من الواضح أن مشروع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية قد أشاع أجواء من التفاؤل في العالم باستثناء تجار السلاح والمستفيدين من هذه الحرب وأساس هذا التفاؤل أن الرئيس الأمريكي ترامب قد أكد في أكثر من مناسبة أنه قادر على إنهاء هذه الحرب خلال يوم واحد، وقد أكد ذلك خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تصاعدت العديد من التكهنات حول تأثير عودته إلى البيت الأبيض في السياسة الخارجية الأمريكية لاسيما فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية فتصريحاته تعني بالضرورة ترحيبا على الأرض باللجوء إلى المفاوضات التي تكون فيها الولايات المتحدة الأمريكية طرفا رئيسيا بدل الأوروبيين ووسيط لإيقاف وقف إطلاق النار وبدء التفاوض على المطالب الروسية والمطالب الأوكرانية وقد أشارت تلك التكهنات إلى ثلاث نقاط لما يسمى مشروع ترامب لحل هذه الأزمة:
الأول: وقف إطلاق النار بين الطرفين واعتبار خطوط التماس بين القوتين الروسية والأوكرانية حدودا مؤقتة للتفاوض بما يمنح الجيشين استراحة وربما يساعد السياسيين على إيجاد الحلول الوسطى.
الثاني: موافقة أوكرانيا على أن تبقى المناطق التي انضمت إلى روسيا تحت قوام روسيا الاتحادية مع إمكانية التفاوض بشأن وضعها النهائي في مرحلة لاحقة.
الثالث: إعطاء أوكرانيا ضمانات أمنية غريبة لحمايتها من أي هجوم أو اعتداء في المستقبل بدلا من انضمامها إلى حلف الناتو، وهذا الحل يحقق لأوكرانيا ما تنشده من حماية أمنية من ناحية ويحقق لروسيا الحياد المنشود لأوكرانيا.
هذا إضافة إلى عدة تفاصيل أخرى تتعلق بقضايا تفصيلية عديدة مثل رسم الحدود وموضوع الأسرى والاعمار حل المشكلات الإنسانية العالقة وتنمية أوكرانيا ومساندتها على إعادة البناء ورفع عدد من العقوبات عن روسيا كمبادرات لحسن النوايا، وبذلك يصبح بالإمكان التقدم لوضع حد لهذه الحرب والتوقيع على حل نهائي لهذه الحرب.
على الرغم من هذا التفاؤل واعتقاد المراقبين بأن نهج ترامب تجاه هذا الموضوع هو جدي، واستنادا إلى الخبرة السابقة مع الرئيس المنتخب ترامب فإن نهجه في السياسة الخارجية قد يصعب توقعه في بعض الأحيان فلا ندري هل هذا المشروع لحل الأزمة الروسية الأوكرانية وفقا لتلك العناوين المشار إليها أعلاه أم أن الضغوط الأوروبية والدولية والإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ترفض إنهاء هذه الحرب واستمرار تدفق السلاح باعتبارها المورد الرئيسي للصناعة الأمريكية سوف تؤدي إلى منع ترامب من وقف هذه الحرب أو البحث عن حل آخر؟!
في الحقيقة إنه خلال فترة ولايته الأولى اتخذ ترامب موقفا مختلطا تجاه روسيا الاتحادية فمن ناحية فرض عليها عقوبات اقتصادية كبيرة ومن ناحية أخرى حافظ على علاقات جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولذلك قد لا يكون من الحسم أن يقف ترامب موقفا جادا وصارما تجاه إنهاء هذه الحرب خاصة ان مشروعه يتحدث عن إنشاء منطقة منزوعة السلاح داخل الأراضي التي ضمتها روسيا إليها كما يبقى الموقف الروسي والموقف الأوكراني عائقا أمام إيقاف هذه الحرب من جانبين:
1 – الجانب الروسي يرى نفسه منتصرا على الأرض وحقق انتصارات كبيرة ومشهودة، وأنه حرر هذه الأراضي بالدم وبالتضحيات الكبرى وانه أنفق مليارات الدورات لضم هذه الأقاليم بعد موافقة مواطنيها على الانضمام إلى روسيا الاتحادية وبالتالي فإن روسيا لا يمكنها مطلقا أن تخرج من هذه الأراضي التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من قوام الاتحاد الروسي وقد قامت بإعادة إعمارها وإعادة الحياة إليها بعد ان أصبح مواطنوها مواطنين روس، ولذلك لن تقبل روسيا مطلقا بإيقاف هذه الحرب إلا بشروطها على الأقل.
– الاعتراف بالواقع الجديد على الأرض والقبول به كحدود جديدة بين روسيا وأوكرانيا.
– منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو والحد من التسلح على أن تكون أوكرانيا دولة محايدة وغير نووية.
2 – الجانب الأوكراني يرى أن إيقاف الحرب أو القبول بالشروط الروسية سوف يعد هزيمة ليس لأوكرانيا فحسب، وإنما لحلف الناتو كافة يفتح شهية روسيا للتقدم نحو المزيد من الأراضي، ولذلك أكد مشروع ترامب أن أقصى ما يمكن القبول به هو:
_ الموافقة على الهدنة التي تتوقف فيها المعارك على خطوط التماس الحالية دون أن يعني ذلك انها حدود نهائية ومن دون أن يكون ذلك استسلاما عسكريا أو قبولا بالواقع الجديد.
_ قبول أوكرانيا كعضو في الناتو بعد وقف إطلاق النار وبسط حماية الناتو على بقية الأراضي الأوكرانية ثم بعد ذلك بدأ مفاوضات دبلوماسية لاسترجاع الأراضي الأوكرانية في الأقاليم المنضمة إلى روسيا الاتحادية.
إن هذه المفارقة في الموقفين غير الواضحة تجعل هذه الحرب مفتوحة على جميع الاحتمالات ومن دون أفق واضح لإنهائها عبر المفاوضات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك