العدد : ١٧٠٩٩ - الأربعاء ١٥ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٩ - الأربعاء ١٥ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المشرق العربي في حاجة إلى رؤية جديدة لبناء مستقبله

بقلم: د. جيمس زغبي

الأربعاء ١٥ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬مناطق‭ ‬ودول‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬تعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭. ‬فباستثناء‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يعاني‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الضعف‭ ‬والانقسامات‭ ‬وانعدام‭ ‬الوجهة‭ ‬الواضحة‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬محاصر‭ ‬ويتخبط‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬صراعات‭ ‬متعددة،‭ ‬وغير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مصيره‭.‬

في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الجديد‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬منذ‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬القوى‭ ‬غير‭ ‬العربية‭ ‬تستغل‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬سعيها‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬تطلعاتها‭ ‬الخاصة‭. ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬أربع‭ ‬فترات‭ ‬رئيسية‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬محنة‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬اللاعبين‭ ‬المهيمنين‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬تغيروا‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬فإن‭ ‬الثابت‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬كانوا‭ ‬ضحايا‭ ‬للتلاعب‭ ‬الذي‭ ‬يحيكه‭ ‬ويدبره‭ ‬الآخرون‭.‬

قبل‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬محاصراً‭ ‬بين‭ ‬المخططات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وجشع‭ ‬البريطانيين‭ ‬والفرنسيين؛‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الصراعات‭ ‬كان‭ ‬مدارها‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬وشرق‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وقناة‭ ‬السويس‭.‬

لقد‭ ‬عمدت‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬إلى‭ ‬تقسيم‭ ‬وتقاسم‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬دول‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تنسيق‭ ‬مع‭ ‬أشكال‭ ‬الحكم‭ ‬المفروضة،‭ ‬وزرع‭ ‬بذور‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬عواقب‭ ‬وخيمة‭ ‬ومريرة‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬تشريد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وتشتيتهم‭ ‬لإفساح‭ ‬المجال‭ ‬لدولة‭ ‬عميلة‭ ‬للغرب‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كما‭ ‬أسس‭ ‬الفرنسيون‭ ‬دولة‭ ‬طائفية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬حيث‭ ‬سيطرت‭ ‬الطوائف‭ ‬المفضلة‭ ‬لديهم،‭ ‬بينما‭ ‬فرضت‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬أنظمة‭ ‬ملكية‭ ‬أفسحت‭ ‬المجال‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬للانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تخفي‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬روح‭ ‬الطائفية‭.‬

خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬أصبح‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬أحد‭ ‬المنصات‭ ‬العديدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬للتنافس‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬راعياً‭ ‬لـ‮«‬حركات‭ ‬الثورة‮»‬‭ ‬والأنظمة‭ ‬العسكرية‭ ‬‮«‬المناهضة‭ ‬للإمبريالية‮»‬‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فقد‭ ‬عملت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬رعاية‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والتحالف‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬الساعية‭ ‬إلى‭ ‬الاستقرار،‭ ‬والجماعات‭ ‬الطائفية‭ ‬الساعية‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬نفوذها‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر2001،‭ ‬بالغت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬لعب‭ ‬دورها‭ ‬بشكل‭ ‬خطير‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬واحتلاله،‭ ‬والدعوة‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬واحتضان‭ ‬الطموحات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وتمكينها‭ ‬بالكامل‭.‬

وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬مزدوجة؛‭ ‬فقد‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬ثرواتها‭ ‬وجنودها‭ ‬وهيبتها‭ ‬أثناء‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬الحمقاء‭ ‬لإنشاء‭ ‬دولة‭ ‬تابعة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ (‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬نحو‭ ‬مائتي‭ ‬ألف‭ ‬مدني‭ ‬عراقي‭)‬،‭ ‬وتشجيع‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬غير‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬رأت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فرصة‭ ‬لتوسيع‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭.‬

يتواصل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬العربي‭ ‬المتردي‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ولبنان‭ ‬وسقوط‭ ‬حكومة‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬روسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تضعان‭ ‬أيديهما‭ ‬في‭ ‬القدر‭ ‬وتحركان‭ ‬الأوضاع،‭ ‬فمن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬المؤثرة‭ ‬الناشئة‭ ‬حديثا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هي‭ ‬الآن،‭ ‬بدرجات‭ ‬مختلفة،‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬العربية‭ ‬مثل‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬وتركيا‭.‬

يبدو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬وكأنه‭ ‬مصاب‭ ‬بجنون‭ ‬العظمة‭ ‬عندما‭ ‬يصف‭ ‬الدور‭ ‬الإقليمي‭ ‬المهيمن‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬بلاده،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتجاهل‭ ‬حقيقة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬إلا‭ ‬بفضل‭ ‬الإمدادات‭ ‬الضخمة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والأصول‭ ‬العسكرية‭ ‬الاحتياطية،‭ ‬والدعم‭ ‬السياسي،‭ ‬كما‭ ‬يزعم‭ ‬نتنياهو‭ ‬أنه‭ ‬يقاتل‭ ‬وينتصر‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬جبهات،‭ ‬وينقذ‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬آفة‭ ‬التطرف‭.‬

تعمل‭ ‬إسرائيل‭ ‬الآن‭ ‬بلا‭ ‬هوادة،‭ ‬وهي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬لا‭ ‬يملكها‭ ‬أحد،‭ ‬وفرض‭ ‬قواعد‭ ‬دائمة‭ ‬هناك‭ ‬كعلامة‭ ‬على‭ ‬الغزو‭ ‬الدائم،‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬المقبول‭ ‬دوليا‭ ‬مع‭ ‬لبنان،‭ ‬فقد‭ ‬أوضحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالفعل‭ ‬أنها‭ ‬سوف‭ ‬تنتهك‭ ‬شروط‭ ‬الاتفاق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بوجود‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬إيران،‭ ‬التي‭ ‬أضعفتها‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬تكبدتها‭ ‬مؤخرا،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تراجع،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬بعد‭. ‬فهي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بدعم‭ ‬مجموعات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وبعضها‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تغلغلها‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭.‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬فقدت‭ ‬محورها‭ ‬الرئيسي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أضعف‭ ‬بالتالي‭ ‬‮«‬محور‭ ‬المقاومة‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬تركيا‭ ‬ودعمها‭ ‬للحركات‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬برزت‭ ‬باعتبارها‭ ‬العامل‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬المعادلة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭.‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لم‭ ‬يتضح‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تمكين‭ ‬أو‭ ‬تشجيع‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬ستتأثر‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬العرقية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬يظل‭ ‬مصير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬دون‭ ‬حل‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭.‬

كما‭ ‬تظل‭ ‬صورة‭ ‬إسرائيل‭ ‬للقوة‭ ‬الإقليمية‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬بسبب‭ ‬حربها‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬باتت‭ ‬توصف‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تصعيد‭ ‬آلة‭ ‬القمع‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬وبقية‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تأجيج‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يسهم‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬عزلة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬ومعظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي،‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬معزولًا‭ ‬عن‭ ‬بعضه‭ ‬البعض‭ ‬عقودا‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بعد‭ ‬تقسيمه‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬أجزاء‭ ‬ودمجه‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وتركيا‭.‬

إن‭ ‬نقطة‭ ‬الاشتعال‭ ‬الرئيسية‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬بين‭ ‬المنطقة‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬التي‭ ‬تدعمها‭ ‬واشنطن،‭ ‬والتي‭ ‬تواجه‭ ‬رفضا‭ ‬من‭ ‬سلطات‭ ‬أنقرة،‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬استقلال‭ ‬المنطقة‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬المجتمع‭ ‬الكردي‭ ‬داخل‭ ‬تركيا‭ ‬نفسها،‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬انفجار‭ ‬الوضع‭. ‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء‭ ‬يواصل‭ ‬البعض‭ ‬إلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬الجمهوريات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬المزرية،‭ ‬ويتهمونها‭ ‬بالطائفية‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬القيادة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يشبه‭ ‬إلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬الضحايا‭.‬

إن‭ ‬الانقسامات‭ ‬القائمة‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬للتلاعب‭ ‬الخارجي‭. ‬وفي‭ ‬الماضي،‭ ‬عندما‭ ‬نشأت‭ ‬حركات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬وحدة‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬هوية‭ ‬غير‭ ‬طائفية،‭ ‬تحركت‭ ‬قوى‭ ‬خارجية‭ ‬لسحقها‭ ‬أو‭ ‬استغلالها‭.‬

لقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لأن‭ ‬تتولى‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬زمام‭ ‬مصيرها‭. ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬ساحة‭ ‬لعب‭ ‬لغير‭ ‬العرب‭ ‬يتنافسون‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬غاياتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬ومصالحهم‭.‬

إن‭ ‬أحد‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬البدء‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تعقد‭ ‬القوى‭ ‬العربية‭ ‬الرئيسية‭ ‬قمة‭ ‬وتضع‭ ‬رؤية‭ ‬للمستقبل‭ ‬مقرونة‭ ‬بالمطالب‭ ‬التالية‭: ‬سياسة‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬العربية،‭ ‬مع‭ ‬التهديد‭ ‬بأن‭ ‬العلاقات‭ ‬المستقبلية‭ ‬سوف‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بهذا‭ ‬الهدف؛‭ ‬ورؤية‭ ‬للوحدة‭ ‬العربية‭ ‬غير‭ ‬الطائفية‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الدول‭.‬

ويجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬مطالب‭ ‬أخرى‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والتوسع‭ ‬والعدوان‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية؛‭ ‬وتكريس‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬الكامل‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وإنشاء‭ ‬مجموعات‭ ‬عمل‭ ‬لدراسة‭ ‬الخطوات‭ ‬اللازمة‭ ‬لجعل‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬ممكنة‭.‬

قد‭ ‬يرفض‭ ‬البعض‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬باعتباره‭ ‬حلماً‭ ‬بعيد‭ ‬المنال،‭ ‬ولن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬بين‭ ‬عشية‭ ‬وضحاها‭ ‬لأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬المتراكمة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إصلاحها‭. ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تطوير‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة،‭ ‬مدعومة‭ ‬بخطوات‭ ‬لترجمتها‭ ‬إلى‭ ‬واقع،‭ ‬فسوف‭ ‬تستمر‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الترنح‭ ‬بسبب‭ ‬الانقسام‭ ‬والتلاعب‭ ‬الخارجي‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا