العدد : ١٧١٠١ - الجمعة ١٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠١ - الجمعة ١٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«المحكمة الجنائية الدولية» في مرمى العقوبات الأمريكية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ١٧ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬ظل‭ ‬الدعم‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬يقدمه‭ ‬المشرعون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬وغزوها‭ ‬واحتلالها‭ ‬لغزة،‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬للمدنيين‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬أصدروا‭ ‬تهديدات‭ ‬صريحة‭ ‬تمس‭ ‬نزاهة‭ ‬‮«‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬وسلامة‭ ‬مسؤوليها،‭ ‬عقب‭ ‬إعلان‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة،‭ ‬‮«‬كريم‭ ‬خان‮»‬،‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬عزمه‭ ‬إصدار‭ ‬مذكرات‭ ‬اعتقال‭ ‬دولية،‭ ‬بحق‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬‮«‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬ووزير‭ ‬دفاعه‭ ‬آنذاك‭ -‬‮«‬يوآف‭ ‬جالانت‮»‬،‭ ‬بتهمة‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭.‬

وبلهجة‭ ‬شديدة‭ ‬التحدي،‭ ‬بعث‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكيون‭ ‬رسالة‭ ‬تهديد‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬خان‮»‬،‭ ‬وقعها‭ ‬12‭ ‬عضوًا‭ ‬بارزًا‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬‮«‬ماركو‭ ‬روبيو‮»‬،‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬باستهداف‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬شخصيا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التحرك‭ ‬لـ«إنهاء‭ ‬كافة‭ ‬أشكال‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‮»‬،‭ ‬و«معاقبة‭ ‬موظفيها‭ ‬وشركائها‮»‬،‭ ‬وأنهوا‭ ‬خطاب‭ ‬التهديد‭ ‬بعبارة‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬تم‭ ‬تحذيرك‮»‬‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئًا،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬ذاتها‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬مئات‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬الذين‭ ‬رحبوا‭ ‬برئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬لاحقًا،‭ ‬ودعوه‭ ‬لإلقاء‭ ‬خطاب‭ ‬أمامهم‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2024‭. ‬

وتصاعدت‭ ‬الحملة‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬الساسة‭ ‬الأمريكيون‭ ‬المؤيدون‭ ‬بشدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ضد‭ ‬الالتزامات‭ ‬القضائية‭ ‬المستقلة‭ ‬للمحكمة،‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬محاسبة‭ ‬مرتكبي‭ ‬الجرائم،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬بقيادة‭ ‬‮«‬جو‭ ‬بايدن‮»‬،‭ ‬وجاء‭ ‬ذلك‭ ‬عقب‭ ‬موافقة‭ ‬لجنة‭ ‬من‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬مذكرة‭ ‬اعتقال‭ ‬‮«‬خان‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الـ124‭ ‬الموقعة‭ ‬على‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬روما‮»‬،‭ ‬احتجاز‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬و«جالانت‮»‬،‭ ‬كلما‭ ‬أمكن‭ ‬ذلك،‭ ‬وترحيلهما‭ ‬إلى‭ ‬لاهاي‭ ‬للمثول‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭.‬

وفي‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭ ‬وفيما‭ ‬وصفته‭ ‬‮«‬كارون‭ ‬ديميرجيان‮»‬،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬هجوم‭ ‬مباشر‮»‬‭ ‬على‭ ‬‮«‬المحكمة‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬بشأن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة؛‭ ‬أقر‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬يُعرف‭ ‬رسميًا‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬قانون‭ ‬مكافحة‭ ‬المحكمة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬إذا‭ ‬أضحى‭ ‬قانونًا‭ ‬ساريًا،‭ ‬فإنه‭ ‬سيقضي‭ ‬بفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬والمنظمات‭ ‬والهيئات‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬أو‭ ‬تحتجز‭ ‬أو‭ ‬تحاكم‭ ‬مواطني‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاءها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إسرائيل‭.‬

وبالفعل،‭ ‬وافق‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬النواب‮»‬‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬بأغلبية‭ ‬243‭ ‬صوتًا‭ ‬مقابل‭ ‬140‭ ‬صوتًا‭ ‬ضده،‭ ‬حيث‭ ‬انضم‭ ‬45‭ ‬نائبا‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬الجمهوريين‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬القانون‭. ‬وينص‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مسؤولي‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬سيواجهون‭ ‬إجراءات‭ ‬عقابية‭ ‬إذا‭ ‬قاموا‭ ‬بمقاضاة‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬‮«‬الأشخاص‭ ‬المحميين‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬فئة‭ ‬أوضحت‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬أنها‭ ‬تشمل‭ ‬‮«‬جميع‭ ‬المسؤولين‭ ‬العسكريين‭ ‬والحكوميين‭ ‬الحاليين‭ ‬والسابقين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أولئك‭ ‬التابعين‭ ‬لـ‮«‬الحلفاء‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يوافقوا‭ ‬على‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمة‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬يشمل‭ ‬إسرائيل‭.‬

واعترف‭ ‬‮«‬مايك‭ ‬جونسون‮»‬،‭ ‬زعيم‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬بأن‭ ‬النية‭ ‬المتعمدة‭ ‬لهذا‭ ‬التشريع‭ ‬هي‭ ‬‮«‬تحجيم‮»‬،‭ ‬خان؛‭ ‬وبمعنى‭ ‬آخر‭ ‬إجباره‭ ‬ومدعيّ‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬تحقيقاتهم‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬ومع‭ ‬فوز‭ ‬الجمهوريين‭ ‬بالأغلبية‭ ‬في‭ ‬الكونجرس،‭ ‬وكذلك‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬يناير‭ ‬2025؛‭ ‬فإن‭ ‬إقرار‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬بات‭ ‬أمرًا‭ ‬متوقعا‭. ‬وذكرت‭ ‬‮«‬باتريشيا‭ ‬زنجرل‮»‬،‭ ‬من‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬رويترز‮»‬،‭ ‬كيف‭ ‬وعد‭ ‬‮«‬جون‭ ‬ثون‮»‬،‭ ‬زعيم‭ ‬الأغلبية‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديد‭ ‬بمجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬‮«‬بالنظر‭ ‬السريع‭ ‬للقانون‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬التوقيع‭ ‬عليه‭ ‬كقانون‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬من‭ ‬تقلده‭ ‬منصبه‮»‬‭. ‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬استنكرت‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وخبراء‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬محاولات‭ ‬المشرعين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬فرض‭ ‬إجراءات‭ ‬عقابية‭ ‬على‭ ‬قضاة‭ ‬‮«‬الجنائية‭ ‬الدولية‮»‬‭. ‬وقُبيل‭ ‬تصويت‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬كتبت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬منظمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‮»‬،‭ ‬و«منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬و‮«‬الاتحاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬للحريات‭ ‬المدنية‮»‬،‭ ‬و«المجلس‭ ‬الأمريكي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‮»‬،‭ ‬و‮«‬مركز‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا‮»‬،‭ ‬و«العيادة‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بجامعة‭ ‬بوسطن»؛‭ ‬إلى‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس،‭ ‬وكذلك‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬القادمة‭ ‬‮«‬للتنديد‭ ‬بمحاولات‭ ‬مهاجمة‭ ‬مؤسسة‭ ‬قضائية‭ ‬مستقلة‮»‬،‭ ‬وحثهم‭ ‬على‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المضلّل‮»‬‭.‬

ورفضت‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬يتبناها‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكيون‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬العدالة‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬بشكل‭ ‬انتقائي‭ ‬لتعزيز‭ ‬المخاوف‭ ‬الجيوسياسية‮»‬،‭ ‬ووصفت‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬إهانة‭ ‬أخلاقية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬عُرضة‭ ‬للخطر‭ ‬وإلغاء‭ ‬لعالمية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‮»‬،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬مصداقية‭ ‬وعمل‭ ‬المحكمة‭ ‬أشبه‭ ‬بـ«الهجوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬ذاته‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬التصويت،‭ ‬أعلنت‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬أنها‭ ‬ستستأنف‭ ‬قرارها‭ ‬بشأن‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬فيما‭ ‬استنكرت‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬هذا‭ ‬القرار،‭ ‬ووصفته‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬مخيب‭ ‬للآمال‭ ‬بشكل‭ ‬عميق‮»‬،‭ ‬وأصرت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬‮«‬جزء‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬للعدالة‭ ‬الدولية‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬مهندسيه‭ ‬الرئيسيين‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثّم‭ ‬يتحتم‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تحميه‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تدميره‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬التصويت‭ ‬لصالح‭ ‬تطبيق‭ ‬عقوبات،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬تجميد‭ ‬الأصول‮»‬،‭ ‬و«حظر‭ ‬السفر‮»‬،‭ ‬على‭ ‬موظفي‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ -‬وهي‭ ‬التدابير‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬ضد‭ ‬منتهكي‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬والتهديدات‭ ‬الحادة‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭- ‬رأت‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬جلبت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وصمة‭ ‬العار‭ ‬عبر‭ ‬انحيازها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العدالة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬‮«‬أدوات‭ ‬انتقامية‮»‬،‭ ‬مصممة‭ ‬لإسكات‭ ‬المساءلة‭ ‬الدولية،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬دعم‭ ‬أساسي‮»‬‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬‮«‬للضحايا‭ ‬الذين‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬أي‭ ‬ملجأ‭ ‬آخر‭ ‬للعدالة‮»‬‭.‬

وأشارت‭ ‬‮«‬إليزابيث‭ ‬إيفنسون‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب،‭ ‬أن‭ ‬يصوت‭ ‬المشرعون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬بأغلبية‭ ‬كبيرة‭ ‬لصالح‭ ‬استهداف‭ ‬المدعين‭ ‬العامين‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية،‭ ‬الذين‭ ‬‮«‬يقومون‭ ‬بعملهم‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬عن‭ ‬انتهاكات‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬وأكدت‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العقوبة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬سارية‭ ‬على‭ ‬‮«‬منتهكي‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬محاسبة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬الانتهاكات‮»‬‭.‬

‮ ‬كما‭ ‬يعترف‭ ‬بهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬بعض‭ ‬المشرعين‭ ‬الأمريكيين‭. ‬وانتقد‭ ‬‮«‬جيم‭ ‬ماكجفرن‮»‬،‭ ‬النائب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬عن‭ ‬ولاية‭ ‬ماساتشوستس،‭ ‬أنصار‭ ‬هذا‭ ‬التشريع،‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية،‮ ‬لأنهم‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬تطبيق‭ ‬القواعد‭ ‬على‭ ‬الجميع‮»‬،‭ ‬وتابع‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مبرر‭ ‬دولي‭ ‬في‭ ‬الانتقام،‭ ‬وما‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬هو‭ ‬انتقام‮»‬‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتداعيات‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬المحكمة،‭ ‬فإن‭ ‬خطاب‭ ‬الساسة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬ضد‭ ‬استقلالها‭ ‬شبهه‭ ‬‮«‬براين‭ ‬ماست‮»‬،‭ ‬النائب‭ ‬الجمهوري‭ ‬عن‭ ‬فلوريدا‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬بـ«محكمة‭ ‬صورية‮»‬،‭ ‬وتعهد‭ ‬بعدم‭ ‬‮«‬التسامح‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬إلى‭ ‬العدالة‭. ‬ويُشير‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬حملة‭ ‬أوسع‭ ‬نطاقا‭ ‬لمحاولة‭ ‬تشويه‭ ‬سمعة‭ ‬المحكمة،‭ ‬ونزع‭ ‬الشرعية‭ ‬عن‭ ‬مهمتها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تمكين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬ارتكاب‭ ‬انتهاكات‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وأفظع‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

وعلقت‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬بأن‭ ‬تمرير‭ ‬هذا‭ ‬التشريع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬سيُسبب‭ ‬‮«‬ضررًا‭ ‬جسيمًا‭ ‬لمصالح‭ ‬جميع‭ ‬الضحايا‭ ‬حول‭ ‬العالم‮»‬‭. ‬وأبرزت‭ ‬الرسالة‭ -‬سالفة‭ ‬الذكر‭- ‬الموقعة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظمات‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬موظفي‭ ‬المحكمة،‭ ‬قد‭ ‬‮«‬تعرقل‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬القضايا‭ ‬الواقعة‭ ‬ضمن‭ ‬اختصاصها‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والسودان،‭ ‬اللتين‭ ‬تُعدان‭ ‬‮«‬بالغتي‭ ‬الأهمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬دعت‭ ‬فيه‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية،‭ ‬الحكومات‭ -‬خاصة‭ ‬الغربية‭- ‬إلى‭ ‬‮«‬رفع‭ ‬أصواتها‭ ‬لمعارضة‭ ‬الهجمات‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬مؤسسات‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية؛‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬مارتن‭ ‬كونيكني‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬مشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الأوروبي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قرارات‭ ‬المشرعين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬تثير‭ ‬‮«‬تساؤلات‭ ‬جوهرية‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬وجود‭ ‬المحكمة،‭ ‬إذا‭ ‬امتنعت‭ ‬الدول‭ ‬عن‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‮»‬‭.‬

وتُعد‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الـ124‭ ‬الموقعة‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي،‭ ‬‮«‬ملزمة‭ ‬قانونيًا‮»‬،‭ ‬بتنفيذ‭ ‬مذكرات‭ ‬التوقيف‭ ‬الصادرة‭ ‬بحق‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬و«جالانت‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬دخولهما‭ ‬نطاق‭ ‬ولايتها‭ ‬القضائية،‭ ‬ونقلهم‭ ‬إلى‭ ‬لاهاي‭ ‬للمحاكمة‭ ‬بتهم‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬آلية‭ ‬إنفاذ‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مذكرات‭ ‬التوقيف‭ ‬الدولية،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬تعاون‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬للوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬وفقًا‭ ‬لطلبات‭ ‬المحكمة‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الضغوط‭ ‬المتزايدة‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬لعدم‭ ‬الامتثال‭ ‬لأوامر‭ ‬المحكمة،‭ ‬يُتوقع‭ ‬تصاعد‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬مع‭ ‬عودة‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬رفض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬احتجاز‭ ‬نتنياهو‭ ‬أو‭ ‬جالانت‭. ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬ذلك‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬‮«‬بولندا‮»‬،‭ ‬اعتقال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أو‭ ‬تسليمه‭ ‬إذا‭ ‬زار‭ ‬البلاد‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالذكرى‭ ‬الثمانين‭ ‬لتحرير‭ ‬معسكر‭ ‬الاعتقال‭ ‬النازي‭ ‬‮«‬أوشفيتز‮»‬،‭ ‬متجاهلة‭ ‬عمدا‭ ‬اتهامه‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬محكمة‭ ‬دولية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بتهم‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭.‬

‮ ‬وإزاء‭ ‬تصرفات‭ ‬زملائها‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الكونجرس؛‭ ‬نددت‭ ‬‮«‬رشيدة‭ ‬طليب‮»‬،‭ ‬النائبة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬عن‭ ‬ولاية‭ ‬ميشيغان،‭ ‬بأن‭ ‬الأولوية‭ ‬القصوى‭ ‬للبرلمانيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬خلال‭ ‬أسبوعهم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬المداولات‭ ‬في‭ ‬2025،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معالجة‭ ‬القضايا‭ ‬المحلية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬العاجلة؛‭ ‬بل‭ ‬‮«‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬لحماية‭ ‬نتنياهو»؛‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬‮«‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬‭. ‬

وكما‭ ‬أصبح‭ ‬واضحًا‭ ‬من‭ ‬تصرفات‭ ‬معظم‭ ‬الساسة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬من‭ ‬الحزبين‭ ‬الجمهوري‭ ‬والديمقراطي،‭ ‬فإن‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬تشكل‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬لأجندتهم‭ ‬وغاياتهم،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أنهم‭ ‬سيتخلون‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬قيادة‭ ‬أمريكية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬أو‭ ‬الالتزامات‭ ‬تجاه‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الغاية‭. ‬

وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬الاتهامات‭ ‬غير‭ ‬المستندة‭ ‬إلى‭ ‬أدلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬المؤيدين‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬مثل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬‮«‬ريتشي‭ ‬توريس‮»‬،‭ ‬عن‭ ‬ولاية‭ ‬نيويورك،‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬تسليح‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬أبشع‭ ‬صوره»؛‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬بريت‭ ‬ويلكنز‮»‬،‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬كومون‭ ‬دريمز‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬توريس‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬متلقٍ‭ ‬للتبرعات‭ ‬الانتخابية‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬الضغط‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬منظمة‭ (‬أيباك‭)‬،‭ ‬ويكشف‭ ‬هذا‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬لوبي‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬ومدى‭ ‬تغلغل‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا