العدد : ١٧١٠١ - الجمعة ١٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠١ - الجمعة ١٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

آن الأوان لإعادة الاعتبار إلى النقل العام

بقلم: د. نبيل العسومي

الخميس ١٦ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

أتذكر‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬يمكن‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬30‭ ‬سنة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬طرح‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المحلية‭ ‬موضوع‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬المواصلات‭ ‬العامة‭ ‬كحل‭ ‬جوهري‭ ‬ومستدام‭ ‬لأربع‭ ‬مشكلات‭ ‬أساسية‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬المجتمع‭ ‬حاليا‭ ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬تزيد‭ ‬هذه‭ ‬المشكلات‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬وهي‭:‬

أولا‭: ‬الازدحام‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬بسبب‭ ‬الاعتماد‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬الفردية،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬العائلة‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬أفراد‭ ‬راشدين‭ ‬فالمطلوب‭ ‬ان‭ ‬تمتلك‭ ‬هذه‭ ‬العائلة‭ ‬8‭ ‬سيارات،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬اختناقات‭ ‬مرورية‭ ‬غير‭ ‬مقبولة‭ ‬وفوق‭ ‬طاقة‭ ‬الاعتماد‭ ‬مهما‭ ‬فعلت‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬ومهما‭ ‬بذلت‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬لتطوير‭ ‬الطرقات‭ ‬وزيادة‭ ‬قابليتها‭ ‬لتدفق‭ ‬السيارات،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نشاهده‭ ‬اليوم‭ ‬بالعيان‭ ‬ونعاني‭ ‬منه‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬وخانق‭ ‬ويفوق‭ ‬طاقة‭ ‬الاحتمال‭ ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬يزداد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

ثانيا‭: ‬التلوث‭ ‬المتزايد‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬تدفق‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬التي‭ ‬تجوب‭ ‬شوارع‭ ‬البحرين،‭ ‬فحجم‭ ‬هذا‭ ‬التلوث‭ ‬يفوق‭ ‬كل‭ ‬احتمال‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المؤشرات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬مقلقة‭. ‬فالبحرين‭ ‬بسبب‭ ‬صغر‭ ‬حجمها‭ ‬الجغرافي‭ ‬والنهضة‭ ‬العمرانية‭ ‬الكبيرة‭ ‬بها‭ ‬والزيادة‭ ‬في‭ ‬السكان‭ ‬والتطور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يؤدي‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬التلوث‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬عواقب‭ ‬صحية‭ ‬معلومة‭ ‬لدى‭ ‬الجهات‭ ‬العلمية‭ ‬والصحية،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بازدياد‭ ‬الأمراض‭ ‬التنفسية‭ ‬والربو‭ ‬والأمراض‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬بهذا‭ ‬الجانب‭.‬

ثالثا‭: ‬الإهدار‭ ‬المادي‭ ‬الكبير‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬التكاليف‭ ‬الكبيرة‭ ‬والضخمة‭ ‬لاقتناء‭ ‬السيارات‭ ‬التي‭ ‬يزداد‭ ‬سعرها‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬وسنة‭ ‬بعد‭ ‬أخرى‭. ‬ولسنا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬استعراض‭ ‬الكلفة‭ ‬المالية‭ ‬والمتزايدة‭ ‬لشراء‭ ‬السيارات‭ ‬الحديثة‭ ‬لأبنائنا‭ ‬الطلبة‭ ‬الدارسين‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬فهذه‭ ‬التكاليف‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬ترهق‭ ‬ميزانية‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭.‬

رابعا‭: ‬مسألة‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬صحي؛‭ ‬فكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬ان‭ ‬معظم‭ ‬الناس‭ ‬يعتمدون‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬على‭ ‬السيارات‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المشاوير‭ ‬اليومية‭ ‬الصغيرة،‭ ‬حيث‭ ‬كنا‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬التي‭ ‬نسكنها‭ ‬نذهب‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬والمحلات‭ ‬التجارية‭ ‬والمساجد‭ ‬والحدائق‭ ‬مشيا‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬السيارة‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬اليوم،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬الحالة‭ ‬الصحية‭ ‬لمعظم‭ ‬الناس‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬اليوم،‭ ‬نتيجة‭ ‬لقلة‭ ‬الحركة‭ ‬وازدياد‭ ‬الأوزان‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬معلومة‭ ‬ومنتشرة‭ ‬بين‭ ‬أغلب‭ ‬المواطنين‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬المشكلات‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬إليها‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬حلها‭ ‬أو‭ ‬التخفيف‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬ملموس‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬تطورا‭ ‬كبيرا‭ ‬ومشكورا،‭ ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المواطنين‭ ‬لا‭ ‬يستخدمونه‭ ‬بالرغم‭ ‬مما‭ ‬شهده‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬محمود‭ ‬وملحوظ،‭ ‬رغم‭ ‬اننا‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كنا‭ ‬نعتمد‭ ‬اعتمادا‭ ‬كليا‭ ‬على‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬قضاء‭ ‬حاجاتنا‭ ‬مع‭  ‬قلة‭ ‬عدد‭ ‬الخطوط‭ ‬آنذاك،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمة‭ ‬أصبح‭ ‬معقولا‭ ‬وشبكة‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬وربطها‭ ‬بمدن‭ ‬وقرى‭ ‬البحرين‭ ‬شهدت‭ ‬تطويرا‭ ‬كبيرا،‭ ‬ولهذا‭  ‬يجب‭ ‬التعريف‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬فأنا‭ ‬شخصيا‭ ‬استخدمتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬ووجدتها‭ ‬مريحة‭ ‬وعصرية‭ ‬حديثة‭ ‬ومكيفة‭ ‬وتتحرك‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬المحددة‭ ‬لها‭ ‬وتتوافر‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الخدمات‭ ‬مثل‭ ‬الواي‭ ‬فاي،‭ ‬لذلك‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬واقع‭  ‬التجربة‭ ‬الشخصية،‭ ‬والمطلوب‭ ‬فقط‭ ‬عمل‭ ‬حملات‭ ‬توعوية‭ ‬ودعاية‭ ‬لها‭ ‬للتعريف‭ ‬بها‭ ‬لإقناع‭ ‬المواطنين‭ ‬باستخدامها‭ ‬تدريجيا‭ ‬مع‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للمناطق‭ ‬ذات‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬العالية‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬ذات‭ ‬جاذبية‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬يجدها‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬محل‭ ‬سكناه‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬والإياب‭ ‬وقريبة‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬عمله،‭ ‬وهذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ضبط‭ ‬المواعيد‭ ‬والمواقيت‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬فيها‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬وتعود‭ ‬فيها‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يضطر‭ ‬المواطن‭ ‬إلى‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬وقتا‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭.‬

إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬ممكن‭ ‬إذا‭ ‬توافرت‭ ‬الموارد‭ ‬والإرادة‭ ‬والرغبة‭ ‬والتخطيط‭ ‬الجيد‭ ‬ولو‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي،‭ ‬فقد‭ ‬سبقنا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬العام‭.‬

يبقى‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهد‭ ‬كبير‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الموارد‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬عقلية‭ ‬المواطنين‭ ‬ونظرتهم‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المواصلات‭ ‬وإقناعهم‭ ‬باستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬فهي‭ ‬مريحة‭ ‬وممتازة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الخدمة‭ ‬أسوة‭ ‬بأغلب‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬اعتمادا‭ ‬أساسيا‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬سواء‭ ‬الباصات‭ ‬أو‭ ‬مترو‭ ‬الانفاق‭ ‬أو‭ ‬القطارات،‭ ‬ولذلك‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬أن‭ ‬نخطو‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬التي‭ ‬تأخرنا‭ ‬فيها‭ ‬وسببت‭ ‬لنا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭  ‬تكاليف‭ ‬باهظة‭ ‬من‭ ‬أموالنا‭ ‬وصحتنا‭ ‬ومن‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬موارد‭ ‬إضافية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحديث‭ ‬شوارع‭ ‬وطرق‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا