العدد : ١٧٠٩٩ - الأربعاء ١٥ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٩ - الأربعاء ١٥ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا أمريكا هي دولة حرب لا سلام؟

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الأربعاء ١٥ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

عندما‭ ‬كنتُ‭ ‬طالباً‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أوستن‭ ‬بولاية‭ ‬تكساس‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬ذهبنا‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬بالسيارة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬أوستن‭ ‬عاصمة‭ ‬ولاية‭ ‬تكساس‭ ‬إلى‭ ‬ولاية‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬أمريكا‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬البرية‭ ‬الطويلة‭ ‬مررنا‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬ولايات‭ ‬منها‭ ‬ولاية‭ ‬نيو‭ ‬مكسيكو‭ ‬المعروفة‭ ‬بفقر‭ ‬سكانها‭ ‬وضعف‭ ‬اقتصادها‭ ‬وقلة‭ ‬كثافتها‭ ‬السكانية،‭ ‬وتتميز‭ ‬بوجود‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬والإسبان،‭ ‬كما‭ ‬تُعرف‭ ‬بتضاريسها‭ ‬الجبلية‭ ‬الصحراوية‭. ‬وأثناء‭ ‬تحركنا‭ ‬خلال‭ ‬شوارع‭ ‬هذه‭ ‬الولاية‭ ‬متجهين‭ ‬إلى‭ ‬ولاية‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬توقفنا‭ ‬لأخذ‭ ‬قسط‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬يمر‭ ‬خلالها‭ ‬الشارع‭ ‬المزدوج‭ ‬السريع،‭ ‬ومازلتُ‭ ‬أتذكر‭ ‬اسمها‭ ‬لغرابتها‭ ‬وصعوبة‭ ‬النُطق‭ ‬بها‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬وهي‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬ألباكركي‮»‬‭ (‬Albuquerque‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التسوح‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬البيوت‭ ‬الطينية‭ ‬المميزة‭ ‬لسكان‭ ‬المدينة‭. ‬

ولكنني‭ ‬أثناء‭ ‬دخولنا‭ ‬ومرورنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الولاية‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أُدرك‭ ‬أنها‭ ‬أقوى‭ ‬ولاية‭ ‬بين‭ ‬ولايات‭ ‬أمريكا‭ ‬الخمسين،‭ ‬وأكثرها‭ ‬نفوذاً‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العسكرية،‭ ‬وأشدها‭ ‬قوة‭ ‬وهيبة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬السلاح‭ ‬الموجود‭ ‬على‭ ‬أرضها،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الولاية‭ ‬الهامشية‭ ‬الفقيرة‭ ‬قليلة‭ ‬السكان‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬انتصار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬كلياً‭. ‬كما‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬ألباكركي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تجولنا‭ ‬فيها،‭ ‬كان‭ ‬يسكن‭ ‬فيها‭ ‬العالم‭ ‬الأمريكي‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬انتصار‭ ‬أمريكا،‭ ‬وكان‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬التدمير‭ ‬الشامل‭ ‬للملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬مدينتي‭ ‬هيروشيما‭ ‬وناجازاكي،‭ ‬وهو‭ ‬عالم‭ ‬الفيزياء‭ ‬‮«‬روبرت‭ ‬أوبنهايمر‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬عُرض‭ ‬فيلم‭ ‬خاص‭ ‬عن‭ ‬حياته،‭ ‬وسيرته،‭ ‬وطبيعة‭ ‬عمله‭ ‬العسكري‭ ‬الغاية‭ ‬في‭ ‬السرية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬أوبنهايمر‮»‬‭ (‬Oppenheimer‭).‬

ففي‭ ‬القرب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المدينة،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬منطقة‭ ‬صغيرة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬مساحتها‭ ‬وسكانها،‭ ‬وتعتبر‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المعزولة‭ ‬والبعيدة‭ ‬عن‭ ‬الأنشطة‭ ‬البشرية‭ ‬الحضرية،‭ ‬ومن‭ ‬المناطق‭ ‬الجبلية‭ ‬المقفرة‭ ‬النائية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬أحد،‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬لوس‭ ‬ألاموس‮»‬‭ (‬Los‭ ‬Alamos‭). ‬وقد‭ ‬اختُيرت‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬البشر‭ ‬وسمعهم‭ ‬لتكون‭ ‬النواة‭ ‬الأولى‭ ‬أمريكياً‭ ‬وعالمياً‭ ‬لتطوير‭ ‬التقنية‭ ‬النووية‭ ‬لأغراض‭ ‬عسكرية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬إنتاج‭ ‬قنبلة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬النووية‭. ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬نوفمبر‭ ‬1943‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬أخطر‭ ‬مختبرٍ‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬يهدد‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء‭ ‬بالفناء،‭ ‬وتم‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬أخطر‭ ‬تجربة‭ ‬عرفها‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأكثرها‭ ‬غموضاً‭ ‬وسرية،‭ ‬وأشدها‭ ‬فتكاً‭ ‬وتنكيلاً‭ ‬بالبشر‭ ‬والشجر‭ ‬والحجر،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المختبر‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬كلياً‭ ‬أهداف‭ ‬وأنشطة‭ ‬هذا‭ ‬المختبر‭ ‬الشيطاني‭ ‬القومي‭. ‬فهذه‭ ‬المدينة‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬حجمها‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬أهدافها‭ ‬وأنشطتها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الخارطة‭ ‬الجغرافية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حتى‭ ‬تَسير‭ ‬أعمالها‭ ‬في‭ ‬كتمان‭ ‬وسرية‭ ‬شديدين‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬كافة‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬المغمورة،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬1945‭ ‬تم‭ ‬بنجاح‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬انفجار‭ ‬نووي‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬ترينيتي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الإيذان‭ ‬بولادة‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية‭ ‬على‭ ‬كوكبنا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬والقاؤها‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مدينتي‭ ‬هيروشيما‭ ‬وناجازاكي‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬1945‭.‬

وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬طوى‭ ‬التاريخ‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬صفحات‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬المنكوبة،‭ ‬ورُفعت‭ ‬السرية‭ ‬عنها‭ ‬وعما‭ ‬دار‭ ‬بداخلها،‭ ‬وسُمح‭ ‬الناس‭ ‬بالدخول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الغريبة،‭ ‬الغامضة،‭ ‬التي‭ ‬كأنها‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬كليا‭.  ‬

وكنتُ‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬التدميرية‭ ‬الشاملة،‭ ‬وبعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬مهمتها‭ ‬الأصلية،‭ ‬ستفقد‭ ‬لمعانها‭ ‬ويأفل‭ ‬نجمها‭ ‬وأهميتها،‭ ‬وسيزول‭ ‬بريقها،‭ ‬وستتحول‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬متحفٍ‭ ‬تاريخي‭ ‬يحكي‭ ‬ويصور‭ ‬مراحل‭ ‬تطوير‭ ‬وإنتاج‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية،‭ ‬ولكن‭ ‬خاب‭ ‬ظني،‭ ‬فلم‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬كله،‭ ‬بل‭ ‬وحدث‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬توقعت‭ ‬كلياً‭. ‬فقد‭ ‬دبت‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وبُعث‭ ‬فيها‭ ‬الروح‭ ‬مرة‭ ‬ثانية،‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬الازدهار‭ ‬والنمو،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬إعطاء‭ ‬مهمة‭ ‬سرية‭ ‬ثانية‭ ‬للمختبر‭. ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬أيضاً،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬ليس‭ ‬للتعمير،‭ ‬والبناء،‭ ‬والإصلاح،‭ ‬وتنمية‭ ‬البشر،‭ ‬ولكن‭ ‬لإفساد‭ ‬بنية‭ ‬الأرض،‭ ‬والقتل‭ ‬الجماعي‭ ‬الشامل‭ ‬للبشر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنتاج‭ ‬أسلحة‭ ‬وقنابل‭ ‬تدميرية‭ ‬عظيمة‭ ‬أعنف‭ ‬من‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية‭ ‬السابقة،‭ ‬فما‭ ‬لا‭ ‬أذن‭ ‬سمعت‭ ‬في‭ ‬شدة‭ ‬تدميرها،‭ ‬ولا‭ ‬عين‭ ‬رأت‭ ‬قوتها‭ ‬الهائلة،‭ ‬ولا‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬بشر‭. ‬

فهذا‭ ‬المختبر‭ ‬القومي‭ ‬التاريخي‭ ‬العريق‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬لوس‭ ‬ألاموس‮»‬‭ ‬خُصصت‭ ‬له‭ ‬ميزانية‭ ‬مهولة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وتُقدر‭ ‬بنحو‭ ‬1‭.‬7‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬توظيف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3000‭ ‬عامل‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬التخصصات‭ ‬والمجالات‭ ‬العلمية‭. ‬فالمهمة‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬هي‭ ‬تحديث‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬الذرية‭ ‬السابقة‭ ‬الموجودة‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬أسلحة‭ ‬دمار‭ ‬شامل‭ ‬نووية‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬ولم‭ ‬تُنتج‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬مثيلاً‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬شدتها‭ ‬وقوتها‭ ‬التدميرية‭. ‬فهذه‭ ‬المدينة‭ ‬المغمورة‭ ‬تحولت‭ ‬الآن‭ ‬لتكون‭ ‬أقوى‭ ‬مدينة‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬ومن‭ ‬أكثرها‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العسكرية،‭ ‬فهي‭ ‬تضم‭ ‬الآن‭ ‬مجمعاً‭ ‬عظيماً‭ ‬متخصصاً‭ ‬في‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬الذرية‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬مرافق‭ ‬المجمع‭ ‬الفريد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬مختبر‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬سانديا‮»‬‭ (‬Sandia‭) ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬ألباكركي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬نزلت‭ ‬فيها‭ ‬أثناء‭ ‬رحلتي‭ ‬السياحية،‭ ‬وهذا‭ ‬المختبر‭ ‬له‭ ‬هدف‭ ‬واختصاص‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬وهو‭ ‬تصميم‭ ‬مكونات‭ ‬آلة‭ ‬وأداة‭ ‬التفجير‭ ‬في‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬كيرتلند‭ ‬الجوية‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬خاص‭ ‬لتخزين‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬وموقع‭ ‬آخر‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬لتخزين‭ ‬المخلفات‭ ‬النووية‭.‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬الشريرة‭ ‬تبذل‭ ‬بسرعة‭ ‬شديدة،‭ ‬وتنفق‭ ‬عليها‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وكأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬فوري‭ ‬يحدق‭ ‬بها،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬تتلقى‭ ‬تهديدات‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجاورة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬غزوها‭ ‬والانقضاض‭ ‬عليها‭ ‬واحتلالها،‭ ‬كما‭ ‬يفعلون‭ ‬هم‭ ‬بالدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬أو‭ ‬كأنها‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬أي‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬لتحمي‭ ‬بها‭ ‬أرضها،‭ ‬وتدافع‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬شعوبها‭.‬

‭ ‬فالتقارير‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تفوق‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬الكمية‭ ‬والعددية‭ ‬للترسانة‭ ‬النووية،‭ ‬فهي‭ ‬تمتلك‭ ‬قرابة‭ ‬5244‭ ‬رأس‭ ‬نووي‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬القوى‭ ‬التدميرية،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬قنابل‭ ‬أشد‭ ‬قوة‭ ‬من‭ ‬القنبلتين‭ ‬النوويتين‭ ‬اللتين‭ ‬ألقيتا‭ ‬على‭ ‬اليابان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬زهاء‭ ‬2000‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬الغواصات،‭ ‬والمتفجرات،‭ ‬والقنابل،‭ ‬والصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬عابرة‭ ‬الحدود‭ ‬وجاهزة‭ ‬للاستخدام‭ (‬بحسب‭ ‬التقارير‭ ‬الدورية‭ ‬التي‭ ‬ينشرها‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬إستكهولم‭ ‬الدولي‭ ‬لأبحاث‭ ‬السلام‮»‬‭).‬

فلماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬أمريكا‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬النووية‭ ‬الجبارة‭ ‬التي‭ ‬تكفي‭ ‬لتدمير‭ ‬كوكبنا‭ ‬كله،‭ ‬وليس‭ ‬تدمير‭ ‬مدينة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة؟‭ ‬وما‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬التدميرية‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬إنتاجها‭ ‬وتخزينها؟

فالحجة‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬أمريكا‭ ‬للشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬ولعامة‭ ‬الناس‭ ‬بأنها‭ ‬أسلحة‭ ‬ردع‭ ‬ودفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬ولكن‭ ‬ترامب‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬فضح‭ ‬هذا‭ ‬الادعاء‭ ‬الكاذب‭ ‬والمخادع،‭ ‬وصرح‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬فلوريدا‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬يناير‭ ‬2024‭ ‬بأن‭ ‬له‭ ‬نوايا‭ ‬توسعية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجغرافية،‭ ‬كما‭ ‬هدد‭ ‬بأنه‭ ‬سيغزو‭ ‬ويستعمر‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬بالقوة،‭ ‬فإما‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬التقليدية‭ ‬العنيفة،‭ ‬وإما‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الناعمة،‭ ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬احتلال‭ ‬قناة‭ ‬باناما،‭ ‬وجزيرة‭ ‬جرينلاند،‭ ‬وضم‭ ‬كندا‭ ‬لتصبح‭ ‬الولاية‭ ‬رقم‭ (‬51‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬ينوي‭ ‬تغيير‭ ‬اسم‭ ‬خليج‭ ‬المكسيك‭ ‬إلى‭ ‬خليج‭ ‬أمريكا‭. ‬وطبعاً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأمريكا‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬طموحاتها‭ ‬الاحتلالية‭ ‬التوسعية‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬إلا‭ ‬بوجود‭ ‬الأداة‭ ‬الفاعلة‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬بها‭ ‬القيام‭ ‬بذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬الأداة‭ ‬هي‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬النووية‭.‬

فهل‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬العلنية‭ ‬يشك‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬دولة‭ ‬حربٍ‭ ‬وعدوان‭ ‬واحتلال‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى‭ ‬الضعيفة،‭ ‬وليست‭ ‬دولة‭ ‬سلام،‭ ‬وتعايش،‭ ‬وتسامح‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب؟‭ ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬الترسانة‭ ‬النووية‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬ستستخدمها‭ ‬أمريكا‭ ‬كالعصا‭ ‬القوية‭ ‬الغليظة‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬لأحد‭ ‬بامتلاكها،‭ ‬كما‭ ‬ستستخدمها‭ ‬لمصالحها‭ ‬الاحتلالية‭ ‬التوسعية‭ ‬ونهب‭ ‬خيرات‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا