العدد : ١٧١١٣ - الأربعاء ٢٩ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٣ - الأربعاء ٢٩ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ رجب ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

ترامب عاد وكأن شيئا لم يكن

عاد‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬رئيسا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬عاد‭ ‬وكأنّ‭ ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭. ‬كأنّ‭ ‬الزمن‭ ‬توقف‭ ‬عند‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬خرج‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬قبل‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬حين‭ ‬هُزم‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭.. ‬كأن‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭.. ‬كأنها‭ ‬محيت‭ ‬أو‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تمحى‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الأمريكي‭.‬

بمجرد‭ ‬أن‭ ‬دخل‭ ‬ترامب‭ ‬المكتب‭ ‬البيضاوي‭ ‬أصدر‭ ‬عشرات‭ ‬الأوامر‭ ‬التي‭ ‬اعتبرها‭ ‬كثيرون‭ ‬عجيبة‭ ‬وصادمة‭.‬

‭.. ‬أصدر‭ ‬أمرا‭ ‬بإنهاء‭ ‬حق‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الجنسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالولادة‭ ‬وهو‭ ‬حق‭ ‬يضمنه‭ ‬الدستور‭.. ‬أعلن‭ ‬ترامب‭ ‬حالة‭ ‬طوارئ‭ ‬وطنية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الجنوبية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لوقف‭ ‬تدفق‭ ‬المهاجرين‭ ‬غير‭ ‬النظاميين‭.. ‬انسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭.. ‬إلغاء‭ ‬عقوبات‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬مستوطنين‭ ‬ارتكبوا‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬وإرهاب‭ ‬ضد‭ ‬فلسطينيين‭ ‬بالضفة‭ ‬الغربية‭.. ‬انسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬باريس‭ ‬للمناخ‭.‬

حتى‭ ‬الذين‭ ‬اقتحموا‭ ‬الكونجرس‭ ‬في‭ ‬2021‭ ‬بالعنف،‭ ‬وكثير‭ ‬منهم‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬مليشيات‭ ‬إرهابية،‭ ‬أصدر‭ ‬ترامب‭ ‬عفوا‭ ‬عنهم‭ ‬وعددهم‭ ‬1500‭ ‬شخص‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الأوامر‭ ‬التي‭ ‬وقعها‭ ‬ترامب‭.. ‬وغير‭ ‬هذا‭ ‬هدد‭ ‬صراحة‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬بنما‭ ‬بالقوة،‭ ‬وبأن‭ ‬تكون‭ ‬كندا‭ ‬ولاية‭ ‬أمريكية‭.‬

بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬سيتم‭ ‬تنفيذه‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬الأوامر‭ ‬التي‭ ‬وقعها‭. ‬وبغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا‭ ‬وخارجها‭ ‬وما‭ ‬أثاره‭ ‬الكثيرون‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬مخاوف‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬ستكون‭ ‬عليه‭ ‬ولاية‭ ‬ترامب‭ ‬الثانية‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفعله‭.. ‬وبغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تبريرات‭ ‬ترامب‭ ‬نفسه‭ ‬لهذه‭ ‬الأوامر‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭.. ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬هذا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬تأمله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأوامر‭ ‬تخالف‭ ‬الدستور‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وكثير‭ ‬منها‭ ‬يُعدّ‭ ‬خرقا‭ ‬فاضحا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وبعضها‭ ‬يلحق‭ ‬أذى‭ ‬إنسانيا‭ ‬بالبشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مثل‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬ومن‭ ‬اتفاقية‭ ‬المناخ‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬ترامب‭ ‬يفكر‭ ‬ويتصرف‭ ‬ويتخذ‭ ‬القرارات‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬دستور‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬مؤسسات،‭ ‬وكما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قانون‭ ‬دولي‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬لاستقلال‭ ‬وسيادة‭ ‬الدول،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬اعتبارات‭ ‬إنسانية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالبشرية‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تراعى‭.‬

لو‭ ‬أن‭ ‬حاكما‭ ‬عربيا،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬أدلى‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬واتخذ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬والقرارات‭ ‬لتمّ‭ ‬اتهامه‭ ‬بالدكتاتورية‭ ‬وتشجيع‭ ‬الإرهاب‭ ‬وانتهاك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وإهانة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭.‬

نعلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬وعيوبه،‭ ‬وعن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحدودها‭ ‬ومشاكلها‭. ‬لكن‭ ‬إزاء‭ ‬مواقف‭ ‬وقرارات‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬المرء‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬مستغربا‭ ‬أشد‭ ‬الاستغراب‭ ‬عند‭ ‬تساؤلات‭ ‬كثيرة‭.‬

أين‭ ‬دولة‭ ‬المؤسسات‭ ‬في‭ ‬أمريكا؟‭ ‬وهل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬هشة‭ ‬لهذه‭ ‬الدرجة‭ ‬ولا‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬يحترمها‭ ‬قائد‭ ‬البلاد‭ ‬نفسه؟

إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أبسط‭ ‬معاني‭ ‬الديمقراطية‭ ‬احترام‭ ‬الدستور‭ ‬والقانون‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬فماذا‭ ‬يتبقى‭ ‬منها‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬تجاوز‭ ‬كل‭ ‬هذا؟

لماذا‭ ‬تفشل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬يقال‭ ‬لنا‭ ‬دوما‭ ‬إنها‭ ‬عريقة‭ ‬وراسخة‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬وترشيد‭ ‬القرارات‭ ‬العامة؟

هل‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬حين‭ ‬انتخب‭ ‬ترامب‭ ‬أعطاه‭ ‬تفويضا‭ ‬مباشرا‭ ‬بأن‭ ‬يفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬ويقرر‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬مخالفا‭ ‬للدستور‭ ‬والقانون‭ ‬ومبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وسيادة‭ ‬الدول؟

لقد‭ ‬تعهد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬التنصيب‭ ‬بأنه‭ ‬سوف‭ ‬ينهي‭ ‬الحروب‭ ‬وسيكون‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬سلام‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬حكمه‭ ‬سيفكر‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬ويتخذ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القرارات،‭ ‬فهذه‭ ‬ليست‭ ‬وصفة‭ ‬لسلام‭ ‬أو‭ ‬إنهاء‭ ‬لحروب‭.. ‬هذه‭ ‬وصفات‭ ‬لعالم‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬وتقويض‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والاحتكام‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬القوة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا