العدد : ١٧١١٧ - الأحد ٠٢ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٧ - الأحد ٠٢ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مخاطر العنصرية على العلاقات الغربية العربية الإسلامية

بقلم: د. طارق عباس

السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

العنصرية‭ ‬مرض‭ ‬أخلاقي‭ ‬يصيب‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬عندما‭ ‬يتفشى‭ ‬ويُروَج‭ ‬له‭ ‬ويُساء‭ ‬استغلاله‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬طبقة‭ ‬بعينها‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬أكبر‭ ‬وأكثر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬والأصعدة،‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬تمثله‭ ‬العنصرية‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬على‭ ‬الحريات‭ ‬الشخصية‭ ‬والعامة،‭ ‬فإنها‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬بفجاجة‭ ‬بسبب‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬الدين،‭ ‬خاصة‭ ‬لدى‭ ‬الغرب،‭ ‬الذي‭ ‬يتحلى‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬والحرية‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬عنصري‭ ‬بامتياز‭ ‬وإقصائي‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وسياساته‭ ‬الازدواجية‭ ‬التي‭ ‬تعطيه‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬ويتحكم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ويحرم‭ ‬مَن‭ ‬يمارس‭ ‬ضدهم‭ ‬التمييز‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمفكرين‭ ‬والساسة‭ ‬قد‭ ‬أسهموا‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬تلك‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬ومنهم‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الإنجليزي‭ ‬‮«‬جون‭ ‬ستيوارت‭ ‬مل‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬رغم‭ ‬اعتباره‭ ‬العنصرية‭ ‬انتهاكًا‭ ‬لكرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬القويمة،‭ ‬فإنه‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الخاضعة‭ ‬للمستعمرات‭ ‬البريطانية‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭- ‬بحكم‭ ‬تكوينها‭ ‬وتنظيمها‭- ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬شؤونها‭ ‬وحماية‭ ‬نفسها،‭ ‬وأن‭ ‬سعيها‭ ‬للمدنية‭ ‬سيستحيل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عون‭ ‬ومساعدة‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وتبنى‭ ‬تلك‭ ‬النظرة‭ ‬الاستعلائية‭ ‬المستشرق‭ ‬المعروف‭ ‬‮«‬برنارد‭ ‬لويس‮»‬‭- ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬وأهم‭ ‬المؤرخين‭ ‬والمفكرين‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬عن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وهاجموا‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭- ‬عندما‭ ‬أشار‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬والغرب‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬عاجزون‭ ‬عن‭ ‬مواكبة‭ ‬الحداثة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ثقافتهم‭ ‬تتسم‭ ‬بالرجعية‭ ‬والتخلف‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قورنت‭ ‬بثقافة‭ ‬الغرب،‭ ‬وأيد‭ ‬تلك‭ ‬النظرة‭ ‬أيضا‭ ‬‮«‬صموئيل‭ ‬هنتنجتون‮»‬،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬صدام‭ ‬الحضارات‮»‬‭.‬

‭ ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬هنتنجتون‭ ‬رؤية‭ ‬ملخصها‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬يمثلون‭ ‬تهديدًا‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬وسياسيًّا‭ ‬للحضارة‭ ‬الغربية،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الاتجاه‭ ‬أدلى‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والمستشرق‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬أرنست‭ ‬رينان‮»‬‭ ‬بتصريحات‭ ‬عنصرية‭ ‬أكد‭ ‬فيها‭ ‬التفوق‭ ‬العرقي‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬العرب،‭ ‬وأن‭ ‬العقلية‭ ‬الإسلامية‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التطوير‭ ‬العلمي‭ ‬والتفكير‭ ‬المستقل‭.‬

‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬ذهبنا‭ ‬إلى‭ ‬الساسة‭ ‬والحكام‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬فليسوا‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬النظرة‭ ‬الاستعلائية،‭ ‬ولنأخذ‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬دونالد‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬مثلًا،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭ ‬هنا،‭ ‬و‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نكتشف‭ ‬تعصبه‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬من‭ ‬خلال‭:‬

قوانين‭ ‬ومراسيم‭ ‬وقرارات‭ ‬ومواقف‭ ‬تعزز‭ ‬الشعور‭ ‬بالاستهداف‭ ‬المتعمد‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عربي‭ ‬وإسلامي،‭ ‬منها‭:‬

إعلانه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬الأولى‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬عن‭ ‬وجوب‭ ‬حظر‭ ‬دخول‭ ‬المسلمين‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬كان‭ ‬يخطو‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬التحريض‭ ‬المتعمد‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬وبمجرد‭ ‬انتخاب‭ ‬ترامب‭ ‬رئيسًا‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2017،‭ ‬اصدر‭ ‬مرسومًا‭ ‬رئاسيًّا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬بعض‭ ‬مواطني‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وإيران‭ ‬وليبيا‭ ‬والصومال‭ ‬والسودان‭ ‬واليمن‮»‬‭ ‬بزعم‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وطوال‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬ترامب‭ ‬الأولى‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬وصم‭ ‬المسلمين‭ ‬بالإرهاب‭ ‬والتطرف،‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬متعمد‭ ‬لظاهرة‭ ‬‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬‭.‬

إن‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬والمواقف‭ ‬العنصرية‭ ‬ترسم‭ ‬أبعادًا‭ ‬سلبية‭ ‬لمشاحنات‭ ‬وتوترات‭ ‬وصراعات‭ ‬خفية‭ ‬ومعلنة‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬المتحفز‭ ‬لإقصاء‭ ‬العرب،‭ ‬والعرب‭ ‬الأسرى‭ ‬لاضطهاد‭ ‬الغرب،‭ ‬وتجعل‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬مسألة‭ ‬مستحيلة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬فجوات‭ ‬ثقافية‭ ‬يصعب‭ ‬ترميمها‭ ‬وتجاذبات‭ ‬سياسية‭ ‬مغلفة‭ ‬بالتعصب‭ ‬الذي‭ ‬يغذي‭ ‬الانقسامات‭ ‬ويَحُول‭ ‬دون‭ ‬التفاهم‭ ‬والتعاون‭.‬

الخلاصة‭.. ‬إن‭ ‬العنصرية‭ ‬الغربية‭ ‬تزيد‭ ‬التوترات‭ ‬وتعزز‭ ‬الانقسامات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتؤدي‭ ‬حتمًا‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬المجموعات‭ ‬العرقية،‭ ‬وتفاقم‭ ‬من‭ ‬تفشي‭ ‬الظلم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وعدم‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬وتعزيز‭ ‬مشاعر‭ ‬التهميش‭ ‬والاضطهاد‭ ‬والتسليم‭ ‬للعنف‭ ‬والاستسلام‭ ‬للكراهية،‭ ‬ويترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إنتاج‭ ‬حركات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬حقوقها‭ ‬نتيجة‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬وانعدام‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬واستمرار‭ ‬تعمد‭ ‬الربط‭ ‬المشبوه‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والإرهاب‭ ‬واستصدار‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تُصعب‭ ‬عملية‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الغربي‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وباحث‭ ‬لغوي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا