يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
ترامب عاد وكأن شيئا لم يكن
عاد دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. عاد وكأنّ شيئا لم يكن. كأنّ الزمن توقف عند اللحظة التي خرج فيها من البيت الأبيض قبل أربع سنوات حين هُزم في الانتخابات.. كأن الأربع سنوات الماضية من حكم إدارة بايدن لم تكن موجودة.. كأنها محيت أو يجب أن تمحى من التاريخ الأمريكي.
بمجرد أن دخل ترامب المكتب البيضاوي أصدر عشرات الأوامر التي اعتبرها كثيرون عجيبة وصادمة.
.. أصدر أمرا بإنهاء حق الحصول على الجنسية الأمريكية بالولادة وهو حق يضمنه الدستور.. أعلن ترامب حالة طوارئ وطنية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين.. انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية.. إلغاء عقوبات بايدن على مستوطنين ارتكبوا أعمال عنف وإرهاب ضد فلسطينيين بالضفة الغربية.. انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ.
حتى الذين اقتحموا الكونجرس في 2021 بالعنف، وكثير منهم أعضاء في مليشيات إرهابية، أصدر ترامب عفوا عنهم وعددهم 1500 شخص.
هذه بعض الأوامر التي وقعها ترامب.. وغير هذا هدد صراحة بالسيطرة على قناة بنما بالقوة، وبأن تكون كندا ولاية أمريكية.
بغضّ النظر عما سيتم تنفيذه من عدمه من عشرات الأوامر التي وقعها. وبغضّ النظر عن ردود الفعل في داخل أمريكا وخارجها وما أثاره الكثيرون في العالم من مخاوف حول ما ستكون عليه ولاية ترامب الثانية وما يمكن أن يفعله.. وبغضّ النظر عن تبريرات ترامب نفسه لهذه الأوامر من وجهة نظره.. بغضّ النظر عن هذا، الأمر الذي يجب تأمله هو أن كثيرا من هذه الأوامر تخالف الدستور الأمريكي، وكثير منها يُعدّ خرقا فاضحا للقانون الدولي، وبعضها يلحق أذى إنسانيا بالبشر في العالم مثل الانسحاب من منظمة الصحة العالمية ومن اتفاقية المناخ.
بعبارة أخرى، ترامب يفكر ويتصرف ويتخذ القرارات كما لو أنه لا يوجد في أمريكا دستور ولا توجد مؤسسات، وكما لو أنه لا يوجد في العالم قانون دولي ولا يوجد أي اعتبار لاستقلال وسيادة الدول، ولا توجد أي اعتبارات إنسانية تتعلق بالبشرية من المفروض أن تراعى.
لو أن حاكما عربيا، أو من أي دولة في العالم، أدلى بمثل هذه التصريحات واتخذ مثل هذه المواقف والقرارات لتمّ اتهامه بالدكتاتورية وتشجيع الإرهاب وانتهاك القانون الدولي وإهانة الإنسانية، وما شابه ذلك.
نعلم أن هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن النظام السياسي الأمريكي وعيوبه، وعن الديمقراطية الأمريكية وحدودها ومشاكلها. لكن إزاء مواقف وقرارات مثل هذه لا يملك المرء إلا أن يتوقف مستغربا أشد الاستغراب عند تساؤلات كثيرة.
أين دولة المؤسسات في أمريكا؟ وهل هذه المؤسسات هشة لهذه الدرجة ولا تستحق أن يحترمها قائد البلاد نفسه؟
إذا لم تكن أبسط معاني الديمقراطية احترام الدستور والقانون والمؤسسات، فماذا يتبقى منها إذا تم تجاوز كل هذا؟
لماذا تفشل الديمقراطية الأمريكية التي يقال لنا دوما إنها عريقة وراسخة في ضبط وترشيد القرارات العامة؟
هل الشعب الأمريكي حين انتخب ترامب أعطاه تفويضا مباشرا بأن يفعل أي شيء ويقرر أي شيء حتى لو كان مخالفا للدستور والقانون ومبادئ القانون الدولي وسيادة الدول؟
لقد تعهد ترامب في خطاب التنصيب بأنه سوف ينهي الحروب وسيكون «صانع سلام». لكن إذا كان في فترة حكمه سيفكر بهذا الشكل ويتخذ مثل هذه القرارات، فهذه ليست وصفة لسلام أو إنهاء لحروب.. هذه وصفات لعالم من الفوضى وتقويض القانون الدولي والاحتكام إلى لغة القوة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك