أول معلمة بمدرسة دينا كانو المصغرة بجناح الأورام بمجمع السلمانية الطبي الفريدة من نوعها بالمملكة.. امرأة الخير.. فاطمة صالح المطوع لـ«أخبار الخليج»:
يقول الأديب الألماني جوهان غوته: «ما قيمة حياتي إن لم أعد مفيدا للآخرين»؟!
بالفعل مساعدة الغير تجعل منك إنسانا عظيما، وخاصة إذا كانت دون انتظار أي مقابل، فالتعاون هو قانون الطبيعة والشيء الوحيد القادر على إنقاذ البشرية، لذلك يمثل أهم الصفات التي يتحلى بها المرء، وبه تبنى الأمم وتتقدم، ومن تربى عليه كان خير سند وعون لمن حوله.
من هنا اتخذت هذه المرأة من التعاون رسالة لها في الحياة، عملا بمقولة ألبرت اينشتاين التي تؤكد أن الحياة التي نعيشها من أجل الآخرين هي الحياة الوحيدة التي تستحق العيش، والذي تراه وسيلتها للتخلص من الهموم والآلام ونافذتها نحو الشعور بالرضا والسعادة.
فاطمة صالح المطوع، اختصاصية صعوبة التعلم، أول معلمة تنضم إلى مدرسة دينا كانو المصغرة في جناح 202 للأورام بمجمع السلمانية الطبي المخصص لأطفال مرضى السرطان، المشروع الفريد من نوعه بالمملكة، صاحبة قلب حنون إلى أبعد الحدود، أصبحت ملاذا لهذه البراعم الصغيرة المريضة ولآبائهم، واختارت ألا تتخلى عنهم وتستمر في عطائها رغم ما تواجهه من معاناة نفسية.
هي على قناعة بأنه لا شيء يطلق العظمة الكامنة بداخلنا مثل الرغبة في مساعدة الآخرين، الأمر الكفيل بإنقاذ الإنسانية والإبقاء عليها في عالم طغت عليه الماديات، ولعل أجمل صورها حين توجه إلى فئة الأطفال الذين ابتلاهم الخالق سبحانه وتعالى بهذا المرض العضال، وهنا يرد لصاحبها هذا الخير ضعفا.
حول هذه التجربة الإنسانية الملهمة كان الحوار التالي:
كيف أثرت طفولتك على مسيرتك؟
لقد كنت طفلة حنونة بالفطرة، أعشق مساعدة الآخرين وتقديم الخدمات لهم، ولذلك كان حلمي أن أصبح معلمة للأطفال في المستقبل، حيث كنت أراقب عن كثب معلماتي وأستمد منهن الخبرة والأسلوب في تعاملهن معنا، وسعيت لتحقيق هذا الحلم بكل شغف وحماس، حيث التحقت بجامعة البحرين ودرست تخصص علم نفس تربية خاصة، وكان تدريبي العملي أثناء الجامعة يستلزم تدريس أطفال مدارس الحكومة، الأمر الذي أهلني للقيام بمهنتي على أتم وجه لاحقا.
وبعد التخرج؟
بعد تخرجي في الجامعة، ظللت أبحث عن وظيفة طوال سبع سنوات من دون جدوى، وقد حاولت استثمار هذه الفترة الطويلة بشكل إيجابي، من خلال تطوير مهاراتي في القراءة والاطلاع وممارسة الأنشطة الرياضية وغير ذلك، إلى أن حصلت على وظيفة معلمة في إحدى المدارس الخاصة كاختصاصية صعوبة تعلم، ثم انتقلت إلى مدرسة دينا كانو المصغرة في جناح 202 لتدريس أطفال مرضى السرطان كأول معلمة تعمل بها، ثم بعد ذلك انضم إلى العمل معي تطوعيا بعض العناصر البحرينية.
أهم الصعوبات التي تواجهك في هذا العمل؟
في البداية قررت خوض التجربة وعن محض إرادتي رغم شعوري بأنها ليست من السهولة بمكان، وكان دوري تعليم الأطفال القراءة والكتابة وفي الوقت نفسه الترفيه عنهم عبر تنظيم العديد من الأنشطة في مجالات مختلفة وبالطبع أواجه الكثير من الصعوبات مثل امتناع البعض عن تناول الطعام أو الأدوية، الأمر الذي كان يسبب نوعا من الامتعاض والحزن للأمهات، والغريب انهم مع الوقت باتوا يستجيبون لي في كل الأمور التي تصعب حتى على الأمهات تحقيقها معهم، وأصبحت مصدر ثقة لهن، وبتن يتركن أبناءهن معي بكل اطمئنان وأريحية.
ما السر وراء ذلك؟
أعتقد أن كلمة السر وراء ما احتللته من منزلة خاصة لدى الأطفال وأمهاتهم هي الحنان، وشعورهم بأنني أؤدي مهنتي كرسالة وليس كمجرد وظيفة، وعن حب وقناعة بأهمية ما أقوم به وذلك رغم ما أعانيه نفسيا على خلفية ذلك، علما بأنني قررت المواصلة في هذه المهنة مهما أواجه من تحديات، لما تحققه لي من شعور غامر بالراحة وبالسعادة حين أقدم المساعدة لبراعم صغيرة لا حول لها ولا قوة.
حدثينا عن أهم تلك التحديات؟
لا شك أن مشاهدتي بأم عيني حالات الضعف والتدهور الصحي والنفسي لكثير من الأطفال جراء هذا المرض اللعين تسبب لي الكثير من المعاناة النفسية، من تساقط الشعر والرموش وغيرها فضلا عن معايشتي للحظات وفاتهم بعد الارتباط بهم عاطفيا، الأمر الذي يترك ألما شديدا بداخلي، باختصار التعامل مع هذا المرض الشرس يعرضنا جميعا في هذا الجناح لكثير من الضغوطات النفسية التي تتطلب الصبر والقوة.
أكثر الحالات التي تركت أثرا بداخلك؟
لن أنسى حالة طفل عمره عامان تدهورت حالته الصحية أمام عيني شيئا فشيئا إلى أن جاءت لحظة فقد فيها بصره من جراء مضاعفات المرض وكانت والدته بصحبته شهورا في الجناح، وقد تقاسمت معها ألمها ومحنتها، فبعد أن كان يلعب ويمرح ويمسك بالأشياء أصبح في هذه الحالة المزرية، وقد بكينا جميعا حين توفي، وغيرها حالات كثيرة صعبة، وقد تم افتتاح جناح 31 لغير المقيمين من أصحاب الأمراض الأخرى غير السرطان.
دور مدرسة دينا كانو تجاه هؤلاء الأطفال؟
نحن نحاول تقديم كل ما من شأنه أن يسعد هؤلاء الأطفال ويدخل البهجة على نفوسهم، وأود أن أتوجه هنا بالشكر الجزيل والامتنان الى مدرسة دينا كانو المصغرة والى جميع القائمين عليها على ما تقوم من دور إنساني مهم تجاه هؤلاء، وكم أتمنى وجود مشاريع أخرى مشابهة تحتضن هذه الفئة، وبالطبع يملك كل المتطوعين معي المهارات التي تمكنهم من تقديم العديد من الخدمات وتدريب الأطفال على الكثير من الأنشطة، والذين تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاما، وقد تم لاحقا افتتاح جناح 31 في السلمانية لغير المقيمين من أصحاب الأمراض الأخرى غير السرطان.
مدى تأثير مهنتك على حياتك الخاصة؟
لا شك أنني أحاول قدر الإمكان وضع خط فاصل بين عملي وحياتي الخاصة والأسرية، فهناك أطفال وزوج يجب رعايتهم ومنحهم كافة حقوقهم، حتى في أصعب الأوقات التي أمر بها بسبب مهنتي، ولله الحمد حرصت على تعليم أبنائي قيمة التعاون ومساعدة الآخر واحترامه، وصحيح أنني أحيانا أشعر بالتقصير في حقهم لكنني سرعان ما أتدارك الأمر وأقوم بتعويضهم عن أي قصور.
ماذا ينقص أهالي تلك الفئة؟
لعل أكثر ما يؤلمني هو انكسار أهالي هؤلاء الأطفال لما يعانونه من ضغوطات نفسية بسبب مرض أبنائهم، وكم يسعدني أنني مصدر ثقتهم وحبهم وتقديرهم ومن مختلف الجنسيات والطوائف والأديان، ومن أكثر الاحتياجات التي يجب أن نوفرها لأهالي المرضى هو توفير إعادة التأهيل لهم سواء أثناء مرض أبنائهم أو بعد فقدهم، وهو شيء متوافر في الدول المتقدمة.
دور زوجك تجاه رسالتك؟
لله الحمد زوجي من أكثر الداعمين لي في ذلك وبشدة، وهو يتحمل معي كل ما أمر به من لحظات مؤلمة، على عكس البعض الذين ينصحوني بالابتعاد عن هذا العمل القاسي نفسيا، والذين لا أتوقف عند آرائهم المحبطة، نظرا إلى قناعتي التامة بأهمية ما أقوم به من دور إنساني، وعموما لا شيء يضاهي منح أي طفل الشعور بالفرحة والسرور خاصة حين نكون على يقين بأنه قد اقترب من لحظة فراق الحياة.
ماذا عن مستواهم الأكاديمي؟
غالبية هؤلاء الأطفال متمكنون أكاديميا، بل ماهرون ومتفوقون ويتمتعون بذكاء كبير، وبعضهم يواصل تعليمه بكل سلاسة ويصلون إلى مرحلة الشفاء، وآخرون يعاودهم المرض ويكون في الغالب أكثر شراسة من ذي قبل، وبالطبع هم يدرسون نفس المناهج ويمرون بذات الاختبارات التي يؤديها أقرانهم من الأصحاء، مع مراعاة حالتهم وظروفهم الصحية.
ماذا علمتك تجربتك؟
علمتني تجربتي مع هؤلاء الأطفال وأهاليهم التحلي بالقوة والمثابرة والصبر وهذا هو نتاج مشوار طويل من التجارب الصعبة والأليمة، ونصيحتي لأي أم رزقها الخالق سبحانه وتعالى بطفل مريض أن تصبر لحكم ربها والتفاؤل بالمستقبل، والتمتع بالأمل في الشفاء مهما كانت الحالة، فهناك حالات شفيت بمشيئة الرحمن وواصلت حياتها بشكل طبيعي.
حلمك القادم؟
كم أتمنى امتلاك مركز تعليمي خاص تحت إدارتي لرعاية الأطفال من مرضى السرطان وكذلك تقديم الخدمات اللازمة لأهاليهم، وهو مشروع يتطلب رأسمال كبير، على أن يضم عناصر مؤهلة للقيام بهذه الرسالة التعليمية إلى جانب الدور الإرشادي الأسري والتمريض، وهذا ما أقوم به فعليا وعلى أرض الواقع.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك