لا تزال الأنظار تتجه نحو عاصمة الأمويين بعد سقوط بشار الأسد وهروبه إلى موسكو، ومازال المراقبون يرصدون ردود فعل الشعب السوري بكل أطيافه وقواه السياسية، رجالاته ونسائه وشبابه وهو يتنفس طعم الحرية فرحاً بزوال النظام الذي جثم على صدره فترة تزيد على نصف القرن. مستبشراً خيراً بولادة سوريا جديدة ولا يساوره شك بأنها ستكون مختلفة عن تلك المرحلة الكئيبة التي عاشها طوال تلك السنوات الماضية.
إن المراقب للمشهد السوري يستطيع بسهولة أن يرصد الفرحة والبشاشة في وجوه السوريين في كل المدن السورية؛ فهي مرسومة على وجوههم وتنضح بأن القادم من الأيام سيكون أفضل مهما كانت التحديات والصعاب وهي بالتأكيد لن تكون مثل الأيام التي أذاقهم فيها النظام الأسدي المر والذل والهوان والحرمان، وباتوا على أمل بأن تاريخاً جديداً لسوريا قد بدأ، وأن السوريين سيكتبونه بأقلام من نور تتجسم فيه الحرية والكرامة والأمل بولادة سورية جديدة خالية من السجون والمعتقلات يسودها الأمن والأمان والسلام والحرية لكل السوريين دون إقصاء أحد.
بعد الإطاحة بنظام الأسد الوحشي كثر الحديث عن مستقبل سوريا ونظر البعض من المحللين في مقارباتهم للمشهد السوري بعيون أقرب ما تكون إلى التشاؤم والتشكيك في قدرة السوريين على المحافظة على وحدة تراب الجغرافيا السورية، كما أبدوا مخاوفهم من أن تتحول سوريا إلى ليبيا جديدة من خلال الاقتتال بين رفاق السلاح، أو أن تشهد صراعاً بين الأخوة على السلطة، وقد يفضي هذا الصراع في النهاية إلى تقاسم التركة بين الفرقاء الذين سينتهي بهم الحال إلى تقسيم سوريا. وذهب هذا الفريق في مخاوفه إلى أبعد الحدود وهو أن يتحول نظام الحكم فيها إلى نظام ثيوقراطي متطرف.
في رأيي، ان المتأمل في المشهد السوري الآن وبعد مرور أكثر من أسبوعين على سقوط الأسد والطريقة السلسة التي تم بها نقل السلطات من الحكومة السابقة إلى السلطة الجديدة سيدرك أن كل ما أثير من قلق وشك وخوف على مستقبل سوريا ليس في محله، وسيكتشف أن القيادة الجديدة قد خططت مسبقاً لهذا اليوم وأنها قد وضعت خطة مسبقة محكمة ليوم النصر، وأنها بمجرد أن تدخل دمشق ستشرع في تنفيذ تلك الخطة. وهذا ما لمسه المراقبون إذ لم يلاحظوا أي انفلات أمني أو أي نوع من الفوضى وهذا دليل على أن ما قامت به ينم عن وعي سياسي لمسألة مهمة وهي ملء الفراغ السياسي الناجم عن سقوط النظام والبدء في تسيير الأمور في كافة القطاعات، وأرى أن هذه الإجراءات هي التي طمأنت السوريين وأزالت القلق من نفوسهم وأشعرتهم بالأمان وأزاحت عنهم الخوف من دخول بلادهم المحررة من بطش الأسد في نفق الفوضى وهذا ما أسهم بالتأكيد في استتباب الأمن بشكل كبير في المدن السورية كافة.
وإذا كان البعض لا يزال يحمل في صدره هواجس الخوف من أن تنزلق سوريا نحو التطرف؛ فإننا نقول لكم لتطمئن قلوبكم حيث إن كل المؤشرات تدل على أن الحكومة الانتقالية تسير في اتجاه الاعتدال ويظهر ذلك بوضوح في خطابها السياسي والإعلامي وهذا ما نلمسه في التصريحات المتزنة التي أدلى بها أحمد الشرع قائد إدارة العمليات العسكرية لوسائل الإعلام حول العديد من المسائل والقضايا التي تتعلق بحاضر سوريا ومستقبلها مثل: دعوته إلى التحول عن منطق الثورة إلى منطق الدولة وضبط السلاح ونزعه من الفصائل ودعوته للمسلحين بإلقاء اسلحتهم وتسليمها للقيادة العسكرية وانخراطهم في الجيش السوري تحت قيادته الجديدة ورفع شعار اقتصار السلاح بأن يكون بيد الدولة.
إن فقه الأولويات يحتم عليه ويلزمه البدء باسترجاع عافية الدولة السورية وإعمارها. كما أن الانطباعات الايجابية التي عبرت عنها الوفود (الأمريكية والبريطانية والفرنسية) بعد زيارتها لدمشق ومقابلتها للشرع ورفاقه في الحكومة الانتقالية تؤكد أن القيادة الجديدة تسير في الطريق السليم وأن التطرف ليس له مكان في سوريا الجديدة؛ فالإجراءات التي اتخذها الشرع تعبر عن السياسة المتوازنة التي ينتهجها في هذه المرحلة وهي بمثابة رسائل اطمئنان إلى كل دول الاقليم والعالم وهي في غاية الأهمية؛ لأنها تنبع من حرص القيادة الجديدة على الاهتمام ببناء سوريا الموحدة أرضاً وشعباً بعيدة عن الصراعات الإقليمية والدولية. فكما هو واضح وجلي أن تفكير هذه القيادة يصب في مجرى ترتيب البيت الداخلي ولذلك كانت حريصة منذ البداية على الحفاظ على مؤسسات الدولة وتسخيرها لفائدة الشعب السوري.
إن بناء الدولة على أسس جديدة ليس بالأمر الهين أو السهل لأن عملية البناء جداً صعبة لكن القيادة الجديدة عازمة كل العزم على مواجهة التحديات كافة مستعينة في ذلك بالله وقوته ومن ثم بإرادة الشعب السوري الواعي الذي أثبت للجميع أنه قادر على هزيمة الاستبداد والدكتاتورية وبمساعدة الأصدقاء الذين يتمنون الخير لسوريا ووحدة ترابها وشعبها. هذا الشعب الذي يتفق الجميع على أنه يمتلك من الكفايات والمهارات والحيوية والنشاط التي تؤهله لبناء سوريا الديمقراطية التي تمد يدها للتعاون مع الجميع على أساس المصالح المشتركة من دون التدخل في شؤونها الداخلية.
إن القيادة الجديدة التي استطاعت بصمودها ومساندة شعبها إلحاق الهزيمة بأعتى دكتاتورية حكمت البلاد بالحديد والنار لأكثر من نصف قرن ستكون بإذن الله قادرة على بناء الدولة وفقاً لما يتطلع إليه الشعب السوري، دولة تقوم على الحرية والكرامة الانسانية ومتى تحققت هاتان الغايتان في أي بلد فليبشر أهله بالخير والنعيم وهذا ما نتمناه من كل قلوبنا لسوريا الجديدة.
jbonofal@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك