العدد : ١٧١٠٧ - الخميس ٢٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٧ - الخميس ٢٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«ترامب» ونتنياهو وفلسطين

بقلم: د. منار الشوربجي {

الخميس ٢٣ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

عندما‭ ‬وجه‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬العائد‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬‮«‬دونالد‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬انتقادات‭ ‬لاذعة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يخوضها،‭ ‬أثار‭ ‬قلق‭ ‬أنصار‭ ‬إسرائيل‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬يستحيل‭ ‬التنبؤ‭ ‬بما‭ ‬سيفعله‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬لديه‭ ‬ما‭ ‬يحفزه‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬دعم‭ ‬أمريكا‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لن‭ ‬يتأثر،‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬بهذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭.‬

فليس‭ ‬سرًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬عصي‭ ‬على‭ ‬توقع‭ ‬مواقفه‭ ‬من‭ ‬القضايا‭. ‬وليس‭ ‬سرًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬أغضبه‭ ‬بعد‭ ‬انتخابات‭ ‬2020‭ ‬الرئاسية‭. ‬فقبل‭ ‬تنصيب‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬‭ ‬رسميا‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬يناير‭ ‬2021،‭ ‬بعث‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬برقية‭ ‬تهنئة‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬حفيظة‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭.‬

‭ ‬فرغم‭ ‬الإعلان‭ ‬رسميًا‭ ‬عن‭ ‬هزيمة‭ ‬ترامب‭ ‬وفوز‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬،‭ ‬رفض‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالهزيمة‭ ‬وسعى‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق،‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬تنصيب‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬،‭ ‬للانقلاب‭ ‬على‭ ‬نتيجة‭ ‬الانتخابات‭. ‬لذلك‭ ‬اعتبر‭ ‬موقف‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬نكرانًا‭ ‬للجميل،‭ ‬وزعم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لم‭ ‬يقدمه‭ ‬لها‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭ ‬قبله‭. ‬

والمؤكد‭ ‬أن‭ ‬شخصنة‭ ‬القضايا‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يغفر‭ ‬لمن‭ ‬يعتبر‭ ‬أنهم‭ ‬أساءوا‭ ‬إليه،‭ ‬ويميل‭ ‬إلى‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭ ‬مثلما‭ ‬يفضل،‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القرار،‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬حدسه‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭.‬

لكن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الموضوعية‭ ‬تشي‭ ‬بأن‭ ‬أيًّا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬إدارته‭ ‬لإسرائيل‭. ‬فالمؤشر‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬بالضبط‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بردود‭ ‬أفعال‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭. ‬فانتقادات‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭. ‬فهو‭ ‬فعل‭ ‬الشيء‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬إدارته‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬قلق‭ ‬مؤيدي‭ ‬إسرائيل‭ ‬فعلًا‭. ‬

ودلالة‭ ‬تغيير‭ ‬مواقفه‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعني‭ ‬أنها،‭ ‬مثل‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬لا‭ ‬تهم‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬وإنما‭ ‬ما‭ ‬يهمه‭ ‬هو‭ ‬مصالحه‭ ‬الشخصية‭ ‬وصورته‭ ‬لدى‭ ‬جمهوره‭ ‬الرئيسي‭.‬

ومن‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المواقف‭ ‬اللحظية‭ ‬التي‭ ‬يتخذها‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬هو‭ ‬حزبه‭ ‬وجمهوره‭. ‬فهو‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أراد‭ ‬فلن‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬حزبه‭ ‬من‭ ‬يدعمه‭ ‬للوقوف‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬يهمه‭ ‬أصلا‭ ‬فهم‭ ‬ممولوه‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬الصهاينة،‭ ‬والتيار‭ ‬الأصولي‭ ‬المناصر‭ ‬بشدة‭ ‬لإسرائيل‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬ترامب‭ ‬الذي‭ ‬يكره‭ ‬القراءة‭ ‬وكان‭ ‬يتبرم‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬المجهود‭ ‬الذي‭ ‬يبذله‭ ‬في‭ ‬إدارته‭ ‬الأولى‭ ‬لن‭ ‬يجهد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬تعقيدات‭ ‬القضايا‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬مؤشر‭ ‬آخر‭.‬

فالرجل،‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬في‭ ‬إدارته‭ ‬الأولى،‭ ‬اختار‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أيضًا‭ ‬فريقًا‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬الداعمين‭ ‬لإسرائيل‭. ‬وبإمكان‭ ‬فريقه‭ ‬إعادة‭ ‬الدفة‭ ‬نحو‭ ‬الدعم‭ ‬المطلق‭ ‬لإسرائيل‭ ‬متى‭ ‬خرج‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬عن‭ ‬الخط‭. ‬

بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬لـ«ترامب‮»‬‭ ‬مصالح‭ ‬شخصية‭ ‬تخصه‭ ‬تجعله‭ ‬يُمعن‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وقد‭ ‬أحاط‭ ‬نفسه‭ ‬بفريق‭ ‬ينتمي‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬الصهيونية‭ ‬المسيحية‭ ‬وبعضهم‭ ‬الآخر‭ ‬يمارس‭ ‬دعمًا‭ ‬لا‭ ‬محدود‭ ‬لإسرائيل‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الطابع‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭.‬

فـ‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬رشح‭ ‬مايك‭ ‬هاكابي‭ ‬سفيرًا‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل‭. ‬و«هاكابي‮»‬‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬تيار‭ ‬الصهيونية‭ ‬المسيحية،‭ ‬ويدعم،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مواربة،‭ ‬ضم‭ ‬إسرائيل‭ ‬للضفة‭ ‬وغزة،‭ ‬بل‭ ‬وما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبري‮»‬‭!‬

‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬لم‭ ‬ينتظر‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬انتهاء‭ ‬فترة‭ ‬سفيره‭ ‬الحالي‭ ‬بواشنطن‭ ‬وعين‭ ‬بدلًا‭ ‬منه‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أعتى‭ ‬المستوطنين‭ ‬وعضوًا‭ ‬بحزب‭ ‬‮«‬بن‭ ‬غفير‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬استقال‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مؤخرا‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬الهدنة‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬وإيقاف‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولو‭ ‬مؤقتا‭.‬

كذلك‭ ‬فإن‭ ‬مرشح‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬لمنصب‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع،‭ ‬بيت‭ ‬هجسيث،‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬هاكابي‮»‬‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أفكاره‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬دعمه‭ ‬لإسرائيل‭. ‬أما‭ ‬تيار‭ ‬المحافظين‭ ‬الجدد‭ ‬الذي‭ ‬يدعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بلا‭ ‬شروط،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬سياسي‭ ‬لا‭ ‬ديني،‭ ‬فقد‭ ‬رشح‭ ‬منهم‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬النائب‭ ‬الجمهوري‭ ‬مايكل‭ ‬والتز‭ ‬مستشارًا‭ ‬للأمن‭ ‬القومي،‭ ‬وماركو‭ ‬روبيو‭ ‬المرشح‭ ‬لمنصب‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭. ‬وكلاهما‭ ‬لم‭ ‬يتورع‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬عبارات‭ ‬فجة‭ ‬دعمًا‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وسط‭ ‬مذابح‭ ‬غزة‭.‬

وكل‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬معناه‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬يُستبعد‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬عن‭ ‬الخط‭ ‬الثابت‭ ‬لسياسة‭ ‬أمريكا‭ ‬الخارجية‭.‬

 

{ باحثة‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمريكية‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا