العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الانتشاء الوبائي للعين الحارة

نعم‭ ‬هناك‭ ‬حاسدون‭ ‬وهناك‭ ‬ذوو‭ ‬‮«‬العيون‭ ‬الحارة‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬يسمعنا‭ ‬نبسمل‭ ‬ونحوقل‭ ‬كثيرا،‭ ‬يحسب‭ ‬أن‭ ‬ذوي‭ ‬العيون‭ ‬الحاسدة‭ ‬الحارة‭ ‬يعيشون‭ ‬بالملايين‭ ‬بيننا،‭ ‬وأنهم‭ ‬سبب‭ ‬رسوب‭ ‬عيالنا‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬وانحراف‭ ‬شبابنا‭ ‬عن‭ ‬جادة‭ ‬الطريق،‭ ‬وسبب‭ ‬إفلاس‭ ‬فلان‭ ‬بن‭ ‬علان،‭ ‬بعد‭ ‬الخسارة‭ ‬الفادحة‭ ‬التي‭ ‬مُنِي‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الأسهم‭.‬

قبل‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬لاحظت‭ ‬أن‭ ‬زميلا‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬يهمهم‭ ‬ويبرطم،‭ ‬وتبدو‭ ‬عليه‭ ‬علامات‭ ‬الهلع‭ ‬كلما‭ ‬دخل‭ ‬علينا‭ ‬رجل‭ ‬مسن‭ ‬يشغل‭ ‬وظيفة‭ ‬عمالية‭ ‬بسيطة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الورق‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬الى‭ ‬آخر‭ ‬وتقديم‭ ‬الشاي،‭ ‬فاستجمعت‭ ‬جلافتي‭ (‬والفضول‭ ‬والتطفل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الآخرين‭ ‬ليس‭ ‬شجاعة‭!) ‬وسألته‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬الرعب‭ ‬الذي‭ ‬يسري‭ ‬في‭ ‬أوصاله‭ ‬كلما‭ ‬دخل‭ ‬علينا‭ ‬ذلك‭ ‬العامل‭ ‬فقال‭: ‬عينه‭ ‬حارة،‭ ‬هنا‭ ‬استجمعت‭ ‬وقاحتي‭ ‬وسألته‭: ‬وهل‭ ‬قست‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬عينه‭ ‬بثيرموميتر‭ ‬أو‭ ‬مقياس‭ ‬ريختر؟‭ ‬طبعا‭ ‬كنت‭ ‬أقصد‭: ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عين‭ ‬الرجل‭ ‬حارة‭ ‬ومؤذية؟‭ ‬فقال‭ ‬لي‭ ‬إن‭ ‬الكثيرين‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬العمل‭ ‬يعرفون‭ ‬الأمر‭ ‬ويتحصنون‭ ‬بالمعوذتين‭ ‬كلما‭ ‬دخل‭ ‬عليهم‭ ‬مقدما‭ ‬الشاي‭ ‬أو‭ ‬جالبا‭ ‬الأوراق‭ ‬والملفات،‭ ‬ودخلنا‭ ‬في‭ ‬جدل‭ ‬طويل،‭ ‬وكانت‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مظلوما،‭ ‬وأن‭ ‬شخصا‭ ‬ما‭ ‬ألحق‭ ‬به‭ ‬التهمة،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬آخرين‭ ‬أبرياء،‭ ‬وأنك‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬مؤمنا‭ ‬بالله‭ ‬حقا‭ ‬كما‭ ‬أنت‭ ‬مقتنع‭ ‬بـ«حرارة‮»‬‭ ‬عين‭ ‬الرجل،‭ ‬لما‭ ‬ارتعبت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تتحصن‭.‬

وياما‭ ‬سمعت‭ ‬نساء‭ ‬قريباتي‭ ‬عزون‭ ‬إصابة‭ ‬أطفالهن‭ ‬بالحمى‭ ‬أو‭ ‬كسور‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فلانة‭ ‬أو‭ ‬علانة‭ ‬قالت‭ ‬عنهم‭ ‬إنهم‭ ‬أي‭ ‬العيال‭ ‬‮«‬حلوين‮»‬‭! ‬المهم‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬العامل‭ ‬يحب‭ ‬الثرثرة،‭ ‬وأنه‭ ‬مجامل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬البكش‭ ‬وأنه‭ ‬يمدح‭ ‬أشياء‭ ‬الآخرين،‭ ‬وصادف‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬فلاناً‭ ‬اشترى‭ ‬سيارة‭ ‬تشبه‭ ‬السيف،‭ ‬وكانت‭ ‬سيارة‭ ‬رياضية‭ ‬شكلها‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬الضفدع،‭ ‬وبعد‭ ‬يومين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬سمعنا‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬السيارة‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬بعد‭ ‬حادث‭ ‬انقلبت‭ ‬فيه‭ ‬سيارته‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬رئيسي،‭ ‬قليلون‭ ‬من‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬المصاب‭ ‬جنى‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬معروفا‭ ‬بقيادة‭ ‬السيارة‭ ‬بالطريقة‭ ‬الثعبانية‭ ‬وبسرعات‭ ‬عالية،‭ ‬ولكن‭ ‬كثيرين‭ ‬ربطوا‭ ‬بين‭ ‬الحادث‭ ‬وما‭ ‬قاله‭ ‬عنها‭ ‬ذلك‭ ‬العامل‭. ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬‮«‬سايست‮»‬‭ ‬الأخير،‭ ‬وبعد‭ ‬لف‭ ‬ودوران‭ ‬أصاب‭ ‬شفتي‭ ‬بالجفاف‭ ‬نصحته‭ ‬أن‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬التعليق‭ ‬وإبداء‭ ‬الملاحظات‭ ‬حول‭ ‬الآخرين‭ ‬وملابسهم‭ ‬وممتلكاتهم،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬‮«‬يتهموك‭ ‬بأنك‭ ‬صاحب‭ ‬عين‭ ‬حارة‮»‬،‭ ‬فكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬أكد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬عينه‭ ‬حارة‭ ‬بالفعل،‭ ‬ونصحني‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أعمل‭ ‬حسابي‭!!‬‮»‬،‭ ‬هنا‭ ‬استنتجت‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬ربما‭ ‬روّج‭ ‬لحكاية‭ ‬عينه‭ ‬الحارة‭ ‬لشيء‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬فهناك‭ ‬أناس‭ ‬يعانون‭ ‬مما‭ ‬يسمى‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬‮«‬أتينشن‭ ‬ديفيسيت‮»‬،‭ ‬وترجمتها‭ ‬غير‭ ‬الدقيقة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬قصور‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‮»‬،‭ ‬ومعناها‭ ‬الدقيق‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المصاب‭ ‬يفعل‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬يؤذي‭ ‬نفسه‭ ‬للفت‭ ‬انتباه‭ ‬الآخرين،‭ ‬بل‭ ‬معروف‭ ‬أن‭ ‬أمهات‭ ‬مصابات‭ ‬بذلك‭ ‬المرض‭ ‬يؤذين‭ ‬عيالهن‭ ‬ويبلغون‭ ‬المستشفيات‭ ‬عن‭ ‬إصابتهم‭ ‬بأمراض‭ ‬من‭ ‬نسج‭ ‬خيالهن‭ ‬ليصبحن‭ ‬موضع‭ ‬انتباه‭ ‬واهتمام‭ ‬الآخرين‭!! ‬المهم‭ ‬أنني‭ ‬عرفت‭ ‬لاحقا‭ ‬أنه‭ ‬يبتز‭ ‬بعض‭ ‬زملاء‭ ‬العمل‭ ‬بأن‭ ‬يدخل‭ ‬على‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬ويطلب‭ ‬منه‭ ‬مالا‭ ‬أو‭ ‬خدمة‭ ‬معينة‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬يُقلِّب‮»‬‭ ‬عينيه‭ ‬فينال‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬لأن‭ ‬الكثيرين‭ ‬كانوا‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬رضاه‭! ‬ثم‭ ‬قرأت‭ ‬حكاية‭ ‬أم‭ ‬صبحي‭ ‬الأردنية‭ ‬التي‭ ‬نقلتها‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬وأدهشني‭ ‬أنها‭ ‬سردت‭ ‬كيف‭ ‬إنها‭ ‬استخدمت‭ ‬‮«‬عينها‮»‬‭ ‬لتقطيع‭ ‬ملابس‭ ‬الآخرين،‭ ‬وكيف‭ ‬إن‭ ‬سيدة‭ ‬استأجرت‭ ‬عينها‭ ‬لإيذاء‭ ‬زوجة‭ ‬أخيها‭ ‬فقامت‭ ‬بالمهمة‭ ‬خير‭ ‬قيام‭ ‬فسقط‭ ‬جنين‭ ‬زوجة‭ ‬أخ‭ ‬تلك‭ ‬السيدة،‭ ‬وقالت‭ ‬أم‭ ‬صبحي‭ ‬إن‭ ‬زوجها‭ ‬يخاف‭ ‬منها‭ ‬ولا‭ ‬يرفض‭ ‬لها‭ ‬طلبا،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غادر‭ ‬البيت‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تشاجر‭ ‬معها‭ ‬فأصيب‭ ‬بعلة‭ ‬مفاجئة‭ ‬ألزمته‭ ‬المستشفى،‭ ‬وسألوها‭ ‬كيف‭ ‬تتعمدين‭ ‬إلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬بالآخرين‭ ‬وهي‭ ‬مسلمة‭ ‬فقالت‭: ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬بيدي؟‭ ‬بيد‭ ‬من‭ ‬إذن‭ ‬وأنت‭ ‬تبيعين‭ ‬شرورك‭ ‬لمن‭ ‬يدفع؟‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬أم‭ ‬صبحي‭ ‬هذه‭ ‬بلطجية‭ ‬وتقوم‭ ‬بتسويق‭ ‬قدراتها‭ ‬الوهمية‭ ‬لترويع‭ ‬الناس‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬زوجها‭ ‬الغبي‭ ‬لجني‭ ‬مكاسب‭ ‬مادية‭ ‬بمنطق‭: ‬اعطوني‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬أكف‭ ‬عنكم‭ ‬عيني‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا