تستعد إسرائيل لضم الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة وهو ما سيمثل خطوة كبيرة وخطوة إلى الوراء على طريق الحرية الفلسطينية، وقد يؤدي هذا الأمر إذا ما أقدمت عليه إسرائيل إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة.
ورغم أن خطط الضم كانت مدرجة على الأجندة الإسرائيلية على مدى سنوات، فإنه توجد هذه المرة «فرصة عظيمة» – على حد تعبير وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش – ولا يمكن بالتالي تفويتها من وجهة النظر الإسرائيلية.
وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن الوزير قوله: «آمل أن تتاح لنا فرصة عظيمة في ظل وجود الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب لتحقيق التطبيع الكامل (للاحتلال الإسرائيلي)».
ليست هذه المرة الأولى التي يربط فيها بتسلئيل سموتريتش، من بين متطرفين إسرائيليين آخرين، بين وصول الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والتوسع غير القانوني لحدود إسرائيل.
هناك سببان يجعلان اليمين المتطرف في إسرائيل متفائلاً بشأن وصول الرئيس دونالد ترامب. يتمثل السبب الأول في التجربة الإسرائيلية خلال فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى في البيت الأبيض، عندما سمح الرئيس الأمريكي آنذاك لإسرائيل بالمطالبة بالسيادة على المستوطنات غير القانونية، ومرتفعات الجولان السورية، والقدس الشرقية المحتلة. أما السبب الثاني فهو مرتبط بتصريح الرئيس دونالد ترامب خلال الفترة التي سبقت الانتخابات.
في كلمة ألقاها أمام مجموعة مؤيدة لإسرائيل تدعى «أوقفوا معاداة السامية» في فعالية أقيمت في شهر أغسطس الماضي قال ترامب إن إسرائيل «صغيرة للغاية» على الخريطة، متسائلا: «هل هناك أي وسيلة للحصول على المزيد؟». وقد أثار هذا التصريح، الذي يبدو سخيفا بكل المقاييس، فرحة بين الساسة الإسرائيليين، الذين فهموا أنه بمثابة ضوء أخضر لضم المزيد من الأراضي.
كما تلقت أهداف إسرائيل التوسعية الاستعمارية دفعة قوية في الأيام الأخيرة. فبعد سقوط حكم بشار الأسد في سوريا، بدأت إسرائيل على الفور في غزو مساحات شاسعة من سوريا، ووصلت إلى محافظة القنيطرة.
إن ما يحدث في سوريا يشكل نموذجاً لما يمكن أن نتوقعه في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة.
احتلت إسرائيل ما يقرب من 70% من مرتفعات الجولان السورية في عام 1967، وعززت احتلالها غير الشرعي للمنطقة العربية بضمها رسميا في عام 1981 من خلال ما يسمى بقانون مرتفعات الجولان.
وجاءت هذه الخطوة غير القانونية بعد وقت قصير من عملية أخرى غير قانونية، حيث أقدمت إسرائيل على ضم القدس الشرقية الفلسطينية المحتلة قبل ذلك بسنة.
ورغم أن الضفة الغربية لم يتم ضمها رسميا، فإن حدود القدس الشرقية توسعت إلى ما هو أبعد من حدودها التاريخية، وبالتالي ابتلعت أجزاء كبيرة من مساحة أراضي الضفة الغربية.
إن الضفة الغربية، مثل القدس الشرقية ومرتفعات الجولان، كلها معترف بها كأراض محتلة بشكل غير قانوني بموجب القانون الدولي. ولا تملك إسرائيل أي أساس قانوني للحفاظ على احتلالها، ناهيك عن ضم أي منطقة فلسطينية أو عربية. ومع ذلك، يُسمح لها بذلك بسبب الدعم الأمريكي والغربي والصمت الدولي.
ولكن لماذا تسعى إسرائيل إلى ضم الضفة الغربية الآن بالذات؟
وبعيدا عن «الفرصة العظيمة» المرتبطة بعودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن إسرائيل تشعر أن قدرتها على مواصلة حرب إبادة جماعية على قطاع غزة دون أي تدخل دولي لإنهاء الإبادة الجماعية، من شأنه أن يجعل من عملية ضم الضفة الغربية مسألة أقل أهمية بكثير على الأجندة الدولية.
ورغم أن محكمة العدل الدولية أصدرت حكما حاسما بشأن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي في 19 يوليو 2024، وأعقب ذلك إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق كبار القادة الإسرائيليين في 21 نوفمبر الماضي، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء لمحاسبة إسرائيل.
ومن غير المرجح أن تؤدي عملية ضم الضفة الغربية إلى إدخال أي تغيير على هذا الوضع، خاصة وأن إسرائيل تشن حروبها وأعمالها غير القانونية من خلال الدعم الأمريكي المباشر.
في الواقع، فقد قامت الإدارة الديمقراطية للرئيس الأمريكي جو بايدن بتمويل ودعم جميع الحروب الإسرائيلية، بما في ذلك الإبادة الجماعية الحالية. ومن المتوقع أن يكون الرئيس ترامب كريماً بنفس القدر، أو على الأقل، غير ناقد على الإطلاق لمثل هذه الخطوة.
وإذا أخذنا كل ذلك في الاعتبار، فإن ضم الضفة الغربية في الأسابيع أو الأشهر المقبلة هو احتمال حقيقي.
لقد أبلغ بتسلئيل سموتريتش بالفعل «العاملين في هيئة وزارة الدفاع المسؤولة عن الشؤون المدنية الإسرائيلية والفلسطينية في الضفة الغربية» عن خططه «لإغلاق الهيئة كجزء من الضم الإسرائيلي المتوقع للمنطقة»، حسبما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في يوم 6 ديسمبر الجاري.
ورغم أن مثل هذا الضم لن يغير الوضع القانوني للضفة الغربية، فإنه سيكون له عواقب وخيمة على ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، حيث من المرجح أن يتبع عملية الضم حملة عنيفة من التطهير العرقي، إن لم يكن من الضفة الغربية بأكملها، فمن المؤكد من أجزاء كبيرة منها.
كما أن عملية الضم ستجعل السلطة الفلسطينية غير ذات أهمية قانونية – حيث تم إنشاؤها في أعقاب اتفاقيات أوسلو لإدارة أجزاء من الضفة الغربية تحسبًا لسيادة مستقبلية، والتي لم تتحقق أبدًا. فهل توافق السلطة الفلسطينية على البقاء كجزء من الإدارة العسكرية الإسرائيلية للضفة الغربية التي تم ضمها حديثًا؟
لا شك أن الفلسطينيين سوف يقاومون، كما يفعلون دائما، وسوف تثبت طبيعة المقاومة أنها عامل حاسم في نجاح أو فشل المخطط الإسرائيلي. فالانتفاضة الشعبية، على سبيل المثال، سوف تفرض ضغوطاً هائلة على الجيش الإسرائيلي، الذي من المرجح أن يستخدم درجة غير مسبوقة من العنف لقمع الفلسطينيين، ولكن من غير المرجح أن ينجح في مسعاه.
إن عملية ضم الضفة الغربية في وقت تعيش فيه فلسطين – بل والمنطقة بأسرها– حالة من الاضطراب هو وصفة لحرب دائمة، والتي تشكل، من وجهة نظر بتسلئيل سموتريتش وأمثاله، «الفرصة العظيمة» الفعلية، لأنها ستضمن بقاءهم السياسي سنوات قادمة.
{ أكاديمي وكاتب فلسطيني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك