الزيارة التي قام بها وزير الخارجية عبداللطيف الزياني لدمشق في الثامن من يناير مبعوثاً من جلالة الملك المعظم رئيس الدورة الحالية للقمة العربية، وذلك بعد مرور شهر على سقوط نظام بشار الأسد هي تعبير واضح وجلي عن دعم البحرين ومساندتها للشعب السوري واتجاهات الإصلاح في سوريا الجديدة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف العربي والخليجي في نفس الاتجاه، وتأتي الزيارة بعد زيارة وفد مجلس التعاون الخليجي لدمشق في الثلاثين من ديسمبر الماضي برئاسة عبدالله اليحيى وزير الخارجية الكويتي والأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي، حيث أشار وزير الخارجية الكويتي في تصريحاته إلى أن الهدف من زيارته لدمشق هو «نقل رسالة خليجية موحدة بدعم سوريا سياسياً واقتصادياً وتنموياً ومؤكداً في الوقت ذاته على أن دول الخليج العربية جادة في دعم سوريا».
ولا شك أن ما حدث في سوريا كما وصفه المراقبون كان بمثابة زلزال سياسي مباغت في عاصمة الأمويين فاجأ الجميع نتيجة الهجوم الخاطف الذي شنته فصائل المعارضة والذي توج بالإطاحة بالنظام السابق، وبذلك طوت سوريا صفحة سوداء من تاريخها وبدأت إشراقة جديدة لهذا البلد بعد فرار بشار الأسد الى موسكو. المصادفة أن هذا الحدث المزلزل تزامن مع انعقاد القمة الخليجية في دورتها الخامسة والأربعين التي عقدت في الكويت وتوقع المراقبون أن تتطرق القمة في بيانها الختامي الذي عرف بإعلان الكويت إلى التطورات الدراماتيكية الأخيرة في سوريا لكن مثل ذلك لم يحصل، وهنا ذهب المحللون إلى تفسير هذا الاعتقاد بأن ذلك الموقف كان تكتيكاً أراد الخليجيون منه عدم الاستعجال في اتخاذ موقف في قضية لم تتضح معالمها بعد وأيضا الحرص على تأكيد مبدأ التوافق في القرارات الخليجية الذي يُعد أحد الثوابت في السياسة الخليجية.
السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو: ما الجديد الذي طرأ على الساحة السورية ودفع دول التعاون الى اتخاذ مبادرة التحرك لدعم الأوضاع الجديدة في سوريا؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، دعونا نتوقف قليلاً عند الدوافع التي حكمت سابقا موقف دول الخليج في التعامل مع نظام بشار الأسد.
في تصوري، رأى الخليجيون أن التقارب مع النظام السابق كان هدفه ان يدفع نظام بشار الأسد باتجاه رد التحية بأحسن منها؛ فيبادر باتخاذ خطوات عملية في سبيل الابتعاد عن محور إيران ويعود إلى الحضن العربي، ثم يتخذ خطوات أخرى على طريق المصالحة الوطنية مع شعبه عبر حوار جاد تشارك فيه كل الأطراف السياسية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي حالة الاحتقان السياسي التي تمر بها سوريا منذ اندلاع الثورة، الأمر الذي سيساعد على عودة الاستقرار الى سوريا والمنطقة بأسرها. لكن تصلب نظام الأسد وغروره جعله لا يلتفت إلى مطالب الخليجيين، على الرغم من كل ما قاموا به من أجله، وراح كعادته يقلل من شان تأثير ودور العرب ولا يظهر اهتماما بدور الجامعة العربية في أحاديثه وتصريحاته؛ فاستمر في تحالفه الكاثوليكي مع إيران واستمر في مراوغته واتباع سياسات مزدوجة؛ فمن جهة يتحدث مع الخليجيين عن أهمية التضامن العربي، ومن جهة ثانية يكيل المديح لملالي إيران و«لمحور المقاومة» ويشيد بالحرس الثوري في التصدي للعدوان الصهيوني والأمريكي!
واستمر النظام السابق على هذا الحال من دون تغيير في سياساته تجاه الخليجيين والعرب عموماً، معتقداً أن الخليجيين في أمس الحاجة إليه أكثر من حاجته إليهم، وذهب في أوهامه إلى أبعد الحدود وظن أن الأمور تسير في صالحه إلى أن وصلت الفصائل المسلحة إلى حمص وتخلت عنه روسيا حليفته التي أمدت في عمره السياسي بعدما وجدت أنها تراهن على حصان خاسر وأنه ساقط لا محالة، فما كان منها إلا أن سارعت بسحب تأييدها له ولكنها في الوقت ذاته لم تتركه ليلقى مصيره بل قامت بنقله تحت جنح الظلام إلى موسكو.
مع استيلاء قوات فصائل المعارضة على مدن حلب وحماة وحمص ووصولهم إلى دمشق وفرار الأسد ليلا، أعاد الخليجيون قراءة المشهد السوري بتأن وفي إطار الواقعية السياسة وبادروا إلى الاتصال بالإدارة الجديدة في دمشق خصوصا بعد أن بعثت الأخيرة برسائل إلى دول الجوار تطمئنهم وتكشف عن ملامح مشروع دولتهم الجديدة التي يطمحون إلى بنائها.
في اعتقادي أن الخليجيين تعاملوا مع الحدث السوري بسياسة براجماتية وكان همهم الأول هو مصلحة الشعب السوري الشقيق وبناء سوريا على أسس جديدة تأخذ في الاعتبار وحدة ترابها، وتماسك شعبها واستقراره، ولذلك بادروا بالترحيب بالإدارة الجديدة ودعمها وكانوا أول من شد الرحال إلى دمشق للتعبير عن وقوفهم ومساندتهم لتوجهاتها الإصلاحية.
وقد ترجمت المملكة العربية السعودية هذا الموقف أيضاً من خلال دعوتها إلى مؤتمر دولي حول مستقبل سوريا، وقد احتضنت الرياض هذا المؤتمر الذي شارك فيه عدد من الدول العربية والأوروبية وأمريكا وممثلين للاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي لسوريا والأمين العام للجامعة العربية والأمين العام لمجلس التعاون. توافدوا على الرياض من أجل تنسيق الجهود لدعم سوريا ورفع العقوبات عنها، وبذلك تكون دول الخليج قد اخذت زمام المبادرة لدعم الشعب السوري الشقيق وحشد الجهود الدولية لرفع العقوبات عن سوريا التي كان السبب فيها النظام السابق وجرائمه ضد شعبه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك