عندما كانت فترة إدارة الرئيس جو بايدن الأمريكية تقترب من نهايتها، انبرى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، والسيد بايدن نفسه، يسعون جاهدين في لحظاتهم الأخيرة لإضفاء لمسة إيجابية على أدائهم الكارثي في منطقة الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي لجأ مساعدو جو بايدن إلى إلقاء اللوم على الآخرين في الإخفاقات في محاولة عبثية لتبرئة أنفسهم، راح الرئيس السابق جو بايدن، كدأبه دائما، يحاول أن يرسم صورة للنجاحات، غير أن هذه الصورة كانت، وبكلمة واحدة، مبالغ فيها، بل إن البعض قد يقول إنها صورة وهمية ولا تمت إلى الواقع بأي صلة.
لقد اخترت أن أخصص حديثي في هذا المقال بشكل أساسي على تقييم أداء إدارة بايدن من خلال عدسة الالتزامات التي قطعتها تجاه الأمريكيين من أصل عربي في عام 2020.
خلال الفترة التي سبقت انتخابات نوفمبر 2020، أصدرت حملة بايدن وثيقة بعنوان جو بايدن والمجتمع العربي الأمريكي: خطة للشراكة. وقد أظهرت هذه الوثيقة مدى أهمية التواصل مع دائرة انتخابية غالبا ما يتم تجاهلها. فقد تضمنت العديد من الوعود في صفحاتها الثلاث، ولم يتم تنفيذ سوى القليل منها.
على سبيل المثال، وقعت إدارة بايدن على قانون خالد جبارة وهيذر هير لمنع الكراهية الذي يعمل على تحسين الإبلاغ عن جرائم الكراهية. وقد أدى هذا القانون إلى تحسين جمع البيانات المتعلقة بالعرق والإثنية، بما في ذلك فئة جديدة من شأنها تمكين القيام بإحصاء أكثر دقة للأشخاص من أصل عربي.
كما أنهت إدارة بايدن حظر المسلمين ومددت وضع الحماية المؤقتة إلى مختلف البلدان في العالم العربي، ما سمح للناس بالبقاء في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الصراعات المستعرة في بلدانهم الأصلية.
ولكن بصرف النظر عن هذه الإنجازات القليلة، فإن القصة التي يتعين سردها تتعلق في الحقيقة بما لم تفعله إدارة بايدن وظلت مجرد وعود انتخابية واهية لم يكن لها أي أثر على أرض الواقع.
في البداية، وعدت إدارة بايدن بـإرساء شراكة مع الأمريكيين العرب، لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث. فخلال السنوات الأربع التي قضاها بايدن في منصبه في البيت الأبيض، لم يلتق سواء هو نفسه أو نائبته كامالا هاريس بزعماء الجالية العربية الأمريكية.
وبفضل جهود ممثلي المجتمع العربي الأمريكي فقد عُقدت اجتماعات مع وزير الخارجية بلينكين والمدعي العام ميريك جارلاند، ولكن لم يُعقد أي منها مع القيادة العليا في البيت الأبيض.
وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن البيت الأبيض، خلال السنوات الثلاث الأولى، أدرج الأمريكيين العرب ضمن فئة المسلمين، ما أدى فعلياً إلى محو الأمريكيين العرب كمجتمع عرقي متنوع.
وعندما أعلنت سلطات البيت الأبيض لأول مرة عن استراتيجيته لمكافحة الإسلاموفوبيا، فقد تحدثت أساسا عن القلق إزاء التعصب والتمييز وجرائم الكراهية التي تضر بالمسلمين وأولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون، مستشهدة بالعرب والسيخ كأمثلة.
كان لهذا الاستبعاد تأثير على الإدارة الأمريكية بأكملها. فقد أُجبر الأمريكيون العرب، الذين اضطروا على مدى أربعة عقود من الزمان إلى النضال من أجل الاعتراف بهم وإدماجهم، على البدء في النضال من جديد لمجرد إشراكهم في الاجتماعات وسماع مخاوفهم.
وهكذا، بدأت حملة جو بايدن حملتها بالقول إن التعصب ضد العرب استُخدم في محاولات لاستبعاد وإسكات وتهميش مجتمع بأكمله... كان بايدن يدعم شراكة الأمريكيين العرب، إلا أن البيت الأبيض وجد في الواقع طريقة جديدة لاستبعاد وإسكات وتهميش المجتمع العربي الأمريكي.
وبعد ذلك، سارعت إدارة جو بايدن إلى قبول إسرائيل في برنامج الإعفاء من التأشيرة الأمريكية، على الرغم من الأدلة الموثقة التي تشير إلى أن إسرائيل لم تف بمتطلب أساسي من متطلبات البرنامج ــ وهو ضمان المعاملة بالمثل للأمريكيين العرب الذين يسعون إلى الدخول إلى إسرائيل والخروج منها.
وكانت الإدارات الأمريكية السابقة، سواء منها الجمهورية أو الديمقراطية، قد رفضت دخول إسرائيل إلى برنامج الإعفاء من التأشيرة نظراً إلى الأدلة الموثقة جيداً بشأن المضايقات والتمييز ورفض دخول المواطنين الأمريكيين من أصل عربي.
كانت إدارة بايدن تعلم أن هذه الممارسات مستمرة ومع ذلك فقد داست على حقوق مواطنيها والمتطلبات القانونية لقوانينها الخاصة لمنح إسرائيل هذا الامتياز غير المستحق.
علاوة على ذلك، وخلال فترة هذه الإدارة، قُتل أمريكيون عرب على يد القوات الإسرائيلية وسُرقت ممتلكاتهم وخُربت وتم إتلافها. لقد كان أفضل ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية، في الاستجابة لهذه الأحداث، هو التعبير عن القلق.
كما وعدت حملة بايدن بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في مدينة القدس والمكتب الفلسطيني في واشنطن، لكنها لم تنفذ ذلك.
ولعل أكثر إخفاقات هذه الإدارة إثارة للغضب تكمن في تعاملها مع الحرب على غزة. صحيح أن هذه المأساة لم تندلع بكل ضراوتها عندما قدمت حملة بايدن تعهداتها، ولكن هناك وعود قدمت في وثيقة حملة 2020 توفر معيارًا لقياس أدائها وتقييمه بكل موضوعية.
جاء في إحدى التصريحات: «يؤمن جو بايدن بقيمة كل فلسطيني وكل إسرائيلي. وسيعمل على ضمان تمتع الفلسطينيين والإسرائيليين بمستويات متساوية من الحرية والأمن والازدهار والديمقراطية»، فيما جاء في تصريح آخر: «يعارض جو بايدن عمليات ضم الأراضي والاستيطان.. وسيعمل على معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة».
طوال فترة الحرب على غزة، وبصرف النظر عن التعبير عن القلق الفارغ بشأن الضحايا الفلسطينيين والاحتياجات الإنسانية، قدمت الإدارة الأمريكية لإسرائيل دعماً مفتوحاً بينما كانت تسعى إلى تحقيق أهدافها.
وعلى الرغم من ادعائها الضعيف بأن قدرتها على التأثير على سلوك إسرائيل محدودة، أرسلت الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات في شحنات أسلحة جديدة، وأرسلت قوات أمريكية لدعم إسرائيل، واستخدمت حق النقض مراراً وتكراراً ضد قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، وأدانت جهود المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية لكبح تصرفات إسرائيل.
وحتى الآن، وبينما تؤكد إسرائيل بوضوح أنها تعمل على ترسيخ وجود دائم لها في غزة (وفي أجزاء من لبنان وسوريا)، وبينما يُحرم الفلسطينيون من الغذاء والدواء والمأوى في غزة، ويموتون من انخفاض حرارة الجسم وسوء التغذية، تواصل الإدارة الأمريكية إرسال شحنات أسلحة أخرى بقيمة 8 مليارات دولار إلى إسرائيل. هذا هو كل ما تؤمن به الإدارة الأمريكية في المساواة بين قيمة حياة الفلسطينيين والإسرائيليين.
يمكن أن يقال الكثير بهذا الشأن غير أن النتيجة النهائية هي أن إدارة بايدن سوف يتذكرها العرب الأمريكيون بسبب: رفضها الوفاء بالالتزامات التي قطعتها؛ وجهودها لمحو المجتمع العربي الأمريكي بشكل فعال وحرمان أعضائه من حقوقهم؛ وتمكينها المتعمد لحرب إسرائيل في غزة.
هذه الخيانة لا يمكن أن ننساها أو نغفرها.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك