوات جادة لتنفيذه، وهو ما لم يظهر حتى الآن أي التزام واضح به.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك