العدد : ١٧١١٦ - السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٦ - السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ملاحظات حول تحدّيات المرحلة الانتقاليّة في سوريا

بقلم: د. حسن نافعة

الجمعة ٣١ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

تعيش‭ ‬سوريا‭ ‬حاليا‭ ‬أجواء‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬تستهدف‭ ‬وضع‭ ‬الدعائم‭ ‬الأساسية‭ ‬لنظام‭ ‬سياسي‭ ‬جديد،‭ ‬فهل‭ ‬سينجح‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬ديمقراطي‭ ‬حقيقي،‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬محكوم‭ ‬عليه‭ ‬بأن‭ ‬يلقى‭ ‬المصير‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬لقيته‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬كانت‭ ‬شعوبها‭ ‬قد‭ ‬تمكّنت‭ ‬من‭ ‬الإطاحة‭ ‬برؤوس‭ ‬أنظمتها‭ ‬المستبدة،‭ ‬لكنها‭ ‬عجزت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬إقامة‭ ‬أنظمة‭ ‬حكم‭ ‬أقلّ‭ ‬استبداداً‭ ‬من‭ ‬النظم‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬الإطاحة‭ ‬بها؟

للإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتعرّف‭ ‬أولاً‭ ‬إلى‭ ‬خصوصية‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وإلى‭ ‬طبيعة‭ ‬التحدّيات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬التي‭ ‬تواجههما‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭.‬

فسوريا‭ ‬الدولة‭ ‬عضو‭ ‬مؤسّس‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ولها‭ ‬حدود‭ ‬جغرافية‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬دولتين‭ ‬غير‭ ‬عربيتين،‭ ‬لكلّ‭ ‬منهما‭ ‬مشروع‭ ‬إقليمي‭ ‬لا‭ ‬يستهدف‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬التوسّع‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬نفسها‭. ‬ولأنها‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬‮«‬الشام‭ ‬التاريخي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يضمّ‭ ‬لبنان‭ ‬والأردن‭ ‬وفلسطين‭ ‬المحتلة،‭ ‬وتعدّ‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزّأ‭ ‬من‭ ‬‮«‬الهلال‭ ‬الخصيب‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يضمّ‭ ‬العراق‭ ‬أيضاً،‭ ‬وتتميّز‭ ‬بموقع‭ ‬جغرافي‭ ‬فريد‭ ‬وبعمق‭ ‬حضاري‭ ‬يضرب‭ ‬بجذوره‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬التاريخ،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تتحوّل‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬محرّك‭ ‬رئيسي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬التفاعلات‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬

ففي‭ ‬نهاية‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬انطلق‭ ‬منها‭ ‬أول‭ ‬انقلاب‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الخمسينيات‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬قلب‭ ‬العروبة‭ ‬النابض‮»‬‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الفكري‭ ‬والحركي،‭ ‬بإصرارها‭ ‬على‭ ‬الوحدة‭ ‬الاندماجية‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1958،‭ ‬لكنها‭ ‬تسبّبت‭ ‬في‭ ‬انتكاسة‭ ‬الحركة‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬حين‭ ‬سارعت‭ ‬بالانفصال‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1961،‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬وخاضت‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مصر‭ ‬حرباً‭ ‬منسّقة‭ ‬ضدّ‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬لكنها‭ ‬رفضت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬اتفاقيات‭ ‬التسوية‭ ‬وأصبحت‭ ‬أهم‭ ‬ركائز‭ ‬‮«‬محور‭ ‬المقاومة‮»‬‭.‬

اليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬انهيار‭ ‬نظام‭ ‬الأسد،‭ ‬تبدو‭ ‬سوريا‭ ‬دولة‭ ‬مهيضة‭ ‬الجناح‭ ‬وناقصة‭ ‬السيادة‭. ‬فتركيا‭ ‬و«إسرائيل‮»‬‭ ‬تحتلّان‭ ‬مناطق‭ ‬شاسعة‭ ‬فيها،‭ ‬ولكلّ‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭ ‬قواعد‭ ‬جوية‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬أو‭ ‬بحرية‭ ‬في‭ ‬موانئها،‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بمعظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭ ‬وأضحت‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسّة‭ ‬إلى‭ ‬ترميم‭.‬

ولكي‭ ‬تتمكّن‭ ‬السلطة‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬التحدّيات،‭ ‬يتعيّن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬أوّلاً‭ ‬بحسم‭ ‬قضية‭ ‬الهوية‭ ‬والانتماء،‭ ‬باعتبارها‭ ‬المدخل‭ ‬الطبيعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقلال‭ ‬الذي‭ ‬يعدّ‭ ‬بدوره‭ ‬مصدر‭ ‬الشرعية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأيّ‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬يدّعي‭ ‬أنه‭ ‬يتحدّث‭ ‬باسم‭ ‬شعبه‭.‬

أما‭ ‬المجتمع‭ ‬السوري‭ ‬فيتكوّن‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬بشرية‭ ‬متعدّدة‭ ‬الأديان‭ ‬والطوائف‭ ‬والعرقيّات،‭ ‬حيث‭ ‬يتشارك‭ ‬فيه‭ ‬مسلمون‭ ‬ومسيحيون،‭ ‬عرب‭ ‬وكرد،‭ ‬سنة‭ ‬وشيعة‭ ‬ودروز‭ ‬وعلويون‭...‬إلخ،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فهناك‭ ‬حاجة‭ ‬ماسّة‭ ‬إلى‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬مشتركة‭ ‬تمكّن‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬التعايش‭ ‬معاً‭. ‬ولأنّ‭ ‬القوى‭ ‬المجتمعية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬عارضت‭ ‬نظام‭ ‬الأسد،‭ ‬وتمكّنت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬الإطاحة‭ ‬به‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح،‭ ‬تعاملت‭ ‬معه‭ ‬باعتباره‭ ‬نظاماً‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الطائفة‭ ‬العلوية‭ ‬وحدها‭ ‬ويهمّش‭ ‬الآخرين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يستخدم‭ ‬صلاحياته‭ ‬وسلطاته‭ ‬في‭ ‬الإغداق‭ ‬على‭ ‬الطائفة‭ ‬العلوية‭ ‬ومنحها‭ ‬امتيازات‭ ‬كثيرة‭ ‬تحرم‭ ‬منها‭ ‬المكوّنات‭ ‬المجتمعية‭ ‬الأخرى،‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬بمقدور‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬التأسيس‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬الحالية،‭ ‬أن‭ ‬يتمتّع‭ ‬بشرعيّة‭ ‬مجتمعيّة‭ ‬إلّا‭ ‬إذا‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المواطنة‭ ‬الكاملة‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬لكلّ‭ ‬مواطن‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬متساوية‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬الطائفة‭ ‬أو‭ ‬المذهب‭.‬

يلفت‭ ‬النظر‭ ‬هنا‭ ‬أنّ‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬والأيديولوجي‭ ‬الذي‭ ‬يتبنّاه‭ ‬أحمد‭ ‬الشرع‭ (‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬الجولاني‭ ‬سابقاً‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يتصرّف‭ ‬الآن‭ ‬باعتباره‭ ‬الرئيس‭ ‬الفعلي‭ ‬للدولة‭ ‬السورية،‭ ‬ليس‭ ‬تصالحياً‭ ‬فحسب،‭ ‬لكنه‭ ‬يبدو‭ ‬شديد‭ ‬الاعتدال‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬خصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قورن‭ ‬بالخطاب‭ ‬التقليدي‭ ‬لزعماء‭ ‬تيار‭ ‬السلفية‭ ‬الجهادية‭. ‬ففي‭ ‬حديث‭ ‬أدلى‭ ‬به‭ ‬لقناة‭ ‬‮«‬العربية‮»‬،‭ ‬أكد‭ ‬الشرع‭ ‬أنه‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬القوى‭ ‬والتيارات‭ ‬السياسية‭ ‬والإيديولوجية،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬الأديان‭ ‬والطوائف،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الطائفة‭ ‬العلوية‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭.‬

كما‭ ‬أكد‭ ‬أنّ‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬والتيارات‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬السوري‭ ‬ستوجّه‭ ‬إليها‭ ‬الدعوة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬الحوار‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬الإعداد‭ ‬له‭ ‬حالياً‭.‬

وأنّ‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬سيكون‭ ‬وحده‭ ‬الجهة‭ ‬المخوّلة‭ ‬باتخاذ‭ ‬كلّ‭ ‬القرارات‭ ‬المطلوبة‭ ‬لإدارة‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬انتخاب‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬التي‭ ‬ستكلّف‭ ‬بصياغة‭ ‬دستور‭ ‬جديد‭ ‬للبلاد‭ ‬أو‭ ‬بتعديل‭ ‬الدستور‭ ‬الحالي،‭ ‬وبما‭ ‬يتفق‭ ‬وتطلّعات‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬بجميع‭ ‬فئاته‭ ‬ومكوّناته‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

كما‭ ‬أضاف‭ ‬أنّ‭ ‬مؤتمر‭ ‬الحوار‭ ‬الوطني‭ ‬سيتخذ‭ ‬قرارات‭ ‬تكفل‭ ‬حلّ‭ ‬جميع‭ ‬قوى‭ ‬المعارضة‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬السلاح‭ ‬ضدّ‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬بنفسه،‭ ‬وأنّ‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬ستعتمد‭ ‬في‭ ‬إدارتها‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬الكفاءة‭ ‬والخبرة،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬المحاصصة‭ ‬والتوازنات‭ ‬السياسية‭ ‬والطائفية،‭ ‬لأنّ‭ ‬الفرق‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬بين‭ ‬المشاركة‭ ‬والمحاصصة،‭ ‬وسترتكز‭ ‬في‭ ‬قراراتها‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬الرحمة‭ ‬والعدالة‭ ‬والتسامح،‭ ‬وليس‭ ‬التشفّي‭ ‬والانتقام‭ ‬والظلم،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يقدّم‭ ‬للعدالة‭ ‬سوى‭ ‬فلول‭ ‬النظام‭ ‬القديم،‭ ‬خصوصاً‭ ‬القادة‭ ‬الذين‭ ‬أصدروا‭ ‬أوامر‭ ‬بارتكاب‭ ‬المذابح‭ ‬وأصبحت‭ ‬أيديهم‭ ‬ملطّخة‭ ‬بدماء‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬فقد‭ ‬أكّد‭ ‬الشرع‭ ‬أنه‭ ‬منفتح‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬كافة،‭ ‬خاصة‭ ‬دول‭ ‬الإقليم‭ ‬والجوار‭ ‬الجغرافي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إيران،‭ ‬وأنّ‭ ‬المصلحة‭ ‬السورية‭ ‬ستكون‭ ‬وحدها‭ ‬المحرّك‭ ‬الرئيسي‭ ‬لتوجّهات‭ ‬وبوصلة‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬ستنتهجها‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬الشرع‭ ‬إنه‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬سوريا،‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬ضرورة‭ ‬لهذا‭ ‬الخروج،‭ ‬بشكل‭ ‬كريم‭ ‬ولائق‭ ‬وبما‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬الروسي‭ ‬والسوري‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬تاريخية‭ ‬مختلفة‭.‬

لا‭ ‬شكّ‭ ‬أنّ‭ ‬حديث‭ ‬الشرع‭ ‬اتسم‭ ‬بالهدوء‭ ‬والعقلانية‭ ‬وعكس‭ ‬قدراً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬النضج‭ ‬السياسي‭ ‬والذكاء‭ ‬والثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬وابتعد‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬الديماجوجية‭ ‬والنرجسية،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يتمكّن‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تبديد‭ ‬كلّ‭ ‬مشاعر‭ ‬القلق‭ ‬والمخاوف،‭ ‬وذلك‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬أهمها‭:‬

أولاً‭: ‬لأنّ‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭ ‬التي‭ ‬يقترحها‭ ‬تبدو‭ ‬طويلة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تقلّ‭ ‬عن‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬كاملة‭. ‬فهو‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬إعداد‭ ‬دستور‭ ‬يليق‭ ‬بسوريا‭ ‬الجديدة،‭ ‬سواء‭ ‬تعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بكتابة‭ ‬دستور‭ ‬جديد‭ ‬أو‭ ‬تعديل‭ ‬الدستور‭ ‬الحالي،‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقلّ‭ ‬عن‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وهي‭ ‬فترة‭ ‬تبدو‭ ‬لنا‭ ‬مبالغ‭ ‬فيها‭ ‬كثيراً‭.‬

صحيح‭ ‬أنه‭ ‬يبرّر‭ ‬ذلك‭ ‬بالحالة‭ ‬البائسة‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬السوري‭ ‬في‭ ‬طوره‭ ‬الراهن،‭ ‬وبوجود‭ ‬ثغرات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬الحالي‭ ‬مكّنت‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬ارتكاب‭ ‬تجاوزات‭ ‬كثيرة،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬الإشكالية‭ ‬لا‭ ‬تتعلّق‭ ‬هنا‭ ‬بالنصوص‭ ‬الدستورية،‭ ‬التي‭ ‬يسهل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬مستبد‭ ‬أن‭ ‬ينتهكها‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬درجة‭ ‬إحكامها،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تتعلّق‭ ‬بالتوازنات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تكفل‭ ‬صيانة‭ ‬واحترام‭ ‬الدستور،‭ ‬وتحول‭ ‬دون‭ ‬انتهاكه‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أيّ‭ ‬سلطة‭ ‬مهما‭ ‬تضخّمت‭ ‬صلاحياتها،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬هنا‭ ‬إزاء‭ ‬إشكاليّة‭ ‬سياسية‭ ‬وليست‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬نصّية‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يتوقّع‭ ‬الشرع،‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر،‭ ‬إجراء‭ ‬أيّ‭ ‬انتخابات‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬قبل‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭.‬

صحيح‭ ‬أنه‭ ‬برّر‭ ‬ذلك‭ ‬باعتبارات‭ ‬موضوعية،‭ ‬أهمها‭ ‬أنّ‭ ‬نصف‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬يعيش‭ ‬الآن‭ ‬لاجئاً‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يتعرّف‭ ‬بدقّة‭ ‬إلى‭ ‬أعداد‭ ‬الناخبين،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬المقترحة‭ ‬للتعداد‭ ‬تبدو‭ ‬بدورها‭ ‬أطول‭ ‬مما‭ ‬ينبغي‭. ‬ولأنّ‭ ‬تصرّفات‭ ‬الشرع‭ ‬توحي‭ ‬بأنه‭ ‬أصبح‭ ‬الرئيس‭ ‬الفعلي‭ ‬للبلاد‭ ‬ليس‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬تصريف‭ ‬الأعمال‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬طوال‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية،‭ ‬فليس‭ ‬لهذه‭ ‬التصرّفات‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬يسعى‭ ‬لحكم‭ ‬البلاد‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سند‭ ‬من‭ ‬الشرعية‭.‬

 

 

 أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا