العدد : ١٧١٢٠ - الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٠ - الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الابتزاز الأمريكي وحق الفلسطينيين في أرضهم

بقلم: عبدالهادي الخلاقي

الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

اقترح‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إعادة‭ ‬توطين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬النازحين‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجاورة‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬والأردن،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مؤقتاً‭ ‬أو‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬وقد‭ ‬أثارت‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬جدلاً‭ ‬واسعاً،‭ ‬حيث‭ ‬رفضت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬معبرين‭ ‬عن‭ ‬مخاوف‭ ‬تتعلق‭ ‬بالهوية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والاستقرار‭ ‬الإقليمي،‭ ‬كما‭ ‬اعتبرت‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬تهديداً‭ ‬لحقهم‭ ‬في‭ ‬أرضهم‭ ‬وتاريخهم‭. ‬

ترامب‭ ‬يوحي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصريحه‭ ‬بأنه‭ ‬يسعى‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬قضية‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬إنساني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نقل‭ ‬السكان‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬مجاورة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬يواجه‭ ‬انتقادات‭ ‬فلسطينية‭ ‬وعربية‭ ‬حادة،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬يتجاهل‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬أرضهم‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بينما‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬مواقف‭ ‬الأوساط‭ ‬اليمينية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬أراضيهم‭ ‬وقد‭ ‬رحب‭ ‬السياسيون‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬بهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬وهذا‭ ‬المخطط‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬اليوم‭ ‬وليس‭ ‬حلا‭ ‬لأزمة،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬مخطط‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬معتبرين‭ ‬إياها‭ ‬فرصة‭ ‬لحل‭ ‬النزاع‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

بشكل‭ ‬عام،‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬محاولة‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الواقع‭ ‬الديموغرافي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يواجه‭ ‬رفضاً‭ ‬واسعاً‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والدول‭ ‬المعنية‭ ‬بالقضية‭ ‬والفصائل‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬الذين‭ ‬يؤكدون‭ ‬ضرورة‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬تحترم‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬أرضهم‭ ‬وتضمن‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة،‭ ‬وقد‭ ‬عُقد‭ ‬اجتماع‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬وزراء‭ ‬الخارجية،‭ ‬شاركت‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬الأردن،‭ ‬والسعودية‭ ‬الإمارات،‭ ‬وقطر،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أمين‭ ‬سر‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وأمين‭ ‬عام‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬عكس‭ ‬الاجتماع‭ ‬موقفاً‭ ‬صلباً‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬ثوابت‭ ‬ومرتكزات‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬المحددات‭ ‬العادلة‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بإجماع‭ ‬دولي‭ ‬لحل‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬كما‭ ‬اتفق‭ ‬المشاركون‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬أو‭ ‬اتفاقية‭ ‬الهدنة‭ ‬الاخيرة،‭ ‬والتمسك‭ ‬بحل‭ ‬الدولتين،‭ ‬والرفض‭ ‬الكامل‭ ‬لمحاولات‭ ‬تهجير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬أرضه،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬دعم‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتمكينها‭ ‬من‭ ‬تولي‭ ‬مهامها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭.‬

‭ ‬ان‭ ‬الموقف‭ ‬المصري‭ ‬واضح‭ ‬وصريح،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصر‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حل‭ ‬يتضمن‭ ‬نقل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬سيناء،‭ ‬والأردن‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وأن‭ ‬الأردن‭ ‬للأردنيين‭ ‬وفلسطين‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬ومقترح‭ ‬ترامب،‭ ‬يُعتبر‭ ‬تهديداً‭ ‬لحقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬أرضهم‭ ‬ومخاطرةً‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

تصريح‭ ‬ترامب،‭ ‬قد‭ ‬يُفسر‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬محاولة‭ ‬لليّ‭ ‬ذراع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التلويح‭ ‬بوسائل‭ ‬ضغط‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وترامب‭ ‬لطالما‭ ‬استخدم‭ ‬أسلوب‭ ‬الضغط‭ ‬العلني‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحه،‭ ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭ ‬أو‭ ‬الخصوم،‭ ‬وقد‭ ‬ألمح‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬إلى‭ ‬ربط‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بالمساعدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لمصر‭ ‬والأردن،‭ ‬مما‭ ‬يضع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أمام‭ ‬خيارات‭ ‬صعبة‭.‬

بعد‭ ‬فشل‭ ‬تهجير‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬فرض‭ ‬وقائع‭ ‬ثابتة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬اسرائيل‭ ‬وبعض‭ ‬القوى‭ ‬اليمينية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تسعى‭ ‬لتصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عبر‭ ‬تهجير‭ ‬السكان،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تقبل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بذلك،‭ ‬فقد‭ ‬يتم‭ ‬فرض‭ ‬حلول‭ ‬أحادية‭ ‬الجانب،‭ ‬مثل‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬عملياتها‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬فعليا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬لقوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬يختبر‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬بمواقفها،‭ ‬وقد‭ ‬يستغل‭ ‬الموقف‭ ‬لاحقاً‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬محاولات‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬والديون‭ ‬المتراكمة‭ ‬ومحاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬بدايتها‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬بحجة‭ ‬محاربة‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭.‬

السؤال‭: ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬تستطيع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مقاومة‭ ‬العنجهية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ورفض‭ ‬سياسة‭ ‬الابتزاز؟‭! ‬

حتى‭ ‬الآن،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الرد‭ ‬العربي‭ ‬حاسم‭ ‬بالرفض،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬والأردن،‭ ‬فالدولتان‭ ‬تؤكدان‭ ‬أن‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭ ‬رغم‭ ‬الضغوط،‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬قبول‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬مستبعد‭ ‬بسبب‭ ‬العواقب‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬والكرة‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬ملعب‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬للتمسك‭ ‬بحقوقهم‭ ‬ومقاومة‭ ‬أي‭ ‬مخطط‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عبر‭ ‬التهجير‭ ‬وإذا‭ ‬استطاعت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تشكيل‭ ‬جبهة‭ ‬موحدة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الضغوط‭ ‬فسيكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬أمريكا‭ ‬فرض‭ ‬أجندتها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬العرب‭ ‬بدائل‭ ‬أخرى‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬السعودي‭ ‬والمصري‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬سيكون‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مدى‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬الابتزاز،‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬امتلاكها‭ ‬أوراق‭ ‬ضغط‭ ‬قوية‭ ‬مثل‭ ‬النفط‭ ‬والاستثمارات،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬لموازنة‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬أمريكا،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬استخدمت‭ ‬السعودية‭ ‬نفوذها‭ ‬النفطي‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُثبت‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬تجاهل‭ ‬المصالح‭ ‬العربية‭ ‬تماماً‭. ‬

والخلاصة،‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تستطيع‭ ‬مقاومة‭ ‬الابتزاز‭ ‬الأمريكي‭ ‬إذا‭ ‬توافرت‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية،‭ ‬والتنسيق‭ ‬الإقليمي،‭ ‬واستخدام‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬العرب‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا