نحن من الناس الذين يؤمنون أن الله سبحانه وتعالى لا يجامل أحدا على حساب أحد، ولكنه سبحانه وتعالى أيضًا إن أراد أن يعاقب فإنه بكلمة واحدة، تتحرك أساطيله ويتحرك جنوده ليقوموا بالواجب، وهذا ليس رأينا الشخصي وإنما هي عقيدة.
تُعد كاليفورنيا واحدة من الولايات الأمريكية، وتقع على الساحل الغربي للولايات المتحدة، تحدها من الشمال ولاية أوريغون، ومن الشرق ولاية نيفادا، ومن الجنوب ولاية أريزونا والمكسيك، ومن الغرب المحيط الهادئ. ومن أهم مدنها؛
* لوس أنجلوس، أكبر مدينة في كاليفورنيا ومعروفة بصناعة السينما والترفيه.
* سان فرانسيسكو، مدينة مشهورة بجسر جولدن جيت والحي الصيني.
* سان دييغو، معروفة بشواطئها الجميلة وحديقة الحيوانات الشهيرة.
أما من حيث الطبيعة والتضاريس فإن كاليفورنيا تمتاز بتنوع طبيعي كبير، حيث توجد فيها جبال سييرا نيفادا ووديان كاليفورنيا الكبرى، وكذلك صحراء موهافي في الجنوب الشرقي، وساحل يمتد على طول المحيط الهادئ مع مناظر خلابة، يبلغ طوله حوالي 1350 كيلومترًا.
وتتمتع كاليفورنيا بنهر ساكرامنتو ونهر سان جواكين وهما من الأنهار الرئيسية في الولاية، وأما مناخها فهو متنوع إذ يتراوح بين المناخ المتوسطي في الساحل، إلى المناخ الصحراوي في الداخل، والمناخ الجبلي في المرتفعات.
وتشير التقارير أن كاليفورنيا يمكن أن تُعد واحدة من أكثر الولايات تنوعًا في الولايات المتحدة من حيث السكان، فقد وجد أنه يعيش فيها أشخاص من مختلف الخلفيات الثقافية والعرقية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 39 مليون نسمة بحسب تقديرات 2021، وكذلك فإنه من الناحية الاقتصادية نجد أنه تتنوع فيها الأنشطة الاقتصادية بصورة كبيرة؛ فمن حيث:
* التكنولوجيا، وادي السيليكون (Silicon Valley) هو مركز رئيسي لصناعة التكنولوجيا في العالم. ويضم شركات تكنولوجية عملاقة مثل (Apple) و(Google) و(Facebook) و(Microsoft)، ويجذب العديد من الموهوبين ورواد الأعمال.
* الزراعة، تعتبر كاليفورنيا من أكبر الولايات إنتاجًا للمنتجات الزراعية في الولايات المتحدة، الولاية تنتج العديد من الفواكه، الخضراوات، المكسرات، ومنتجات الألبان.
* الترفيه، لوس أنجلوس هي مركز لصناعة السينما والتلفزيون في العالم، معروفة بهوليوود وأستوديوهات الإنتاج.
* السياحة، السياحة تلعب دورًا كبيرًا في اقتصاد كاليفورنيا، مع معالم شهيرة مثل ديزني لاند، جسر جولدن جيت، ويوسمايت الوطنية.
* التعليم، العديد من الجامعات والمعاهد البحثية مثل جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا بيركلي تجذب العديد من الطلاب والأكاديميين من جميع أنحاء العالم.
* الصناعة، المناطق الصناعية في كاليفورنيا تنتج كل شيء من السيارات إلى الطائرات إلى المنتجات الكيماوية.
* المال والخدمات المالية، سان فرانسيسكو ومناطق خليج سان فرانسيسكو تعتبر مركزًا للخدمات المالية والمصرفية.
كل هذه القطاعات وربما غيرها تسهم بصورة كبيرة في تنوع سكان كاليفورنيا من حيث الخلفيات الاقتصادية والأنشطة التي يمارسونها، إذ يمكن أن نجد التفاوت الاقتصادي الكبير بين الطبقات، فعلى الرغم من كل هذا الثراء الفاحش فإن هناك فئة كبيرة من البشر الذين يعيشون فيها يعيشون تحت خط الفقر أو يواجهون صعوبات اقتصادية جمة. فقد وجدنا من خلال التقارير أن كاليفورنيا تواجه مشكلة كبيرة في التشرد والفقر، هناك عدد كبير من الأشخاص الذين يعيشون دون مأوى أو يواجهون عدم الاستقرار السكني، إذ تشير الاحصائيات الى أنه، بحسب التقديرات الأخيرة، يبلغ عدد المشردين في ولاية كاليفورنيا حوالي 150 ألف شخص، ويشكل المشردون فيها نحو ثلث السكان المشردين في الولايات المتحدة.
أما من حيث كلفة المعيشة، فقد وجدنا أنها مرتفعة للغاية، خاصة في المناطق الحضرية مثل سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، وهذا يعني أن حتى الأفراد الذين يكسبون دخولًا جيدة قد يجدون صعوبة في تحمل تكاليف السكن والنفقات الأخرى.
كيف حدث الحريق؟
شهدت كاليفورنيا العديد من حرائق الغابات خلال السنوات الماضية وذلك لأسباب عدة، بعضها طبيعية والبعض الأخير بسبب تدخل الإنسان. وأما بالنسبة لحريق 2025 فقد كان من أكثر الحرائق الجافة والمدمرة في تاريخ الولاية. وتشير الأخبار الى أنه قد بدأ الحريق في 7 يناير 2025 وتفاقم بسبب الجفاف الشديد ورياح (سانتا آنا) التي بلغت سرعتها حتى 80 ميلا في الساعة (130 كم/س).
وتشير التقارير البيئية والمناخية الى أن الرياح القوية وانخفاض الرطوبة والجفاف كانت من بين العوامل الرئيسية التي أسهمت في انتشار الحريق بسرعة كبيرة، كما أن الحريق شمل عدة مناطق.
ولقد أوردت وكالات الأنباء أن من بين الأسباب التي يعتقد أنها من مسببات أحداث الحريق بعض الأسباب البشرية بمعنى أنها مفتعلة، إذ تشير أصابع الاتهام إلى شركات التأمين وبعض من أصحاب المصالح الذين يجنون الكثير من هذا الخراب المفتعل، وذلك بسبب – بحسب ما يتواتر في وكالات الأنباء – أن تلك الشركات رفضت أن تقوم بتأمين المنازل ضد الحريق منذ عام تقريبًا، لذلك تُتهم.
وبعضهم ربطها بالطقس وتغير المناخ، وارتفاع الحرارة والجفاف، إذ تشير التقارير البيئية والمناخية الى أن كاليفورنيا ذات المساحة الشاسعة والتنوع الجغرافي يمكن تقسيمها إلى مناطق شمالية وهي المناطق المطيرة والباردة والمناطق الجنوبية وهي المناطق الجافة والحارة، وتقول تلك التقارير إن المناطق الجنوبية عانت من الجفاف منذ حوالي 3 سنوات، لذلك جفت الأشجار وأصبحت هشة وقابلة للاحتراق، ومن الجدير بالذكر ان الجفاف استمر حتى هذه الفترة، لذلك بسبب أو بآخر اندلعت النيرات، التي امتدت -بحسب تصريح رئيسة خدمات الإطفاء في مدينة لوس انجلوس- على مساحة تقدر بنحو 17 ألف فدان (6900 هكتار)، وأعتبر لحد الآن من أكثر الكوارث الطبيعية تدميرًا في تاريخ لوس أنجلوس. بينما قال رئيس الإطفاء في منطقة التادينا ان الحريق امتد على مساحة 10 آلاف فدان.
بالإضافة إلى ذلك فقد ألحقت النيران أضرارًا جسيمة بالأحياء، حيث دمرت نحو 12 ألف مبنى، بما في ذلك المنازل الفاخرة والمساكن العادية، وتركت أحياء بأكملها مغطاة بالأنقاض المشتعلة، ووصف المسؤولون الوضع بالمشهد الكارثي. وبلغت أعداد الوفيات 24 شخصًا، و16 مفقودًا، بحسب السلطات في مقاطعة لوس أنجلوس.
وفي يوم الأحد الماضي الموافق 12 يناير، قُدّرت الخسائر المالية الأولية جرّاء تلك الحرائق بنحو 250 إلى 275 مليار دولار، وربما الجزء الأكبر من هذه المبالغ كانت بسبب كل تلك القصور والمدن الخاصة لمشاهير هوليود والممثلين والمخرجين والأثرياء، الذين يتكلمون عن الفقراء والعدالة والمساواة واحترام البشر وكل المعادلات الصعبة التي لا يطبقونها في حياتهم، وإنما يصدرونها للفقراء الذين يعيشون في كل بقاع العالم تحت خط الفقر، علمًا أنه يعيش في كاليفورنيا ما لا يقل عن مليون مليونير، و186 مليارديرا.
وصفت ليندسي هورفاث، عضو مجلس مشرفي مقاطعة لوس أنجلوس، الوضع بأنه «ليلة أخرى من الرعب والحسرة لا يمكن تصورها»، مشيرة إلى الصدمة التي يعيشها السكان.
مقارنة بين ما حدث في غزة وما يحدث في لوس أنجلوس..
مرة أخرى نقول، لسنا ممن يعكس ما حدث في لوس أنجلوس بما يحدث في غزة، ولكن ماذا لو كان بإمكننا أن نقارن الخسائر بين ما يحدث هنا وما يحدث هناك، لمجرد المقارنة فقط.
شهدت حرب غزة خلال الفترة من أكتوبر 2023 إلى يناير 2025 (حوالي 467 يوما)، أكثر من 46 ألف شخص شهيد وأصيب نحو 110 آلاف آخرون، بينما مازال 11 ألف شخص في عداد المفقودين. وتم تدمير أكثر من 75% من البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى انتشار المجاعة التي أودت بحياة العديد من الأطفال والمسنين.
أما خسائر حريق كاليفورنيا 2025 (خلال أقل من أسبوع)، فقد كانت الخسائر البشرية تقدر بما لا يقل عن 24 شخصًا، ولكن الخسائر المادية، فقد قدرت ما يتراوح بين 250 و275 مليار دولار أمريكي، ودمر الحريق آلاف المنازل والمنشآت وأجبر الآلاف على مغادرة منازلهم، والنزوح إلى مناطق أخرى، بالإضافة إلى تضخم أسعار الشقق السكنية في المناطق التي تم النزوح إليها، والسرقة والنهب وانعدام الأخلاق والمسؤولية المجتمعية ليس فقط بين سكان الولايات والمدن الأمريكية، وإنما حتى بين المسؤولين الذين كانوا يرمون اخفاقاتهم على بعضهم البعض، فهذا يتهم هذا بالقصور وهذا يرد على هذا بالقصور، وتشير التقديرات الى أن خسائر كاليفورنيا في حوالي أسبوع تقدر بأربعة أضعاف خسائر غزة خلال سنة وبضعة أشهر، يا سبحان الله.
عمومًا، من الواضح أن كلا الحدثين كان لهما تأثيرات كبيرة على الأفراد والمجتمعات، ولكن السياقات والظروف المحيطة بكل حدث مختلفة، فالحرب في غزة تسببت في خسائر بشرية ومادية كبيرة بالإضافة إلى سقوط الأخلاق وفشل الديمقراطية والحريات والحضارة الغربية التي تدعي أنها دول القانون والحقوق والحريات، بينما حرائق كاليفورنيا تسببت في خسائر مادية ضخمة وأضرار بيئية، بالإضافة إلى سقوط الأخلاق الغربية والحريات وانعدام المسؤوليات المجتمعية، وكذلك سقوط السلطات الأمريكية التي بدا واضحًا أنها لا تستطيع إدارة الأزمات.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك