أتذكر قبل عدة سنوات يمكن تزيد على 30 سنة أو أكثر طرح في الصحافة المحلية موضوع الاعتماد على المواصلات العامة كحل جوهري ومستدام لأربع مشكلات أساسية يعاني منها المجتمع حاليا ويتوقع أن تزيد هذه المشكلات في المستقبل وهي:
أولا: الازدحام الشديد في الطرقات بسبب الاعتماد المتزايد على وسائل النقل الفردية، فإذا كانت العائلة تتكون من 8 أفراد راشدين فالمطلوب ان تمتلك هذه العائلة 8 سيارات، مما يؤدي تدريجيا إلى اختناقات مرورية غير مقبولة وفوق طاقة الاعتماد مهما فعلت الجهات الرسمية ومهما بذلت من جهود لتطوير الطرقات وزيادة قابليتها لتدفق السيارات، وهذا ما نشاهده اليوم بالعيان ونعاني منه بشكل يومي وخانق ويفوق طاقة الاحتمال ويتوقع أن يزداد ذلك في المستقبل.
ثانيا: التلوث المتزايد الناتج عن تدفق ثاني أكسيد الكربون من عشرات الآلاف من السيارات التي تجوب شوارع البحرين، فحجم هذا التلوث يفوق كل احتمال ومن الطبيعي أن تكون المؤشرات في هذه الحالة مقلقة. فالبحرين بسبب صغر حجمها الجغرافي والنهضة العمرانية الكبيرة بها والزيادة في السكان والتطور الاقتصادي يؤدي كل ذلك إلى زيادة كبيرة في معدلات التلوث الذي له عواقب صحية معلومة لدى الجهات العلمية والصحية، خاصة ما يتعلق بازدياد الأمراض التنفسية والربو والأمراض ذات العلاقة بهذا الجانب.
ثالثا: الإهدار المادي الكبير الناجم عن التكاليف الكبيرة والضخمة لاقتناء السيارات التي يزداد سعرها شيئا فشيئا وسنة بعد أخرى. ولسنا هنا في حاجة إلى استعراض الكلفة المالية والمتزايدة لشراء السيارات الحديثة لأبنائنا الطلبة الدارسين في الجامعات، فهذه التكاليف من شأنها أن ترهق ميزانية الأسرة بشكل كبير.
رابعا: مسألة ذات طابع صحي؛ فكما هو معلوم ان معظم الناس يعتمدون بشكل متزايد على السيارات حتى في المشاوير اليومية الصغيرة، حيث كنا فيما مضى في المدن والقرى التي نسكنها نذهب إلى الأسواق والمحلات التجارية والمساجد والحدائق مشيا على الأقدام من دون الحاجة إلى استخدام السيارة مثلما هو حاصل اليوم، ولذلك كانت الحالة الصحية لمعظم الناس أفضل مما هي عليه اليوم، نتيجة لقلة الحركة وازدياد الأوزان وما يترتب عليها من أمراض معلومة ومنتشرة بين أغلب المواطنين.
إن هذه المشكلات المشار إليها وغيرها من المشكلات التي لا يتسع إليها هذا المقال من الممكن حلها أو التخفيف منها بشكل ملموس بالتركيز على تطوير النقل العام الذي شهد خلال السنوات الماضية تطورا كبيرا ومشكورا، ولكن للأسف الشديد أن معظم المواطنين لا يستخدمونه بالرغم مما شهده من تطور محمود وملحوظ، رغم اننا حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي كنا نعتمد اعتمادا كليا على النقل العام في قضاء حاجاتنا مع قلة عدد الخطوط آنذاك، وعلى الرغم من أن مستوى الخدمة أصبح معقولا وشبكة النقل العام وربطها بمدن وقرى البحرين شهدت تطويرا كبيرا، ولهذا يجب التعريف بها أكثر فأكثر فأنا شخصيا استخدمتها أكثر من مرة ووجدتها مريحة وعصرية حديثة ومكيفة وتتحرك في الأوقات المحددة لها وتتوافر فيها بعض الخدمات مثل الواي فاي، لذلك ما أقوله هو من واقع التجربة الشخصية، والمطلوب فقط عمل حملات توعوية ودعاية لها للتعريف بها لإقناع المواطنين باستخدامها تدريجيا مع إعطاء الأولوية للمناطق ذات الكثافة السكانية العالية حتى تصبح وسائل النقل العام ذات جاذبية طالما أن المواطن يجدها قريبة من محل سكناه في الذهاب والإياب وقريبة من مكان عمله، وهذا يحتاج إلى ضبط المواعيد والمواقيت التي تمر فيها وسائل النقل وتعود فيها بحيث لا يضطر المواطن إلى الوقوف في الشارع وقتا طويلا في انتظار هذه الوسائل.
إن مثل هذا الحل ممكن إذا توافرت الموارد والإرادة والرغبة والتخطيط الجيد ولو بشكل تدريجي، فقد سبقنا في ذلك العديد من الدول التي تعتمد أساسا على وسائل النقل العام.
يبقى ان هذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير ليس فقط في توفير الموارد فقط وإنما في تغيير عقلية المواطنين ونظرتهم الى هذا النوع من المواصلات وإقناعهم باستخدام وسائل النقل العام فهي مريحة وممتازة من حيث الخدمة أسوة بأغلب شعوب العالم التي تعتمد اعتمادا أساسيا على وسائل النقل العام سواء الباصات أو مترو الانفاق أو القطارات، ولذلك آن الأوان من وجهة نظري أن نخطو هذه الخطوة التي تأخرنا فيها وسببت لنا العديد من المشكلات بما في ذلك تكاليف باهظة من أموالنا وصحتنا ومن ميزانية الدولة التي تحتاج الى موارد إضافية من أجل تحديث شوارع وطرق البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك