ستبقى حرب غزة مستمرة بتداعياتها ونتائجها، فالحرب بأهدافها السياسية، وطالما لم تتحقق هذه الأهداف نكون أمام نموذج الحرب الدائمة، ولعل من أبرز هذه التداعيات فلسطينيا إشكاليات العلاقة بين المقاومة السلمية المدنية والشرعية الدولية والمقاومة المسلحة، وتعكس هذه الإشكالية حالة الانقسام السياسي بين تيارين رئيسيين السلطة وفتح وحماس. ومن تداعيات هذه الحرب الأطول في تاريخ المنطقة أن القوة العسكرية لم تحقق أهدافها، وفشلت إسرائيل وهي الأقوى عسكريا في تحقيق أهداف الحرب المعلنة التي من أبرزها القضاء على حماس والمقاومة، وهو ما يعني أن للمقاومة المسلحة نتائجها من هذه الحرب.
والعلاقة بين المقاومة السلمية والمقاومة العسكرية تنبع من ماهية القضية الفلسطينية وأبعادها ومحدداتها ومقارباتها الكثيرة، ومن الفشل الدولي في إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية، والحق في المقاومة للشعوب المحتلة تكفله القوانين الدولية، فمن حق أي شعب تحت الاحتلال أن يقاوم الاحتلال سلمياً وعسكرياً وفقاً لشروط ومحددات معينة تتحقق الأهداف منها. ولا يمكن الحديث عن إشكالية العلاقة من منظور الدمار الشامل وعدد الشهداء فهذا أمر طبيعي لدولة قوة متفوقة تمارسها إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن عدوانية إسرائيل وتجاوز كل حدود القوة العسكرية، وإجهاضها لقوة الشرعية الدولية وقد تنعكس سلباً على التفاعلات السياسية الداخلية، ومن ناحية تزيد الإحساس بأخطار الحرب إقليمياً ودولياً، ما يدفع إلى مزيد من التحركات الإقليمية والدولية لوضع حد للاحتلال وإنهاء الحرب وقيام الدولة الفلسطينية وهذه التحركات نلمسها اليوم بعد الحرب، وأيضاً فإن هذه المقاومة المسلحة أعادت للقضية الفلسطينية حضورها وهيبتها ومكانتها الدولية وأنها قضية احتلال وقوة من جانب إسرائيل، بعبارة أخرى إن المقاومة المسلحة تعيد للقضية حضورها السياسي.
هذه جوانب مهمه تذكر عند الحديث عن المقاومة المسلحة. والسؤال الذي يطرح هنا أي مقاومة مسلحة هل المقاومة بالصواريخ والأنفاق والقنابل هذا سيمنح إسرائيل المبرر لحربها وعدوانها، وهذه إحدى إشكالات المقاومة المسلحة. وتبقى المقاومة المسلحة مقاومة دفاعية من قبل شعب تحت الاحتلال. وبالمقابل هناك من يرى أن طبيعة القضية الفلسطينية، خصوصاً الجانب الخاص بشرعيتها الدولية ومسؤولية الأمم المتحدة، وفي جانب آخر مهم الجانب القانوني، كما رأينا في المحكمة الجنائية والأمر باعتقال نتنياهو ووزير جيشه غالانت تكشف أهمية المقاومة في جانبها السلمي ومقاربتها الدولية. والمقاومة السلمية قد تكون نتائجها وتداعياتها أخطر بكثير على إسرائيل لأنها تقدم صورة لشعب يقاوم بالحق وبالطرق السلمية ودولة قوة وجيش مسلح وهنا المعادلة غير المتكافئة. إن أي تضحيات ستدفع كل الدول والمجتمع الدولي لحراك ضاغط أقوى. ولا يمكن الفصل بين المقاومتين بشكل مطلق، فلا شك أن الحرب على غزة دفعت إلى خروج مسيرات طلابية في كل الجامعات وحراك لناشطين يدعون إلى وقفها، لكن في الوقت ذاته هناك من انتقد وهاجم هذه المقاومة وألصقها بصفة الإرهاب في أعقاب عملية اكتوبر واعتقال عدد من الأسرى المدنيين من الأطفال والنساء.
ومن الجوانب المهمة في العلاقة التي تطرح فشل الخيار العسكري حتى من جانب إسرائيل نفسها، وهو ما يعيدنا إلى إشكالية العلاقة ثانية بين المقاومة السلمية والمقاومة المسلحة، فلو نظرنا إلى الحرب على غزة وماذا حققت غير عمليات تبادل أسرى، لكن التفسير لا يؤخذ بوضع النتيجة في لحظة حدوثها، فالمقاومة المسلحة وحتى السلمية في حالة القضية الفلسطينية تحتاج إلى وقت واستمرارية ومشاركة وتكافل العديد من الفواعل الإقليمية والدولية. ويبقى الجانب المهم في إشكالية العلاقة فلسطينياً حالة الانقسام السياسي بين حماس وفتح والسلطة، والحاجة إلى رؤية وطنية ومرجعية سياسية واحدة، فلا شك أن وجود السلطة بمؤسساتها وعلاقاتها الخارجية تفرض أهمية التوافق والاتفاق على ماهية المقاومة المطلوبة التي تحافظ على ما أنجز ولا تعمل على هدم ما أنجز، وهذا يتطلب تفعيل الشرعية الفلسطينية، وتوحيد الإقليم الفلسطيني ولا ينظر إلى غزة كأنها جزء منفصل، فالمقاومة بقوة شرعيتها وقوة ووحدة شعبها وبالإطار المجتمعي والاقتصادي الذي توفره الحالة الفلسطينية. ويبقى أن المقاومة لها صورها العديدة، فصمود الشعب وبقاؤه على أرضه مقاومة، ووجود سلطة وطنية فلسطينية مقاومة، وشرعية المؤسسات أيضاً مقاومة، وهذه المقاومة في حاجة إلى مقاومة إسناد إقليمية ودولية، وجعل ثمن سياسي إسرائيلي وإقليمي ودولي للاحتلال، هذه أقصر الطرق لإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية، وخطوته الأولى بحل إشكالية العلاقة بين المقاومة السلمية والمسلحة.
{ أكاديمي فلسطيني مختص
في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك