العدد : ١٧١١٦ - السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٦ - السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا يؤجج الغرب الحرب ضد روسيا؟!

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أوضحت‭ ‬فيه‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬ضرورة‭ ‬إيقاف‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التفاوض‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬ينهي‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تأجيج‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬اعتقاد‭ ‬راسخ‭ ‬بأن‭ ‬انتصار‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬بمثابة‭ ‬الهزيمة‭ ‬المدوية‭ ‬للغرب‭ ‬جميعا،‭ ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬مخاوف‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬بل‭ ‬وأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الوهم‭ ‬بأن‭ ‬انتصار‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬سوف‭ ‬يشجعها‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬البلطيق‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المؤجج‭ ‬للحرب‭ ‬وهذا‭ ‬المنطق‭ ‬التحريضي‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وهذه‭ ‬الرغبة‭ ‬المحمومة‭ ‬لإلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بروسيا‭ ‬قد‭ ‬اسقطت‭ ‬الأقنعة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬وعن‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬أخرجت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬مظلة‭ ‬هذا‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬وتآمرت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬و2015‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬اليوم‭ ‬بالغرب‭ ‬الجماعي‭ ‬يساعد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أمنها‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬مختلف‭ ‬تماما‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الغرب‭ ‬يدفع‭ ‬بشكل‭ ‬دراماتيكي‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬الانتحار‭ ‬فهو‭ ‬يدفع‭ ‬مثلا‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬سن‭ ‬التجنيد‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬18‭ ‬سنة‭ ‬كشرط‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الغربية‭ ‬فهو‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬التضحية‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬وشبابها‭ ‬لمجرد‭ ‬إرضاء‭ ‬تعطش‭ ‬هذا‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الدماء‭ ‬وفقا‭ ‬لدعاة‭ ‬الحرب‭ ‬وتجار‭ ‬الأسلحة‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬أن‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬محاربة‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬أوكراني‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭.‬

الأمر‭ ‬الثاني‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬المطلب‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬الجانب‭ ‬الروسي‭ ‬منذ‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وبعد‭ ‬تفكك‭ ‬اتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفيتية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬هو‭ ‬حياد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وعدم‭ ‬ضمها‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬مساحة‭ ‬محايدة‭ ‬بين‭ ‬أراضي‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وأراضي‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬هذا‭ ‬المطلب‭ ‬الروسي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬موقف‭ ‬دفاعي‭ ‬وليس‭ ‬عدائيا،‭ ‬فروسيا‭ ‬كدولة‭ ‬كبيرة‭ ‬وقوة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تريد‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬كيانها‭ ‬ووحدة‭ ‬أراضيها‭ ‬وشعبها‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ظل‭ ‬الغرب‭ ‬يزحف‭ ‬تجاه‭ ‬روسيا‭ ‬رويدا‭ ‬رويدا‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬سوى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬التي‭ ‬رفض‭ ‬الغرب‭ ‬خاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مبدأ‭ ‬حيادها‭ ‬بل‭ ‬تم‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2014‭ ‬و2015‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراع‭ ‬داخل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وعمل‭ ‬انقلاب‭ ‬دموي‭ ‬ضد‭ ‬الرئيس‭ ‬الشرعي‭ ‬فيكتور‭ ‬يانوكوفيج‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يرفع‭ ‬شعار‭ ‬حياد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وحدث‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬مواجهات‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬مع‭ ‬الشرعية‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬استولوا‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬مدعومين‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬النازية‭ ‬وحتى‭ ‬قبل‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬حاولت‭ ‬روسيا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬لمنع‭ ‬اندلاع‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬الأمريكان‭ ‬والأوروبيين‭ ‬لوضع‭ ‬ترتيبات‭ ‬الأمن‭ ‬المشترك‭ ‬وعدم‭ ‬إدخال‭ ‬جمهورية‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ضمن‭ ‬دائرة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬رفضت‭ ‬جميع‭ ‬المطالب‭ ‬الروسية‭ ‬المشروعة‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تندلع‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬دفاعي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬للمراقبين‭ ‬والمحللين‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬أن‭ ‬حياد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الأنسب‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الدموية‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬ضحاياها‭ ‬بحسب‭ ‬الاحصاءات‭ ‬المنشورة‭ ‬مؤخرا‭ ‬حوالي‭ ‬مليون‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭.‬

إن‭ ‬أي‭ ‬تحليل‭ ‬سياسي‭ ‬موضوعي‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬كانت‭ ‬ناجمة‭ ‬عن‭ ‬استفزاز‭ ‬روسيا‭ ‬واحتقار‭ ‬مطالبها‭ ‬الشرعية‭ ‬والأمنية‭ ‬ومتطلبات‭ ‬السلام‭ ‬وأن‭ ‬إجراءات‭ ‬الغرب‭ ‬وتصرفاته‭ ‬وفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬ضخمة‭ ‬تعد‭ ‬بالآلاف‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬والتضييق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬عزلها‭ ‬دوليا،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬حتمية‭ ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬وسمعنا‭ ‬وقرأنا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬دعوات‭ ‬مؤيدة‭ ‬للحرب‭ ‬واستمرارها‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬الشعبين‭ ‬الروسي‭ ‬والأوكراني‭ ‬الشقيقين‭ ‬وحقهم‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬والتنمية‭ ‬بل‭ ‬الأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬الغربية‭ ‬لا‭ ‬تؤيد‭ ‬الحرب‭ ‬بل‭ ‬تطالب‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬بالقطيعة‭ ‬العامة‭ ‬والشاملة‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬بحيث‭ ‬تشمل‭ ‬هذه‭ ‬القطيعة‭ ‬كافة‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬والروحية‭ ‬بحيث‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬القطيعة‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬فجوة‭ ‬أو‭ ‬هوة‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬تستمر‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬بما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬كدولة‭ ‬وكشعب‭ ‬وموارد‭ ‬طبيعية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭.‬

نعتقد‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬نحو‭ ‬السلام‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خطة‭ ‬سلام‭ ‬حقيقية‭ ‬تتضمن‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬حقوق‭ ‬وأمن‭ ‬البلدين‭ ‬والشعبين‭ ‬الشقيقين‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬حياد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هو‭ ‬الشرط‭ ‬الأساسي‭ ‬لأي‭ ‬مشروع‭ ‬سلام‭ ‬يكون‭ ‬مقبولا‭ ‬ولا‭ ‬ندري‭ ‬هل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬رونالد‭ ‬ترامب‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭ ‬نحو‭ ‬المساعدة‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬هذا‭ ‬الصراع،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬بعكس‭ ‬سلفه‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬له‭ ‬علاقات‭ ‬جيدة‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬وليس‭ ‬لديه‭ ‬أي‭ ‬مشكلة‭ ‬للالتقاء‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحريك‭ ‬عجلة‭ ‬السلام،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬قد‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬ترحيبه‭ ‬بأي‭ ‬جهد‭ ‬لإزالة‭ ‬الأسباب‭ ‬الجذرية‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬وعودة‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا