ضمن برنامج استشاري لعدة أيام في دولة شقيقة حول تنمية إدارة الموارد البشرية، تم تقديم مجموعة من البرامج التدريبية للعاملين في هذا الحقل المحوري في أي مؤسسة سواء كانت خاصة أو عامة، وكان ضمن هذه الدورات الدورة التي تحمل نفس عنوان المقال، والجميل في الدورة أني لما أعددتها ووضعت أهدافها والعروض وكل شيء، وجدت أن قدرات المشاركين في الدورة مرتفعة ويمكن الاستفادة من تلك القدرات في وضع معالم لبعض المهارات التي يجب أن يتمتع بها موظف إدارة الموارد البشرية، فكانت ورشة عمل أكثر من أن تكون دورة، وكانت نتائج هذه الورشة هو ما سوف نطرحه اليوم في هذا المقال.
ولكن قبل أن نبدأ ورشة العمل طلبت من الحضور تحديد مفهوم إدارة الموارد البشرية حتى يمكن أن نحدد ما المهارات التي يجب أن يتمتع بها موظف الموارد البشرية، فكثرت التعريفات والمفاهيم، ولكن لفت نظري هذا التعريف الجميل الذي يقول:
إدارة التنمية البشرية هي الإدارة التي تركز على تطوير مهارات ومعارف الأفراد والجماعات لزيادة كفاءتهم وإنتاجيتهم. الهدف من ذلك هو تعزيز قدرات الأفراد للمساهمة بشكل أكبر في تحقيق أهداف المؤسسة والمجتمع، وذلك من خلال التعليم المستمر والتدريب وتوفير الفرص للنمو الشخصي والمهني، وكذلك تسعى إدارة التنمية البشرية إلى خلق بيئة عمل تدعم الابتكار والتفوق.
والآن لنلقي الضوء على مهارات موظف إدارة الموارد البشري، وهي:
أولاً: مهارات الاتصال والتواصل؛ لا يمكن أن يقوم أي شخص بأي عمل من غير أن يمتلك ولو قدرا يسيرا من مهارات التواصل والاتصال، فعملية الاتصال ليست مجرد مرسل ومستقبل وإنما تحوي في طياتها الكثير من الجوانب الإنسانية، فمن غير هذه الجوانب الإنسانية فإن العملية تكون مجرد أشخاص يتحدثون كما يتحدث الرجال الآليون، وهذا موضوع تحدثنا فيه كثيرًا.
ثانيًا: الخبرة الإدارية؛ على العامل في مجال الموارد البشرية أن يدرك ما قيمة عمله، فهو يكون على اتصال مباشر مع أي موظف مهما علت مسؤوليته أو نقصت، وبناء على هذا المفهوم فإن المرء الذي يتولى مسؤولية إدارة الموارد يجب أن يتمتع بالذكاء الإداري ويجب أن يكون مسؤولاً إداريًا قائدًا حتى يتمكن من التعامل مع كل هذا الكم من الناس، فلكل شخص في المؤسسة احتياجات ورغبات، ونحن والجميع يعلم أنه لا يمكن تحقيق كل تلك الرغبات والاحتياجات في ظل ظروف الأنظمة والقوانين إلا أنه من المهم أن نشعر بالجوانب الإنسانية للموظف.
ثالثًا: المعرفة والخبرة بإدارة الموارد البشرية؛ إدارة الموارد البشرية ليست بالإدارة الاعتيادية، فهي مركز جميع أسرار المؤسسة، وكل الأحداث والميزانية وما إلى ذلك، لذلك فإنه من أوائل الأمور التي يجب أن يتمتع بها العامل أو المسؤول في هذه الإدارة الأمانة والصدق، فإن لم يكن يتمتع بهاتين الصفتين فإنه ينبغي أن يرحل إلى وظيفة أخرى، بالإضافة إلى أن يجب على موظف الموارد البشرية أن يتمتع بالعديد من المهارات الإدارية، ويجب أن يكون مفهوم إدارة الموارد البشرية واضحًا لديه، فهذه الإدارة لا تقوم بتنظيم الإجازات أو الحضور والانصراف فحسب، وإنما هي إدارة محورية تتفاعل مع جميع الإدارات والأفراد وتتعرف على احتياجاتهم ورغباتهم، وكذلك حالاتهم الاجتماعية والمادية ونواقصهم وما إلى ذلك.
رابعًا: الاستباقية؛ هذا الدور المحوري المهم لهذه الإدارة يجعلها في موقع حساس جدًا، فهي تمسك الأمور من عدة جهات، فهي تتعامل مع الإدارات العليا، وبقية الإدارات والموظفين، وهذا يعني أن هذه الإدارة ينبغي عليها أن تتعامل بكل حرفية مع كل هذه الجهات، وبناء على مفهوم (التمحور حول العميل)، فإن هذه الإدارة يجب أن تتسامى وتعامل كل هذه الجهات على أنهم عملاء، وبناء على هذا المفهوم فإن على هذه الإدارة أن تبلغ ذروة المبادرات التي تسهم في تطوير وسعادة كل هذه الجهات، فينبغي أن تبحث بصورة يومية عن أفضل الطرق للتعامل بكل حرفية مع العملاء.
خامسًا: تقديم المشورة؛ فيم يمكن أن تقدم المشورة؟ هذا السؤال يطرح كثيرًا، والإجابة عنه تتوقف على مفهومنا لإدارة الموارد البشرية، فإن كان حدود تفكيرنا ومفهومنا لإدارة الموارد البشرية أنها إدارة لتحديد الإجازات والرواتب والغياب والانصراف، فإن هذا المفهوم الضيق يحدد الاستشارة في هذا النطاق، ولكن عندما نتوسع في مفهومنا لإدارة الموارد البشرية فإن المشورة تكون في كل الأمور، فهذه الإدارة تسهم بصورة كبيرة في وضع المخطط العام للمؤسسة، وبقية الإدارات، وكذلك تحدد الميزانيات التي تحتاج إليها كل تلك الإدارات، بالإضافة إلى أنها تحدد نوعية الموظفين الذين تحتاج إليهم المؤسسة ولا تختار الأفضل وإنما تبحث عن الأفضل، وتقدم له العروض التي تغريه لتجذبه للانضمام إلى فريق عمل المؤسسة، وما إلى ذلك.
سادسًا: التدريب؛ من المهام الكبيرة التي تنوط بها إدارة الموارد البشرية هي تدريب الموظفين، هذا يعني أنها مسؤولة بصفة أساسية عن تدريب الموظف وتطويره بين الفينة والأخرى، فالتدريب والتعليم والتعلم الذاتي من أساسيات الترقية، فلا يمكن أن نسوي بين موظف لا ينمي ذاته وبين موظف يبحث عن الدورات ويحاول أن يطور نفسه بالتعلم الذاتي من أجل تطوير وترقية نفسه، فإن هذا ظلم. لذلك ينبغي على إدارة الموارد البشرية –بعد تحديد الاحتياجات التدريبية– أن تحدد ميزانية خاصة سنوية للدورات التدريبية والاستشارات في مكان العمل، وتضع جدولا سنويا، وتوزعه وتنشره في أروقة المؤسسة، فمن يجد من الموظفين نفسه يحتاج إلى تلك الدورات عليه أن يسجل نفسه، ويحضر، ومن ثم يكتب تقريرا للإدارة حول الدورة وماذا استفاد منها.
سابعًا: التوظيف والاختيار؛ قلنا قبل قليل إن من مهام إدارة الموارد البشرية أن تقوم بعملية التوظيف، بل اختيار الموظف والبحث عن الموظفين الجديرين بشغل المناصب الوظيفية الشاغرة، ولا تنتظر أن يتقدم إليها فقط الأفراد، وإنما تبحث عن الأفراد الأكفاء، حتى يسهم كل هؤلاء مع بقية فرق العمل في تطوير المؤسسة التي تمثل المجتمع نفسه.
ثامنًا: الدراية بنظم معلومات الموارد البشرية؛ يقبع تحت أيدي إدارة الموارد البشرية الكثير من المعلومات حول الموظفين ورواتبهم وربما حتى أسرارهم ومشاكلهم وغياباتهم وأمراضهم وكل شيء، كل هذه معلومات، وهذه المعلومات تحتاج إلى تنظيم حتى يمكن الوصول إليها بأسرع الطرق، لذلك فإن على مسؤول الإدارة القائد أن يقوم بتنظيم وعمل برامج حاسوبية لكل هذه المعلومات بحيث تغلف بالإطار السري حتى لا تكون بين أيدي كل متسلل، وإنما يجب أن تتمتع بالسرية حتى يطمئن الجميع، ومن ثم يجب أن يكون الوصول إلى أي معلومة بأسهل الطرق، فكثيرًا ما نحتاج إلى السرعة لاتخاذ قرار معين في حادث أو أزمة تحدث الآن.
تاسعًا: المهارات اللغوية ومعرفة الاختلاف الثقافية؛ حتمًا في المؤسسة يعمل الكثير من الأفراد، وهؤلاء لا يعني أنهم من جنسية وثقافة واحدة، هذه الاختلافات يمكن أن تتسبب في أزمات عدم الفهم والإدراك، ولغة الجسد في بعض الأحيان يمكن أن تسبب مشكلة، وكلمة قد تفهم بطريقة خاطئة، كل هذه الأمور تجري بصورة يومية في المؤسسة، لذلك نجد أن الجهة التي يمكنها أن تقف في منتصف الطريق بين كل هؤلاء البشر هي إدارة الموارد البشرية، فمن المفروض أن تكون كفيلة للتعامل مع كل هذه الثقافات واللغات.
عاشرًا: الاعتماد على البيانات والتحليلات لاتخاذ قرار؛ حتى يتم اتخاذ القرار بصورة منهجية وعلمية فإنه ينبغي اعتماد الطرق والأساليب الحديثة، والتي منها أساليب التحليل المنطقية والرياضية المختلفة، وفي بعض الأحيان استخدام أنماط وأساليب التفكير الإبداعي بمختلف أنواعها، واليوم يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي وبعض البرامج الحاسوبية التي تسهم بطريقة أو بأخرى في اتخاذ بعض القرارات، لذلك فإن العاطفة وإن كانت مطلوبة في بعض الأحيان فإنها ليست في كل الأحيان.
أحد عشر: إعداد التقارير؛ الكتابة والكتابة الإدارية فن وعلم، لذلك نجد أنه من المهم أن يمتلك القائمون والعاملون في إدارة الموارد البشرية، هذا الفن، وحتى إن لم يملكوا تلك الملكة فإنه ينبغي عليهم أن يتعلموا كيفية الكتابة والكتابة الإدارية مثل كتابة الرسائل والتقارير ومحاضر الاجتماعات، كل هذه النوعيات من الكتابات يمكن ممارستها بعد حضور بعض الدورات الحرفية المهنية حتى يصبح الفرد مع بعض الممارسات متقنا لهذا الفن.
اثنا عشر: العمل الجماعي؛ وما نقصده هو العمل بأسلوب فرق العمل، ونحن من الذين يؤمنون أن العمل بأسلوب فرق العمل من أفضل الطرق في العمل، لأنه يقلل الأخطاء ويحل مشكلة عدم التخصص، وكذلك فإن العمل بعدة عقول أفضل بكثير من العمل بعقلية السوبرمان. ففي العمل الجماعي ملجأ للأمان الوظيفي، والتحرر الفكري والعمل المؤسسي القائم على فكرة المؤسسة وليس الفرد، وهذا هو الأفضل.
هذه الفكرة أنقلها للقراء الأفاضل والمؤسسات سواء الخاصة أو العامة، بهدف تطوير إدارات الموارد البشرية لتتحول من إدارة مهمتها حصر الحضور والانصراف وغياب الموظفين وتحديد الإجازات إلى إدارة محورية تسهم في تطوير المؤسسة وبالتالي الارتقاء برضى المجتمع.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك