العدد : ١٧١١٦ - السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٦ - السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نحو بناء علاقات دولية واقعية وأخلاقية

بقلم: د. نبيل فهمي

السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

هناك‭ ‬جدل‭ ‬واسع‭ ‬وحوار‭ ‬مشحون‭ ‬حول‭ ‬الفلسفة‭ ‬الأفضل‭ ‬لإدارة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬السياسة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والقواعد‭ (‬Values‭-‬based‭ ‬politics‭)‬،‭ ‬والأخرى‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬الواقعية‭ ‬والمصالح‭ (‬Realism‭) ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬المواقف‭ ‬والسياسات‭.‬

ينبني‭ ‬الطرح‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بمبادئ‭ ‬مستندة‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬مجتمعية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬ويتم‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬إجراءات‭ ‬وممارسات‭ ‬يلتزم‭ ‬بها‭ ‬الجميع،‭ ‬وارتبط‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بالسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وسعي‭ ‬قياداتها‭ ‬لجعل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬امبراطورية‭ ‬للحريات؛‭ ‬إذ‭ ‬تبنت‭ ‬رسالة‭ ‬نشر‭ ‬الليبرالية‭ ‬الدولية‭ (‬Internationalism‭ ‬liberal‭)  ‬بنشاط‭ ‬وحماس،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تولي‭ ‬الرئيس‭ ‬وودرو‭ ‬ويلسون‭ ‬السلطة،‭ ‬وطرحه‭ ‬إعلاناً‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬1918،‭ ‬يشمل‭ ‬المفهوم‭ ‬والخطط‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬وجاء‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬ولايات‭ ‬سابقة‭ ‬براجماتية‭ ‬ومحافظة‭ ‬وانعزالية‭ ‬للرؤساء‭: ‬ويليام‭ ‬هوارد‭ ‬تافت،‭ ‬تيودور‭ ‬روزفلت،‭ ‬ويليام‭ ‬ماكينلي‭.‬

أما‭ ‬الطرح‭ ‬المقابل‭ ‬لذلك،‭ ‬والمعروف‭ ‬بالواقعية‭ ‬والمصالح،‭ ‬فيؤسس‭ ‬على‭ ‬إطار‭ ‬نظري‭ ‬ومنظور‭ ‬للعلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬يعتبر‭ ‬أنها‭ ‬منافسة‭ ‬متواصلة‭ ‬بين‭ ‬دول؛‭ ‬تسعى‭ ‬للتمركز‭ ‬باقتدار‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬مركزية‭ ‬تنظمه،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬رواد‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭: ‬كميل‭ ‬كوروت،‭ (‬Camille‭ ‬Corot‭)‬،‭ ‬غوستاف‭ ‬كوربيه‭ (‬Gustave‭ ‬Courbet‭)‬،‭ ‬جان‭ ‬فرانسوا‭ ‬ميليت‭ (‬Jean‭-‬Francois‭ ‬Millet‭)‬،‭ ‬أونوريه‭ ‬دومييه‭  (‬Honore‭ ‬Daumier‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬منظريه‭: ‬المؤرخ‭ ‬الإغريقي‭ ‬ثوسيديدس،‭ (‬Thucydides‭)‬،‭ ‬نيكولا‭ ‬مكيافيلي‭ (‬Niccolo‭ ‬Machiavelli‭)‬،‭ ‬توماس‭ ‬هوبز‭ (‬Thomas‭ ‬Hobbes‭)‬،‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ (‬Jean‭-‬Jacques‭ ‬Rousseau‭)‬،‭ ‬وماكس‭ ‬فيبر‭  (‬Max‭ ‬Weber‭)‬،‭ ‬ولقد‭ ‬توفي‭ ‬مؤخراً‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق،‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر‭  (‬Henry‭ ‬Kissinger‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬تبنوا‭ ‬فلسفة‭ ‬الواقعية‭ ‬والمصالح‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر‭.‬

وتدفع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬طرحها‭ ‬العلني،‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إدارة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬وفقاً‭ ‬لأسس‭ ‬وقواعد‭ ‬أخلاقية،‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬تبناه‭ ‬بايدن‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تغاضى‭ ‬عنه‭ ‬ترامب،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تُنحي‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬جانباً‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان؛‭ ‬إذا‭ ‬تعارضت‭ ‬مع‭ ‬مصالحها‭ ‬الآنية،‭ ‬أو‭ ‬ارتفعت‭ ‬الكلفة‭ ‬السياسية‭ ‬للالتزام‭ ‬بها‭.‬

وأحدث‭ ‬مثال‭ ‬لهذه‭ ‬التناقضات،‭ ‬مواقفها‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ومطالبتها‭ ‬روسيا‭ ‬باحترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وعدم‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬الغير‭ ‬بالقوة،‭ ‬واحترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تتخذ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬موقفاً‭ ‬مناقضاً‭ ‬لذلك‭ ‬إزاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وعنفها‭ ‬المشين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ضحايا‭ ‬يتجاوزون‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬

وهذا‭ ‬موقف‭ ‬يُبرر‭ ‬غربياً‭ ‬بأن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬نفسها،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر‭ ‬التجاوز‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الغير،‭ ‬ويكتفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بمناشدة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتوخي‭ ‬الحذر‭ ‬مع‭ ‬المدنيين،‭ ‬مع‭ ‬أنهم‭ ‬يشهدون‭ ‬إهدار‭ ‬حياة‭ ‬آلاف‭ ‬المدنيين‭ ‬الأبرياء‭.‬

يعتقد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬التحالف‭ ‬الغربي،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬روسيا،‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬يدفع‭ ‬بالتوجه‭ ‬الأخلاقي‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬وأن‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحكمها‭ ‬المصالح،‭ ‬وتنظمها‭ ‬فلسفة‭ ‬الواقعية‭ ‬المجردة؛‭ ‬لذا‭ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬غزو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عندما‭ ‬وجدت‭ ‬الغرب‭ ‬يتوغل‭ ‬شرقاً‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬إيديولوجياً‭ ‬وعسكرياً،‭ ‬بشكل‭ ‬اعتبرته‭ ‬يهدد‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الروسي‭. ‬وتطبيقاً‭ ‬لهذه‭ ‬الفلسفة‭ ‬بشكل‭ ‬مجرد‭ ‬نمت‭ ‬روسيا‭ ‬وكذلك‭ ‬الصين‭ ‬علاقاتهما‭ ‬بإسرائيل‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وعسكرياً‭ ‬وعلى‭ ‬وتيرة‭ ‬متواصلة،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تؤكدان‭ ‬فيه‭ ‬أهمية‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للأراضي‭ ‬العربية‭ ‬ووقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

ومواقف‭ ‬الدول‭ ‬المتبنية‭ ‬للتيارين،‭ ‬واختياراتهم‭ ‬تتغير‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬ارتباطاً‭ ‬بحسابات‭ ‬دقيقة‭ ‬وتوازنات‭ ‬لقدراتهم‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تستند‭ ‬أحياناً‭ ‬وتدفع‭ ‬بضرورة‭ ‬احترام‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬وقواعده‭ ‬ومبادئه،‭ ‬وهذا‭ ‬النظام‭ ‬وُضعت‭ ‬أسسه‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وغلَّب‭ ‬مصالحه‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬النامية،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭. ‬وفي‭ ‬ظروف‭ ‬أخرى‭ ‬تمارس‭ ‬سياسة‭ ‬فرض‭ ‬المواقف‭ ‬بواقعية‭ ‬مستندة‭ ‬أولاً‭ ‬وأخيراً‭ ‬على‭ ‬ميزان‭ ‬القوة‭ ‬والمصالح‭.‬

وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والوحشية‭ ‬في‭ ‬رواندا‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬والإجرام‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الماضية،‭ ‬هي‭ ‬أمثلة‭ ‬فادحة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ظل‭ ‬سلبياً‭ ‬حائراً‭ ‬بشكل‭ ‬مخجل‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬تائهاً‭ ‬بين‭ ‬مبادئ‭ ‬لا‭ ‬تنفذ،‭ ‬وواقعية‭ ‬مشينة‭ ‬وبعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭.‬

فلسفة‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭: ‬

تقع‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬التكتل‭ ‬الغربي‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬التكتل‭ ‬الشرقي،‭ ‬وأغلبها‭ ‬دول‭ ‬غير‭ ‬منحازة‭ ‬أو‭ ‬تشبه‭ ‬ذلك،‭ ‬ومتوسطة‭ ‬وصغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬والقدرات؛‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬معرضة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬للضغوط‭ ‬الآنية،‭ ‬وتميل‭ ‬نحو‭ ‬تبني‭ ‬الفلسفة‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وتخشى‭ ‬فرض‭ ‬فلسفة‭ ‬مجتمع‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬وترفض‭ ‬توحيد‭ ‬نظم‭ ‬الحكم‭ ‬والإدارة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬أن‭ ‬حجمها‭ ‬صغير‭ ‬أو‭ ‬متوسط؛‭ ‬لذا‭ ‬فاستناد‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬مبادئ‭ ‬وأسس‭ ‬وقواعد‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وفقاً‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬العام‭ ‬والإنساني،‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬الصغرى‭ ‬والمتوسطة؛‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬قيوداً‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬القوة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة،‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الجميع‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬الثراء‭. ‬بما‭ ‬يشكل‭ ‬سنداً‭ ‬للدول‭ ‬النامية،‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬صدامية‭ ‬مباشرة‭ ‬أمنية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬تحالفاتها،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬استثنائية‭ ‬فريدة‭ ‬وتتحمل‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬والتضحيات،‭ ‬مثل‭ ‬الحرب‭ ‬الفيتنامية‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

ولهذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬الساعية‭ ‬إلى‭ ‬تأمين‭ ‬مصالحها‭ ‬وضمان‭ ‬استقلاليتها‭ ‬وحرية‭ ‬قرارها،‭ ‬أن‭ ‬تحسب‭ ‬حساباتها‭ ‬جيداً‭ ‬على‭ ‬الدوام،‭ ‬لعدم‭ ‬إضاعة‭ ‬الفرص‭ ‬أو‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬أخطاء‭ ‬فادحة‭ ‬ومكلفة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتحقق‭ ‬بتبني‭ ‬سياسات‭ ‬وتقديرات‭ ‬واقعية‭ ‬وحكيمة،‭ ‬مع‭ ‬تحصين‭ ‬وتأمين‭ ‬نفسها‭ ‬بالمبادئ‭ ‬والقواعد‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭ ‬الرشيدة‭ ‬والمتحضرة،‭ ‬لضبط‭ ‬ميزان‭ ‬القوة‭ ‬الأمني‭ ‬والاقتصادي‭.‬

بل‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬للمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بأكمله،‭ ‬الاستقرار‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬يوازن‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الواقعية‮»‬‭ ‬والمصالح‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يكون‭ ‬نظاماً‭ ‬يحترم‭ ‬‮«‬المبادئ‭ ‬والقواعد»؛‭ ‬لأن‭ ‬التشبث‭ ‬بمبادئ‭ ‬لا‭ ‬يحترمها‭ ‬أصحابها‭ ‬إلا‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬أو‭ ‬الخضوع‭ ‬إلى‭ ‬الواقعية‭ ‬المجردة،‭ ‬وفقاً‭ ‬لميزان‭ ‬القوة‭ ‬والثراء‭ ‬والأولويات،‭ ‬يدفع‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬انتهاز‭ ‬الفرص‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬حقوق‭ ‬الغير؛‭ ‬مما‭ ‬يولد‭ ‬الشعور‭ ‬بالظلم‭ ‬والاضطهاد،‭ ‬ونظاماً‭ ‬فاقداً‭ ‬لمصداقيته،‭ ‬يغذي‭ ‬الانتهازية‭ ‬السياسية‭ ‬وسلسلة‭ ‬ممتدة‭ ‬من‭ ‬العنف،‭ ‬والعنف‭ ‬المضاد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬الآن‭.‬

وسيدفع‭ ‬البعض‭ ‬بأن‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وما‭ ‬أعقب‭ ‬إقراره‭ ‬من‭ ‬اتفاقات‭ ‬وقواعد‭ ‬ومواثيق‭ ‬دولية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عدة‭ ‬يوفر‭ ‬المطلوب،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬السيطرة‭ ‬والقوة‭ ‬والثراء‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬المبادئ‭ ‬أو‭ ‬يلتزم‭ ‬بالقانون،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬بالفعل،‭ ‬وأضيف‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬التحفظات‭ ‬أنه‭ ‬يعاب‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬النظام‭ ‬أن‭ ‬أغلبها‭ ‬تعكس‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وتُغلب‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬المنتصرة‭ ‬وحلفائها‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬غيرها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬تطبق‭ ‬بمكيالين،‭ ‬ولا‭ ‬تتوافر‭ ‬آليات‭ ‬لمحاسبة‭ ‬المخطئ‭ ‬والمتجاوز‭ ‬وبوضعها‭ ‬الحالي‭ ‬ترجح‭ ‬الواقعية‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬والأخلاق‭.‬

وسعياً‭ ‬لتحسين‭ ‬أوضاعنا‭ ‬وممارساتنا،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وخاصة‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬السعي‭ ‬لتطوير‭ ‬وتقويم‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬الدولية‭ ‬والإضافة‭ ‬إليها؛‭ ‬لتراعي‭ ‬نسبة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬وتطبق‭ ‬بمعايير‭ ‬ثابتة‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬مع‭ ‬محاسبة‭ ‬من‭ ‬يخطئ،‭ ‬وهي‭ ‬أمور‭ ‬تتحقق‭ ‬بمراعاة‭ ‬المصالح‭ ‬والحقوق،‭ ‬وتوفير‭ ‬الشفافية‭ ‬في‭ ‬البيانات،‭ ‬والمصارحة‭ ‬والأمانة‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬الأحداث،‭ ‬والموضوعية‭ ‬في‭ ‬محاسبة‭ ‬الجميع،‭ ‬بما‭ ‬يوفر‭ ‬نظاماً‭ ‬له‭ ‬المصداقية‭ ‬والاحترام،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبني‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الواقعية‭ ‬الأخلاقية‮»‬‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭.‬

 

{ وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬السابق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا