في الوقت الذي أوضحت فيه الإدارة الأمريكية الجديدة في أكثر من مناسبة ضرورة إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية ووضع حد لها من خلال التفاوض والوصول إلى حل ينهي هذه الحرب، فإن معظم دول الاتحاد الأوروبي تسعى إلى تأجيج هذه الحرب ضد روسيا الاتحادية انطلاقا من اعتقاد راسخ بأن انتصار روسيا في هذه الحرب سوف يكون بمثابة الهزيمة المدوية للغرب جميعا، وانطلاقا من مخاوف غير مشروعة بل وأقرب إلى الوهم بأن انتصار روسيا في هذه الحرب سوف يشجعها على غزو بلدان أخرى من أوروبا الشرقية أو من دول البلطيق.
إن هذا الموقف المؤجج للحرب وهذا المنطق التحريضي ضد روسيا الاتحادية وهذه الرغبة المحمومة لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا قد اسقطت الأقنعة الغربية التي كانت تتحدث عن السلام وعن الأمن الجماعي ومع ذلك أخرجت روسيا من مظلة هذا الأمن الجماعي وتآمرت عليها في عام 2014 و2015 ومن الواضح أن ما سمي اليوم بالغرب الجماعي يساعد أوكرانيا للدفاع عن أمنها في حين أن الواقع مختلف تماما لأن هذا الغرب يدفع بشكل دراماتيكي أوكرانيا إلى الانتحار فهو يدفع مثلا أوكرانيا إلى خفض سن التجنيد من 25 سنة إلى 18 سنة كشرط للحصول على المزيد من الأسلحة الغربية فهو يسعى إلى التضحية بأوكرانيا وشبابها لمجرد إرضاء تعطش هذا الغرب إلى مزيد من الدماء وفقا لدعاة الحرب وتجار الأسلحة. فقد كان واضحا منذ فترة أن المطلوب هو محاربة روسيا إلى آخر أوكراني كما كان يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الأمر الثاني انه من الواضح أن المطلب الرئيسي الذي قدمه الجانب الروسي منذ تسعينيات القرن الماضي وبعد تفكك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية في أكثر من مناسبة هو حياد أوكرانيا وعدم ضمها إلى حلف الناتو بحيث تكون مساحة محايدة بين أراضي الاتحاد الأوروبي وأراضي روسيا الاتحادية هذا المطلب الروسي هو في الحقيقة موقف دفاعي وليس عدائيا، فروسيا كدولة كبيرة وقوة رئيسية في العالم تريد المحافظة على كيانها ووحدة أراضيها وشعبها في حين ظل الغرب يزحف تجاه روسيا رويدا رويدا ولم يبق سوى أوكرانيا التي رفض الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية مبدأ حيادها بل تم بين عامي 2014 و2015 تأجيج الصراع داخل أوكرانيا وعمل انقلاب دموي ضد الرئيس الشرعي فيكتور يانوكوفيج الذي كان يرفع شعار حياد أوكرانيا وحدث ما حدث من مواجهات بين من كانوا مع الشرعية مع من استولوا على السلطة مدعومين من الجماعات النازية وحتى قبل اندلاع الحرب في فبراير من عام 2022 بعد أشهر حاولت روسيا أكثر من مرة لمنع اندلاع هذه الحرب من خلال المفاوضات والتواصل مع الأمريكان والأوروبيين لوضع ترتيبات الأمن المشترك وعدم إدخال جمهورية أوكرانيا ضمن دائرة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، ولكن دول الناتو رفضت جميع المطالب الروسية المشروعة فكان من الطبيعي أن تندلع تلك الحرب التي تعتبر ذات طابع دفاعي بالدرجة الأولى.
لقد كان واضحا منذ فترة طويلة للمراقبين والمحللين الاستراتيجيين أن حياد أوكرانيا هو الحل الأنسب لإنهاء هذه الحرب الدموية التي يبلغ عدد ضحاياها بحسب الاحصاءات المنشورة مؤخرا حوالي مليون من الطرفين.
إن أي تحليل سياسي موضوعي يؤكد أن هذه الحرب كانت ناجمة عن استفزاز روسيا واحتقار مطالبها الشرعية والأمنية ومتطلبات السلام وأن إجراءات الغرب وتصرفاته وفرض عقوبات ضخمة تعد بالآلاف على روسيا والتضييق عليها في كل شيء والعمل على عزلها دوليا، كل ذلك جعل هذه الحرب حتمية وقد رأينا وسمعنا وقرأنا خلال السنوات الماضية ما صدر عن النخب السياسية الغربية من دعوات مؤيدة للحرب واستمرارها بغض النظر عن مصالح الشعبين الروسي والأوكراني الشقيقين وحقهم في الأمن والسلام والتنمية بل الأكثر من ذلك ان هذه النخبة السياسية الغربية لا تؤيد الحرب بل تطالب بشكل علني بالقطيعة العامة والشاملة بين الشعبين بحيث تشمل هذه القطيعة كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والروحية بحيث تؤدي هذه القطيعة إلى خلق فجوة أو هوة بين الشعبين تستمر عشرات السنين بما يساعد على التحكم بأوكرانيا كدولة وكشعب وموارد طبيعية من قبل الدول الغربية.
نعتقد أن التقدم نحو السلام يحتاج إلى خطة سلام حقيقية تتضمن بالدرجة الأولى حقوق وأمن البلدين والشعبين الشقيقين بالدرجة الأولى، ولا شك أن حياد أوكرانيا هو الشرط الأساسي لأي مشروع سلام يكون مقبولا ولا ندري هل الرئيس الأمريكي رونالد ترامب قادر على المضي قدما نحو المساعدة على حل هذا الصراع، ولكن على الأقل أن الرئيس ترامب بعكس سلفه جو بايدن له علاقات جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وليس لديه أي مشكلة للالتقاء به من أجل تحريك عجلة السلام، كما أن الرئيس بوتين قد عبر عن ترحيبه بأي جهد لإزالة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة وعودة السلام بين البلدين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك