مع تناول «المجلس الأطلسي»، للتداعيات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2024، وإشارته إلى ما شهده العام من صراعات متصاعدة، وأزمات إنسانية حادة، وتحولات جيوسياسية كبرى؛ أكدت صحيفة «الإيكونوميست» في توقعاتها للمشهد الإقليمي لعام 2025، أن «حالة الاضطراب المستمرة في المنطقة من غير المرجح أن تنحسر، مع تصاعد التوترات، واحتمالات اندلاع صراعات جديدة». ورأى «جورجيو كافييرو»، من شركة «جلف ستيت أناليتكس»، أن «قضايا، مثل مستقبل سوريا بعد الأسد، وتصاعد الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل، والتطورات في القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى سياسات إدارة ترامب غير المتوقعة»؛ ستلعب دورًا محوريًا في إعادة تشكيل ملامح المنطقة خلال العام المقبل.
وضمن التحليلات الغربية للمشهد الأمني الهش في الشرق الأوسط؛ تبرز توقعات قيام إسرائيل بتنفيذ ضربات ضد خصومها الإقليميين خلال عام 2024، مع احتمالات تلقيها دعمًا إضافيًا من إدارة البيت الأبيض وفي هذا الإطار، شدد «كافييرو»، على أن «إحدى أكثر الديناميكيات المقلقة في المنطقة خلال العام الجديد تكمن في احتمال تصاعد الأعمال العدائية بين طهران وتل أبيب».
وفقًا لـ«إروين فان فين»، من معهد «كلينجينديل»، يدخل «ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف العام الجديد في حالة انتشاء»، بعد نجاحاته العسكرية ضد حزب الله، وإيران، واستهدافه للبنية التحتية العسكرية لسوريا خلال عام 2024. ومع الأخذ في الاعتبار «الرغبة الإسرائيلية المستمرة في نقل الصراع إلى إيران، عبر مهاجمة منشآتها النووية»؛ فقد رجّح احتمال قيام إسرائيل بخطوة كهذه «إبان أو عقب فترة وجيزة من تنصيب ترامب». لكنه حذر من أن مثل هذا الهجوم سيؤدي إلى رد فعل قوي من طهران؛ ما يُنذر باندلاع «صراع إقليمي شديد الوطأة».
وتظل عودة «ترامب» إلى السلطة، محاطًا بمستشاري سياسة خارجية يتبنون مواقف مؤيدة لإسرائيل؛ تفتح الباب أمام احتمالات منح حكومة نتنياهو مساحة أوسع لتنفيذ حملاتها التي تتسم بالعنف، وارتكاب جرائم الحرب والتهجير القسري بحق الفلسطينيين. وأشار «أندرياس كريج»، من «كينجز كوليدج لندن»، إلى أن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء في القانون الدولي وحقوق الإنسان دون أن تواجه أي ردود فعل تُذكر خلال رئاسة «جو بايدن»، متوقعًا استمرار الدعم الأمريكي لاعتداءاتها «بشكل واضح وصريح».
وسجل «كافييرو»، أنه رغم إشارة «ترامب»، إلى نيته إنهاء حرب إسرائيل ضد غزة قبل أو بعد عودته إلى المكتب البيضاوي في بداية يناير، إلا أنه لا يوجد «ضمان لتنفيذ وقف إطلاق النار». من جانبها، ردت «كاتي ستالارد»، من مجلة «نيو ستيتسمان»، على تعهداته بإحلال السلام في المنطقة، معتبرةً أن المراقبين داخل المنطقة وخارجها سيكونون «مخطئين إذا صدقوا ذلك».
ووفقًا لـ«كافييرو»، فإن الجمع بين حكومة إسرائيلية متطرفة، وإدارة «ترامب»، المؤيدة لها يمثل «سببًا رئيسيًا»، لزيادة «القلق المشروع» من احتمال تقديم الولايات المتحدة دعمًا علنيًا لإسرائيل لضم الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل. ووفق هذا السيناريو، قد يتم «تطهير» الفلسطينيين عرقيًا وإجبارهم على النزوح إلى الأردن أو مصر في تجاهل تام للقانون الإنساني الدولي، ودون اعتبار للعواقب الكارثية على الدول الأخرى في المنطقة.
وكما أوضح «فان فين»، فإن تسريع إسرائيل لعمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وضمها بدعم أمريكي لن يؤدي فقط إلى تحفيز مقاومة محلية جديدة، بل قد يتسبب أيضًا في «اضطرابات اجتماعية قد تصل إلى حد الاضطرابات السياسية» داخل دول أخرى في المنطقة، سيؤدي هذا إلى زيادة عزلة إسرائيل وتصاعد الانتقادات لكل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، التي تواصل «دفاعها عن الاحتلال غير القانوني، وتجاهلها لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بما في ذلك الإبادة الجماعية.
وعلى الرغم من وضوح أسلوب «ترامب» في تعامله مع القضايا الخارجية، فإن سياساته الدقيقة تجاه المنطقة في عام 2025، لا تزال غامضة إلى حد ما. وعندما سُئل في مقابلة مع «مجلة تايم» في ديسمبر 2024 عن اختياره للسفير الأمريكي المقبل في إسرائيل، «مايك هاكابي» -وهو مؤيد قوي للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية- لم يقدم سوى تأكيدات عامة بأنه يسعى إلى «صفقة حيث سيكون هناك سلام ويتوقف القتل»، مما يعكس فشله في تقديم أي تفاصيل أو ضمانات بشأن مستقبل الشعب الفلسطيني وأراضيه.
علاوة على ذلك، من المتوقع أيضا أن يكون عام 2025 مليئًا بالأحداث بالنسبة لإيران. وأشار «كافييرو»، إلى أنه سيكون عامًا يتعين على قيادة طهران خلاله اتخاذ «خطوات جريئة وحاسمة بناءً على الدروس المؤلمة» التي عانت منها خلال عام 2024. وبعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا في ديسمبر 2024، أشارت «باتريشيا كرم»، من «المركز العربي»، إلى أن هذا الأمر «ترك إيران أكثر ضعفًا من أي وقت مضى، لكنها ليست خائرة القوى تمامًا»، لاسيما بعد «تأثر مشروع نفوذها الإقليمي بشكل خطير»، كما أنها باتت «عُرضة بوضوح للهجمات من إسرائيل».
من ناحية أخرى، يأمل «فان فين»، أن يتضمن «إعادة ضبط» استراتيجية إيران الإقليمية سعيها لتهدئة خصوماتها القائمة، وإعادة بناء قنوات دبلوماسية فيما يتعلق بجهودها في مجال الانتشار النووي. ومع ذلك، أدرك أيضًا أنه من الممكن أن تقرر فجأة «الاندفاع نحو تطوير القنبلة النووية»، وذلك في سبيل إنشاء قدرة ردع لحماية نفسها من الهجمات العسكرية الإسرائيلية المباشرة.
ومع توقع استعادة إدارة «ترامب»، لسياسة فرض العقوبات ضد إيران، وتقلص فرص التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع واشنطن؛ ترى «ستالارد»، أن هناك احتمالًا كبيرًا أمام المسؤولين الإيرانيين بأن يقرروا سريعًا أن «الطريقة الوحيدة لضمان أمنهم هي تسريع سعيهم للحصول على الأسلحة النووية». لكن، قد يؤدي ذلك بدوره إلى تسريع رغبة نتنياهو في «توجيه ضربة ساحقة» لإحباط هذه الخطط.
وسلط المراقبون الغربيون الضوء على انهيار النفوذ الإيراني في سوريا، باعتباره «عنصرًا مهمًا» في تشكيل ملامح الشؤون الإقليمية في عام 2025. وأشار «كافييرو»، إلى أن إسرائيل وتركيا «على استعداد لأن تصبحا المستفيدتين الاستراتيجيتين» من تطورات الأحداث على حساب إيران، حيث قامت إسرائيل بشن مئات الغارات الجوية، وعمليات الغزو البري في نطاق مرتفعات الجولان، بهدف «إبقاء الدولة السورية ضعيفة» تمامًا. وأوضحت «فينا علي خان»، من مؤسسة «سينتشري»، أنه «مع تخفيف قبضة طهران على المنطقة، أصبح المسرح مهيأ لتركيا لملء الفراغ وإعادة تعريف النظام الإقليمي». ومع ذلك، اعترفت بأنه «ما زال من السابق لأوانه معرفة» ما إذا كانت هذه النتيجة المحتملة ستتحقق على أرض الواقع.
وفيما يتصل بسوريا، من الجدير بالملاحظة تصريحات «ترامب»، عبر المواقع الإلكترونية في أعقاب سقوط الأسد مباشرة بأن الدولة السورية «في حالة من الفوضى»، و«ليست صديقة لنا»، وأن «الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تتعامل معها»، وقد علقت «أنيل شيلين»، من «المركز العربي»، على هذه التصريحات بقولها إنها تعكس «توجس وقلق العديد من الأمريكيين الذين أعربوا عن استيائهم من الإجراءات العسكرية الأمريكية المكلفة وغير الفعّالة في الشرق الأوسط». ومع ذلك، فإن نظام العقوبات الذي فرضه الغرب على سوريا، يعني أنه يجب أن يكون هناك اهتمام وتوجيه في الوقت ذاته هناك. وأشارت «أجاثي ديماريس»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إلى أن صناع السياسات الأوروبيين والأمريكيين يجب أن «يعملوا معًا بشكل وثيق على عملية رفع العقوبات على مراحل»، مع التأكيد على «ضرورة احترام حقوق الإنسان وإجراء الانتخابات».
على العموم، في ظل حالة عدم اليقين المستمرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ أشارت مجلة «الإيكونوميست»، إلى أن اقتصادات دول الخليج أثبتت قدرتها على مقاومة الجغرافيا السياسية الإقليمية، ومن المقرر في العام الجديد أن «تمضي قدماً في أجندات التنويع الاقتصادي والتنمية»، وبالتالي الحفاظ على مكانة الخليج باعتباره «نقطة جذب للاستثمار الأجنبي». ومع توقع مراقبين، مثل وكالة «فيتش»، أن يصل متوسط أسعار النفط الخام إلى 70 دولارًا للبرميل في عام 2025، أشارت أيضا إلى أن الإيرادات غير النفطية ستكون «قوية» نتيجة للاستثمارات الحكومية والخاصة على حد سواء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك