يشهد العام الحالي 2025 زيادة في قدرات الطاقة العربية، سواء طاقة الوقود الأحفوري، أو الطاقة المتجددة، وزيادة في اعتماد أوروبا عليها؛ ما يحقق من ناحية زيادة القدرات الاقتصادية العربية، ومن ناحية أخرى تعميق العلاقات العربية الأوروبية، وقد أخذ العديد من الدول العربية في جني ثمار الاكتشافات التي تحققت للنفط والغاز في 2023 و2024.
وفي عام 2023 اكتشفت المملكة العربية السعودية، حقل الحيران للغاز الطبيعي، بمعدل تدفق 30 مليون قدم مكعب يوميًا، و1600 برميل من المكثفات، كما اكتشفت أرامكو حقل المحاكيك، للغاز الطبيعي بمعدل تدفق 0.85 مليون قدم مكعب يوميًا، و5 مكامن للغاز الطبيعي في حقول مكتشفة سابقًا. ومع هذه الاكتشافات نجحت الشركة العملاقة في إنتاج أول غاز حبيس غير تقليدي في جنوب حقل الغوار، بقدرة معالجة بلغت 300 مليون قدم مكعب يوميًا، و38 ألف برميل يوميًا من المكثفات.
وفي مصر، كانت اكتشافات حقل شرق دمنهور بقدرة 15 مليون قدم مكعب يوميًا، ومنطقة نرجس البحرية باحتياطيات 2.5 تريليون قدم مكعب، وشمال شرق العامرية، كما بدأ الإنتاج من آبار حقل فراميد للغاز في منطقة شرق الأبيض بالصحراء الغربية، بمعدل 25 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي، واكتشفت شركة شفرون في أغسطس 2023، مكامن للنفط بغرب خليج السويس، بمعدل إنتاج 2500 برميل يوميًا يرتفع إلى 23 ألف برميل يوميًا. وفي الجزائر حققت شركة سونا تراك، 10 اكتشافات نفطية عبر خطة استثمارية لاكتشافات النفط والغاز بقيمة 40 مليار دولار، وانضمت المغرب إلى قائمة أكبر اكتشافات النفط والغاز المحققة في البلدان العربية في 2023.
فيما شهد هذا العام أيضا، تسابق 7 دول عربية على الريادة العالمية في إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تعد المنطقة العربية مؤهلة بصورة كبيرة لإنتاجه بتكلفة منخفضة، مع تمتع دولها بوفرة مصادر الطاقة المتجددة، التي تشهد مشروعاتها تقدمًا ملحوظًا، وكانت السعودية، قد أعلنت تنفيذ أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، ونجحت مصر، في تصدير أول شحنة أمونيا، فيما بلغ عدد مشروعات الهيدروجين العربية 82 مشروعًا؛ منها 47 مشروعا مخصصا للتصدير.
وتستهدف السعودية تصدير 2.9 مليون طن سنويًا هيدروجين أخضر وأزرق بحلول 2030، ترتفع بعد ذلك إلى 3.5 – 4 ملايين طن، فيما تسعى الإمارات، إلى الاستحواذ على 25% من السوق العالمي له بحلول 2031، كما تستهدف مصر، حصة بين 5 – 8% من هذا السوق، ولذلك نجحت في جذب استثمارات صينية بقيمة 15 مليار دولار، كما نجحت سلطنة عُمان عام 2023 في جذب استثمارات تقدر بـ 20 مليار دولار لإنتاج الهيدروجين الأخضر على مدار 7 سنوات، وتتطلع لأن تكون سادس أكبر المصدرين بحلول 2030.
أما الأردن، فوقعت 6 مذكرات تفاهم لدراسة جدوى إنتاج الهيدروجين الأخضر، وأعلنت شركة الفوسفات والأسمدة المغربية اعتزامها ضخ استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار في مصنع للأمونيا يبدأ إنتاجه في 2026، ولديها 3 مشروعات متوجهة للتصدير، كما أطلقت الحكومة الجزائرية في مستهل 2023، الاستراتيجية الوطنية لتطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وفي عام 2024، شهدت مصر، وليبيا، والجزائر المزيد من اكتشافات النفط والغاز، مما عزز احتياطياتها وإنتاجها. وحققت مصر 54 اكتشافًا أضافت 71 مليون برميل نفط و680 مليار قدم مكعب من الغاز إلى احتياطياتها، كما سجلت ليبيا، اكتشافات أضافت 16.8 مليون قدم مكعب غاز يوميا، و626 برميل نفط خام يوميًا، وحققت سونا تراك الجزائرية 8 اكتشافات نفطية جديدة.
وفي العام نفسه، سجلت قطر، والسعودية، والكويت، والأردن اكتشافات ضخمة في مجال الطاقة، كان أبرزها اكتشاف قطر لأكبر حقل غاز في العام، بإجمالي يقدر بنحو 240 تريليون قدم مكعب، مما رفع احتياطياتها من 1760 إلى 2000 تريليون قدم مكعب، كما أحرزت شركة أرامكو السعودية اكتشافات جديدة في حقل الجافورة، قدرت بـ 15 تريليون قدم مكعب، ما زاد في احتياطي الحقل إلى نحو 229 تريليون قدم مكعب، وزادت الكويت إنتاجها من الغاز الطبيعي بنسبة 4% إلى 16.5 مليار متر مكعب في 10 شهور الأولى من 2024، مقارنة بمثيلتها في 2023، أما الأردن فكانت اكتشافات غاز حقل الريشة باحتياطي 14.6 تريليون قدم مكعب.
وعليه، أصبحت المنطقة العربية بهذه الاكتشافات تستحوذ على نسبة 54% من احتياطي النفط العالمي بـ 726.5 مليار برميل من إجمالي عالمي يبلغ 1335 مليار برميل، و70% من الاحتياطي العربي تمتلكه دول مجلس التعاون الخليجي، أما الاحتياطي العربي من الغاز فيبلغ 56.7 تريليون متر مكعب، ما يشكل 26.7% من الاحتياطي العالمي. وتمتلك دول الخليج 77.7% من إجمالي الاحتياطي العربي في الغاز، فيما بلغ النصيب العربي من الإنتاج اليومي للنفط الخام 27%، استأثرت منه دول مجلس التعاون بنسبة 70.6%، وبلغ الإنتاج اليومي للغاز الطبيعي العربي 15% من الإنتاج العالمي أيضًا، يتركز معظمه لدى دول الخليج بنسبة 68.8%، فيما لا يزال النفط يهيمن على سوق الطاقة العالمي بنسبة 34.4%، فيما بلغت حصة الغاز الطبيعي 22.8%، فإذا أضفنا الفحم 26%، يظل الوقود الأحفوري المصدر الرئيسي للطاقة في العالم، وفيه تحتل المنطقة العربية مكانة خاصة، ما يعكس التنافس الدولي والإقليمي على هذه المنطقة، فيما تأتي (السعودية، والعراق، والإمارات، والكويت)، في قائمة أكبر 10 منتجي النفط في العالم الذين ينتجون 74.6 مليون برميل يوميًا من إجمالي الإنتاج العالمي 101.8 مليون برميل يوميًا، وتأتي (قطر، والسعودية، والجزائر)، ضمن قائمة أكبر 10 منتجين للغاز الطبيعي في العالم.
ويؤدي استقرار الأوضاع في سوريا إلى استفادتها من نتائج المسح الذي حققته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، وأسفر عن وجود 122 تريليون متر مكعب غاز طبيعي، وما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج في شرق البحر المتوسط. وقد أخذت إسرائيل، ومصر، وقبرص، واليونان، تستفيد من نتائج هذا المسح، وأسست له منتدى غاز شرق المتوسط في 2019، كما عقدت مصر، مع اليونان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، وقدرت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، احتياطيات سوريا من غاز شرق المتوسط بـ 700 مليار متر مكعب، في حين أن إجمالي الاحتياطيات السورية من الغاز بعد إضافة العديد من الاكتشافات الجديدة يبلغ 28 تريليون متر مكعب، مع توقعات أن تحتل المركز الثالث عالميًا في إنتاج الغاز، فيما لو تمكنت من رفع قدراتها الإنتاجية إلى حدها الأقصى، كما تسعى أنقرة إلى الاستفادة من هذا الوضع عبر ترسيم الحدود البحرية بينها وبين سوريا، وفق ما أعلنه وزير النقل والبنية التحتية التركي، وكانت تركيا قد أبرمت اتفاقًا مماثلاً مع ليبيا في 2019.
ومع زيادة القدرات العربية في النفط والغاز، أصبحت المنطقة العربية هي المرشح الأكبر لتعويض أوروبا عن المصادر الروسية، في ضوء العقوبات المفروضة عليها؛ بسبب حربها على أوكرانيا، واستقرار الأوضاع في سوريا يفتح الباب لإحياء مشروع أنبوب الغاز القطري إلى أوروبا عبر الأراضي السورية، الذي تعود فكرته إلى 2009، ولكنه تعطل لأسباب سياسية، ويحول هذا المشروع سوريا إلى ممر استراتيجي لنقل الطاقة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، وتبلغ تكلفته نحو 20 مليار دولار، كما تستفيد سوريا، من رسوم مرور الأنبوب عبر أراضيها، وهذا المشروع يقابل مشروع خط الغاز العربي، الذي استهدف ربط مصر بالأردن ولبنان وسوريا، ومن ثم تركيا إلى أوروبا، كما يقابل مشروع نقل الغاز الإيراني، ومشروع نقل الغاز العراقي.
وبالنسبة إلى الأنبوب القطري، فيمتد إلى السعودية، ومن ثم الأردن إلى سوريا وتركيا وبلغاريا، ويبلغ طوله 1500 كم، وبعد تعطله بسبب الحرب في سوريا من 2011، عاد المشروع إلى الواجهة الآن بعد تغير الأوضاع في سوريا، وتجدد الضغط الأوروبي لإنفاذه لتقليص الاعتماد على الغاز الروسي، كما يعزز المشروع دور تركيا الحليف في الناتو، كمركز حيوي للطاقة، فيما تملك الدوحة احتياطيات مؤهلة يمكن الاعتماد عليها (14% من الاحتياطي العالمي)، تعوض بالكامل غياب الغاز الروسي، فيما يؤدي الاستقرار السياسي في سوريا أيضًا إلى عودة إنتاجها النفطي إلى معدلاته الطبيعية قبل الحرب، والبالغة 400 ألف برميل يوميًا، يمكنها ضخ عوائد تناهز 15 مليار دولار سنويًا. ويضيف هذا المشروع إلى خط الأنابيب عبر المتوسط، الذي يمتد من الجزائر إلى تونس، ومن ثم إلى صقلية وإيطاليا وسلوفينيا.
كما تدفع حاجة أوروبا إلى إعطاء قوة دفع لتنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، أو خط أنابيب الغاز العابر لإفريقيا، ويمتد من نيجريا إلى الجزائر بتكلفة نحو 10 – 12 مليار دولار، وينقل نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا إلى أوروبا عبر نيجريا والنيجر والجزائر، فيما يضيف هذا المشروع إلى أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي ينقل الغاز من الجزائر عبر المغرب إلى إسبانيا، ويتصل بشبكة الغاز في البرتغال وإسبانيا. وفي خطة عمل 2025 يعتزم المغرب إطلاق مناقصات المرحلة الأولى لمشروع خط أنابيب الغاز مع نيجريا، الذي يشمل 16 دولة إفريقية أغلبها على واجهة الأطلسي، انطلاقًا من نيجريا وصولا إلى المغرب، حيث يتم ربط المشروع بأنبوب الغاز المغربي الأوروبي، وتبلغ سعته 30 مليار متر مكعب سنويًا، ومن شأن زيادة الاكتشافات في النفط والغاز زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ومن ثمّ، فإن مشهد الطاقة العربي في 2025، لا يقتصر فقط على تحقيق أمن الطاقة الإقليمي والدولي، بما للمنطقة العربية من وزن في الاحتياطي والإنتاج والصادرات؛ ولكنه يمتد إلى حركة الاستثمارات العالمية إلى مجال مازال العالم يعتمد عليه بشدة، كما أنه يجعل التنافس الإقليمي والدولي على المنطقة العربية أكثر احتدامًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك