العدد : ١٧٠٨٦ - الخميس ٠٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٦ - الخميس ٠٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الإعلام الغربي.. وصناعة الانحياز!

بقلم: د. منار الشوربجي

الاثنين ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

أكثر‭ ‬من‭ ‬مئة‭ ‬صحفي‭ ‬في‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭ ‬كتبوا‭ ‬خطابًا‭ ‬علنيًا‭ ‬لمرؤوسيهم،‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬التحيز‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وذكروا‭ ‬أنهم‭ ‬أقدموا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استنفدوا‭ ‬كل‭ ‬القنوات‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تسلكها‭ ‬الشكاوى‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسة‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬قالوه‭ ‬إن‭ ‬القناة،‭ ‬حين‭ ‬تنقل‭ ‬مزاعم‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬لا‭ ‬تذكر‭ ‬أبدًا‭ ‬أن‭ ‬الأخيرة‭ ‬تحظر‭ ‬دخول‭ ‬الصحفيين‭ ‬غزة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬وسيلة‭ ‬للتحقق‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬تلك‭ ‬المزاعم‭.‬

وأضافوا‭ ‬أن‭ ‬القناة‭ ‬تنقل‭ ‬الأحداث‭ ‬وكأن‭ ‬تاريخ‭ ‬القصة‭ ‬بدأ‭ ‬يوم‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬قبله‭ ‬بقرن‭ ‬كامل‭. ‬وقد‭ ‬انفجرت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬تعاملت‭ ‬بها‭ ‬القناة‭ ‬مع‭ ‬تقرير‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬صراحة‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ترتكب‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬فقد‭ ‬اختارت‭ ‬القناة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عنوان‭ ‬خبرها‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬ترفض‭ ‬مزاعم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الملفقة‮»‬‭!‬

و«نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أفضل‭ ‬حالًا‭. ‬فهي‭ ‬أوردت‭ ‬خبر‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬الثامنة‭ ‬وخصصت‭ ‬له‭ ‬فقرة‭ ‬أو‭ ‬اثنتين‭ ‬من‭ ‬تقرير‭ ‬طويل‭ ‬كان‭ ‬أغلبه‭ ‬عن‭ ‬رفض‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬مزاعم‮»‬‭ ‬المنظمة‭!.‬

لكن‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬متورطة‭ ‬بفضيحة‭ ‬أخرى‭! ‬فهي‭ ‬نشرت‭ ‬وثيقة‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قالت‭ ‬إنها‭ ‬مضابط‭ ‬اجتماعات‭ ‬لكتائب‭ ‬القسام‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬ضالعة‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬لـ«طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭.‬

‭ ‬وقالت‭ ‬الصحيفة‭ ‬إنها‭ ‬تحققت‭ ‬من‭ ‬الوثيقة‭ ‬عبر‭ ‬فلسطيني‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬القسام‭. ‬لكن‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قال‭ ‬للصحيفة‭ ‬صراحة‭ ‬إنه‭ ‬يستحيل‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬صحة‭ ‬وثيقة‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬صفحة‭ ‬لم‭ ‬يطلعوه‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬منها‭!‬

أما‭ ‬‮«‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬حظي‭ ‬فيها‭ ‬تقرير‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬بتغطية‭ ‬طريفة‭. ‬فهي‭ ‬نشرت‭ ‬خبرًا‭ ‬مطولًا‭ ‬على‭ ‬موقعها‭ ‬الإلكتروني‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬تذكره‭ ‬مطلقًا‭ ‬في‭ ‬نسختها‭ ‬المرئية‭! ‬‮«‬وسى‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬‭ ‬المرئية‭ ‬متورطة‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬فضيحة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

‭ ‬فهي‭ ‬عرضت‭ ‬تقريرًا‭ ‬مزيفًا‭ ‬بالكامل‭! ‬والقصة‭ ‬باختصار‭ ‬أن‭ ‬المراسلة‭ ‬المعروفة‭ ‬‮«‬كلاريسا‭ ‬وارد‮»‬‭ ‬عرضت‭ ‬تقريرًا‭ ‬ظهرت‭ ‬فيه‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬تحرر‭ ‬مواطنًا‭ ‬سوريًا‮»‬‭ ‬من‭ ‬سجون‭ ‬الأسد‭! ‬وللأمانة،‭ ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬بالارتياح‭ ‬حين‭ ‬شاهدت‭ ‬التقرير‭ ‬أول‭ ‬مرة‭. ‬فالمراسلة‭ ‬كانت‭ ‬تتجول‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬المهجور‭ ‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬كل‭ ‬سجنائه‭ ‬لعلها‭ ‬تجد‭ ‬الصحفي‭ ‬الأمريكي‭ ‬أوستن‭ ‬تايس،‭ ‬الذي‭ ‬اختفى‭ ‬بسوريا‭ ‬منذ‭ ‬2012‭.‬

لكنها‭ ‬عثرت،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬سجين‭ ‬سوري‭ ‬ظل‭ ‬بمفرده‭ ‬بالسجن‭! ‬والرجل‭ ‬الذي‭ ‬أخرجوه‭ ‬من‭ ‬كومة‭ ‬مغطاة‭ ‬ببطانية‭ ‬بدا‭ ‬مذعورًا‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬اسمه‭ ‬عادل‭ ‬غربال‭ ‬وإنه‭ ‬مسجون‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬بالارتياح‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬كلاريسا‭ ‬وارد‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬العربية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكتشفوا‭ ‬الرجل‭ ‬حيًا‭ ‬بالزنزانة‭ ‬صاحت‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭: ‬‮«‬هل‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬هنا؟‮»‬‭ ‬أدهشني‭ ‬الأمر‭. ‬أليس‭ ‬الطبيعي‭ ‬لمن‭ ‬تتحدث‭ ‬العربية،‭ ‬حين‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬سجين‭ ‬بسوريا‭ ‬أن‭ ‬تناديه‭ ‬بلغته‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬بلغة‭ ‬مشاهد‭ ‬‮«‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬‭ ‬الإنجليزية؟‭! ‬وكان‭ ‬غريبًا‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬الرجل،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أحاطوا‭ ‬به‭. ‬لم‭ ‬يتشبث‭ ‬إلا‭ ‬بيدي‭ ‬‮«‬كلاريسا‭ ‬وارد‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الحارس‭ ‬السوري‭ ‬الذى‭ ‬فتح‭ ‬الزنزانة،‭ ‬قبَّل‭ ‬رأسه‭ ‬وطمأنه‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬يمينه‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭!.‬

ألسنا،‭ ‬لحظة‭ ‬الفزع،‭ ‬نتشبث‭ ‬بمن‭ ‬يعرفنا‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬يفهم‭ ‬لغتنا،‭ ‬أم‭ ‬نتشبث‭ ‬بمن‭ ‬تلاحقه‭ ‬الكاميرا؟‭! ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬أيام‭ ‬حتى‭ ‬قرأت‭ ‬تقريرًا‭ ‬استغرب‭ ‬صاحبه‭ ‬مثلى‭ ‬لأنه‭ ‬لاحظ‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬بدا‭ ‬نظيفًا‭ ‬للغاية‭ ‬ولحيته‭ ‬مشذبة‭ ‬وأظافره‭ ‬قصيرة‭ ‬بما‭ ‬يستحيل‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سجينًا‭ ‬لثلاثة‭ ‬أشهر‭! ‬

ثم‭ ‬تبين‭ ‬لاحقًا‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬ملفقة‭ ‬بالكامل‭. ‬فالرجل‭ ‬يدعى‭ ‬‮«‬سلامة‭ ‬محمد‭ ‬سلامة‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬يعمل‭ ‬بمخابرات‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭! ‬لكن‭ ‬‮«‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تعتذر‭ ‬ولا‭ ‬‮«‬‭ ‬كلاريسا‭ ‬وارد‮»‬‭ ‬قدمت‭ ‬اعتذارًا‭!.‬

 

{‭ ‬باحثة‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمريكية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا