في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29»، الذي انعقد في باكو، أذربيجان، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر، اجتمع عشرات الآلاف من المشاركين، ممثلين عن مئات الحكومات والمنظمات، والوكالات البيئية؛ لمناقشة الجهود العالمية لتعزيز المرونة المناخية في جميع أنحاء العالم، والتي يشمل نطاقها، توقع وإدارة الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن الأحداث الجوية المتطرفة.
وتتطرق «القمة»، إلى توفير الأموال اللازمة لتمويل الاستجابة، والتدابير الوقائية للتعامل مع حالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ. وبشكل أساسي، سيركز على البلدان الأكثر فقراً، والتي تعد الأكثر عرضة للخطر من الأضرار البيئية طويلة الأجل، وهو ما يُذكرنا بمعاناة الخليج العربي، أحد أكثر المناطق التي تعاني من نقص المياه في العالم، والتي يتوقع خبراء المناخ أن تصير أجزاء كبيرة منها غير صالحة للسكن خلال العقود المقبلة.
وخلال السنوات الأخيرة، حدثت سلسلة من الأحداث الجوية غير المتوقعة، أبرزها الرياح الممطرة والفيضانات الناتجة عن الإعصار المداري في أبريل 2024، والتي أثرت بشدة على الإمارات، وقطر، والبحرين، وعمان، والسعودية.
وأشارت «عائشة السريحي»، من «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن دول الخليج بدأت في الوقت المناسب «بتحويل استراتيجياتها من مجرد الاستجابة للكوارث الطبيعية، إلى التركيز على استراتيجيات وقائية، تعتمد على تعزيز المرونة». ويشمل ذلك «تحديد المخاطر والعمل على التخفيف منها قبل وقوع الكوارث». ورغم استحالة تجاهل الواقع الأساسي لتغير المناخ العالمي، الناتج عن ارتفاع انبعاثات الكربون البشرية بشكل كبير، والذي يؤثر في المنطقة على المدى البعيد؛ فإن هذه التغيرات تسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى خفض مستويات الانبعاثات بشكل سريع، إلى جانب وضع استراتيجيات دقيقة للتخفيف من آثار الأحداث الجوية المتطرفة.
وفي تقييم «ماري فان دن بوش»، من جامعة «جورج تاون»، فإن «الظروف المناخية القاسية»، الموجودة في عديد من أجزاء شبه الجزيرة العربية، والمناطق المحيطة بها، من المقرر أن «تزداد سوءًا بسرعة»، إذا تحققت أشد تحذيرات العلماء البيئيين خطورة. وفي ظل المخاوف المتزايدة من أن تصبح أجزاء من المنطقة غير صالحة للسكن بحلول منتصف القرن الحالي، أوضح «بوش»، أن المناقشات حول العمل المناخي في الشرق الأوسط تركز بشكل أساسي على «التنويع الاقتصادي، بعيدًا عن النفط»، مع تجاهل كبير للحديث عن «الأنماط المتغيرة لموجات الحر، وازدياد العواصف المحيطية، وتراجع التنوع البيولوجي في المنطقة».
وسلطت الفيضانات القوية التي اجتاحت دول الخليج في أبريل 2024، الضوء على المخاطر البيئية، التي تشكلها الأحداث الجوية المتطرفة على المنطقة، حيث تجاوزت الأمطار التي ضربت «دبي»، في 15 أبريل الرقم القياسي المسجل، منذ 75 عامًا لهطول الأمطار اليومية، بأكثر من 250 ملم من الأمطار في أقل من 24 ساعة، واستقبلت أجزاء من سلطنة عُمان 230 ملم من الأمطار على مدى عدة أيام متتالية.
من جانبها، أوضحت «السريحي»، أنه في «المناطق القاحلة وشبه القاحلة»، مثل الخليج العربي، حيث «تهيمن طبيعة الأسطح الصلبة عمومًا على التضاريس»؛ فإن هذه الأسطح في فترات هطول الأمطار الغزيرة «تزيد من الجريان السطحي، وتعيق الامتصاص الطبيعي» للتربة. وعلى نحو مماثل، فإن الأسطح الصلبة للبنية التحتية الحضرية والتنمية، وافتقارها إلى تصريف مياه الأمطار الفعال، يزيد من «تحدي الجريان السطحي»، وهو ما ينتج عنه تفاقم أسوأ لآثار الفيضانات. وقد أسفرت هذه الأحداث، عن أضرار بلغت قيمتها مئات الملايين من الدولارات، طالت المنازل والشركات، كما تسببت في إلغاء مئات الرحلات المجدولة في مطار «دبي»، ثاني أكثر المطارات ازدحامًا في العالم. ويبرز هذا الواقع أهمية اتخاذ إجراءات وقائية، تهدف إلى تقليل الأضرار المحتملة لمثل هذه الكوارث إلى أدنى حد ممكن.
ويبدو هذا الأمر أكثر إلحاحًا، مع توقعات خبراء المناخ، بتزايد وتيرة هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات. وأوضحت «السريحي»، أن عُمان وحدها تعرضت لما لا يقل عن «سبعة أعاصير»، خلال العقدين الماضيين، أبرزها إعصار «شاهين»، في أكتوبر 2021، الذي خلف أضرارًا قدرت بنحو 500 مليون دولار. وحذر «أندرو بيرشينج»، من منظمة «كلايمت سنترال»، من أن «الاحتباس الحراري القوي في الشرق الأوسط»، قد يجعل مثل هذه الأحداث «تبدو وكأنها أمر طبيعي»، إذا استمرت أنماط المناخ الحالية على نفس المنوال.
وعند تحليل الأضرار التي لحقت بدول الخليج في أبريل 2024، ركز المراقبون على أنظمة الصرف غير الكافية، التي لم تتمكن من التعامل مع الأمطار الغزيرة، ما أدى إلى حدوث فيضانات؛ لكن «السريحي»، أوضحت أن الخسائر في الأرواح والأضرار المادية التي خلفتها العاصفة الشديدة، كشفت عن «العديد من أوجه القصور في التنسيق الحكومي»، بما في ذلك غياب التوجيه، والتواصل غير المتسق، والافتقار إلى الوضوح، بشأن الأطر القانونية لمكافحة تغير المناخ من خلال التشريعات الملائمة.
ومع ذلك، أضافت «السريحي»، أن «نقاط الضعف والفجوات لا تزال قائمة في الوعي العام، وفي الاستجابة العامة للكوارث»، مشيرة إلى أن «من الشائع بين الجمهور الخروج والاستمتاع بمشاهدة تدفق المياه في الوديان، خاصة في المناطق الريفية»، مع وجود قيود واضحة على تطبيق «أفضل الممارسات أثناء الكوارث الطبيعية». ولتأكيد هذه النقطة، استشهدت بحادثة وفاة 11 طالبًا في عُمان، خلال فيضانات أبريل 2024، عندما ظن أهاليهم أن اصطحابهم من المدرسة بالسيارة سيكون خيارًا أكثر أمانًا في يوم الفيضان.
ولمعالجة هذه الفجوات والاستعداد لما يتوقع خبراء المناخ أن يكون سلسلة متزايدة من الأحداث الجوية المتطرفة، التي ستؤثر في المنطقة في السنوات القادمة؛ وضعت دول الخليج خططا مناخية خاصة بها، تهدف إلى تعزيز جاهزيتها لمواجهة تلك التحديات، تشمل هذه الخطط «الاستراتيجية الوطنية للبيئة» في السعودية، التي أطلقت في عام 2018؛ و«الخطة الوطنية للتغير المناخي»، في الإمارات للفترة (2017-2050)؛ و«استراتيجية عمان الوطنية للتكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ» للفترة من (2020-2040).
وفيما يتعلق بالأخيرة، تم إصلاح اللجنة الوطنية للكوارث الطبيعية في مسقط، التي تأسست لأول مرة في عام 1988، لتكون، كما أشارت «السريحي»، «السلطة العليا التي تنسق بين ثماني مجموعات عمل دائمة وقطاعات»، بما في ذلك الإنذارات المبكرة، والاستجابات الطبية، وتدابير الصحة العامة، ويدعمها صندوق الطوارئ الوطني، الذي تأسس في عام 2021.
وعلى نحو مماثل، تهدف «الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث»، في الإمارات، التي تشكلت في عام 2014، إلى الاستجابة للأمطار الغزيرة والفيضانات والعواصف الرملية والزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى. وفي أعقاب فيضانات أبريل 2024، تم إعلان برنامج بقيمة 8 مليارات دولار؛ لإنشاء شبكات صرف متكاملة لزيادة القدرة بنسبة 700%. وفي حالة «البحرين»، التي يشرف مجلسها الأعلى للبيئة على الاستراتيجيات المتعلقة بالعمل المناخي والبيئة، تم اعتماد «استراتيجية طوارئ وطنية محدثة» في مارس 2024.
وعند النظر في استراتيجيات دول الخليج للتصدي وتخفيف آثار الطقس المتطرف، المرتبط بتغير المناخ، من الضروري الإشارة إلى تحليل «جوستين دارجين»، خبير الطاقة العالمي بجامعة «أكسفورد»، بأن «شدة وتواتر»، مثل هذه الكوارث الطبيعية المدمرة، مرتبطة بشكل مباشر بارتفاع مستويات انبعاثات الكربون». وأوضح «محمد محمود»، من «معهد الشرق الأوسط»، أن زيادة هطول الأمطار والفيضانات، يمكن أن تُعزى إلى «الاحترار في المناطق الساحلية، والذي يعزز هطول الأمطار الغزيرة والعواصف». علاوة على ذلك، اقترحت «مجموعة تحليلات المناخ»، أن «مزيجًا من ظاهرة النينيو المناخية، التي تؤثر في درجة حرارة سطح البحر، وارتفاع درجة حرارة المناخ بمقدار 1.2 درجة هو المسؤول عن زيادة هطول الأمطار في المنطقة بنسبة 10-40%».
وعليه، فإن معالجة المخاطر الناتجة عن الأحداث المناخية المتطرفة، التي تهدد دول الخليج على المدى البعيد، تتطلب تحقيق توازن دقيق بين استراتيجيات التخفيف، التي تهدف إلى الحد من أسوأ الآثار المادية والبيئية، والجهود الوقائية التي تستهدف تقليل التهديدات من جذورها. ويشمل ذلك اتخاذ خطوات حازمة لخفض درجات الحرارة الإقليمية، مع التركيز بشكل خاص على تقليل مستويات انبعاثات الكربون.
ومع التزام دول الخليج بالفعل بتواريخ مستهدفة للانبعاثات الصافية الصفرية خلال القرن الحالي، خلصت «السريحي»، إلى أنه من الضروري أن يكون اقتصاد هذه الدول، ليس فقط مستعدًا بشكل أفضل للتراجع المتوقع في الطلب العالمي على النفط في نصف القرن المقبل؛ بل أيضًا أن يكون مستعدًا «لتحمل التأثيرات الشديدة لتغير المناخ»، بما في ذلك الأحداث المناخية المتطرفة، مثل هطول الأمطار الغزيرة، والفيضانات المفاجئة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك