اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعادة توطين الفلسطينيين النازحين من قطاع غزة في دول مجاورة مثل مصر والأردن، مشيراً إلى أن هذا الإجراء قد يكون مؤقتاً أو طويل الأمد، وقد أثارت هذه التصريحات جدلاً واسعاً، حيث رفضت كل من مصر والأردن هذه الفكرة، معبرين عن مخاوف تتعلق بالهوية الفلسطينية والاستقرار الإقليمي، كما اعتبرت الفصائل الفلسطينية هذا المقترح تهديداً لحقهم في أرضهم وتاريخهم.
ترامب يوحي من خلال تصريحه بأنه يسعى للتعامل مع قضية غزة من منظور إنساني من خلال نقل السكان إلى دول مجاورة، إلا أن هذا المقترح يواجه انتقادات فلسطينية وعربية حادة، وهو في حقيقة الأمر يتجاهل حقوق الفلسطينيين في أرضهم وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، بينما هذا المقترح يتماشى مع مواقف الأوساط اليمينية في إسرائيل، التي تدعو إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وقد رحب السياسيون الإسرائيليون بهذه الفكرة وهذا المخطط الذي هو ليس وليد اليوم وليس حلا لأزمة، وإنما هو مخطط منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في أربعينيات القرن الماضي، معتبرين إياها فرصة لحل النزاع على حساب الفلسطينيين.
بشكل عام، يُنظر إلى هذا التصريح على أنه محاولة لإعادة تشكيل الواقع الديموغرافي في المنطقة، إلا أنه يواجه رفضاً واسعاً من الدول العربية والدول المعنية بالقضية والفصائل الفلسطينية، الذين يؤكدون ضرورة إيجاد حلول تحترم حقوق الفلسطينيين في أرضهم وتضمن استقرار المنطقة، وقد عُقد اجتماع في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية، شاركت فيه كل من مصر، الأردن، والسعودية الإمارات، وقطر، إضافة إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأمين عام جامعة الدول العربية، عكس الاجتماع موقفاً صلباً للدفاع عن ثوابت ومرتكزات القضية الفلسطينية، ويؤكد أهمية المحددات العادلة التي تحظى بإجماع دولي لحل هذه القضية، كما اتفق المشاركون على الاستمرار في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار أو اتفاقية الهدنة الاخيرة، والتمسك بحل الدولتين، والرفض الكامل لمحاولات تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، كما تم التأكيد على أهمية دعم السلطة الفلسطينية وتمكينها من تولي مهامها في قطاع غزة كجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ان الموقف المصري واضح وصريح، فلا يمكن أن تكون مصر جزءاً من أي حل يتضمن نقل الفلسطينيين إلى سيناء، والأردن يؤكد أن حل القضية الفلسطينية هو في فلسطين، وأن الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين، ومقترح ترامب، يُعتبر تهديداً لحقوق الفلسطينيين في أرضهم ومخاطرةً قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.
تصريح ترامب، قد يُفسر على أنه محاولة لليّ ذراع هذه الدول من خلال التلويح بوسائل ضغط سياسية واقتصادية، وترامب لطالما استخدم أسلوب الضغط العلني لتحقيق مصالحه، سواء مع الحلفاء أو الخصوم، وقد ألمح في حديثه إلى ربط هذا الأمر بالمساعدات الأمريكية لمصر والأردن، مما يضع هذه الدول أمام خيارات صعبة.
بعد فشل تهجير أهل غزة من خلال الحرب التي شنتها قوات الاحتلال الاسرائيلي ولم تستطع فرض وقائع ثابتة على الأرض يبدو ان اسرائيل وبعض القوى اليمينية في الولايات المتحدة تسعى لتصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير السكان، وإذا لم تقبل الدول العربية بذلك، فقد يتم فرض حلول أحادية الجانب، مثل دعم إسرائيل في توسيع عملياتها وربما هذا الأمر قد بدأ فعليا من خلال العمليات العسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.
إن ترامب قد يختبر مدى قدرة الدول العربية على التمسك بمواقفها، وقد يستغل الموقف لاحقاً للضغط على هذه الدول في ملفات أخرى، مثل محاولات التطبيع مع إسرائيل والديون المتراكمة ومحاربة الإرهاب، وقد رأينا بدايتها في العمليات التي تشنها القوات الأمريكية في الصومال في الأيام القليلة الماضية بحجة محاربة تنظيم «داعش».
السؤال: إلى أي مدى تستطيع الدول العربية مقاومة العنجهية الأمريكية ورفض سياسة الابتزاز؟!
حتى الآن، نجد أن الرد العربي حاسم بالرفض، وخاصة من مصر والأردن، فالدولتان تؤكدان أن تهجير الفلسطينيين خط أحمر رغم الضغوط، كذلك فإن قبول هذا السيناريو مستبعد بسبب العواقب الجيوسياسية والأمنية الكبيرة، والكرة الآن في ملعب الدول العربية والفلسطينيين للتمسك بحقوقهم ومقاومة أي مخطط يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير وإذا استطاعت الدول العربية تشكيل جبهة موحدة في مواجهة الضغوط فسيكون من الصعب على أمريكا فرض أجندتها، كما أن التحالف مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا يمكن أن يعطي العرب بدائل أخرى تقلل من الهيمنة الأمريكية، أضف إلى ذلك أن الموقف السعودي والمصري ودول الخليج سيكون حاسماً في تحديد مدى القدرة على رفض الابتزاز، نظرا إلى امتلاكها أوراق ضغط قوية مثل النفط والاستثمارات، والتي يمكن استخدامها لموازنة العلاقات مع أمريكا، وقد سبق أن استخدمت السعودية نفوذها النفطي في الماضي، كما حدث في حرب أكتوبر 1973، وهو ما يُثبت أن العالم لا يستطيع تجاهل المصالح العربية تماماً.
والخلاصة، أن الدول العربية تستطيع مقاومة الابتزاز الأمريكي إذا توافرت الإرادة السياسية، والتنسيق الإقليمي، واستخدام أدوات القوة الاقتصادية والدبلوماسية التي يمتلكها العرب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك