تحقيق الوحدة الخليجية هدف استراتيجي وثقه ميثاق دول مجلس التعاون الخليجي، وتتطلع إليه كافة شعوب دول المجلس، وتدعم المسارات الثنائية للعلاقات بين هذه الدول عملها الجماعي وصولاً إليه، وما بين هذه الشعوب من مقومات مؤهلة لتحقيق هذه الوحدة، من تاريخ مشترك وأواصر قربى، ووحدة الانتماء الثقافي والجغرافي والمصير المشترك، يجعل الوصول إليه ليس بعيد المنال.
وعلى هذا الطريق تتعدد زيارات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ولقاءاته مع قادة دول المجلس التي تدعم العلاقات البينية، وتعزز التنسيق والتكامل في المجالات كافة، وكان آخرها زيارة الدولة التي قام بها لسلطنة عُمان، بدعوة من شقيقه جلالة السلطان «هيثم بن طارق»، بعد نحو سنتين من استقبال المملكة للسلطان في 2022، فيما يقوم لهذا التنسيق والتكامل بنية مؤسسية قوامها «اللجنة العليا المشتركة» بين البلدين، والتي تأسست في 1992، و«مجلس الأعمال المشترك»، بين غرفتي التجارة والصناعة لكلا البلدين، و«جمعية الصداقة البحرينية العمانية».
ولدى زيارة جلالة السلطان «هيثم بن طارق» للمملكة في أكتوبر 2022، تم التوقيع على حزمة اتفاقيات ومذكرات تفاهم، هي الأكبر في تاريخ علاقات البلدين، شملت 16 اتفاقية تعاون في المجالات الأمنية، والنقل البحري والملاحة البحرية وتطوير نقل الموانئ، والتعاون بين «مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة»، وجامعة السلطان «قابوس» في مجال الدراسات والبحوث، وتأسيس شركة بحرينية عُمانية قابضة للاستثمار، ومنح سلطنة عُمان صفة الشريك المعتمد للمركز العالمي لخدمات الشحن البحرية والجوية.
علاوة على ذلك، شهدت الزيارة التوقيع على 18 مذكرة تفاهم وبرنامجا تنفيذيا مشتركا، شمل التعاون بين حكومتي البلدين في مجالات تقنية المعلومات، والتعليم العالي والبحث العلمي، والابتكار والتدريب المهني، والمجالات العلمية والتربوية للعامين الدراسيين 2022/2023 و2023/2024، والتعاون في مجال المنافسة ومنع الاحتكار، وعلوم وتقنيات الفضاء، والملاحة الجوية، والعمل البلدي، والتنمية الاجتماعية، وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، والعمل الثقافي والتراثي والمتحفي للأعوام من 2023 – 2026، والتعاون السياحي لنفس الفترة، والتعاون في مجال التوثيق التاريخي وإدارة الوثائق والمحفوظات، والتعاون في المجالات الزراعية والحيوانية والسمكية لعامي 2022/2023، وفي مجال حماية البيئة 2023/2024، والمجالات الشبابية 2022 – 2025، إضافة إلى التوقيع على برنامج تنفيذي بين وزارتي الخارجية 2023/2024، واتفاق بشأن تداول شركات الوساطة عن بعد خلال نظام التداول الإلكتروني الذي يربط بين بورصتي البلدين، وتمكين التداول المباشر بينهما.
وقبل زيارة جلالة السلطان «هيثم بن طارق» للمملكة، كانت اللجنة العليا المشتركة بين البلدين في اجتماعاتها في المنامة في أغسطس 2021، قد وقعت على ثلاث اتفاقات في مجالات الدراسات الدبلوماسية، والبحوث والتدريب، والكهرباء والطاقة المتجددة، وحماية المستهلك في كلا البلدين. وجاءت هذه الاتفاقات تضيف إلى ما توصلت إليه قبلاً، بشأن التعاون في مجالات الثقافة، والسياحة، والتقاعد المدني، وحماية البيئة، والنشاط الشبابي والرياضي، ودعوة مجلس الأعمال المشترك لدراسة فكرة إنشاء «الشركة البحرينية العمانية للاستثمار». فيما كانت مجالات التعاون في التعليم والثروة السمكية وفرص التنمية الاقتصادية، والاستثمار خاصة في الأمن الغذائي؛ حاضرة باستمرار في عمل اللجنة، كما كان هناك حرص دائم من قادة البلدين على تنسيق المواقف بشأن القضايا الإقليمية والدولية، والتعاون في مواجهة التحديات التي تطول أمن واستقرار المنطقة.
وفيما أخذ الجانبان العمل على تنفيذ محتوى هذه الاتفاقات ومذكرات التفاهم؛ جاءت زيارة جلالة الملك لسلطنة عُمان في مستهل العام الجديد، ولقائه جلالة السلطان «هيثم بن طارق»، ومجتمع الأعمال العُماني، حيث بدأ انطلاق «الشركة البحرينية العمانية القابضة للاستثمار»، تستكشف فرص الاستثمار وتطورها وتشجع القطاعين العام والخاص على ولوجها.
كما شهدت الزيارة توقيع 25 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجا تنفيذيا للعديد من المجالات، شملت إزالة الازدواج الضريبي، والتعاون في مجالات الأرصاد الجوية، والصحة، والعمل وتنمية الموارد البشرية، والوقف والزكاة، والتعليم، وسوق الأوراق المالية، والمجال العلمي والتربوي، والإعلام، والاستثمار، والصناعة، والأمن الغذائي، وتنظيم المعارض والمؤتمرات، والزراعة، والفحص والمقاييس ودمغ الذهب، والمسار السريع لبراءات الاختراع والملكية الفكرية، والتأمينات والحماية الاجتماعية، والإدارة العامة، ومكافحة الاتجار بالأشخاص، وإنشاء وتطوير وإدارة المناطق الاقتصادية والصناعية، والبرنامج التنفيذي في مجال تقييم المؤسسات التعليمية، والعمل البلدي، والكهرباء والطاقة المتجددة. ومن الواضح أن هذه الاتفاقات ومذكرات التفاهم تتعلق بتفاصيل عملية التكامل بين البلدين، وتعالج ما يشوبها من عقبات.
وفيما أخذت وزارة السياحة البحرينية تروج للخليج، كوجهة سياحية واحدة، متعددة المزايا، حيث لكل من بلدانها ما يجذب السائح إليها؛ فقد أدت مذكرة التفاهم إلى دعم التكامل السياحي بين البحرين وسلطنة عُمان، كما غدت كل دول الخليج تنظر إلى السياحة كأحد أهم مسارات تنويع مصادر الدخل. وفي عام 2023 زار سلطنة عُمان 47 ألف سائح بحريني، بينما استقبلت المملكة 57 ألف سائح عُماني، ويتطلع كلاهما إلى مضاعفة هذه الأعداد.
وخلال زيارته للسلطنة التقى جلالة الملك عددًا من أعضاء غرفتي التجارة والصناعة في سلطنة عُمان والبحرين، وأعضاء مجلس إدارة شركة عُمان والبحرين للاستثمار، حيث استمع إلى خطة الشركة، وناقش معهم القطاعات التي يمكن أن تدخل فيها الشركة البالغ رأس مالها 10 ملايين ريال عُماني، ويتوافق تأسيسها مع الرؤى المستقبلية لكلا البلدين، وخاصة فيما يتعلق بتعزيز القطاعات غير النفطية. ويعد إنشاء هذه الشركة من أبرز المبادرات الاقتصادية للتكامل بين البلدين، وتعزيز المشروعات المشتركة بين شركات القطاع الخاص في كليهما، فيما يجري العمل حاليًا على اعتماد الاستراتيجية النهائية لها؛ تمهيدًا لإدراكها في بورصتي البحرين ومسقط، ولا شك أنه سيكون أمام الشريك العماني في الشركة المزايا التي يوفرها الاقتصاد البحريني، وفرص الاستفادة من موقع البحرين الاستراتيجي.
علاوة على ذلك، سيكون من شأن نشاط هذه الشركة زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي بلغ نحو 642 مليون دولار في 2023، كما يستفيد البلدان من اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع كل منهما والولايات المتحدة، في ضوء السياسة الحمائية الجديدة «لترامب»، حيث لكل منهما -بموجب الاتفاقية -ميزة الدخول إلى السوق الأمريكية بدون رسوم جمركية، ليشكل ذلك فرصا كبيرة للاستثمار، للاستفادة من هذه الميزة، وقد أخذت المملكة تطور هذه الاستفادة من خلال مشروعها التنموي، «منطقة التجارة الحرة الأمريكية».
ومن الجدير بالذكر، أن الاستثمارات الهندية والباكستانية في البحرين في صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة، كانت قد نشأت أصلاً للاستفادة من حصة المملكة في السوق الأمريكية لهذه السلع. ويتطلع الجانبان إلى التعاون في مجال الاستثمار للاستفادة من هذه الفرص، ويذكر أن الرصيد التراكمي للاستثمارات العمانية في مملكة البحرين بلغ 398 مليون دولار في 2023، وفي هذا العام تدفقت استثمارات عُمانية على البحرين بقيمة 39 مليون دولار.
وشملت الاتفاقات ومذكرات التفاهم، تعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات الزراعة، والثروة الحيوانية، والثروة السمكية، حيث يعد الأمن الغذائي من أهم التحديات التي تواجه دول الخليج. وقد استبق هذه المذكرات والاتفاقات عقد «الملتقى البحريني العماني»، حول تحديات الأمن الغذائي، وآليات التعاون الثنائي لمواجهتها في مارس العام الماضي بالمنامة، والذي نظمه «مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة»، كأحد مخرجات وتوصيات «اللجنة البحرينية العمانية المشتركة»، في اجتماعها في البحرين في أغسطس 2021، وأكدت أهمية التعاون والتنسيق بين البلدين في مجال الأمن الغذائي، وإلى هذا وقعت شركة «غذاء البحرين القابضة» التابعة لشركة ممتلكات البحرين القابضة، صندوق الثروة السيادي للمملكة، مذكرة تفاهم مع الشركة العمانية القابضة للاستثمار الغذائي «نتاج» التابعة لجهاز الاستثمار العماني؛ بهدف تعزيز التعاون في مجالات الأمن الغذائي؛ استفادة من المزايا النسبية لسلطنة عُمان في هذا المجال.
على العموم، جاءت زيارة جلالة الملك لسلطنة عُمان لتعطي قوة دفع جديدة لمسار التكامل القائم بين البلدين الشقيقين؛ ما يخدم العمل الخليجي المشترك، وتحقيق الرؤى المستقبلية لكلا البلدين، فضلاً عن تنسيق المواقف والرؤى إزاء القضايا الإقليمية والدولية، ومواجهة التحديات التي تواجه المنطقة بأبعادها المختلفة. ويأتي حصاد هذه الزيارة من اتفاقات ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية، ليدفع العمل التنموي في كافة المجالات، ويفتح أمام القطاع الخاص آفاقا رحبة للنشاط، كما يعزز من تحول السوق الخليجية إلى سوق واحدة، ينتقل فيها العمل ورأس المال من دون قيود أو خسارة في المزايا ما يعزز المواطنة الاقتصادية الخليجية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك