العنصرية مرض أخلاقي يصيب الأفراد والجماعات على السواء، عندما يتفشى ويُروَج له ويُساء استغلاله من جانب طبقة بعينها لتحقيق مكاسب أكبر وأكثر على كل المستويات والأصعدة، ورغم ما تمثله العنصرية من مخاطر على الحريات الشخصية والعامة، فإنها تكشف عن نفسها بفجاجة بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الثقافة أو الدين، خاصة لدى الغرب، الذي يتحلى في الظاهر بالديمقراطية والحرية وحماية حقوق الإنسان، بينما هو في الواقع عنصري بامتياز وإقصائي في رؤيته الاستعمارية وسياساته الازدواجية التي تعطيه الحق في أن يمتلك ويتحكم في كل شيء، ويحرم مَن يمارس ضدهم التمييز من أي شيء.
ولا شك في أن بعض الفلاسفة والمفكرين والساسة قد أسهموا في زيادة تلك الفجوة بين الجانبين، ومنهم الفيلسوف الإنجليزي «جون ستيوارت مل»، الذي رغم اعتباره العنصرية انتهاكًا لكرامة الإنسان وحقه في الحياة القويمة، فإنه رأى في المجتمعات الخاضعة للمستعمرات البريطانية غير قادرة- بحكم تكوينها وتنظيمها- على إدارة شؤونها وحماية نفسها، وأن سعيها للمدنية سيستحيل من دون عون ومساعدة بريطانيا، وتبنى تلك النظرة الاستعلائية المستشرق المعروف «برنارد لويس»- وهو من أبرز وأهم المؤرخين والمفكرين الذين كتبوا عن الشرق الأوسط وهاجموا العرب والمسلمين- عندما أشار في كتابه «الإسلام والغرب» إلى أن العرب عاجزون عن مواكبة الحداثة، كما أن ثقافتهم تتسم بالرجعية والتخلف إذا ما قورنت بثقافة الغرب، وأيد تلك النظرة أيضا «صموئيل هنتنجتون»، في كتابه «صدام الحضارات».
فقد قدم هنتنجتون رؤية ملخصها أن العرب والمسلمين يمثلون تهديدًا ثقافيًّا وسياسيًّا للحضارة الغربية، وفي نفس الاتجاه أدلى الفيلسوف والمستشرق الفرنسي «أرنست رينان» بتصريحات عنصرية أكد فيها التفوق العرقي الأوروبي على العرب، وأن العقلية الإسلامية غير قادرة على التطوير العلمي والتفكير المستقل.
وإذا ما ذهبنا إلى الساسة والحكام في الغرب، فليسوا بعيدين عن تلك النظرة الاستعلائية، ولنأخذ الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مثلًا، على ما أقوله هنا، و يمكن ان نكتشف تعصبه ضد العرب والمسلمين من خلال:
قوانين ومراسيم وقرارات ومواقف تعزز الشعور بالاستهداف المتعمد لكل ما هو عربي وإسلامي، منها:
إعلانه في بداية حملته الانتخابية الأولى سنة 2016 عن وجوب حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة حتى تتمكن أمريكا من معرفة ما يحدث، وهو بذلك كان يخطو أول خطوة في التحريض المتعمد على العرب والمسلمين، وبمجرد انتخاب ترامب رئيسًا في يناير 2017، اصدر مرسومًا رئاسيًّا يمنع من خلاله بعض مواطني دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة، مثل: «سوريا والعراق وإيران وليبيا والصومال والسودان واليمن» بزعم رغبته في حماية الأمن القومي للولايات المتحدة، وطوال فترة حكم ترامب الأولى لم يتوقف عن وصم المسلمين بالإرهاب والتطرف، ما أسهم بشكل واضح في تأجيج متعمد لظاهرة «الإسلاموفوبيا».
إن مثل تلك الأفكار والمواقف العنصرية ترسم أبعادًا سلبية لمشاحنات وتوترات وصراعات خفية ومعلنة بين الغرب المتحفز لإقصاء العرب، والعرب الأسرى لاضطهاد الغرب، وتجعل الاستمرار في التعايش السلمي بين الجانبين مسألة مستحيلة في ظل فجوات ثقافية يصعب ترميمها وتجاذبات سياسية مغلفة بالتعصب الذي يغذي الانقسامات ويَحُول دون التفاهم والتعاون.
الخلاصة.. إن العنصرية الغربية تزيد التوترات وتعزز الانقسامات الاجتماعية وتؤدي حتمًا إلى الصراع بين المجموعات العرقية، وتفاقم من تفشي الظلم الاجتماعي، وعدم تكافؤ الفرص وتعزيز مشاعر التهميش والاضطهاد والتسليم للعنف والاستسلام للكراهية، ويترتب على ذلك إنتاج حركات قائمة على هذا العنف حفاظًا على حقوقها نتيجة غياب العدالة وانعدام الثقة في القانون واستمرار تعمد الربط المشبوه بين الإسلام والإرهاب واستصدار القوانين التي تُصعب عملية الاندماج في المجتمع الغربي.
{ أكاديمي وباحث لغوي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك