العدد : ١٧١١٦ - السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٦ - السبت ٠١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المقاومة الفلسطينية ودروس حرب غزة

بقلم: د. ناجي صادق شراب

الجمعة ٣١ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

ستبقى‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬مستمرة‭ ‬بتداعياتها‭ ‬ونتائجها،‭ ‬فالحرب‭ ‬بأهدافها‭ ‬السياسية،‭ ‬وطالما‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬نكون‭ ‬أمام‭ ‬نموذج‭ ‬الحرب‭ ‬الدائمة،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬فلسطينيا‭ ‬إشكاليات‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬السلمية‭ ‬المدنية‭ ‬والشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬والمقاومة‭ ‬المسلحة،‭ ‬وتعكس‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬تيارين‭ ‬رئيسيين‭ ‬السلطة‭ ‬وفتح‭ ‬وحماس‭. ‬ومن‭ ‬تداعيات‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الأطول‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬أهدافها،‭ ‬وفشلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬وهي‭ ‬الأقوى‭ ‬عسكريا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الحرب‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حماس‭ ‬والمقاومة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬للمقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬نتائجها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭. ‬

والعلاقة‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬السلمية‭ ‬والمقاومة‭ ‬العسكرية‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬ماهية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وأبعادها‭ ‬ومحدداتها‭ ‬ومقارباتها‭ ‬الكثيرة،‭ ‬ومن‭ ‬الفشل‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬للشعوب‭ ‬المحتلة‭ ‬تكفله‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية،‭ ‬فمن‭ ‬حق‭ ‬أي‭ ‬شعب‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬أن‭ ‬يقاوم‭ ‬الاحتلال‭ ‬سلمياً‭ ‬وعسكرياً‭ ‬وفقاً‭ ‬لشروط‭ ‬ومحددات‭ ‬معينة‭ ‬تتحقق‭ ‬الأهداف‭ ‬منها‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إشكالية‭ ‬العلاقة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬وعدد‭ ‬الشهداء‭ ‬فهذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬لدولة‭ ‬قوة‭ ‬متفوقة‭ ‬تمارسها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬عدوانية‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتجاوز‭ ‬كل‭ ‬حدود‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬وإجهاضها‭ ‬لقوة‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬وقد‭ ‬تنعكس‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬التفاعلات‭ ‬السياسية‭ ‬الداخلية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬تزيد‭ ‬الإحساس‭ ‬بأخطار‭ ‬الحرب‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التحركات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للاحتلال‭ ‬وإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وهذه‭ ‬التحركات‭ ‬نلمسها‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬وأيضاً‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬أعادت‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حضورها‭ ‬وهيبتها‭ ‬ومكانتها‭ ‬الدولية‭ ‬وأنها‭ ‬قضية‭ ‬احتلال‭ ‬وقوة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬إن‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬تعيد‭ ‬للقضية‭ ‬حضورها‭ ‬السياسي‭.‬

هذه‭ ‬جوانب‭ ‬مهمه‭ ‬تذكر‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭. ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬هنا‭ ‬أي‭ ‬مقاومة‭ ‬مسلحة‭ ‬هل‭ ‬المقاومة‭ ‬بالصواريخ‭ ‬والأنفاق‭ ‬والقنابل‭ ‬هذا‭ ‬سيمنح‭ ‬إسرائيل‭ ‬المبرر‭ ‬لحربها‭ ‬وعدوانها،‭ ‬وهذه‭ ‬إحدى‭ ‬إشكالات‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭. ‬وتبقى‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬مقاومة‭ ‬دفاعية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شعب‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭. ‬وبالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬الجانب‭ ‬الخاص‭ ‬بشرعيتها‭ ‬الدولية‭ ‬ومسؤولية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وفي‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬مهم‭ ‬الجانب‭ ‬القانوني،‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬والأمر‭ ‬باعتقال‭ ‬نتنياهو‭ ‬ووزير‭ ‬جيشه‭ ‬غالانت‭ ‬تكشف‭ ‬أهمية‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬جانبها‭ ‬السلمي‭ ‬ومقاربتها‭ ‬الدولية‭. ‬والمقاومة‭ ‬السلمية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نتائجها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬أخطر‭ ‬بكثير‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لأنها‭ ‬تقدم‭ ‬صورة‭ ‬لشعب‭ ‬يقاوم‭ ‬بالحق‭ ‬وبالطرق‭ ‬السلمية‭ ‬ودولة‭ ‬قوة‭ ‬وجيش‭ ‬مسلح‭ ‬وهنا‭ ‬المعادلة‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة‭. ‬إن‭ ‬أي‭ ‬تضحيات‭ ‬ستدفع‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لحراك‭ ‬ضاغط‭ ‬أقوى‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬المقاومتين‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬دفعت‭ ‬إلى‭ ‬خروج‭ ‬مسيرات‭ ‬طلابية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الجامعات‭ ‬وحراك‭ ‬لناشطين‭ ‬يدعون‭ ‬إلى‭ ‬وقفها،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬انتقد‭ ‬وهاجم‭ ‬هذه‭ ‬المقاومة‭ ‬وألصقها‭ ‬بصفة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬عملية‭ ‬اكتوبر‭ ‬واعتقال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭.‬

ومن‭ ‬الجوانب‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬تطرح‭ ‬فشل‭ ‬الخيار‭ ‬العسكري‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬إشكالية‭ ‬العلاقة‭ ‬ثانية‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬السلمية‭ ‬والمقاومة‭ ‬المسلحة،‭ ‬فلو‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وماذا‭ ‬حققت‭ ‬غير‭ ‬عمليات‭ ‬تبادل‭ ‬أسرى،‭ ‬لكن‭ ‬التفسير‭ ‬لا‭ ‬يؤخذ‭ ‬بوضع‭ ‬النتيجة‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬حدوثها،‭ ‬فالمقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬وحتى‭ ‬السلمية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬واستمرارية‭ ‬ومشاركة‭ ‬وتكافل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفواعل‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭. ‬ويبقى‭ ‬الجانب‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬إشكالية‭ ‬العلاقة‭ ‬فلسطينياً‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬حماس‭ ‬وفتح‭ ‬والسلطة،‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬وطنية‭ ‬ومرجعية‭ ‬سياسية‭ ‬واحدة،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬السلطة‭ ‬بمؤسساتها‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬الخارجية‭ ‬تفرض‭ ‬أهمية‭ ‬التوافق‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬ماهية‭ ‬المقاومة‭ ‬المطلوبة‭ ‬التي‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أنجز‭ ‬ولا‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬هدم‭ ‬ما‭ ‬أنجز،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬تفعيل‭ ‬الشرعية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتوحيد‭ ‬الإقليم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ولا‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬كأنها‭ ‬جزء‭ ‬منفصل،‭ ‬فالمقاومة‭ ‬بقوة‭ ‬شرعيتها‭ ‬وقوة‭ ‬ووحدة‭ ‬شعبها‭ ‬وبالإطار‭ ‬المجتمعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬توفره‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬ويبقى‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬لها‭ ‬صورها‭ ‬العديدة،‭ ‬فصمود‭ ‬الشعب‭ ‬وبقاؤه‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬مقاومة،‭ ‬ووجود‭ ‬سلطة‭ ‬وطنية‭ ‬فلسطينية‭ ‬مقاومة،‭ ‬وشرعية‭ ‬المؤسسات‭ ‬أيضاً‭ ‬مقاومة،‭ ‬وهذه‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مقاومة‭ ‬إسناد‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬وجعل‭ ‬ثمن‭ ‬سياسي‭ ‬إسرائيلي‭ ‬وإقليمي‭ ‬ودولي‭ ‬للاحتلال،‭ ‬هذه‭ ‬أقصر‭ ‬الطرق‭ ‬لإنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وخطوته‭ ‬الأولى‭ ‬بحل‭ ‬إشكالية‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬السلمية‭ ‬والمسلحة‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬مختص

‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا