عندما وجه الرئيس المنتخب العائد إلى البيت الأبيض «دونالد ترامب» انتقادات لاذعة إلى إسرائيل بعد أشهر من الإبادة الجماعية، وفي خضم الانتخابات التي كان يخوضها، أثار قلق أنصار إسرائيل.
لكن على الرغم من أنه يستحيل التنبؤ بما سيفعله «ترامب» بعد عودته إلى الحكم في واشنطن، ورغم أن لديه ما يحفزه على تجاهل «نتنياهو»، فإن دعم أمريكا لإسرائيل لن يتأثر، على الأرجح بهذا أو ذاك.
فليس سرًا أن «ترامب» عصي على توقع مواقفه من القضايا. وليس سرًا أن «نتنياهو» أغضبه بعد انتخابات 2020 الرئاسية. فقبل تنصيب «بايدن» رسميا في 20 يناير 2021، بعث «نتنياهو» برقية تهنئة إلى الرئيس الجديد، ما أثار حفيظة «ترامب».
فرغم الإعلان رسميًا عن هزيمة ترامب وفوز «بايدن»، رفض «ترامب» الاعتراف بالهزيمة وسعى بشتى الطرق، حتى يوم تنصيب «بايدن»، للانقلاب على نتيجة الانتخابات. لذلك اعتبر موقف «نتنياهو» نكرانًا للجميل، وزعم أن ما فعله لإسرائيل لم يقدمه لها رئيس أمريكي قبله.
والمؤكد أن شخصنة القضايا من سمات «ترامب» الذي لا يغفر لمن يعتبر أنهم أساءوا إليه، ويميل إلى الرغبة في الانتقام مثلما يفضل، في صنع القرار، والاعتماد على حدسه لا على المعلومات.
لكن المؤشرات الموضوعية تشي بأن أيًّا من ذلك لن يؤثر سلبًا على دعم إدارته لإسرائيل. فالمؤشر الأول هو بالضبط العجز عن التنبؤ بردود أفعال «ترامب». فانتقادات «ترامب» لإسرائيل ليست جديدة. فهو فعل الشيء ذاته في بداية إدارته الأولى إلى الحد الذي أثار قلق مؤيدي إسرائيل فعلًا.
ودلالة تغيير مواقفه من إسرائيل تعني أنها، مثل غيرها من القضايا، لا تهم «ترامب» في حد ذاتها وإنما ما يهمه هو مصالحه الشخصية وصورته لدى جمهوره الرئيسي.
ومن هنا، فإن الأهم من تلك المواقف اللحظية التي يتخذها «ترامب» هو حزبه وجمهوره. فهو حتى لو أراد فلن يجد في حزبه من يدعمه للوقوف ضد إسرائيل.
أما من يهمه أصلا فهم ممولوه الكبار من الصهاينة، والتيار الأصولي المناصر بشدة لإسرائيل. ثم إن ترامب الذي يكره القراءة وكان يتبرم من حجم المجهود الذي يبذله في إدارته الأولى لن يجهد نفسه في بحث تعقيدات القضايا. ومن هنا تأتي أهمية مؤشر آخر.
فالرجل، مثلما فعل في إدارته الأولى، اختار هذه المرة أيضًا فريقًا للسياسة الخارجية من أقوى الداعمين لإسرائيل. وبإمكان فريقه إعادة الدفة نحو الدعم المطلق لإسرائيل متى خرج «ترامب» عن الخط.
بعبارة أخرى، فإن لـ«ترامب» مصالح شخصية تخصه تجعله يُمعن في دعم إسرائيل، وقد أحاط نفسه بفريق ينتمي بعضهم إلى الصهيونية المسيحية وبعضهم الآخر يمارس دعمًا لا محدود لإسرائيل على أساس الطابع الإمبراطوري للسياسة الخارجية.
فـ«ترامب» رشح مايك هاكابي سفيرًا لدى إسرائيل. و«هاكابي» ينتمي إلى تيار الصهيونية المسيحية، ويدعم، من دون مواربة، ضم إسرائيل للضفة وغزة، بل وما يسمى «إسرائيل الكبري»!
وفي المقابل، لم ينتظر «نتنياهو» انتهاء فترة سفيره الحالي بواشنطن وعين بدلًا منه واحدًا من أعتى المستوطنين وعضوًا بحزب «بن غفير» الذي استقال من الحكومة الإسرائيلية مؤخرا احتجاجا على اتفاق الهدنة مع حركة «حماس» وإيقاف الحرب في غزة ولو مؤقتا.
كذلك فإن مرشح «ترامب» لمنصب وزير الدفاع، بيت هجسيث، لا يختلف كثيرًا عن «هاكابي» من حيث أفكاره الدينية في دعمه لإسرائيل. أما تيار المحافظين الجدد الذي يدعم إسرائيل بلا شروط، ولكن على أساس سياسي لا ديني، فقد رشح منهم «ترامب» النائب الجمهوري مايكل والتز مستشارًا للأمن القومي، وماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية. وكلاهما لم يتورع حتى عن استخدام عبارات فجة دعمًا لإسرائيل وسط مذابح غزة.
وكل ما تقدم معناه أن فلسطين من القضايا القليلة التي يُستبعد أن يخرج فيها «ترامب» عن الخط الثابت لسياسة أمريكا الخارجية.
{ باحثة مختصة في الشؤون الأمريكية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك