العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل يطفئ ترامب الحرائق في العالم؟!

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٢٥ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

بنى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬رونالد‭ ‬ترامب‭ ‬توجهاته‭ ‬الخارجية‭ ‬على‭ ‬نقطتين‭ ‬أساسيتين‭:‬

الأولى‭: ‬إنهاء‭ ‬الحروب‭ ‬القائمة‭ ‬وخاصة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ومنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬باعتبار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬متورطة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬بالدعم‭ ‬والإنفاق‭ ‬الهائل‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬دافع‭ ‬الضرائب‭ ‬الأمريكي‭ ‬وعلى‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬المستمرة‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬تؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬كما‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وأن‭ ‬قوة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الإمساك‭ ‬بخيوط‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والتأثير‭ ‬فيها،‭ ‬وأن‭ ‬الحروب‭ ‬إذا‭ ‬اندلعت‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬إيقافها‭ ‬أو‭ ‬يصبح‭ ‬إيقافها‭ ‬عملية‭ ‬مكلفة‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬التي‭ ‬مضى‭ ‬عليها‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬وسلسلة‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تتوقف‭ ‬حتى‭ ‬تندلع‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

الثانية‭: ‬بنى‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬سياسته‭ ‬الخارجية‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬الصفقات‭ ‬التي‭ ‬يربح‭ ‬فيها‭ ‬الجميع‭ ‬وذلك‭ ‬باعتباره‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬وباعتباره‭ ‬مدركا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬مجدها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬تأثر‭ ‬كثيرا‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬وأصبحت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تخسر‭ ‬أمام‭ ‬الصين‭ ‬وأمام‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬واليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وغيرها‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬الصناعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬منافسة‭ ‬مثيلاتها‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬تكتسح‭ ‬العالم‭ ‬وتستولي‭ ‬على‭ ‬الحصة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬بنى‭ ‬ترامب‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استعادة‭ ‬قوة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الصناعية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬بحيث‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬للأمريكان‭ ‬وانتعاش‭ ‬رأسمال‭ ‬الأمريكي‭ ‬والصناعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬ترامب‭ ‬إعادة‭ ‬صورة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬قد‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬إضعافها‭ ‬كما‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تورطها‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬غير‭ ‬ضرورية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يأتي‭ ‬منطق‭ ‬الصفقات‭ ‬التي‭ ‬تجلب‭ ‬الفوائد‭ ‬للجميع‭ ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والهند‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وكندا،‭ ‬فكلها‭ ‬ساحات‭ ‬لعقد‭ ‬الصفقات‭. ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصفقات‭ ‬رهن‭ ‬انتهاء‭ ‬الحروب‭ ‬ونشر‭ ‬السلام،‭ ‬فلا‭ ‬ازدهار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سلام‭ ‬ولا‭ ‬صفقات‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إيقاف‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬التي‭ ‬تحرق‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭.‬

ومما‭ ‬تقدم‭ ‬وعلى‭ ‬أساسه‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬يعلق‭ ‬آمالا‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬‮«‬الترامبية‮»‬‭ ‬كسياسة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬وعلى‭ ‬عقد‭ ‬الصفقات،‭ ‬والحروب‭ ‬الحقيقية‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬والضرائب‭ ‬والرسوم‭ ‬الجمركية‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الساحة‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬فيها‭ ‬المعارك‭ ‬الجديدة،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬بوادرها‭ ‬الأولى‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتسلم‭ ‬ترامب‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬الخلاف‭ ‬المتفاقم‭ ‬مع‭ ‬جمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬وتهديد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬بفرض‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬لسد‭ ‬الفجوة‭ ‬في‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬أن‭ ‬البضائع‭ ‬والسلع‭ ‬الصينية‭ ‬غزت‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية‭ ‬بجدارة‭ ‬واستحقاق‭ ‬بما‭ ‬يؤدي‭ ‬بالمستهلك‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬شرائها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬السلع‭ ‬والبضائع‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأغلى‭ ‬سعرا‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬الأقل‭ ‬جودة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬وبذلك‭ ‬فإن‭ ‬الفائض‭ ‬التجاري‭ ‬الصيني‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يقلق‭ ‬ترامب‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬ومزعج‭.‬

والأمر‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬مع‭ ‬الجارة‭ ‬الكبرى‭ ‬كندا‭ ‬التي‭ ‬يهددها‭ ‬بشكل‭ ‬صريح‭ ‬وعلني‭ ‬باتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬مماثلة‭ ‬بزيادة‭ ‬نسبة‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬على‭ ‬السلع‭ ‬والبضائع‭ ‬الكندية‭ ‬ما‭ ‬سيخلق‭ ‬أزمة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬خطورة‭ ‬عن‭ ‬الأولى‭.‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬الأمن‭ ‬الأوروبي‭ ‬فإن‭ ‬نظرة‭ ‬ترامب‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساسين‭ ‬اثنين‭: ‬

الأول‭: ‬رفع‭ ‬نسبة‭ ‬الانفاق‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬2%‭ ‬إلى‭ ‬5%‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬ليست‭ ‬سهلة‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬سنويا،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬اليوم‭ ‬تحمله‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مواردها‭ ‬لتأمين‭ ‬الحماية‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬لها‭ ‬وأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ليس‭ ‬بوسعها‭ ‬مواصلة‭ ‬الإنفاق‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬ترفع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬نسبة‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬وشراء‭ ‬السلاح‭ ‬الأمريكي‭.‬

الثاني‭: ‬تعديل‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بنفس‭ ‬المنطق‭ ‬مع‭ ‬كندا‭ ‬والصين‭ ‬بزيادة‭ ‬الشراء‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وخاصة‭ ‬شراء‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مثلما‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وروسيا‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬التجاري‭ ‬وهذا‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬ينبئ‭ ‬بمعارك‭ ‬جديدة‭ ‬ساحتها‭ ‬وأدواتها‭ ‬وأسلحتها‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتجارة‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭ ‬دولنا‭ ‬الخليجية‭ ‬فإن‭ ‬نفس‭ ‬المنطق‭ ‬سوف‭ ‬يسود‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬وإن‭ ‬يتخذ‭ ‬أسلوب‭ ‬الصفقات‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬العسكري‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التجاري‭ ‬ستستفيد‭ ‬منه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كما‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وغيرها‭.‬

إذن‭ ‬المرحلة‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬ستحمل‭ ‬هذين‭ ‬الملفين‭ ‬معا؛‭ ‬ملف‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬واقعية‭ ‬وإنهاء‭ ‬سلسلة‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬واستمرار‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬لإنهاء‭ ‬تمددها‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬التي‭ ‬وجهتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬وبعد‭ ‬خروج‭ ‬المليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬والتركيز‭ ‬سيكون‭ ‬أولا‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬مسرحا‭ ‬للصراع‭ ‬الأمريكي‭ ‬الإيراني‭ ‬أو‭ ‬ستكون‭ ‬مسرحا‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬توافقية‭ ‬أو‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬التوتر‭ ‬المزمنة،‭ ‬والأيام‭ ‬حبلى‭ ‬باحتمالات‭ ‬لا‭ ‬ندري‭ ‬ماهيتها‭ ‬اليوم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا