العدد : ١٧١٠٥ - الثلاثاء ٢١ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٥ - الثلاثاء ٢١ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي تجاه سوريا الجديدة

بقلم: د. جاسم بونوفل

الاثنين ٢٠ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

الزيارة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬عبداللطيف‭ ‬الزياني‭ ‬لدمشق‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬مبعوثاً‭ ‬من‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬رئيس‭ ‬الدورة‭ ‬الحالية‭ ‬للقمة‭ ‬العربية،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬شهر‭ ‬على‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬هي‭ ‬تعبير‭ ‬واضح‭ ‬وجلي‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬البحرين‭ ‬ومساندتها‭ ‬للشعب‭ ‬السوري‭ ‬واتجاهات‭ ‬الإصلاح‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة‭. ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬الموقف‭ ‬العربي‭ ‬والخليجي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الاتجاه،‭ ‬وتأتي‭ ‬الزيارة‭ ‬بعد‭ ‬زيارة‭ ‬وفد‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬لدمشق‭ ‬في‭ ‬الثلاثين‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي‭ ‬برئاسة‭ ‬عبدالله‭ ‬اليحيى‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الكويتي‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬جاسم‭ ‬البديوي،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الكويتي‭ ‬في‭ ‬تصريحاته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬زيارته‭ ‬لدمشق‭ ‬هو‭ ‬‮«‬نقل‭ ‬رسالة‭ ‬خليجية‭ ‬موحدة‭ ‬بدعم‭ ‬سوريا‭ ‬سياسياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬وتنموياً‭ ‬ومؤكداً‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬جادة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬سوريا‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬المراقبون‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬زلزال‭ ‬سياسي‭ ‬مباغت‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬الأمويين‭ ‬فاجأ‭ ‬الجميع‭ ‬نتيجة‭ ‬الهجوم‭ ‬الخاطف‭ ‬الذي‭ ‬شنته‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬والذي‭ ‬توج‭ ‬بالإطاحة‭ ‬بالنظام‭ ‬السابق،‭ ‬وبذلك‭ ‬طوت‭ ‬سوريا‭ ‬صفحة‭ ‬سوداء‭ ‬من‭ ‬تاريخها‭ ‬وبدأت‭ ‬إشراقة‭ ‬جديدة‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬بعد‭ ‬فرار‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬الى‭ ‬موسكو‭. ‬المصادفة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬المزلزل‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬انعقاد‭ ‬القمة‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬الخامسة‭ ‬والأربعين‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬وتوقع‭ ‬المراقبون‭ ‬أن‭ ‬تتطرق‭ ‬القمة‭ ‬في‭ ‬بيانها‭ ‬الختامي‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬بإعلان‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬التطورات‭ ‬الدراماتيكية‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لكن‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحصل،‭ ‬وهنا‭ ‬ذهب‭ ‬المحللون‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭ ‬هذا‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬كان‭ ‬تكتيكاً‭ ‬أراد‭ ‬الخليجيون‭ ‬منه‭ ‬عدم‭ ‬الاستعجال‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬لم‭ ‬تتضح‭ ‬معالمها‭ ‬بعد‭ ‬وأيضا‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬مبدأ‭ ‬التوافق‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬الخليجية‭ ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬أحد‭ ‬الثوابت‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخليجية‭.‬

السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬وبقوة‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭ ‬ودفع‭ ‬دول‭ ‬التعاون‭ ‬الى‭ ‬اتخاذ‭ ‬مبادرة‭ ‬التحرك‭ ‬لدعم‭ ‬الأوضاع‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬سوريا؟

قبل‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬دعونا‭ ‬نتوقف‭ ‬قليلاً‭ ‬عند‭ ‬الدوافع‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬سابقا‭ ‬موقف‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭.‬

‭ ‬في‭ ‬تصوري،‭ ‬رأى‭ ‬الخليجيون‭ ‬أن‭ ‬التقارب‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬هدفه‭ ‬ان‭ ‬يدفع‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬باتجاه‭ ‬رد‭ ‬التحية‭ ‬بأحسن‭ ‬منها؛‭ ‬فيبادر‭ ‬باتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬محور‭ ‬إيران‭ ‬ويعود‭ ‬إلى‭ ‬الحضن‭ ‬العربي،‭ ‬ثم‭ ‬يتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬المصالحة‭ ‬الوطنية‭ ‬مع‭ ‬شعبه‭ ‬عبر‭ ‬حوار‭ ‬جاد‭ ‬تشارك‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية‭ ‬حقيقية‭ ‬تنهي‭ ‬حالة‭ ‬الاحتقان‭ ‬السياسي‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬سوريا‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيساعد‭ ‬على‭ ‬عودة‭ ‬الاستقرار‭ ‬الى‭ ‬سوريا‭ ‬والمنطقة‭ ‬بأسرها‭. ‬لكن‭ ‬تصلب‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬وغروره‭ ‬جعله‭ ‬لا‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬مطالب‭ ‬الخليجيين،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قاموا‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬وراح‭ ‬كعادته‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬شان‭ ‬تأثير‭ ‬ودور‭ ‬العرب‭ ‬ولا‭ ‬يظهر‭ ‬اهتماما‭ ‬بدور‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أحاديثه‭ ‬وتصريحاته؛‭ ‬فاستمر‭ ‬في‭ ‬تحالفه‭ ‬الكاثوليكي‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬مراوغته‭ ‬واتباع‭ ‬سياسات‭ ‬مزدوجة؛‭ ‬فمن‭ ‬جهة‭ ‬يتحدث‭ ‬مع‭ ‬الخليجيين‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬التضامن‭ ‬العربي،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬يكيل‭ ‬المديح‭ ‬لملالي‭ ‬إيران‭ ‬و«لمحور‭ ‬المقاومة‮»‬‭ ‬ويشيد‭ ‬بالحرس‭ ‬الثوري‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬للعدوان‭ ‬الصهيوني‭ ‬والأمريكي‭! ‬

واستمر‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬سياساته‭ ‬تجاه‭ ‬الخليجيين‭ ‬والعرب‭ ‬عموماً،‭ ‬معتقداً‭ ‬أن‭ ‬الخليجيين‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حاجته‭ ‬إليهم،‭ ‬وذهب‭ ‬في‭ ‬أوهامه‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭ ‬وظن‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬صالحه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬الفصائل‭ ‬المسلحة‭ ‬إلى‭ ‬حمص‭ ‬وتخلت‭ ‬عنه‭ ‬روسيا‭ ‬حليفته‭ ‬التي‭ ‬أمدت‭ ‬في‭ ‬عمره‭ ‬السياسي‭ ‬بعدما‭ ‬وجدت‭ ‬أنها‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬حصان‭ ‬خاسر‭ ‬وأنه‭ ‬ساقط‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سارعت‭ ‬بسحب‭ ‬تأييدها‭ ‬له‭ ‬ولكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬لم‭ ‬تتركه‭ ‬ليلقى‭ ‬مصيره‭ ‬بل‭ ‬قامت‭ ‬بنقله‭ ‬تحت‭ ‬جنح‭ ‬الظلام‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭. ‬

مع‭ ‬استيلاء‭ ‬قوات‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬على‭ ‬مدن‭ ‬حلب‭ ‬وحماة‭ ‬وحمص‭ ‬ووصولهم‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬وفرار‭ ‬الأسد‭ ‬ليلا،‭ ‬أعاد‭ ‬الخليجيون‭ ‬قراءة‭ ‬المشهد‭ ‬السوري‭ ‬بتأن‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬الواقعية‭ ‬السياسة‭ ‬وبادروا‭ ‬إلى‭ ‬الاتصال‭ ‬بالإدارة‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بعثت‭ ‬الأخيرة‭ ‬برسائل‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬تطمئنهم‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬ملامح‭ ‬مشروع‭ ‬دولتهم‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬يطمحون‭ ‬إلى‭ ‬بنائها‭. ‬

في‭ ‬اعتقادي‭ ‬أن‭ ‬الخليجيين‭ ‬تعاملوا‭ ‬مع‭ ‬الحدث‭ ‬السوري‭ ‬بسياسة‭ ‬براجماتية‭ ‬وكان‭ ‬همهم‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬مصلحة‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬الشقيق‭ ‬وبناء‭ ‬سوريا‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬جديدة‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬وحدة‭ ‬ترابها،‭ ‬وتماسك‭ ‬شعبها‭ ‬واستقراره،‭ ‬ولذلك‭ ‬بادروا‭ ‬بالترحيب‭ ‬بالإدارة‭ ‬الجديدة‭ ‬ودعمها‭ ‬وكانوا‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬شد‭ ‬الرحال‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬وقوفهم‭ ‬ومساندتهم‭ ‬لتوجهاتها‭ ‬الإصلاحية‭. ‬

وقد‭ ‬ترجمت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعوتها‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمر‭ ‬دولي‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا،‭ ‬وقد‭ ‬احتضنت‭ ‬الرياض‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والأوروبية‭ ‬وأمريكا‭ ‬وممثلين‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والمبعوث‭ ‬الأممي‭ ‬لسوريا‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬للجامعة‭ ‬العربية‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون‭. ‬توافدوا‭ ‬على‭ ‬الرياض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنسيق‭ ‬الجهود‭ ‬لدعم‭ ‬سوريا‭ ‬ورفع‭ ‬العقوبات‭ ‬عنها،‭ ‬وبذلك‭ ‬تكون‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬قد‭ ‬اخذت‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬لدعم‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬الشقيق‭ ‬وحشد‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬لرفع‭ ‬العقوبات‭ ‬عن‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬فيها‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬وجرائمه‭ ‬ضد‭ ‬شعبه‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا