العدد : ١٧١٠٨ - الجمعة ٢٤ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٨ - الجمعة ٢٤ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التعليم.. بوابة الأمم إلى المجد

بقلم: نبيلة رجب

الجمعة ٢٤ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

كان‭ ‬التعليم‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬عليها‭ ‬الأمم،‭ ‬والرافعة‭ ‬التي‭ ‬تنتشل‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬أزماتها‭ ‬لتعيد‭ ‬صياغة‭ ‬مصائرها‭. ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬وسيلة‭ ‬لنقل‭ ‬المعرفة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬طاقة‭ ‬دائمة‭ ‬تحرك‭ ‬عجلة‭ ‬التطور‭ ‬وترسم‭ ‬مسارات‭ ‬المستقبل‭. ‬كل‭ ‬أمة‭ ‬استثمرت‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬خلفت‭ ‬وراءها‭ ‬إرثا‭ ‬ملهما،‭ ‬وأثبتت‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬عقول‭ ‬تصقل‭ ‬بالمعرفة‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬أدركت‭ ‬المملكة‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬أن‭ ‬التعليم‭ ‬هو‭ ‬العصب‭ ‬الحيوي‭ ‬للتنمية،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1919،‭ ‬تأسست‭ ‬مدرسة‭ ‬الهداية‭ ‬الخليفية،‭ ‬أول‭ ‬مدرسة‭ ‬نظامية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬ما‭ ‬مثل‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬لمسيرة‭ ‬تعليمية‭ ‬طويلة‭. ‬هذه‭ ‬البداية‭ ‬شكلت‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬لنظام‭ ‬تعليمي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬التطوير‭ ‬المستمر‭. ‬لاحقا،‭ ‬امتدت‭ ‬الجهود‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬الجامعات‭ ‬وتطوير‭ ‬المناهج‭ ‬لتتواكب‭ ‬مع‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬التعليم‭ ‬بمتطلبات‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬الشباب‭ ‬وبناء‭ ‬اقتصاد‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭.‬

وتستشرف‭ ‬البحرين،‭ ‬في‭ ‬رؤيتها‭ ‬2030،‭ ‬آفاقا‭ ‬جديدة‭ ‬لتطوير‭ ‬منظومتها‭ ‬التعليمية‭. ‬لتتحول‭ ‬الجامعات‭ ‬إلى‭ ‬مختبرات‭ ‬للمستقبل،‭ ‬بينما‭ ‬أصبحت‭ ‬المناهج‭ ‬أكثر‭ ‬ارتباطا‭ ‬بالاحتياجات‭ ‬العالمية‭. ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬أثمرت‭ ‬عن‭ ‬تحسين‭ ‬التصنيفات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬عالميا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬السعي‭ ‬للنجاح‭ ‬في‭ ‬رقمنة‭ ‬التعليم،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬طموحات‭ ‬بلدنا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬مركزا‭ ‬إقليميا‭ ‬للتميز‭ ‬التعليمي‭.‬

في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬تؤكد‭ ‬قصص‭ ‬النجاح‭ ‬أن‭ ‬التعليم‭ ‬هو‭ ‬مفتاح‭ ‬النهضة‭ ‬والتنمية‭. ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬كانت‭ ‬أنقاض‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬حافزا‭ ‬لبناء‭ ‬نظام‭ ‬تعليمي‭ ‬يمزج‭ ‬بين‭ ‬القيم‭ ‬والانضباط،‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬نهضة‭ ‬صناعية‭ ‬أبهرت‭ ‬العالم‭. ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬بدورها،‭ ‬حولت‭ ‬رماد‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬أسس‭ ‬صلبة‭ ‬للنمو،‭ ‬حيث‭ ‬آمنت‭ ‬بقوة‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الصعود‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجلى‭ ‬في‭ ‬بروز‭ ‬شركات‭ ‬مثل‭ ‬سامسونج‭ ‬وهيونداي‭. ‬أما‭ ‬سنغافورة،‭ ‬فقد‭ ‬كتبت‭ ‬قصة‭ ‬نجاح‭ ‬استثنائية،‭ ‬إذ‭ ‬خصصت‭ ‬جزءا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬ميزانيتها‭ ‬للتعليم‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬مما‭ ‬حولها‭ ‬من‭ ‬جزيرة‭ ‬صغيرة‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬اقتصادي‭ ‬عالمي‭. ‬

وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬آسيا،‭ ‬تقدم‭ ‬الصين‭ ‬نموذجا‭ ‬رائدا‭ ‬يبرز‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للتعليم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيسي‭ ‬للتحول،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتقلت‭ ‬خلال‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬اقتصاد‭ ‬زراعي‭ ‬بسيط‭ ‬إلى‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬قوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬عالمية،‭ ‬عبر‭ ‬نظام‭ ‬تعليمي‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬العلوم‭ ‬والتقنيات‭ ‬الحديثة‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬النماذج،‭ ‬تبرز‭ ‬الشراكات‭ ‬الدولية‭ ‬بعدا‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التعليم‭. ‬لقد‭ ‬أسهمت‭ ‬برامج‭ ‬التوأمة‭ ‬بين‭ ‬الجامعات‭ ‬والتعاون‭ ‬العابر‭ ‬للحدود‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬الفجوات‭ ‬المعرفية‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬مع‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرص‭ ‬للطلاب‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬تعليمية‭ ‬متقدمة‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاريع‭ ‬بحثية‭ ‬مشتركة‭ ‬وبرامج‭ ‬تبادل‭ ‬أكاديمي،‭ ‬أصبحت‭ ‬الجامعات‭ ‬منصة‭ ‬لتطوير‭ ‬المهارات‭ ‬وتعزيز‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬ما‭ ‬يعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬مستقبل‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬عالمية‭ ‬متكاملة‭.‬

في‭ ‬شمال‭ ‬أوروبا،‭ ‬سطرت‭ ‬فنلندا‭ ‬نموذجا‭ ‬استثنائيا،‭ ‬متحدية‭ ‬طبيعتها‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬يغطيها‭ ‬الثلج‭ ‬لنصف‭ ‬العام‭. ‬أدرك‭ ‬الفنلنديون‭ ‬مبكرا‭ ‬أن‭ ‬الاستثمار‭ ‬الحقيقي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬العقول،‭ ‬فرفعوا‭ ‬مكانة‭ ‬المعلم‭ ‬ليصبح‭ ‬في‭ ‬منزلة‭ ‬الطبيب،‭ ‬وصمموا‭ ‬مناهج‭ ‬تحفز‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬وتشجع‭ ‬الإبداع‭. ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬صنعت‭ ‬أجيالا‭ ‬من‭ ‬المبتكرين‭ ‬الذين‭ ‬يقودون‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬بفكرهم‭ ‬وشغفهم‭.‬

التعلم‭ ‬هو‭ ‬أعظم‭ ‬أداة‭ ‬منحها‭ ‬الخالق‭ ‬للإنسان‭ ‬لتطوير‭ ‬قدراته‭. ‬عندما‭ ‬يخوض‭ ‬العقل‭ ‬تجربة‭ ‬معرفية‭ ‬جديدة،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بتخزين‭ ‬المعلومات،‭ ‬بل‭ ‬يعيد‭ ‬هيكلة‭ ‬نفسه‭ ‬بشكل‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭. ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬تكشف‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬يستجيب‭ ‬للتعلم‭ ‬عبر‭ ‬بناء‭ ‬شبكات‭ ‬عصبية‭ ‬تشبه‭ ‬خريطة‭ ‬حية‭ ‬تنمو‭ ‬وتتطور‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬معرفة‭ ‬مكتسبة‭. ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬تجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الأفكار‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬ملموس،‭ ‬مظهرا‭ ‬بذلك‭ ‬القدرة‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬جبِل‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬نحو‭ ‬التقدم‭ ‬والإبداع‭. ‬إنها‭ ‬دعوة‭ ‬للتأمل‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تصميم‭ ‬عقولنا‭ ‬لتكون‭ ‬نافذة‭ ‬مفتوحة‭ ‬دائما‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬جديد‭.‬

تكشف‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عمق‭ ‬أثر‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬المجتمعات‭. ‬رواندا‭ ‬مثالٌ‭ ‬حي،‭ ‬حيث‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬مزقته‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬عالمي‭ ‬للتنمية،‭ ‬لتتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬العالمي‭ ‬بنسبة‭ ‬تمثيل‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬التي‭ ‬تجاوزت‭ ‬61%‭. ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا‭ ‬دون‭ ‬سياسات‭ ‬تعليمية‭ ‬طموحة‭ ‬آمنت‭ ‬بأن‭ ‬التعليم‭ ‬هو‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭.‬

على‭ ‬ضفاف‭ ‬البلطيق،‭ ‬وضعت‭ ‬إستونيا‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬عبر‭ ‬إدخال‭ ‬البرمجة‭ ‬إلى‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬منذ‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى‭. ‬الفصول‭ ‬الدراسية‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مختبرات‭ ‬رقمية،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬التعليم‭ ‬بوابة‭ ‬للتحول‭ ‬الرقمي‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬التقنية‭.‬

العالم‭ ‬مليء‭ ‬بالدروس‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬التعليم‭ ‬ليس‭ ‬خيارًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬تمليها‭ ‬تطلعات‭ ‬المجتمعات‭ ‬وطموحات‭ ‬الأفراد‭. ‬بين‭ ‬قصص‭ ‬النجاح‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬ودروس‭ ‬التاريخ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬يظل‭ ‬السؤال‭ ‬مفتوحا‭: ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نصنع‭ ‬قصتنا‭ ‬الخاصة؟‭ ‬الإجابة‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬التعليم‭ ‬ليس‭ ‬مفتاحا‭ ‬للمستقبل‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬الجسر‭ ‬الذي‭ ‬يعبر‭ ‬بنا‭ ‬نحو‭ ‬أحلامنا،‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬نحسن‭ ‬الاستثمار‭ ‬فيه‭ ‬ونوجهه‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬التغيير‭ ‬المنشود‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا