أكثر من مئة صحفي في قناة «بي بي سي» كتبوا خطابًا علنيًا لمرؤوسيهم، احتجاجًا على التحيز في تغطية حرب الإبادة في غزة، وذكروا أنهم أقدموا على تلك الخطوة بعد أن استنفدوا كل القنوات التي عادة ما تسلكها الشكاوى داخل المؤسسة. وكان من بين ما قالوه إن القناة، حين تنقل مزاعم الحكومة الإسرائيلية، لا تذكر أبدًا أن الأخيرة تحظر دخول الصحفيين غزة، ومن ثم لا توجد وسيلة للتحقق من صحة تلك المزاعم.
وأضافوا أن القناة تنقل الأحداث وكأن تاريخ القصة بدأ يوم «طوفان الأقصى»، لا قبله بقرن كامل. وقد انفجرت الاحتجاجات داخل «بي بي سي» بسبب الطريقة التي تعاملت بها القناة مع تقرير منظمة العفو الدولية الذي قال صراحة إن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة في غزة. فقد اختارت القناة أن يكون عنوان خبرها «إسرائيل ترفض مزاعم الإبادة الجماعية الملفقة»!
و«نيويورك تايمز» لم تكن أفضل حالًا. فهي أوردت خبر منظمة العفو الدولية في الصفحة الثامنة وخصصت له فقرة أو اثنتين من تقرير طويل كان أغلبه عن رفض إسرائيل «مزاعم» المنظمة!.
لكن «نيويورك تايمز» متورطة بفضيحة أخرى! فهي نشرت وثيقة حصلت عليها من الحكومة الإسرائيلية قالت إنها مضابط اجتماعات لكتائب القسام تثبت أن إيران ضالعة في التخطيط لـ«طوفان الأقصى».
وقالت الصحيفة إنها تحققت من الوثيقة عبر فلسطيني سبق أن كان في صفوف القسام. لكن تبين أن الرجل كان قد قال للصحيفة صراحة إنه يستحيل أن يؤكد صحة وثيقة من ثلاثين صفحة لم يطلعوه إلا على صفحة واحدة فقط منها!
أما «سي إن إن» فقد حظي فيها تقرير العفو الدولية بتغطية طريفة. فهي نشرت خبرًا مطولًا على موقعها الإلكتروني بينما لم تذكره مطلقًا في نسختها المرئية! «وسى إن إن» المرئية متورطة هي الأخرى في فضيحة جديدة في سوريا.
فهي عرضت تقريرًا مزيفًا بالكامل! والقصة باختصار أن المراسلة المعروفة «كلاريسا وارد» عرضت تقريرًا ظهرت فيه وهي «تحرر مواطنًا سوريًا» من سجون الأسد! وللأمانة، لم أشعر بالارتياح حين شاهدت التقرير أول مرة. فالمراسلة كانت تتجول في السجن المهجور بعد تحرير كل سجنائه لعلها تجد الصحفي الأمريكي أوستن تايس، الذي اختفى بسوريا منذ 2012.
لكنها عثرت، بدلًا من ذلك، على سجين سوري ظل بمفرده بالسجن! والرجل الذي أخرجوه من كومة مغطاة ببطانية بدا مذعورًا ثم قال إن اسمه عادل غربال وإنه مسجون منذ ثلاثة أشهر.
لم أشعر بالارتياح لأن «كلاريسا وارد»، التي تتحدث العربية، قبل أن يكتشفوا الرجل حيًا بالزنزانة صاحت بالإنجليزية مرات عدة: «هل من أحد هنا؟» أدهشني الأمر. أليس الطبيعي لمن تتحدث العربية، حين تعثر على سجين بسوريا أن تناديه بلغته العربية لا بلغة مشاهد «سي إن إن» الإنجليزية؟! وكان غريبًا أيضًا أن الرجل، من بين كل من أحاطوا به. لم يتشبث إلا بيدي «كلاريسا وارد»، رغم أن الحارس السوري الذى فتح الزنزانة، قبَّل رأسه وطمأنه وكان على يمينه طوال الوقت!.
ألسنا، لحظة الفزع، نتشبث بمن يعرفنا أو على الأقل يفهم لغتنا، أم نتشبث بمن تلاحقه الكاميرا؟! وما هي إلا أيام حتى قرأت تقريرًا استغرب صاحبه مثلى لأنه لاحظ أن الرجل بدا نظيفًا للغاية ولحيته مشذبة وأظافره قصيرة بما يستحيل معه أن يكون سجينًا لثلاثة أشهر!
ثم تبين لاحقًا أن القصة ملفقة بالكامل. فالرجل يدعى «سلامة محمد سلامة» وكان يعمل بمخابرات نظام الأسد! لكن «سي إن إن» لم تعتذر ولا « كلاريسا وارد» قدمت اعتذارًا!.
{ باحثة متخصصة في الشؤون الأمريكية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك